المقدمة:
سيرحل صدام ونظامه حتماً ، مخلفاً أكداساً من الجرائم وعدداً كبيراً من
المجرمين ومئات الآلاف من الضحايا ، فخلال الثلاثين سنة الماضية أدت طبيعة
النظام الاجرامية الى ارتكاب جرائم سياسية واجتماعية خطيرة وبشكل لم يسبق
له
مثيل في العراق ، عشرات المقابر الجماعية المنتشرة في أنحاء العراق ،آلاف
من
حالات الاغتيالات والتصفيات في داخل العراق وخارجه ، استخدام أحدث مبتكرات
التعذيب وأكثرها بشاعة ، فنون وابداعات في القتل والارهاب ، لقد دفع صدام
دباباته لتدوس على عظام الاحرار الاحياء ، واستخدم الكلاب الجائعة لتلتهم
لحوم
الثائرين ، تهجير من الديار وسرقة أموال وانتهاك للحرمات ، أسلحة كيميائية
،
أدوية وعقارات وسموم تستخدم ضد الشعب ، تشجيع على الرذيلة والانحراف ،
وأعطى
أوامره بقطع الرقاب والألسن والآذان والايدي ووشم للجباه ، وسلك أسلوب
تمايز
واضطهاد بين العراقيين حد الاحتقار ، طعن في الانساب والشرف والانتماء ،
وقذف
خارج الحدود ، وشجع اسلوب الوشايات والتقارير السرية والتسجيلات الصوتية
للايقاع بالضحايا ، تشويه وابتزاز ، تحويل المجتمع الى جيش من المخبرين
والجواسيس ، فقد أنشأ ما يقارب العشرة أجهزة أمنية ارهابية عملت على سحق
ارادة
العراقيين وفقاً لسيطرة مركزية ونظام صارم ، مرتزقة ومخبرين واندساس بين
المعارضة في الخارج وتخريب وضغوط وتشويه ، تروج للاحباط وتدعو الى
الاستسلام
والمهادنة وتمزج السم بالعسل ، تعسف واذلال لكل العراقيين دون استثناء
لأحد
أغلبية او أقلية ، مذهب أو قومية ، ذلك هو الارث الارهابي لعصابة صدام ،
والذاكرة العراقية عجيبة في استظهار الاساءة وليس نسيانها ، وخاصة عندما
ترتبط
بالدم او العرض او المال او بموقف وطني ، سيما وان الجرائم التي ارتكبت
كانت
منظمة وذات بعد شمولي ، وانها منفلتة وغير مبررة بقوانين شرعية ، وعليه
فان
ملاحقة المجرمين تبدو أمراً محتملاً وضرورياً لارساء العدالة من جديد في
العراق
،ويتناسب ذلك كثيراً مع طبيعة المجتمع العراقي وخصائصه المتعلقة بقيم
العدالة
والمطالبة بالحق ، كما ان الموضوعية تصبح ضرورية أمام تركة ثقيلة لنظام
ارهابي
وسّع من دائرة التجريم لتشمل الاهل والاقارب حتى الدرجة السادسة والاصدقاء
ومدن
ونواحي بكاملها ، كما حدث في ( بلد / الدجيل / الجيزاني ) اقلع الاشجار
والبساتين والبيوت واعتقل (200) عائلة ، قتل منهم (450) رجلاً والباقي
لاأحد
يعرف مصيرهم حتى الان! ؟ اثر محاولة لاغتيال صدام عام 1983(1) ، واستمر
هذا
النوع من الجرائم فيما بعد وأثناء الحرب مع ايران وأثناء قمع انتفاضة آذار
1991
وما بعدها وحتى الان . واستخدم وسائل عقابية غير مألوفة ، عندما قذف
المتهمين
السياسيين في مستشفيات الامراض العقلية والسل الرئوي والجذام(2) ! ، وازاء
ذلك
كله هل بامكاننا استقراء وتخيل المشهد العراقي وما سيكون عليه الحال فور
سقوط
صدام وعصابته !
المتضررون وهم كثر ، سيطالبون النظام الجديد بمعاقبة المجرمين ، وآخرون
يطالبون
بمعرفة مصير أبنائهم المفقودين داخل العراق ، ومعظمهم سيتحرك للثأر ممن
يعتقدهم
مجرمين ، ملايين العراقيين ينتظرون هذه اللحظة ؟
وهل بامكان حكومة فتية ان تفرض سلطة القانون والمنطق وسط هذا الركام
والخراب
الذي خلفه نظام صدام ؟ .. العراقيون لايثقون بالقوانين المعلنة ، لأنهم لم
يألفوا نظاماً قد دربهم وأعدهم للالتزام بالقانون ، ثم ما هو القانون
بالنسبة
لهم وما هي دواعي الالتزام والوثوق به ؟ .. ان ارثهم يحدثهم عن القانون
الذي
وجد لحماية الضعفاء ، بينما المقتدرين عشائرياً يأخذون ثأرهم بأيديهم وفي
وضح
النهار .. ومما يساعد على تكريس الخطأ هو ضعف المحتوى التطبيقي للقانون
العراقي
، فالقاتل الذي تثبت ادانته ويحكم عليه بالسجن المؤبد يكون طليقاً بعد 2-3
سنوات ! بفعل القرارات العشوائية التي يستخدمها النظام الحاكم في العراق
لاضعاف
سلطة القانون واحلال سلطة الحاكم الفرد ، والذي هو أشبه ما يكون برئيس
لعصابة
للاجرام ! .. ولكن هل يعني هذا ترك الامور على ما هي عليه دون محاولة على
الاقل
لتأسيس مباديء وأفكار لمعالجات قانونية حضارية وموضوعية تمهيداً لخطوات
اخرى ؟
الغاية من البحث :
مدخل لدراسة كيفية تطبيق القانون العراقي على المتهمين بجرائم ضد
الانسانية في
العراق .
