|
إلى السيد قاضي محكمة الأنفال... مع التحية.
عبد الجليل الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 2929 - 2010 / 2 / 27 - 13:39
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
كان(نبو خذ نصر) ملك بابل العظيم أول من أجرى محاكمة دولية تم فيها محاكمة ملك يهودا المهزوم (سيد بيزياس) قبل الميلاد بأكثر من خمسة قرون ، ومع إن هذه الحادثة تشير إلى إن الجذور الأولى للقضاء الدولي الجنائي قد تأسست في بلاد وادي الرافدين ، بيد إن أوربا نفسها لم تعرف أي فكرة عن العقوبات الدولية الجنائية حتى القرن الثالث عشر حين جرت محاكمة (conradin von hohenstaufer)) إذ تم الحكم عليه بالإعدام لثبوت مسئوليته عن قيام حرب غير عادله . وكذلك في العام 1774 تمت محاكمة إرشيدوق النمسا ( peter de hegenbach) من قبل محكمة شكلت من قضاة ينتمون لعدة دول في أوربا حكمت بإعدامه عن ما إرتكبه من جرائم في حق الممالك الأخرى المجاورة . إلا أن نبوخذ نصر بجانب الاسكندر المقدومي وجنكيزخان وهولاكو وصولا إلى نابليون وهتلر وانتهاءً بقائمة من الأسماء يصعب عدها أو إحصائها ......جميع هؤلا أمثلة على فاتحين أبيدت على أيدهم المدائن والأمم والشعوب وسجلوا أنفسهم في صفحات من تاريخ الإنسانية كجبابرة الحرب وطغاة أو قتلة 000 بجانب ذلك هناك من سجل نفسه في صفحات أخرى من تأريخ الإنسانية كدعاة للسلام وللحرية أمثال النبي محمد (ص) والمسيح (ع) و كونفوشيوس وبوذا ومارتن لوثر.. وصولا إلى غاندي ونلسون مانديلا والدلاي لاما . ومع إن الخطر الذي يهدد بفناء البشرية في يومنا هذا ليست السيوف أو الرماح أو النبال المصنوعة من الخشب أو الحجارة والتي جعلت من نبوخذ نصر أو الإسكندر أوجنكيزخان أو هولاكو أعظم الفاتحين في التاريخ بل إن الخطر هو أكثر من ذلك بكثير وقد يتمثل بالترسانة الهائلة لشتى أنواع آلات التدمير (قنابل نووية وهيدروجينية ، أسلحة كيماوية ، أسلحة بايلوجية وجرثومية) والتي يمكن لها أن تتسبب بفناء الأرض وشعوبها وجميع ماحقته البشرية من نتاج حضاري في لحضات . وأقرب نتاج لذلك هي المآسي والكوارث العديدة التي شهدتها البشرية في النصف الأول من القرن العشرين عند نشوب الحربين العالميتين واللتين كان من نتائجهما سقوط عشرات الملايين من الضحايا من العسكريين والمدنيين على حد سواء وتدمير أهم المكتسبات الحضارية الانسانيه وكذلك حروب الاباده والتطهير العرقي في النصف الثاني من القرن العشرين في أفريقيا وأوربا في حيث تم تسخير التكنولوجيا المتطورة كأداة للقتل والتدمير. وقد يكون الخطر الأكبر هو إن تلك الآلات الرهيبة أصبحت اليوم بيد ممن لن تؤثر فيهم تعاليم بوذا الأخلاقية أو تجارب غاندي أو الدلاي لاما السلمية أو خطب نيلسون مانديلا التحررية . إن التطور الحضاري الكبير الذي بلغته الانسانيه لم يكن في مجال العلم والتكنولوجيا فحسب بل شمل ذلك التطور جانبا أخر لايقل أهمية وهو تحقيق العدالة عن طريق إقامة المؤسسات القضائية الدولية بهدف القضاء نهائيا على كافة أشكال وألوان الظلم ، ووضع الحلول الجذرية للحد من كل ما يهدد بقاء البشرية واستمرارها وخاصة الجرائم الدولية ، والحق إن محاكم ما بعد الحرب العالمية الثانية تعتبر هي النواة الرئيسية للقضاء الدولي الحنائي والمرحلة الأكثر أهميه في هذا المجال . إن أهم المراحل في التاريخ الإنساني تمثل في إنشاء المحاكم الدولية سواء كانت مؤقتة ( نورمبرغ – طوكيو- يوغسلافيا - رواندا) أم كانت وطنية مدولة بموجب معاهدة دولية عقدت بين الأمم المتحدة وحكومة الدولة التي ارتكبت فيها الجرائم الدولية مثل ( سيراليون – كمبوديا - تيمور الشرقية – لبنان) أو كانت وطنية تطبق القانون الوطني والقوانين الدولية وتعمل بموجب المعايير الدولية للمحاكمة العادلة كالمحكمة الجنائية العراقية العليا التي أسست بالقانون رقم (1) لسنة 2003 الملغي بالقانون رقم (10) لسنة 2005 وصولا للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة والتي أسست بموجب ميثاق روما لعام 1998. لقد أسهم في إقرار نظام العدالة الدولي رجالاً سخروا علمهم وفكرهم وسلطوا أقلامهم لأجل هدف نبيل هو تأسيس نظام قضائي دولي بهدف معاقبة مرتكبي الجرائم الدولية سواء كانوا من فقهاء القانون الدولي أو القضاة أو المحامين أو رجال الادعاء العام إنهم بحق الخالدون من خلال جهودهم العظيمة في تأسيس نظام سيبقى الهاجس الدائم الذي يفزع الجناة قبل أن يفكروا كي يصبحوا جناة مهما كانت صفاتهم أو