أحمد إسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 2927 - 2010 / 2 / 25 - 02:33
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
دائما ما إنطوى مصطلح الجدار على مر التاريخ الإنساني على إشكالية قاسية تتعلق بالفصل والعزل أو الإنعزال سواء كان الغرض منه او إستعماله ككيان مادي صلد (حائط أاو سور ) أو كإشارة معنوية وأدبية فهو دائما مُقترِن بماهية وظيفية تنطوي على الإنفصال والإنعزالية . وفيما نحن بصدد هذا الكيان المادي الصلد الذي ينطوي على تطويق مساحة معينة من اليابس ،فإن هذا الجدار (المادي) كان دائما مقرونا بفلسفة أو رمزية من أجل تحقيق أهداف ثابتة ،وهذه الفلسفة –كما ذكرت- هي الفصل والعزل لهدف الحماية والدفاع .شهد التاريخ البشري العديد من الجُدر ،قديما بنى الصينيون سورهم العظيم لحماية أمنهم من غارات القبائل الشمالية ؛وشّيد الملك ذي القرنين سده الشامخ لحماية أهل الأرض من أهوال يأجوج ومأجوج ؛وفي العصور الوسطى شَهدت اوروبا اكبر عملية فصل عنصري ضد اليهود وأودعت اليهود خلف الأسوار والجدران مكونة فيما يسمى (الجيتو)حتى لا يتمحور اليهود في حياة الأوروبيين الذين كانوا ينظرون لليهود نظرة خسة ؛وفي العصر الحديث أصبح الجدار كيان وظيفي فريد من نوعه .فقد دشنت بريطانيا (جدار بلفاست) الشهير بأيرلندا الشمالية عام 1969 من أجل فض التوتر الدائر بين الكاثوليك والبروتستانت والمعروف بجدار السلام ،وبالمثل قامت تركيا جدار في نيقوسيا عام 1974 للفصل بين أتباعها الأتراك وأمثالهم القبارصة اليونانيين .وشهد العالم بعد الحرب العالمية الثانية أشهر الجُدر في العصر الحديث الذي إرتبط بصراع إمبراطوري بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وهو (جدار برلين) ؛هذا الجدار الإمبراطوري الذي بناه السوفيت كان من أجل الحماية الديموجرافية لبرلين الشرقية الذي كان انهياره يمثّل لدى البعض اخر الجُدر في التاريخ ؛لكن سرعان ما أحنت إسرائيل إلى ماضيها وشرعت في وضع جيتو جديد لها وان كان مختلف الشكل والخواص والهدف من أجل رسم حدودها الوجودية في فلسطين.البديهي في تلك الجدران التاريخية السالفة الذكر انها أخذت إتجاه واحد تسير فيه ورمزية مشتركة تعلّل وجودها.هذه الجُدر دائما ما أنطوت على هدف جوهري ثابت وهو الفصل والعزل ،وبرغم قسوتها الرمزية فانها لم تكن تهدف-أساسا- إلى الضرر وإذاء الأخر أو على الأقل لم تهدف إلى الإبادة حتى الجدار العازل في فلسطين كان غرضه الأساسي رسم الحدود الوجودية للدولة العبرية فما كان الدافع وراء تلك الجُدر سوى الوقاية والحماية والدفاع وليس الهجوم .وسمة شيء مشترك أيضا في هذه الجُدر وهو الإرادة المستقلة لواضعي الجُدر فكان الجدار ناتج عن مصلحة ذاتية وانشاؤه بمحض الإرادة الذاتية لانه عندما شرعت-أو عندما تشرع- الأمم في وضع الجُدر ما كانت تضعه إلا وهي تعلم انها الإنعزالية الصرمدية. ولكن السؤال هنا: هل يمكن أن تتبدل تلك الرمزية الثابتة للجدار؟حتى قريب كانت الإجابة قطعاً هي النفي؛أما الأن...؟!
قبل الإجابة فنلقي نظرة على الجدار الفولاذي الذي شرع في بناؤه النظام السياسي في مصر على حدوده مع قطاع غزة ،ونعطي أنفسنا الوقت لنحلل ونتعمق في هذا الجدار في ضوء الماهية التاريخية الثابتة في إنشاء الجدران،ومدى إتفاق هذا الجدار مع واقع النظرية التاريخية المعتادة .لقد إنحرف هذا الواقع النظري .....!!!! ولكن كيف؟ إن هذا الجدار الفولاذي عزيزي القارىء خالف الواقع النظري(من نظرية) لإنشائية الجُدر ؛ لقد إنطوى على ماهية أخرى وإشكالية أكثر تعقيدا بل أكثر قسوة .الوضع الوظيفي لهذا الجدار يبين لنا كم انه تجاوز المعتاد ،فلم يكن جدار للدفاع عن النفس ضد عدو متاخم أو عدو منتظر ؛لم يكن للدفاع ؛لم يكن للحماية؛ لم يكن.....؛ولكن لِم يكون؟إنه جدار هجومي اي للهجوم ،نمطية جديدة وغير مألوفة ،إتخذ طابع اللإنسانية بل قد يكون طابع الإبادة من خلال الموت البطيء لأهالي القطاع والمقاومة عبر الحصار المحكم والتطويق الشامل من جميع الإتجاهات أو حتى من تحت تلك الإتجاهات اي تحت الارض(الاتفاق).أهذا فقط؟....بلى ولكن من ضمن الطبائع الغريبة لهذا الجدار أنه لم يمثل الإرادة الذاتية المستقلة للنظام السياسي الذي أنشئه؛ألم يكن هذا جدار بالوكالة عن إسرائيل ؟ لم تظهر الإرادة الإستقلالية بل ظهر التنطّع لصالح الجلاد الاسرائيلي وأصبحت ثياب النظام ملوثة بدماء المقاومة في غزة.إن هذا الجدار ارتبط بوظيفية جديدة اكثر قسوة وإشكالية ونمطية غير آدمية وماهية غير عادية (غير مألوفة)؛إن كان هذا ما يتعلق بالهدفية والوظيفية ؛فلك أنت القارىء العزيز أن تتصور رمزية هذا الجدار!
#أحمد_إسكندر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