ماكنة الاجرام السياسي في العراق
بعد هذه المرحلة الشاقة من النظال ضد الدكتاتورية في العراق ، أصبح بامكان
المعارضة العراقية في داخل العراق وفي الخارج تحديد مسؤولية الجرائم ، تلك
التي
نفذها النظام الحاكم في العراق في الفترة الواقعة بين عام 1968 - 2001
مثلاً
،ومثل هذا التحديد يمكن اجماله بالاتي :
أولاً : الرأس المدبر لسياسة القمع وانتهاك القانون منذ عام 68-1979 كان
البكر
وصدام ومجموعة صغيرة من قيادة حزب البعث ؟ وبعدها تولى صدام التكريتي
مسؤولية
تخطيط السياسة الاجرامية ضد الشعب العراقي باحكامه السيطرة على كافة
المؤسسات
الامنية والحزبية والعسكرية .
ثانياً : مجموعة الاستشارة والمساندة النوعية ، ممن يتولون تقديم الدراسات
والخبرات والمعلومات وعرض المقترحات وايجاد التغطية السياسية والاعلامية
وفبركة
القصص وتمجيد صدام ومنحه الالقاب الربانية بما عزز هيمنه على البلاد.
ثالثاً : الاجهزة التنفيذية ، وهي التي اوكلت لها مهام تنفيذ المداهمات
والاعتقالات والقتل والتعذيب والتحري والمتابعة وتجنيد المخبرين والتطوير
السلبي للعمل الأمني ، مما جعل عمل ماكنة الارهاب يتواصل وفي كل الضروف من
خلال
تحديث الوسائل الاجرامية وتقديم الدراسات والبحوث واجراء التجارب ورفد
صدام
بالافكار والمقترحات ، وهي على مستويين :
المستوى الأول : الأجهزة الأمنية
- جهاز المخابرات العامة
- مديرية الأمن العامة
- مديرية الاستخبارات والأمن العسكري
- جهاز الأمن الخاص
- الحرس الجمهوري الخاص
- مجموعة فدائيي صدام
وهي مؤسسات أمنية صرفة تخضع لنظام أمني يحدد شروط الانتماء وانتخاب
الأشخاص
للعمل فيها ، وتدريبهم واعدادهم السياسي والسايكولوجي والفني ، كما ان
المهام
التي ينفذونها هي أمنية مباشرة بدون غطاء ، عدا مديرية الاستخبارات
العسكرية
فلها واجبات عسكرية مهنية خاصة ؟ ولكن الجانب الامني هو الطاغي على مهمتها
وسلوك منتسبيها .
تخضع جميع هذه الاجهزة الى أوامر صدام عبر سكرتيره الشخصي ، وتدار من قبل
أشخاص
من أقاربه أوممن ينتمون الى مدينة تكريت وأطرافها حصراً ( راجع جداول
مدراء
المؤسسات الأمنية العراقية /عامر الجبوري /كتاب المؤسسات الأمنية العراقية
)(3)
.
ان المعالجات الموضوعية تقتضي معرفة المسؤوليات، وتحديد المسؤولية
الجنائية
وتحديد أركان كا جريمة ارتكبت على حدة وصولاً الى الشخص الذي أصدر الأوامر
والمنفذين وطروف الحادثة .. ولاأعتقد صواباً توجيه الاتهام الى منتسبي
مؤسسة
بكاملها ، فالاجهزة الأمنية في كل دول العالم على اختلاف أنظمتها تعتبر
مؤسسات
وطنية لاعنى عنها وتقدم خدمة عامة ، وعلى هذا الاساس كان الشباب العراقي
من
مختلف التكوينات يتنافسون للحصول على مقعد في أحد معاهدها ، ولكن الأنظمة
المتعاقبة على الحكم في العراق جعلت منها امتيازاً للبعض ووسيلة للتحكم
غير
المشروع ، بينما حولها صدام التكريتي الى مؤسسات اجرامية صرفة كان
منتسبيها أول
ضحاياها ولو من الناحية السيكولوجية حسب ! ، ونرى في الحكمة والموضوعية هي
التي
ينبغي ان تسود في التعامل مع الحالات الجرمية التي ارتكبت بفرز المجرمين
عن
غيرهم بدقة عالية وتحديد الاتهام بالأسم الكامل للشخص وعنوان وظيفته
وماهية
الجريمة والشهود .. الخ ، وبالتالي يقتضي اصدار قانون بالعفو العام عن
جميع
الأشخاص ممن ارتكبوا جرائم بسيطة أو كانوا تحت تأثير ارهاب السلطة.
المستوى الثاني : تنظيمات حزب البعث
بعد انقلاب 17 تموز 1968 ، انتشرت تنظيمات حزب البعث افقياً في كل العراق
،
وضمت شرائح اجتماعية عراقية متنوعة من عرب وكرد وتركمان وآشوريين ..الخ ،
وبغض
النظر فيما كان التوسع قد تم نتيجة لرغبة حقيقية ايماناً بالشعارات
والأهداف
المعلنة لحزب البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية والعروبة والرسالة
الخالدة ؟
أو بالترغيب وتحفيز الدوافع الانتهازية والمصلحية ، او بالاكراه والارهاب
؟،
فمما لاشك فيه ان عقد السبعينات قد شهد سلسلة من الاجراءآت والمكاسب
الشعبية ،
فاطلاق التعيينات للخريجين واستيعاب البطالة وتأميم النفط في حزيران 1972
وتحسين الوضع الاقتصادي وظهور بوادر التنمية وطرح أفكار الجبهة الوطنية
واتفاقية آذار لحل المسألة الكردية ، كل ذلك قد وسع من قاعدة الانظمام الى
حزب
البعث لاسيما وان الثقافة الفكرية والسياسية للحزب أكدت المفاهيم
الديمقراطية
والانسانية ، ولاننسى شعارات الحزب التي كانت( تنبذ العنصرية والطائفية
والعشائرية )(4) ، وهذه امور يستهويها شعبنا وهو متعطش لسماعها ، فلا
غرابة اذا
انتمى أكثر من 80% من شباب العراق ( العرب خاصة) الى حزب البعث ! ، وفي
