أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كمال غبريال - كتاب كمال غبريال: العولمة وصدمة الحداثة















المزيد.....


كتاب كمال غبريال: العولمة وصدمة الحداثة


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 2928 - 2010 / 2 / 26 - 14:22
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يضم هذا الكتاب الذي صدر حديثاً في القاهرة، والمعروض حالياً بمعرض الكتاب بالإسكندرية، مجموعة من الدراسات والمقالات والمحاضرات، السابق نشرها بالعديد من الجرائد العربية إلكترونية وورقية، وهذه المجموعة المنتقاة من أكثر من 500 مقالاً للمؤلف في الفترة التي أعقبت حادث 11 سبتمبر 2001، والذي غدا تاريخاً محورياً طوال السنوات الماضية، ومن المتوقع أن يظل كذلك لسنوات. . يجمع بين هذه السطور توجهها نحو مقاربة حالة المواجهة الراهنة بين الشرق والغرب (إن جاز ذلك التصنيف) مقاربة فكرية، تنطلق من الظواهر والأحداث الراهنة، لتغوص في الأعماق، محاولة الوصول إلى جذور حالة الصدام الراهنة بين طرفين، يكاد المراقب أن يتصورهما ينتميان إلى كوكبين أو جنسين مختلفين من الكائنات.
هي محاولة للتحليل والتشخيص بالأساس، ولا يختلف أحد بأن التشخيص السليم والموضوعي هو الخطوة الأولى الضرورية، لأي محاولة جادة للبحث عن حل لأي إشكالية، وقد يوقعنا مثل هذا التشخيص في الحيرة، حين لا يقدم حلولاً سهلة متاحة، وقد يدفع البعض لليأس، حين يدرك عمق الهوة بين أطراف الصراع، وبأن ما تراكم بيننا وبين العالم خلال قرون طويلة، قد يتطلب إزالته قروناً أخرى. . وقد نجد في معرض بحثنا أن هناك ما يمكن بيسر أن ننجزه، لتجسير فجوة نكتشف أنها زائفة ومصطنعة، وأن الإنسان هنا لا يمكن أن يختلف جذرياً عن الإنسان هناك، وأنه باليسير من الرغبة الصادقة، والقدرة على التأقلم مع متغيرات الحياة، يمكن أن نغادر مواقع لم نتصور يوماً أننا يمكن أن نغادرها، وأن نفتح أحضاننا لأفكار وشعوب، لم نتصور يوماً إلا أن نكن لها كل البغض والعداء.
ربما ككل من يخط سطوراً، نزعم لما ورد في سطورنا هذا الكتاب الالتزام بتحليلات موضوعية، قد يصادق عليها البعض، فيما قد يذهب البعض الآخر لوصفها بأوصاف أخرى نتوقعها، كما قد يترك البعض السطور ذاتها، ويمسك بتلابيب كاتبها، يشبعه اتهاماً وتخويناً، وكل هذا قد تعودنا عليه في بلادنا، حتى صار كما لو كان طقساً من طقوس القراءة، لكنني أزعم أن كل تلك القراءات المتوقعة أمر جيد، فلقد بدأنا في البحث والتنقيب في أحوالنا، ومن الطبيعي أن تثور زوابع وعواصف، لابد أن تهدأ يوماً، لنكتشف أننا قد وجدنا طرقاً جديدة، وأن لا أحداً فينا كان يمتلك الحقيقة المطلقة منذ البداية.
نقصد بصدمة الحداثة تلك الحالة التي عليها شعوب منطقة الشرق الكبير الآن، من عجز عن الالتحاق بالركب العالمي، سواء من الوجهة الاقتصادية أو الثقافية أو الاجتماعية وأخيراً السياسية، باعتبار الحالة السياسية هي محصلة نتاج واقع الحال في سائر جوانب الحياة الإنسانية، ويتبدى هذا العجز في صورة رفض يكاد يكون قاطعاً لكل ما ومن حولنا، ليصل الأمر أيضاً إلى سعي بعض التنظيمات التي نمت في رحمنا إلى تحطيم الحضارة الراهنة، واستهداف المتحضرين بالقتل.
تحدث الصدمة حين تفاجأ بما لم تكن تتوقعه، فهل كان الشرق بالفعل داخل قوقعة محكمة، عزلته عن العالم من حوله، ثم اكتشف فجأة أن العالم أخذ شكلاً وموضوعاً غريباً عليه تماماً، فكان أن حدث له ما يطلق عليه الكثيرون صدمة الحداثة؟
