شيركو سروجي
الحوار المتمدن-العدد: 891 - 2004 / 7 / 11 - 08:40
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مايك تيرنر : كولونيل متقاعد في القوات الجوية الأمريكية، كان مساعداً شخصياً للجنرال شوارتسكوف، وخدم كضابط مسؤول عن إعداد التقارير عن العمليات الجوية بغرفة العمليات في الرياض أثناء حرب عاصفة الصحراء. وبين عامي 1993 – 1997م عمل مخططاً سياسياً وعسكرياً في هيئة الأركان المشتركة بالبنتاغون حيث عمل لمدة سنتين ضمن فريق الجنرال ويسلي كلارك. ويعمل تيرنر حالياً مستشاراً في شركة ساينر غروب بمدينة كولورادو سبرنغ الأميريكية.
في مقال له تحت عنوان: «إعادة رسم الخريطة: من أجل سلام يدوم في الشرق الأوسط، يجب تقسيم العراق إلى ثلاث دول»، المنشور في مجلة نيوزويك العربية، والذي نشرته كذلك مجلة الصوت الأخر الأربيلية الصادرة عن دار موكرياني للطباعة والنشر (في عددها الرابع الصادر بتاريخ 28 حزيران 2004م) يبدي السيد مايك تيرنر جرأة في الطرح وصراحة في الرأي يندر توافرهما في منطقة الشرق الأوسط التي يخصها تيرنر بمقاله، وهو يبدي رأياً منطقياً معقولاً سيشكل – لو تم الأخذ به كما يعتقد – مدخلاً صحيحاً إلى سلام دائم في الشرق الأوسط.
وإذا كانت العاطفة – ربما – تدفعني نحو الاهتمام والتضامن مع رأي تيرنر هذا، لكوني كردياً وعاشقاً إلى أبعد الحدود لدولة كردية مستقلة، إلا أنه لا يمكن لأحد الادعاء بأن تيرنر نفسه قد دفعته العاطفة إلى اتخاذ هذا الموقف وإبداء هذا الرأي، كونه ينظر إلى المنطقة من خارجها وهو ليس من أبنائها، كما لا يمكن القول بأنه يأتي بهذا الرأي نتيجة ضعف في البصر أو البصيرة أو قلة في الخبرة والدهاء.. فموقع تيرنر ودوره وماضيه ومجال اهتمامه وتخصصه وتقدمه في السن.. كل ذلك يدحض مثل تلك الادعاءات إن وجدت.
سينزعج الكثيرون، وربما سيستنفرون كامل قواهم، إذا وجدوا أنفسهم متجهين نحو عراق مقسم، ولا يأتي انزعاجهم هذا كرمى لعين العراقيين، بل حرصاً على الاحتفاظ بمصالح المنزعجين القائمة على اضطهاد الآخرين واستغلالهم وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية، وهم يمارسون انتهاكاتهم للإنسان وحقوقه فرداً كان أم جماعة، وذلك تحتا شعارات براقة وخادعة، وهم – في كافة الأحوال – يعارضون حتى عراقاً متحداً، إذا كان ديموقراطياً فيدرالياً، ويضعون مختلف العراقيل في طريق الوصول إلى ذاك العراق.. فكيف سيقبلون بعراق أكثر سلاماً وأمناً وعدالة، وهو العراق المقسم إلى ثلاث دول على حد اقتراح الكولونيل تيرنر؟.
يقترح تيرنر إذاً، تقسيم العراق إلى ثلاث دول، وتشكيل المستقبل الخاص لسكان كل دولة على نحو يتفق مع التطور الطبيعي لثقافات شعوبها. ويورد هذه الدول الثلاث كما يلي (مع التنبيه إلى أن الكلام الوارد بين مزدوجتين مقتبس من مقال تيرنر المشار إليه):
1- دولة كردستان المستقلة في الشمال وبضمها كركوك. وهو مطلب كردي دائم. والأكراد «قريبون من النتيجة المثالية التي تسعى إليها إدارة الرئيس بوش وهي إقامة ديموقراطية رأسمالية... والأكراد يحبون الأمريكيين ويحققون نجاحاً في الشمال... ويمكن للجنود الأمريكيين حينئذٍ أن ينسحبوا من أي مكان في العراق وينتشروا بالكامل في الشمال من أجل حماية الدولة الكردية الجديدة وسيرحب بهم السكان الأكراد كل الترحيب...».
2- دولة للسنة في الوسط. حيث سيحكمون بغداد « وهو ما يريدونه على أي حال... ستكون دولة منفصلة يمكن بسهولة أن تسندها قوات أمن دولية صغيرة تابعة للأمم المتحدة، لا تشترك فيها القوات الأميريكية...».
3- دولة للشيعة في الجنوب. ورغم أنه يتوقع تحالف هذه الدولة مع إيران فإنه يقلل من الخسارة الأميريكية الناجمة عن ذلك باعتبار أن الشمال سيشهد ازدهار «دولة كردية على الحدود الإيرانية أيضاً».
ومعلوم أن الحدود الحالية لمنطقة الشرق الأوسط تعود في رسمها إلى التوازنات الدولية الناجمة عن الحرب العالمية الأولى والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي كرست هذه الحدود، وعلى رأسها اتفاقية سايكس – بيكو، وقد تغيرت التوازنات الدولية في وقتنا الحالي مما يجعل التفكير بتغيير الحدود الفاصلة بين دول المنطقة أمراً منطقياً ومقبولاً. ومن ناحية أخرى فإن الإنسان كقيمة، وحريته وحقوقه المنصوص عليها في المواثيق الدولية، يمتلك الأولوية على كافة «المقدسات» الأخرى سواء أكانت حدوداً أم «سيادة» أم أي شيء آخر، فيفترض بهذا الإنسان أن يكون غاية لكل المفاهيم والأطر والممارسات وأن يكون أول الأولويات وهدفها في كل البرامج والمشاريع والآليات المطروحة والمقترحة، وهذا ما يفرض علينا عدم إقصاء أي حل أو اقتراح أو رأي عندما يتناول الإنسان، بل علينا تقييمه ودراسته وقلبه على مختلف وجوهه ومن ثم تقرير الأخذ به أو طرحه جانباً، وهذا ما يفترض بخصوص رأي مايك تيرنر المطروح.
عراق آمن ومستقر مقسم إلى دول ديموقراطية تحترم الإنسان وحقوقه وحرياته، سيكون أفضل بالتأكيد من عراق موحد أو متحد يفتقد الأمن والأمان وينتهك المواطن الإنسان. تلك هي غاية تيرنر من إثارة طرحه هذا.
اليوم، يسعى العراقيون إلى الاحتفاظ بوطنهم موحداً على أن يكون ديموقراطياً تعددياً فيدرالياً.. ولكن، ماذا لو لم يتمكنوا من بلوغ هذه الغاية؟ هل سيأسرون أنفسهم – حينئذٍ – داخل إطار العراق الموحد الذي يفتقدون فيه الأمن والحياة الكريمة، أم يكسرون القفص ويفكرون على طريقة مايك تيرنر؟؟..
#شيركو_سروجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