القوات
المسلحة انتشرت تنظيمات حزب البعث سريعاً بين ضباط الصف والجنود والضباط
الاحداث الذين يطمحون الى مستقبل مناسب ، بعد ان حصر القبول في كلية
الاركان
وغيرها بضوابط حزبية ، وكذلك التنقلات والتعيينات والترقيات ، وهكذا بدأت
المؤسسة الحزبية تعمل في المجتمع المدني والعسكري العراقي بحماس ، الا ان
ذلك
لم يستمر سوى بضع سنوات وفقدت الشعارات البعثية بريقها وانهار ما سمي
بالجبهة
الوطنية وبيان آذار ، وبدت السلطة محصورة بمجموعة أشخاص ، متخذة طابعاً
مناطقياً تكتلياً ، وظهر الخلاف والانقسام واضحاً في حزب البعث اثر حركة (
ناظم
كزار) مدير الامن العام سنة 1973 للاطاحة بنظام البكر وصدام ، وقتل على
أثرها
كثير من البعثيين!(5) ، ثم جاءت محاولة محمد عايش وعبد الخالق السامرائي
عام
1979 امتداداً طبيعياً للاولى ، وفيها أعدم (103) من الكوادر والقيادات
البارزة
في الحزب ، وبذلك انتهى حكم البعث في العراق من الناحية الفعلية ، وحل
محله
أشخاص ينتمون الى عصابة قرابية مجهولة النسب والانتماء الاجتماعي والوطني
وذات
نزوع اجرامي خطير ، بينما تحول باقي التنظيم الحزبي الى جهاز أمني خاضع
لها ،
يؤمن للسلطة الجديدة ( المعلومات /الحماية / التعبئة الشعبية /الدعاية
والاعلام
) وقد استخدم (صدام ) وسائل كثيرة لترويض الحزب وجعله بالشكل الذي يريده
هو ،
فتوقف التثقيف الحزبي منذ عام 1980 لتحل أقوال صدام وطروحاته بديلاً عن
الثقافة
الفكرية والسياسية لحزب البعث ، ولم تعد هناك مواضيع تناقش عن الكادر
الحزبي
والمبدئية الحزبية والديمقراطية والاخلاقية الثورية وحتى عن الوحدة
والاشتراكية
، وأصدر صدام أمراً باتلاف جميع نشرات الحزب القديمة ومنع تداولها بما
فيها
الاعداد الاولى لجريدة الثورة العربية الداخلية(6)، وبالمقابل تم وضع
جداول
شهرية وسنوية لمنح الحزبيين بمستويات معينة الهدايا والمنح المالية
والامتيازات
لافساد الذمم وشراء الولاء ، الى جانب الصيغ الارهابية والبطش ونشاط
المخابرات
في تجنيد الوكلاء بين صفوف الحزبيين وكتابة التقارير ، وما يسمى ( الحرق
المتبادل ) بين أعضاء الحزب ، مما أفسد الواقع الحزبي وأفرغه من محتواه
تماماً
، فانسحبت أغلبية العناصر البعثية الاولى من الحزب بشكل ( سري) وتوقف
حماسها
ونشاطها في العمل دون اعلان ، لان نظام الحزب لايسمح بالاستقالة أو
التقاعد او
الاعفاء من العمل ، ومن يطرح ذلك يضع نفسه في دائرة التجريم .
وفي الوقت ذاته وجدت عناصر انتهازية ومصلحية واخرى تعاني من عقد سياسية
وتعصبية
مريضة طريقاً لها للنفوذ والتسلط ، وقد عرف صدام كيفية مغازلة عواطفها
المكبوتة
وتجنيدها لخدمته ، فتصدرت النشاط الحزبي على مستوى القيادة القطرية وفي
الفروع
في المدن والقرى والمؤسسات ..الخ ، ومنها تخرجت أفواج المجرمين والقتلة
.ومن
هنا أصبح من الصعب اتهام حزب البعث بكامله وتحميله نتائج جرائم صدام ، لأن
الانتماء الى الحزب لايشكل جريمة أو خللاً قانونياً أو اجتماعياً ، فهناك
أكثر
من مليون شخص انتمى الى حزب البعث في العراق ، أغلبهم لم يرتكب جرماً ،
وبعضهم
كانت له مواقف ضد اجراءآت السلطة القمعية، كما ان العناصر المبدئية قد
تعرضت هي
الاخرى الى القتل والتشريد والارهاب . فالمرحلة الزمنية بين عام 1968-1980
قد
شهدت مذابح وتصفيات للبعثيين المعارضين تمهيداً لوصول صدام الى قمة السلطة
في
العراق .
ان دراسة عميقة ودقيقة لواقع حزب البعث في العراق 1968-2001 ستظهر خريطة
خاصة
تتضمن ، الوطنيين ، الى جانب الانتهازيين والمصلحيين ، وبينهم جماعة الوسط
بين
هذا وذاك ، ومجموعة صغيرة من القتلة والمجرمين ، وعليه فان النظرة
القانونية
والتجريم الاصولي للمتهمين من الحزبيين في المنظمات المنتشرة في العراق
تتطلب
توخي الدقة في الفرز والتحقيق وتجنب الاتهامات العامة أو الدوافع الشخصية
في
الاتهام ، فهناك ظروف خاصة لكل فرع من فروع الحزب ولكل شعبة ومنظمة ،
والاهم هو
وجود فروق واختلافات بين الانصار والاعضاء أنفسهم ، فمثلاً ان فرع حزب
السلطة
في الانبار يختلف في مستوى عمله ونشاطه مع فرع الحزب في العمارة أو البصرة
،
فالاول لم يمارس عملاً مسلحاً ضد الشعب في الانبار ، ويلتزم جانب
المواطنين ضمن
مسؤولياته عندما تكون مشكلة مع جهاز الامن والمخابرات . بينما ترى فرع
الحزب في
العمارة والبصرة وذي قار في حالة نفير مسلح دائم ، ويقتل هذا ويعتقل ذاك
ويعمل
بامرة الأمن والمخابرات ! ، وتجد كذلك عضو شعبة في الحزب لم يرتكب جريمة
ضد
الشعب بينما تجد عضواً عاملاً أو نصيراً قد تلوثت يداه بدماء المواطنين .