ليس الأمر هكذا بالتأكيد، فلا شيء في حياة الشعوب يمكن أن يتم فجأة، مهما بلغت قوة الأحداث المفصلية أو حتى الانفجارية، فالشرق كان بالفعل في عزلة، لكنها لم تكن يوماً تلك العزلة المحكمة، التي يمكن تشبيهها بصدفة تعزلنا تماماً عن كل ما هو خارج عن بلادنا وأفكارنا وتقاليدنا العتيقة، فالشرق كان عبر التاريخ معبراً بين أوروبا وآسيا، وقد أدى وظيفة الجسر على الأقل بداية من الإمبراطورية الرومانية، ثم ما تلاها من عهود وإمبراطوريات، وكما مرت بهذا الجسر الجيوش الغازية، مرت أيضاً قوافل التجارة، وفي ركابها طلاب العلم، لكن السؤال هو عن حجم ذلك التلامس مع العالم أو درجته، بمعنى درجة تغلغله أو تأثيره في المجتمعات الشرقية، فقد تدرجت درجة التأثر، لتتخذ أقصى مدى لها لدى طبقة التجار وكتبتهم، الذين صاروا في مرحلة لاحقة يعرفون بالمثقفين، لتخفت شدتها تدريجياً، حتى تصل إلى أدنى درجاتها لدى عموم الجماهير في المدن والقرى، الذين بقيت حياتهم وثقافتهم وتقاليدهم تكاد لا تتحرك إلا بدرجة يمكن إغفالها.
مثلت حملة نابليون على مصر في أواخر القرن الثامن عشر أولى صدمات الحداثة للشعب المصري، الذي لم يجد إزاء مدافع نابليون وجنوده إلا أن يصرخ: "يا لطيف الألطاف نجنا مما نخاف". . هي هرولة فزعة إلى الدين إذن، يستند إليه من اكتشفوا فجأة أن لا حول لهم ولا قوة حيال ما يواجهون من تحديات، كانت قذائف المدافع صورتها الساخنة، التي لم تكن وحدها الجديدة والغريبة فيما استقدمه هؤلاء الوافدون بدون دعوة أو توقع، لتترك الحملة تأثيراتها الخطيرة على الشعب المصري، الذي كان مسترخياً في استنامة عصوره الوسطى، ليبدأ بعدها رحلته المشوبة بالقلق والعقبات في طريق الحداثة، لكن قصر فترة الحملة الفرنسية زمانياً، ومحدودية انتشار تأثيرها الجغرافي، والذي كاد أن يقتصر على العاصمة وما حولها، قد حَدَّ إلى درجة كبيرة من فاعلية وعمق تلك التأثيرات.
من الطبيعي إذن أن يكون طريق محمد على وأسرته نحو تحديث مصر بعد ذلك حافلاً بالعقبات من كل جانب، وفي مقدمة تلك العقبات الفقر والأمية، ورسوخ العادات والتقاليد وارتباطها المتعسف -في أحيان كثيرة- بالمعتقدات والمفاهيم الدينية، التي لابد وأن تكون الملجأ في حالة ثقافة غيبية منغلقة على نفسها، ومعادية لكل فكر أو تغيير سلوكي وافد، فتروج أمثلة شعبية، تكون بمثابة الدستور في ثقافة شفاهية، مثل: "يا قاعدين يكفيكم شر الجايين" و"مايجيش من الغرب يسر القلب" و"من فات قديمه تاه"، وهكذا ظل جدول التحضر ينساب في مصر شحيحاً، لكن بإصرار وثبات، إلى بداية الربع الأخير من الألفية الثانية، حين بدأت تباشير ما سميناه بعد ذلك عصر العولمة، التي داهمتنا في نهاية القرن المنصرم، بصورة نستطيع من ردود أفعالنا التالية أن نقول أنها كانت صدمة مروعة، ولم تكن الصدمة هذه المرة مثل سابقتها محدودة زمانياً ومكانياً، وإنما جاءت ساحقة ماحقة كإعصار.
ما أحدث الطفرة التي شكلت المفاجأة، هو التقدم الهائل في وسائل الاتصالات والمواصلات، فالاتصالات بأقمارها الصناعية وقنواتها التليفزيونية الفضائية أتت بالعالم الغربي إلى كل قرية ونجع في بلادنا، والمواصلات أوصلت أبناءنا إلى الشمال والغرب في سهولة غير مسبوقة. . هي العولمة إذن وراء اللقاء الذي يمكن -بقليل من التجاوز- اعتباره فجائياً مع العالم المتحضر ومع الحداثة، بل فلنقل أنها مواجهة صار الاستقطاب فيها حاداً، بين العالم المتقدم وأطرافه التي كانت سبَّاقة في السعي على طريق الحداثة في شرق وجنوب شرق آسيا، وبين الجيب الذي يطلق عليه مصطلح الشرق الكبير، فكان أن حذا الأحفاد حذو الأجداد، فهرعوا إلى الدين يستجيرون به، وليستردوا الثقة بالنفس التي فقدوها إزاء ما يستشعرونه من ضآلة أمام منجزات العصر وحضارته، والتي وجدوا أنفسهم مضطرين لأن يلعبوا فيها دور المتطفل والمستهلك صاحب اليد السفلى، عاجزين عن امتلاك القدرة على لعب دور المشارك القادر على العطاء، كهؤلاء أصحاب اليد العليا.
