محمد عزيز زازا
الحوار المتمدن-العدد: 891 - 2004 / 7 / 11 - 08:30
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لا تزال قضيتا العلم العراقي ، والنشيد الوطني العراقي تثيران الكثير من النقاشات واختلاف الآراء في أوساط المثقفين ، والمهتمين ، من مختلف الانتماءات والأطياف من عربية وكردية وتركمانية وكلدو – آشورية... و سيمر وقت ٌطويل قبل أن يتم الاتفاق حول هاتين القضيتين. ولاعجب في ذلك، فالعلم والنشيد هما دلالتان كبيرتان، وموحيتان لمستقبل العراق الجديد المأمول. وسأتناول في هذه الأسطر قضية النشيد الوطني العراقي التي سبق لعدد من المثقفين والفنانين والمهتمين بالشأن العراقي تناولوه، ولا يزالون.
فعلى سبيل المثال :
في مقال للأستاذ على الحلي، نُشر في جريدة الصباح – العدد 94 – تاريخ 19/10/2003 اعترض فيه على دعوة الأستاذ عبد الستار مهنا إلى (..تلحين النشيد الوطني العراقي من قبل ملحن عراقي حصراً ) ودعا فيه الحلي إلى ( ... الانفتاح بحماسة وجدانية على نوافذ الحرية ، وأن ندع كل الأزاهير تتفتَّح ، وأن تتلاقح جميع المواهب العربية من دون تحديد الرقعة الجغرافية .. ) وهكذا قفز الاستاذ الحلي – مرة أخرى ؟ - فوق جميع المواهب والكفاءات العراقية ( من عربية وكردية و تركمانية وآشورية.. ) ليقترح - مرة أخرى -أن يضع الموسيقي اللبناني الدكتور وليد غلمية لحن للنشيد الوطني العراقي الجديد ، وكان قد سبق لغلمية أن كتب العديد من الألحان والسيمفونيات ( المتحفية)التي مجَّدت لثقافة حرب نظام صدام المــقبور ( سيمفونية القادسية على سبيل المثال ) مثله في ذلك مثل العديد من المثقفين والشعراء والفنانين والصحفيين وأشباه رجال الدين والساسة المهرجين والدجالين أصحاب دكاكين النضال القومي ( هل تذكرون كتاب: حرّاس البوابة الشرقية لجمال الغيطاني؟). الذين وجدوا في نظام صدام فارسهم في تحقيق حلمهم في مشروعهم القومي.
ترى لماذا لا يوافق الاستاذ الحلـّي على أن يوضع لحن النشيد الوطني العراقي من قبل ملحن عراقي ؟
وأضيف :
لماذا لا تتم الدعوة إلى الإعلان عن مسابقة( للشعر واللحن) ويكون الإعلان موجهاً حصرا للشعراء والموسيقيين العراقيين تحديداً ، بحيث يأتي النشيد العراقي ليكون معبـّرا عن العراق الجديد بكل ثقافاته ومكوناته القومية والدينية والمذهبية. هذا العراق الجديد الذي يثير ريبة وخوف غالبية النخب السياسية والثقافية العربية مع الأسف.
النشيد الوطني العراقي ليس بيانا حزبيا لحزب معيـَّن تتحدّد من خلاله – أي النشيد – نظرة هذا الحزب أو ذاك حول الوطن المشترك، بل هو شيء أشمل وأسمى من ذلك بكثير.
تـُرى لماذا كانت، ولا تزال، أناشيد الأخوين فليفل( كنشيد موطني، وفي سبيل المجد.. ) معبـّرة وجميلة ، ويردِّدها الناس جميعا على اختلاف مشاربهم ومذاهبم ومللهم ونحلهم ؟
الجواب واضح وبسيط:
لقد كانت أناشيدهم – ولا تزال - صادقة، ومعبّرة وأكثر شمولية من جميع الأناشيد (الثورية, والطليعية, والملتزمة ) التي فبركتها أحزاب وجماعات وقوى سياسية. لقد تبنى أناشيد فليفل الكثير من هذه الأحزاب في فترات عملها الســرّي والعلنيّ ، أو في بداية (الانقلابات الثورية) ثم سرعان ما كان يتم التخلي عنها بعد إحكام القبضة على السلطة والشعب، و من ثمّ تبدأ مرحلة فبركة أناشيد مصطنعة ممجوجة تكاد بالكاد تستطيع التعبير عن حزب السلطة نفسه.
ما السّر مثلا في أن ّنشيد ( موطني ) بالذات قد تمّ قبوله بترحاب من قبل الجميع الآن في عراق اليوم لحين الاتفاق على إقرار نشيد وطني عراقي دائم ؟
وما السرّ كذلك في أن نشيد ( في سبيل المجد ) وأناشيد أخرى للأخوين فليفل كانت تنشد في السجون من قبل مناضلي جميع أنواع الأحزاب المعارضة ، ولاتزال هذه الأناشيد تؤدّى وتعزف من حين لآخر ،من المحيط إلى الخليج ، في المناسبات الوطنية ، وخلال الأزمات العاصفة ، وفي الرحلات المدرسية ، ومخيمات الشباب ، والسهرات والحفلات الجامعية في الوطن والمنافي .