في
عام 1994 أصدر صدام قراراً بقطع آذان الجنود الهاربين من الجيش ، وأوكل
جزء من
المهمة التنفيذية على عاتق الحزب .. فتهرب كثير من البعثيين من تنفيذ هذه
المهمة ، وراح البعض منهم يبدي تعاوناً مع العاربين ، وأطلق سراح هاربين
بعد
القاء القبض عليهم .. ولكن عضواً في قيادة فرع بغداد للحزب يتباهى أمام
حشد من
الاشخاص بأنه قطع (47) آذاناً لـ(47) شاباً .. أمسك بهم ضمن قاطع مسؤوليته
الذي
يشمل عدة مناطق شعبية(7) .. (البياع -الوشاش - أبو غريب ) في غرب بغداد ،
وحصل
هو وأعضاء قيادة الشعبة على هدايا ونوط الاستحقاق الذي بموجبه أصبح الكثير
من
هؤلاء من أصدقاء صدام .. وانهالت عليهم مكرمات القائد شهرياً ، ولذلك
سيكون رد
فعل الشعب تجاه الحزب مختلفاً من مدينة الى اخرى ومن عضو حزبي الى آخر ،
وفي كل
الاحوال تبقى دائرة المسؤولية الجنائية محددة بالاسم والموقع الوظيفي
والحزبي
والتاريخ ونوع الجريمة والشهود ، وان يأخذ شكله القانوني بعيداً عن
العواطف
والرغبة في الثأر.
المؤسسة العسكرية
كبرت المؤسسة العسكرية بعد العام 1980 وخلال الحرب العراقية الايرانية
وتوسعت
ملاكاتها وتجاوز عدد منتسبيها المليون رجل ، والشيء الخطير هو جعلها
وفقاًلهرمية خاصة تؤشر درجة ولاء كل منها لصدام ، فقوات الحرس الجمهوري
الخاص
يتم تجميعهم من مدينة تكريت والقرى والنواحي المجاورة لها ومنحهم امتيازات
خاصة
، وهم قوة مسلحة لأغراض أمن النظام . ثم قوات الحرس الجمهوري وقد شكلت
نواتها
على غرار تشكيلة الحرس الخاص ، ولكن توسعها الكبير ضم اليها عدد من الضباط
والجنود من غير المضمون ولائهم لصدام . وجاء الجيش العراقي في التسلسل
الأخير
وهو منتشر على الحدود الدولية للعراق ، ولاتوجد قطعة عسكرية له في بغداد ،
وتسيطر على هذه الجيوش المتعددة منظومات أمن ومخابرات متعددة ، لضمان
المنافسة
في جمع المعلومات وايصالها الى صدام . ففي كل تشكيل عسكري توجد عناصر من
جهاز
الأمن الخاص والمخابرات والأمن العسكري وحتى عناصر من الأمن العام المدني
..
دون أن يعرفوا بعضهم البعض ، وهؤلاء كانوا وراء كشف الكثير من محاولات
الاغتيال
أو الاطاحة بصدام وبخاصة خلال السنوات العشر الماضية وقد راح ضحيتها
المئآت من
الضباط والجنود ، كما كشفت العشرات من التنظيمات السياسية المعارضة والتي
كانت
على شكل خلايا صغيرة لعسكريين عراقيين داخل المؤسسة العسكرية . لقد ورط
صدام
القوات المسلحة العراقية بجرائم شديدة العنف وتنم عن العدوان ورغبة
للانتقام ،
وحقيقة لو يكن أغلبية العسكريين على استعداد للاستجابة لرغبة صدام هذه ،
وهو
يعرف تلك الحقيقة ويتعامل معها بالترهيب والترغيب معاً .. ولذا اختفى
الكثير من
الضباط لأسباب مجهولة حتى الآن ، كما قتل في الحروب الكثير منهم . ولكن
ذلك
لايعني عدم وجود عناصر تحمل في ذاتها نفس عقد صدام الاجتماعية والسياسية ،
فكانت سباقة الى ارتكاب الجريمة والوشاية والتزلف والانتهازية والرغبة في
الحصول على موقع أو منصب لتحقيق غاية في النفس والكسب غير المشروع ، ولكن
هؤلاء
قليلون جداً ويمكن تشخيصهم بسهولة ؟ وهذه بعض الأمثلة :
في بداية الحرب مع ايران احتلت القوات العراقية شريطاً من القرى والنواحي
الايرانية وأغلبية سكانها من العرب ( العربستانيين ) هي المحمرة والاحواز
وعبادان والخفاجية وديزفول .. الخ لاشك ان هؤلاء الناس قد تضرروا كثيراً ،
اذ
تركوا منازلهم وقراهم وبقية ممتلكاتهم عرضة للنهب ، الجانب الايراني
اعتبرهم
مؤيدين لصدام والجانب العراقي قال عنهم ( ايرانيون خمينيون ) ، العسكريين
العراقيين كانوا متعاطفين معهم ، وكان الضباط والقادة يتهامسون حول جدوى
هذه
الحرب وضرورة ايقافها بسرعة ، ولكن قائداً عسكرياً جمع عشرات النساء
والرجال
والاطفال وقذف بهم في شق عميق من الارض وطمرهم فيه وهم أحياء(8)، هذا
الضابط لم
يأمره أحد بذلك لكنه أراد أن يتزلف لصدام ويعزف على النغمة التي تطربه
ويقدم له
دليل ولاء وحماس وثقة ، وهذا يعتبر النموذج الأمثل لتحمل المسؤولية
الجنائية
الكاملة عن فعله ، ولكن بشكل جريمة كبيرة يعاقب عليها القانون ، وبدلاً من
معاقبته ومحاكمته ، كافأه صدام بتعيينه بمنصب قائد الحرس الجمهوري لفترة
معينة
ومنحه مناصب اخرى دون استحقاق مشروع .