هكذا وجدنا أنفسنا ننتحي جانباً، لنأخذ دور الناقمين الناقدين، والرافضين لأسس الحضارة وصُنَّاعها، والساعين في نفس الوقت للانتفاع بمنجزاتها، فيما أخذ البعض منا على عاتقه تدمير تلك الحضارة على رؤوس أهلها، أو وفق منظور هؤلاء تدمير تلك الأصنام الضخمة التي تتطلع إلينا من علياء، متمترسين خلف مقولات تأخذ شكل الدين وفق تفسيراتهم، يستبدلون عن طريقها مُرَكَّب النقص، بمُرَكَّب استعلاء مضاد، لنكون نحن حزب الله والآخر حزب الشيطان، ونحن في أعلى عليين، وهم في الدرك الأسفل من النار. . هكذا ننتقل من موقع الأدنى حضارياً، والعاجز عن امتلاك مقومات الحضارة واستيعابها، إلى موقع الداعية الذي يحمل رسالة هداية العالم من الضلالة، ولن نكون بعد متطفلين على الحضارة باضطرارنا لاستهلاك منتجاتها دون قدرة على الإنتاج، لأن الحضارة وصناعها سيكونون مُسَخَرين لخدمتنا من قبل الله، بما يرفع عن كاهل المؤمنين عبئاً نفسياً شديد الوطأة.
هكذا ينشأ بيننا وبين المتحضرين سد منيع وعال، أساساته العجز الفردي والمجتمعي عن مواكبة العصر، وما أُقيم فوق هذا الأساس من أيديولوجيا ميتافيزيقية، قوامها العداء والاستعلاء والكراهية، وتحولنا كأفراد وكيانات سياسية واجتماعية إلى كتل صماء، تستعصي على رياح الحضارة النفاذ منها.
تشير التقارير الدولية أن هذه المنطقة عاجزة عن ولوج أبواب الحداثة، رغم موقعها المتوسط بين عالمين، ما كان كفيلاً بتناغمها مع المسيرة العالمية، لكن ما حدث هو أن اقتصر التأثر بالآخر على الدفع بالأمور إلى ظاهر حداثي لم تتوفر مقوماته على أرض الواقع، فكان أن صارت مجتمعات المنطقة مسخاً مشوهاً، بما تضمه من تناقض بين الشكل والمضمون، أفرز تقلصات شكَّلت مع معوقات التخلف الأصلية ملامح المأساة الحضارية، التي جعلت محاولات التنوير تتعثر وتتخبط في دائرة مغلقة، تنحدر من سيئ إلى أسوأ، فتتحول أي حركة للأمام إلى تدهور نحو هاوية بلا نهاية، تمخض عنها ما سُمِي بمرحلة الاستقلال والتحرر الوطني في الخمسينات والستينات، لتأتي الألفية الثالثة ونحن نستجدي الاستعمار تحت تسمية الأمم المتحدة والقوات متعددة الجنسية، لتنقذ ما يمكن إنقاذه من كياناتنا التي تتهاوى!!



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة كفاية والمهزلة الحنجورية
- إشكالية الفتاوى الدينية
- أزمة الإنسان الشرقي
- فرصة ذهبية للمشاركة
- تجفيف منابع الغوغائية
- بين الماضي والحاضر
- الأقباط وهندسة رد الفعل
- خبراء الزمن الأغبر
- العقاب وحده لا يكفي
- أخطاء وخطايا شائعة
- النظام المصري والشرعية التوافقية
- مشكلة التدين في مصر
- عودة الأقباط إلى الساحة
- مقاربة لرواية د. يوسف زيدان: عزازيل
- حتمية الحل العلماني
- الأصل والصورة
- رواية: ينابيع وادى حوران
- الإخوان المسلمون والدولة المحظورة
- الرفض العنتري الرث
- مسألة الصلح – تساؤلات بريئة


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كمال غبريال - كتاب كمال غبريال: العولمة وصدمة الحداثة