مناصبهم التي يشغلونها ومهما علت العروش التي يعتلونها . وهم أنبياء هذا العصر قد أسهموا بفكرهم في إقرار مبادئ قضائية مهمة تعتبر دعائم نظام العدالة الجنائية الدولية ، كالمسؤولية الجنائية الفردية ومبدأ عدم جواز منح العفو أو منح الملجأ ومبدأ سيادة القانون الدولي الجنائي على القانون الجنائي الداخلي مبدأ عدم قبول الدفع بإطاعة الأوامر ومبدأ عدم تقادم الجرائم والعقوبات ومبدأ عدم الاعتداد بالحصانة للإفلات من العقاب وغيرها من المبادئ التي أصبحت اللبنة الأساسية في سبيل نظام قضائي دولي يأمل منه أن يحقق العدالة ويضع حد لتفشي الجرائم الدولية وإنتهاكات حقوق الإنسان . يضاف إلى هؤلاء القضاة العراقيون من أصحاب الكفاءة والنزاهة والخبرة العالية الذين أسسو المحكمة الجنائية العراقية العليا كأهم المؤسسات القضائية الجنائية الوطنية التي تهدف إلى إضهار الجرائم والمجازر الوحشية التي إرتكبت في العراق منذ 17/7/1968 لغاية 1/5/2003 ضد الشعب العراقي وشعوب المنطقة , كالإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وانتهاكات القوانين العراقية إن القضاة الذين أداروا المحاكمات وأصدروا الأحكام في تلك القضايا وعملوا بجد وكد وتحملوا المشاق وتعرضوا للمخاطر سوف يصبحون أبطالاً في العراق ينالون الاحترام والرعاية ويتقلدون أرقى المناصب . يستحق القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن منصب وزير العدل في حكومة إقليم كردستان ويستحق القاضي رزكار محمد أمين منصب رئيس لجنة حقوق الإنسان في برلمان الإقليم ويستحق القاضي منقذ الفرعون أن لا تثار حوله الأقاويل والشائعات ويستحق القاضي محمد العريبي العدالة والأنصاف وهو رجل العدالة الذي استطاع إدارة جلسات قضية الأنفال ببراعة تامة حتى صدور القرار في تلك القضية المهمة وبذل جهداً كبيراً وتعرض للتهديد والوعيد حتى انه قدم شهيدين من عائلته ذهبوا على يد الإرهاب أثناء انعقاد جلسات المحكمة . دخل القاضي محمد العريبي سلك القضاء بعد تخرجه من المعهد القضائي في عام 2000 وعمل قاضيا في محكمة الأحوال الشخصية ولم يكن يوما قاضي تحقيق في قضايا أمن النظام السابق وجميع معاصريه من القضاة والمحامين يشهدون له بذلك ويشهدون له كذلك بالنزاهة ... في بلد أصبحت فيه النزاهة عملة نادرة ، أنه جزأ ًلا يتجزأ من محكمة عقد عليها الأمل في أن تضع خاتمة لفصل من تأريخ العراق وتطوي صفحات مؤلمة يتفق الجميع مهما كانت - إختلافاتهم – على طيها وإلى الأبد ، وهو من أهم ركائز هذه المحكمة التي تبقى أنظار المظلومين شاخصة إليها طامحة أن تكون أحكامها التي أصدرتها ( الدجيل ، الأنفال ، التطهير العرقي ، أو حلبجه ) تمثل سيف العدل الذي أنتصر للمظلومين والأبرياء وجزأً ً من التأريخ الإنساني الخالد تضاف هذه القضايا إلى جانب قضايا خالدة مثل ( الرهائن ، القيادة العليا ، الوزارات ، أي جي فاربن ... وغيرها ) وإنها سوف تسجل في صفحات التأريخ البيضاء إلى جانب المحاكم الدولية بدأًً ً من لايبزج أو نورمبرغ وصولاً إلى يومنا هذا وأن المبادئ التي خرجت بها تلك المحاكمات تبقى تتناقلها ألسن الأساتذة وكتاب القانون الدولي إلى ما بعد سنين طويلة . يستحق هذا الرجل أن يحمل على الأكتاف لا أن تصدر بحقه مذكرة قبض من محكمته التي لمع فيها نجمه وذاع فيها صوته وبنفس القلم الذي خط مداده الأحكام العادلة بحق من أدينوا بإرتكاب أفظع الجرائم بحق الشعب العراقي .
#عبد_الجليل_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلية الحقوق في بغداد تاريخها ودورها في بناء الدولة العراقية
...
-
المسؤولية الجنائية لرئيس الدولة عن الجريمة الدولية ومشكلة ال
...
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: شبح المجاعة يهدد 40 مليون شخصًا في غرب أ
...
-
تظاهرات في تل أبيب مطالبة بصفقة للإفراج عن الأسرى
-
الشروق داخل معسكرات النازحين فى السودان.. حكايات الفرار من ا
...
-
استشهد زوجتي وإصابتي أفقدتني عيني
-
مصدر فلسطيني: عودة النازحين قضية رئيسية في المفاوضات وتوجد ع
...
-
دعوات إسرائيلية لمظاهرات تطالب بصفقة تعيد الأسرى
-
مندوب فلسطين بالجامعة العربية يدعو لتفعيل الفصل السابع من مي
...
-
عبد الرحمن: استقبال عناصر النظام البائد وتسوية أوضاعهم ممن ل
...
-
دعوات إسرائيلية لمظاهرات تطالب بصفقة تعيد الأسرى
-
في رسالة لذوي الأسرى.. القسام تنشر صورة نجل نتنياهو على شواط
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|