* وفي الكويت ، اجتاحت قوات الحرس الجمهوري الكويت خلال (6) ساعات وبأمر
من
صدام مباشرة ، وعلى المستوى الشخصي لم أسمع عن قيام الحرس الجمهوري
بعمليات قتل
لمدنيين ، ولكنهم أسروا أعداداً من المدنيين والعسكريين الكويتيين
وأرسلوهم الى
بغداد وبأمر من صدام طبعاً ، ولكن جماعات من الحرس الخاص والمخابرات
والأمن
وبعض الحزبيين قد مارسوا مختلف أنواع العدوان على الأبرياء من الشعب
الكويتي
داخل المدن الكويتية الرئيسية ، وقد كانوا هؤلاء يعملون بأمرة علي حسن
المجيد (
علي كيمياوي ) أو سبعاوي ابراهيم مدير المخابرات ، وجميع الوثائق والأوامر
الموجهة الى قوات الأمن كانت تحمل توقيعاً لأحد هؤلاء المسؤولين الكبار
وحتى
الأوامر الصادرة الى قطعات الجيش وقيادة عمليات الخليج فانها كانت تحمل
توقيع
حسين كامل أو علي كيمياوي أو سبعاوي ولم تصدر من قائد عسكري ميداني ، بما
فيهم
قائد الحرس الجمهوري .
أما الجيش العراقي الذي دخل الكويت ( في الايام التالية للاحتلال ) كان
مكانه
المناطق الحدودية وحفر الباطن ولم يستقر داخل المدن الكويتية عدى قيادة
عمليات
الخليج ، الذي أمر صدام باعدام قادتها ( اللواء الركن عصمت صابر عمر ،
اللواء
الركن بارق الحاج حنطة ) في آذر 1991 ، ( الفريق الركن كامل ساجت الجنابي
) في
العام 1998 ، هذه القيادة لم تكن تعمل بشكل مركزي عسكري وانما خضعت
تشكيلاتها
داخل المدينة الى اشراف مباشر من الأجهزة الأمنية التي يشرف عليها علي حسن
المجيد وسبعاوي ، لكن ذلك لاينفي وقوع جرائم ارتكبها ضباط أو جنود يجب
البحث
عنهم ومحاسبتهم قانونياً دون تعميم .
· في آذار 1991 عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية في جنوب العراق ، كانت
أوامر
صدام شديدة الى قادة الجيش بالتصدي وفتح النار على التظاهرات وهدم البيوت
بنيران الدبابات ، وقال بالحرف الواحد (اقتلوهم لانريد أسرى ) ولكن
الاستجابة
لتنفيذ هذه الأوامر كادت تكون معدومة ، فأصدر صدام أوامر بتخويل الجنود
فتح
النار على التظاهرات دون الرجوع الى الضابط أو القائد العسكري ، ولكن
الحال
يختلف بالنسبة الى قطعات الحرس الخاص والأجهزة الأمنية وقوات الحرس
الجمهوري ،
سيما بعد انتهاء مفاوضات صفوان بالنسبة الى تعاملها القاسي مع الشعب
الثائر ،
ومع ذلك لايجوز اتهام كل منتسب الى هذه القوات . ويمكن تشخيص من تعمد
ارتكاب
الجرائم بحق المواطنين دون غيره ، وكذا هو الحال في عمليات الأنفال وضرب
حلبجة
بالعتاد الكيمياوي ، فمن غير الموضوعي اتهام قادة الجيش العراقي بينما
السلاح
يستخدم بأمر من صدام وتحت اشراف علي حسن المجيد ، وينفذ من قبل تشكيلات
كيمياوية خاصة لاعلاقة لها بالجيش سوى بالاسم ، ولكن في عمليات الأنفال
ينبغي
البحث وتشخيص العناصر التي أوغلت في الايذاء المتعمد بالشعب وتشخيصها
ومحاسبتها
وفقاً للقانون .
· خلال عمليات قمع الانتفاضة في آذار 1991 تعرضت محافضات كربلاء والنجف
ومدن
اخرى الى حملات قاسية من القصف العشوائي والمداهمات والتفتيش للبيوت
والتحقيق
مع الرجال والنساء من قبل ضباط وعناصر أمنية من الحرس الجمهوري الخاص ،
وفي
غمرة الأحداث سمعت من النجفيين والكربلائيين ، تقييمات لهؤلاء الضباط تقول
،
كان بعضهم متساهلاً ينفذ ما طلب منه بشكل روتيني دون ايذء .. ولكن بعضهم
كان
فضاً قاسياً ، سرق أموال نقدية ومجوهرات وأعتقل شباب ، فارتسمت صورهم في
ذاكرة
امهات المفقودين ؟
· في غمرة تلك الأحداث أيضاً ، استدعى صابر الدوري مدير المخابرات
العسكرية ،
وفداً من العشائر الكردية برئاسة ( حسين السورجي ) ونقل اليه رغبة صدام في
زج
عدد من العشائر الكردية في القتال الجاري ضد الانتفاضة في الجنوب ، كان رد
الشيخ رحمه الله ( ان ذلك قد يشكل سابقة خطيرة في العلاقة بين العرب
والكرد ،
وربما تسرق أموال وتنتهك أعراض ) وتهرب بدبلوماسية عن تنفيذ ما طلب منه
،مسجلاً
موقفاً يفخر به العراقيون من الكرد والعرب وعلى مدى أجيال قادمة . ولكن
أليس من
الضروري مساءلة صابر الدوري ، هل كانت الفكرة القذرة من بنات أفكار صدام ؟
أم
هناك من اقترحها عليه ؟ ومن هو ؟ ؟ وما هو موقفه هو كمستشار لصدام ؟
· وفي الخارج جندت المخابرات العراقية وكلاء لها من بين العراقيين ومن
مستويات
مختلفة لزرع الفرقة وتفتيت المعارضة وتشويه سمعتها .. وبدأنا نرى من يهاجم
المعارضة وينعتها بأقسى النعوت بينما لم يكتب قلمه مقالاً واحداً ضد صدام
أو
يفضح جرائمه ، وليس له موقفاً واضحاً من نظامه مستعيراً عبارات التمويه
التي
تصلح لمواقف مختلفة وتقبل عدة أوجه .. هؤلاء أيضاً سوف تفتح ملفاتهم ،
ولكن
ينبغي الحذر من أساليب النظام في التشويه وفقدان الثقة بين المعارضين
والحذر من
أساليبه المختلفة ، هناك من تورط دون وعي .. أو خضع لضغط معين .. وهناك
أيضاً
شبهات واتهامات غير مسؤولة تنم عن دوافع شخصية ، ولكن يبقى من يصطف مع
المعارضة
شكلياً ويعمل لصالح النظام .. هو العنصر الأسوء في كل الأحوال .