السبب أيضا واضح:
إنها أناشيد صادقة بالفعل، و معبّرة بالفعل، وجميلة كلمات وألحانا، وتنحاز لعامة الشعب أولا و أخيرا، ولم تكتب لقاء نقود، أو بناء على توصية من قبل سلطة ما. ومن يعرف سيرة حياة الأخوين فليفل يعرف كيف ولماذا كتبت هذه الأناشيد .
* * *
ولكن حتى كل هذا لايكفي لنشيد العراق الجديد . العراق الذي ستُحفظ فيه حقوق العرب والأكراد والتركمان والكلدو – آشوريين ، وحقوق جميع الأديان والطوائف .
هل تذكرون حفل افتتاح الألعاب الأولمبية التي أقيمت في أتلا نتا في الولايات المتحدة الأمريكية ..؟ لقد عبّرت اللوحات الموسيقية عن ثقافات القارات الخمس برمتها ، عبر ثيمات مركّزة ، ومعبّرة ، وجميلة واحتوت – فيما احتوت – على ترجيعة( ياليلي ياعين ) بالعربية ، والتي طرب لها كل العرب ، ودغدغت عواطفهم ، وأجّجت من حماسهم . فإذا كان هذا قد حصل – ويحصل– بالنسبة لحفل افتتاح الألعاب الأولمبية التي تتكرر كل أربعة أعوام، فما بالك بالنشيد الوطني العراقي الذي يُفترض فيه أن يكون رمزاً لإنتماء كبير، لأرض تتعايش عليها ثقافات وأقوام متعدّدة قديمة قدم التاريخ.
النشيد الوطني العراقي ليس مقاولة ، أو تعهد بناء ، أو مناقصة لمشروع ما ، يتمّ إسناده إلى ( أفضل دار للإنشاءات الهندسية ) كما اقترح الاستاذ الحلي في معرض تفسيره لإسناد تلحين النشيد الى (كفاءة اكاديمية متمكنة) كالدكتور غلمية! ، بل يجب أن يكون لحن النشيد نتاجا نابعا عن ضمير شعوب تتعايش على أرض العراق قبل أن يتشكل العراق الحالي كدولة في حدوده الجغرافية الحالية بعد سقوط الامبراطورية العثمانية .
لقد شهدتُ في الجزائر العديد من المثقفين والفنانين الجزائرين ( عربا وأمازيغا وشاوية وطوارق) يتحسّرون لأن لحن نشيد ( قسما بالنازلات الماحقات) لم يُلحّن من قبل موسيقي جزائري بالرغم من جماله وقوة ألحانه ، وبالرغم أيضا ًمن الوشائج القوية ، والعلاقات الوطيدة التي ربطت جبهة التحرير الجزائرية بمصر عبد الناصر، التي لم تبخل بشيء من أجل نصرة الشعب الجزائري وثورته ضد الاستعمار الفرنسي .
لنتوجه بحديثنا وجهة أخرى ، ولكنها تدخل في صلب الموضوع الذي نحن بصدده :
النشيد الرسمي لجمهورية تشيكوسلوفاكيا كان عبارة عن جزئين مســــــتقلين منفصلين ، لغة ولحنا . وكانا يعزفان أو ينشدان متتاليين ، النشيد التشيكي ، ثم النشيد السلوفاكي ، وكان لحن النشيد الأول يقع في سلم الماجور، وباللغة التشيكية . واللحن الثاني في سلّم المينور، وباللغة السلوفاكية . و بقي النشيد كما هو حتى بعد أن اختار الشعبان استقلال كل منهما عن الآخر طوعا. وأظن أن جميع المهتمين بقضية النشيد الوطني العراقي يعرفون بأن النشيد الوطني الكردي، منذ أجيال، هو نشيد: ( أي رقيب). وهو يُنشد ويُعزف منذ أجيال أيضا في جميع المناسبات والاحتفالات والمناسبات والتجمعات الكردية في كردستان العراق. وبالتالي لابد من أن يكون الشعب الكردي في كردستان العراق في حسبان كل من يتطرَّق موضوع النشيد الوطني العراقي ، مثله في ذلك مثل العلم العراقي والدستور العراقي .
سؤال :
ترى هل سيكون النشيد الوطني العراقي باللغة العربية فقط..؟
* * *
حبذا لو تؤخذ قضية النشيد الوطني العراقي من قبل الجميع بنفس القدر من الجدية والأهمية والإحساس بالمسؤولية الذي تؤخذ به قضية العلم العراقي من قبل الجميع .
أربيل – د. محمد عزيز زازا
[email protected]
#محمد_عزيز_زازا (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