مباديء ومقترحات
ليس للعراقي الذي تعرض للعدوان من سلطة صدام خيارات كثيرة ، فهو أما أن
يلمس من
السلطة الجديدة اجراءً قانونياً حاسماً يرد اليه اعتباره ويضمد جراحه ، أو
يعتد
على نفسه بالثأر لكرامته وبالطريقة التي تناسبه ، وبالصورة الثأرية
العشوائية
البعيدة عن ضوابط القانون والعدالة التي ننشدها ، مما يساعد على انتشار
الفوضى
في البلاد ويضعف من هيبة الدولة والقانون في وقت حرج وحساس ، وبذلك يكون
الطريق
مفتوحاً لسلسلة من القتل والتصفيات ولبضعة سنوات قادمة . لاشك أن السلطة
العراقية الجديدة سوف تواجه هذا التحدي حتماً وليس لها سوى تحمل مسؤوليتها
كاملة في التحقيق واحالة المتهمين الى محاكم قانونية ذات ثقة وأهلية تضمن
احقاق
الحق ومعاقبة المجرمين . وهنا نجد في بعض الافكار والملاحضات ، الامكانية
على
تحولها الى مباديء عامة بعد دراستها وانضاج مضامينها ، وهي كالاتي :
المبدأ الأول : تقليص حدود المسؤولية الجنائية
ونعني به التخصيص في تحديد المسؤولية الجنائية وتجنب أي محاولة أو رغبة
ذاتية
للتعميم وتوسيع دائرة المتهمين ، لتشمل قومية أو طائفة أو مدينةأو مؤسسة
ما
بعينها واتهامها بممارسة الاضطهاد ، حتى وان كان عدد الأشخاص المتهمين
فيها
بالاجرام كبيراً .
وأوضح مثال هو مدينة تكريت شمال بغداد 180كم ، فمن هذه المدينة تتشكل
الجماعة
التي تحكم العراق منذ ثلاثين سنة على الأقل من خلال سيطرتهم وبدون منافس
على
المؤسسات الأمنية والعسكرية والحزبية والمالية ، وهؤلاء هم حكام العراق
الحقيقيين في السر والعلن ، ولاتوجد عائلة تكريتية لايوجد من بين أفرادها
ضابطاً في المخابرات أو الأمن العام ، ورغم ذلك فلا يجوز تحميل جميع
التكارتة
المسؤولية الجنائية ازاء الشعب العراقي ، فيهم ممن كانوا من أوائل ضحايا
صدام،
بل ان مدينة تكريت قد شكل رجالها ونسائها ميدان الاختبار الأول لجرائم
صدام
وعصابته ، ومنذ ما قبل وصولهم الى الحكم في تموز 1968 ، وتعرض بعض رجالها
الى
القتل والسجن والاغتيال فيما بعد ، وتبعاً لذلك أيضاً فأن مقولة ( حكم
العرب
السنة للعراق ) بحاجة الى مراجعة وتدقيق ، فالذين يحكمون العراق الان،
لاينتمون
الى قبيلة عربية ولايوجد ما يدعم الادعاء بانتسابهم للعرب ، وقد فشلت جميع
محاولاتهم لاثبات ما يدعون ، فلجؤا الى المغالات والتشبث المظهري بلسان
البداوة
وتقاليدها ، وهم أبعد ما يكونوا عن شيم العروبة وأخلاقيات العراقيين
المسلمين
من السنة والشيعة وغيرهم من أقوام العراق الاخرى ، وقد جاء ادعاءهم
بالانتساب
الى النبي محمد (ص) ليثير المزيد من الشكوك حول نسبهم الحقيقي (راجع حنا
بطاطو
/ج1 ،ص183 )(9).
ان العرب في وسط وغرب العراق وكما في الانحاء الاخرى لهم قبائلهم
وانتماءآتهم
القبلية التي تغنيهم عن الانتماء الطائفي المذهبي وتتقدم عليه . وهم لم
يحكموا
العراق كما يحاول البعض ترويجه عن قصد أو جهل ، أو كما يريد ضدام ان يظهر
حكمه
كما لو أنه حكم العرب السنة ليوسع شكلياً من قاعدة سلطته ويضفي عليها درجة
من
القبول والموضوعية الزائفة في ظل نسب طالما حاول كثيرين التعكز عليه . ان
أقرب
قبيلة عربية لسلطة صدام حتى وقت قريب هي قبيلة الجبور في قسمها الممتد من
(
الضلوعية ) شمال بغداد 80كم وحتى (سنجار) شمال الموصل 100كم ، فقد شكل
أبناء
هذه القبيلة ما يقرب من 70% من قوات الحرس الجمهوري الخاص ومواقع أمنية
اخرى ،
وشغل الضباط منهم مناصب عسكرية لمستوى آمر لواء وقائد فرقة وقائد فيلق ،
ولكن
هل يعني هذا ان (الجبور) أصبحوا حكومة ؟.. أو أنهم شاركوا التكارتة الحكم
؟ كلا
لم يكونوا حكاماً أو شركاء في الحكم ، وعندما تنبه شبابهم الى وضعهم هذا
أبدوا
محاولات جريئة للاطاحة بنظام تلك العصابة المتحدرة من اصول غريبة عن
بلادنا ،
وكانت محاولة الشهداء "سطم ومضحي"(10) هي الأولى عام 1990 ولاتزال
المحاولات
مستمرة دون توقف حتى الان .
وفي اطار حصر دائرة الاتهام وتضييقها ينبغي توخي الدقة واعتماد الفرز بين
الاشخاص ، ففي كل الاحوال هناك عنصر خيّر وآخر سيّء وثالث بين بين . فاذا
أخذنا
مثلاً (مختاري المحلات) نجدهم جميعاً متعاونين مع الأجهزة الأمنية ، فهذا
شرط
تعيينهم ، لأن المختارية أضحت وظيفة أمنية ؟ ولكن هل يعني هذا ان كل مختار
سيّء
تجب معاقبته .. طبعاً لا، ففيهم ممن يدفع عن الناس المتهمين ويقدم عنهم
معلومات
ايجابية ، وبعضهم يذهب أبعد من ذلك عندما يسرب معلومات وينذر عائلة أو
شخصاً
سيلقى القبض عليه في وقتٍ ما ، أو يتستر على معلومة سلبية تخص هذا الشاب
أو ذاك
. والى جانب هذا يوجد من هو محايد يلتزم حدود وظيفته ، لايقدم خدمة للناس
ولايحاول الاضرار بهم ، والى جانب هؤلاء يوجد من ينقل كل صغيرة وكبيرة عمن
هم
تحت مسؤوليته لغرض التزلف للمسؤول الاعلى والحصول على منفعة أو لضعف مستكن
في
الشخصية .
المبدأ الثاني : يقتضي أن تكون المسؤولية الجنائية عن الفعل وليس على ما
انتمى
من حزب أو مؤسسة أو غيرهما .
فالانسان مسؤول عن ما أرتكب من عمل وليس عن انتمائه ،ولايجوز توجيه
الاتهام أو
تجريم شخص ما لمجرد كونه ينتمي الى الأمن العام أو المخابرات أو
الاستخبارات
العسكرية أو لانه عضو شعبة في حزب البعث ، ان مجرد الانتماء الى الحزب أو
القوات المسلحة أو الاجهزة الأمنية لايشكل جرماً بحد ذاته ، ان لم يصاحبه
فعل
جرمي ارتكبه هذا الشخص سلوكاً منه وليس المؤسسة التي انتمى اليها .
المبدأ الثالث : مراعاة حقوق الانسان
راجع الاعلان العالمي لحقوق الانسان المواد (5)،(9)،(10) وكل شخص متهم
بجريمة
يعتبر بريئاً الى أن تثبت ادانته قانونياً بمحاكمة علنية تؤمن الضمانات
الضرورية للدفاع عنه /المادة (11) ، ولايجوز توسيع دائرة المسؤولية
الحنائية
لتشمل عائلة المتهم وأقاربه مثلما فعل نظام صدام ، فالانسان كيان مستقل
بذاته
ولايجوز ان تنسحب العقوبة منه الى ذويه وبأي شكلٍ كان ، وان حدوث ذلك يعني
الرغبة في الانتقام وظهور التعسف والطغيان من جديد " ولاتزر وازرةً وزر
أخرى
"(قرآن كريم ) .
المبدأ الرابع : العفو عند المقدرة (من شيم الكرام )
للأسف فان مقولة عفا الله عما سلف ترتبط بنسيج الذاكرة العراقية بتجربة
مؤلمة ،
فقد قالها الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم في العام 1959 ، عندما عفا عمن
حاول
اغتياله ، فعاد القتلة ليحكموا العراق (40) عاماً وليغتالوا هذه المرة كل
شعب
العراق . لذا فمن الصعوبة ان تجد هذه الكلمة صدى في عراقنا الراهن ،
ولكنها
تبقى ضرورية في مستويات معينة ، وبعد أن يأخذ القانون مجراه التطبيقي في
التحقيق والمحاكمة الاصولية ، فالعفو عند المقدرة يعني امكانية انزال
العقوبة
بالمجرم ، أي العفو بعد اصدار قرار الحكم وليس قبله ، ولايشمل كل الجرائم
طبعاً
. والشيء الآخر وهو تربوي للأجيال القادمة ، فالعقوبات القانونية للسلف ،
تشكل
رادعاً للخلف من الاتيان بطريق الانحراف . وفي كل الاحوال ينبغي بث روحية
جديدة
من العلاقات العراقية الانسانية والاجتماعية التي تستدعي المحبة والاحترام
،
لترميم النظام الاجتماعي العراقي الذي انهارت أجزاءً مهمة من منظومته
الاخلاقية
في العقود الثلاثة الاخيرة من الزمن .
المبدأ الخامس : اعادة النظر بعقوبة الاعدام
عرف العراقيون عقوبة الاعدام الصادرة عن محاكم مختصة ، وينفذ رمياً
بالرصاص أو
شنقاً حتى الموت ، ويحدد ذلك ضمن قرار الحكم .. الا أن الحال قد تغير
كثيراً
منذ 17 تموز 1968 ، فقد أنتجت ماكنة الاجرام الصدامية ابداعات جرمية تضاف
الى
عقوبة الاعدام .. مثل تعليق جثة المعدوم بضعة أيام في الشوارع العامة ووسط
احتفالات رسمية وشعبية ، ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة ،
وشمولية
العقوبة لأقارب المعدوم حتى الدرجة السادسة ، ومنع اقامة مجلس العزاء ،
والغاء
قيده من السجلات والوثائق ، واجبار ذوي الضحية على تقديم اعتذار للسلطة ،
وتغريمهم ثمن الاطلاقات .
أما الكيفية التي ينفذ بها الاعدام ، فقد طرأت عليها تغيرات أيضاً ، فأخذ
ينفذ
بالسم أو بالسيف أو حوادث السيارات أو تحت التعذيب الشديد ، أو التقطيع
التدريجي والتشويه . واختلفت أيضاً طريقة تسليم ( المعدوم ) الى ذويه ..
فهناك
من يتم تسليمه ومكتوب على الصندوق الذي يحتوي الجثة عبارة (خائن للوطن) ،
أو
عبارة (يمنع فتح الصندوق)، والبعض يسلم الى ذويه (رقم قبر) فقط .. ويحدد
لهم
تاريخ زيارة المقبرة الخاصة .. بعد بضعة أشهر مثلاً ، ولكن أكثرية الذين
أعدم
النظام لم يتم تسليم جثثهم الى ذويهم ..؟
ان هذه الاساليب الاجرامية الاضافية وغيرها ، قد جعلت من تسليم المعدوم
الى
ذويه بالطريقة الاعتيادية المعمول بها من قبل ، أمراً يعد مكرمة خاصة من
صدام،
يتطلب مقابلها الشكر والثناء وتقديم المزيد من عبارات الولاء له والاخلاص
للنظام ؟ ولم يحضى بها سوى أقل من 1% من المعدومين ؟
ان النظرة الحضارية لعراق المستقبل تتطلب الغاء هذه الأساليب فوراً ،
ومعاقبة
المسؤولين عنها ، والشيء الأكثر أهمية هو اعادة النظر بعقوبة الاعدام
ذاتها
واستبدالها بعقوبة السجن ، لأسباب كثيرة كالنظرية الانسانية والشعور
بالمسؤولية
الوطنية حيث الخشية من اضافة أعداد جديدة الى قوائم الأرامل والأيتام ،
وهناك
سبب آخر وهو هروب أعداد من المجرمين قبل أو حال الاطاحة بصدام أو بعده ،
مما
يجعل الدول التي يلجأون اليها تتحجج بعقوبة الاعدام وتعتذر عن تسليم
المجرمين
.. وهندها ستكون الحكومة العراقية مضطرة الى مطاردتهم بأساليب غير متحظرة
،
ولانستبعد ان تتشكل منظمات سرية لهذا الغرض .
من جهة اخرى ليس من السهل الغاء عقوبة الاعدام التي يقرها الشرع الاسلامي
وهي
جزء من القانون الجنائي العراقي فيما يخص جرائم القتل ، والشيء المهم الذي
سيفرض نفسه أيضاً ان ذوي الضحايا سوف لايقنعون بعقوبة أقل من الاعدام
لعناصر
النظام الذين ثبتت ادانتهم بجرائم القتل ، وبالتالي سيتوجهون الى الثأر
والانتقام الشخصي مما يحرج الحكومة الفتية ، أخذين بنظر الاعتبار مدى
كفاءة
الاجهزة التنفيذية الفادرة على فرض سلطة وارادة القانون على الجميع .
مقترحات اخرى
أولاً : يحتاج موضوع البحث الى تدخل رجال القانون والفكر السياسي
والاجتماعي ،
ومراكز البحوث والدراسات ورجال الدين ، وطرح أفكارهم بصراحة وجرأة للوصول
الى
صيغ عمل مفيدة ، نابعة من دراسة الواقع العراقي الحالي من النواحي الأمنية
والسياسية والقانونية والاجتماعية ، واستقراء للمستقبل وما سيكون عليه
مشهد
الاحداث حال الاطاحة بنظام صدام وبعده .
ثانياً : ان تعمل جمعية الحقوقيين العراقيين وبالتنسيق مع المعارضة
العراقية في
الخارج والمنظمات الانسانية الدولية ، على توجيه نداءآت وخطابات متكررة
الى
منتسبي الأجهزة الأمنية والحزبية في العراق ، تحثهم على الانسحاب من
النظام ،
وتذكيرهم بان عيون الشعب تراقبهم ، وهناك بانتظارهم يوم تعرض فيه أعمال كل
واحد
منهم ، يشهد على جرائمه زملاؤه في الحزب والوظيفة وجاره في السكن وحرس
السجن
والجلاد والسجين من خلف القضبان .
ينبغي ان تقدم النصيحة باخلاص وطني وانساني حقيقي لانقاذهم مما هم فيه من
مستنقعٍ نتن ، ومن المصلحة الوطنية أيضاً حث عوائلهم وأصدقائهم على التحرك
لانقاذهم بالنصح والتوجيه والمساعدة الضرورية ، وتبصيرهم بخطورة النتائج
المترتبة على بقائهم الى جانب صدام والنتائج السلبية المحتملة على عوائلهم
أيضاً بحكم الاستمرارية ، لان هذه الظاهرة معمول بها في العراق منذ ثلاثين
سنة
، والتي لايمكن ازالتها فوراً .. بل ستترك آثارها لبضع سنوات قادمة .
ولاننسى
وجود من سيطالب بمعاقبة المجرمين بقوانينهم ، أي بذات القوانين التي
فرضوها على
الناس ، وهذا شيء غير انساني .. ولايمكن للمعارضة ان تتبناه . ولكن قانون
السلوك الجمعي السائد ، ستكون فرصته بالتطبيق أسرع من القانون الجنائي
الملتزم
في بدايات الوضع الجديد على الاقل .
ثالثاً : ضرورة البدأ بدراسة قانونية حول تشكيل المحاكم ووضع تصورات نظرية
عن
أماكن عملها واختصاصاتها .. والشيء المهم هو ( التوصيف الوظيفي ) والخصائص
الشخصية والمهنية للقضاة والحكام والمحققين في هذا المجال ، وحيث يجب ان
تكون
العدالة هاجسهم وليس أي شيء آخر .
رابعاً : بث الوعي القانوني بين العراقيين ، بنشر الدراسات والبحوث
القانونية ،
وتأمين ايصالها الى داخل العراق من خلال وسائل الاعلام المختلفة .
مراجع البحث
1-راجع وثائق عديدة عن انتهاكات لحقوق الانسان في العراق .
2-وثائق أمنية خاصة .
3-عامر الجبوري / المؤسسات الأمنية العراقية / كتاب تحت الطبع .
4-راجع المنشورات الثقافية والسياسية لحزب البعث العربي الاشتراكي ،في
سبيل
البعث ،نضال البعث ، القومية العربية ، سمات البعث .
5-راجع قرارات محكمة الثورة والمحكمة الخاصة في تموز 1973 .
6-توجيهات سرية صدرت للبعثيين .. بتسليم أعداد من جريدة الثورة /جريدة
الحزب
الداخلية ،لغرض اتلافها ، لأنها احتوت على مقالات كتبها عبد الخالق
السامرائي
وبعثيين آخرين ،تنتقد بشكل خفي الظاهرة الصدامية .
7-نجيب الصالحي/الزلزال/مطبعة الرافد/لندن1998.
8-ضباط عراقيون شهود عيان على الجريمة .. وقعت في القاطع الجنوبي 1982.
9-حنا بطاطو /العراق/الطبقات الاجتماعية ج1،ص183.
10-الضباط الشباب سطم ومضحي الجبوري ومعهم (42) ضابط وضابط صف ..من قبيلة
الجبور (الضلوعية ،بيجي ، الشرقاط) ، وضعوا خطة لاغتيال صدام في استعراض
الجيش
1996 على غرار عملية اغتيال السادات .. وفشلت المحاولة قبل التنفيذ بـ(24)
ساعة
.نفذ بهم الاعدام جميعاً .
11-راجع الاعلان العالمي لحقوق الانسان .