|
قناة المنّار.. والمنافسة بشرف
علي الفحّام العراق
الحوار المتمدن-العدد: 2926 - 2010 / 2 / 24 - 15:47
المحور:
الصحافة والاعلام
ما من قناة تلفزيونية أو إذاعية أطلقت لنفسها العنان في مرحلة مران الحرية الإعلامية العربية، إلا وتشدقت بولوجها فضاء الإعلام الهادف أو بتبنيها رسالة الإصلاح والتغيير.. وكأن المجتمع العربي سقيم وعجز الحكماء المتخصصون عن شفاءه، لذا بات عليه تلقي جرعات العلاج على يد هذه القناة التلفزيونية الموجهة أو تلك الإذاعة المغمورة.. وقد لا نختلف بالرأي مطلقا هنا: أن الإعلام الهادف رسالة فكرية سامية ومدرسة أخلاقية عظيمة لنشر الثقافة الإنسانية، بعيدا عن الارتباطات الأيدلوجية للجهات الراعية للمؤسسات الإعلامية، وهو أي الإعلام الهادف كثيرا ما يكون نقيضا للإعلام الموجه أو المسيس، حيث أن الأخير ونتيجة تركيزه المحدد على فكرة محورية لا تتعدى إيصال الأفكار الخاصة إلى المتلقي، فانه يهمل أو يتجاهل روح الإعلام المبنية على الاهتمام بالمتلقي وعدم استغفاله أو السخرية منه.. ويتجلى إعلامنا المنشود بإخضاع جميع البرامج والفواصل الإعلانية وحتى المشاهد القصيرة والصور إلى معيار السلامة الفكرية، ليكون اغلب ما يعرض إن لم نقل جميعه هادفا، ولكي لا يتعارض مع المبادئ العامة لتأسيس القناة. وهذه من المهام العظيمة التي تقع على عاتق إدارة القناة، إذ من واجبها إعداد الخطط والمناهج الدورية لتحقيق سبل النجاح والتطوير، وعليها دراسة وتقييم حتى صغائر متعلقات العمل، والتي قد تؤثر في إتمام هدف إيصال البرنامج، ومنها تأثير شكل ومظهر وشخصية المقدم او المقدمة على المتلقي.. وعلى الإدارة التدخل بهذا الشأن وبقوة، للإسهام في وصول الأفكار عبر المنفذ الملائم. فمن غير المعقول أن تسمح الإدارة بذهاب جهود بقية الكوادر سدى وتتبدد بكل بساطة، إزاء هزالة فكر المقدم أو فحش مظهر المقدمة، ولو أن بعض إدارات القنوات تحث المذيعات ومقدمات البرامج على التمادي بإغراء المشاهد بالكلام او الشكل او الملبس أحيانا، كما في قنوات: العربية و MBC و LBC وأخريات، وهي بذلك تتعدى المبادئ التي نتحدث عنها إلى غاية شد المشاهد وإبقاءه متمسكا بالقناة أطول مدة ممكنة حتى يعتاد ويصبح متابع ثم متقبل للأفكار المسوقة، طبعا هذا الأمر لا ينفع مع الجميع، لان المتلقين لهم مستويات فكرية مختلفة، فمثلما هناك النخبة هناك العامة، ومثلما هناك المطلع على خبايا الأمور والقضايا هناك من يجهلها.. ومن كبرى التحديات التي تواجه إدارات العمل، صعوبة الكسب الدائم لانتباه المشاهد وتوسيع قاعدة المتلقين على مدى ساعات البث الواسعة، وهذه مشكلة ترهق أذهان جميع القائمين على القنوات وبلا استثناء، وليس كثيرا أن تخصص لهذا الشأن ندوات فكرية متخصصة واجتماعات دورية لتطوير العمل وإخراجه من الرتابة، ولإبعاد الملل عن روح المتابع.. وما يعقّد المسألة أكثر فأكثر على جميع القنوات الطامحة إلى جذب المشاهد، هو عصرية الحياة التي يعيشها الفرد حاليا وحاجته المستمرة إلى السرعة والتغيير المستمرين. لذا أصبحت المنافسة غير شريفة وتعدى البعض معايير الإعلام المنصوص عليها، كاللجوء وفي كثير من البرامج إلى الاستغلال الفكري للمتلقي أو إغرائه عبر الكم المتنوع من المذيعات ومقدمات البرامج ذوات الشفاه السلكونية والصدور شبه العارية والسيقان المبرومة.. وهذا لا يعني أن المساحة التي تتحرك فيها إدارات تلك القنوات قد ضاقت وأصبحت بالكاد تكفي لهذا التصرف دون غيره، وإلا لماذا لم تنتهج قنوات أخرى النهج ذاته وبقيت ملتزمة بثوابت الإعلام ولم تبحر بعيدا عنها أو على مقربة منها؟؟ لن أقحم الدين بالقضية وسأتحدث بمهنية الإعلام، ولكني سأذكركم واذكر نفسي بقول الله تعالى: " إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة "، وسأحمل الأمر على سبعين محمل حسن، أي على افتراض: أن لا قصد من خروج البعض عن الحكمة والعقلانية في إنتاج هكذا برامج تنتهك الفلسفة الحقيقية للإعلام، وسأحصر القصد على انه فقط ضيق المساحة وسخونة المنافسة.. ولكن إذا كان الأمر كذلك ألا يفترض بنا أن نعطي كل ذي حق حقه ونفرق مابين من التزم بالمعايير ومن خرقها تحت أية ذريعة كانت! المهنية الإعلامية لا تقتضي القبول بالأعذار والتغاضي عن الانحراف، إنما تستدعي منا تشخيصا دقيقا للواقع الذي تعيشه كوادر وإدارات القنوات الفضائية العربية، وتحديد مدى صدق المزاعم التي تطرحها لتبرير انتهاكها الفاضح لأخلاقيات المهنة.. وعلى سبيل التذكير لا الحصر، لنأخذ برامج الصباح المباشرة، والتي تعرض في معظم الفضائيات العربية وما يتخللها من فقرات، تقدم لمجرد البث واستهلاك الوقت، فكثيرا ما نشاهد شبان متميعون بتسريحات شعر غير عادية، وبقايا شعيرات تحت الشفاه قد أخزت اللحية العربية، وفتيات يصطنعن الغنج وقهقهات صاخبة بلا سبب، وحوارات فارغة المضمون.. صحيح أن هذا لا يحدث إلا في قنوات أفرطت بتخطيها لحدود الذوق العام، وكأنها تريد إيقاظ الغرائز فحسب، إلا أن المؤسف أن القلة الباقية من القنوات والتي يحسب لها التزامها بالذوق العام شكلا، يسجل عليها الضعف الفكري مضمونا، وعدم القدرة على اختيار الكفاءة أو المادة أو الاثنان معا في إيصال الأفكار، ولكن وحدها قناة المنار اللبنانية وعلى حد متابعتي وجدتها تسخر إمكانياتها التقنية والفنية والبشرية لخدمة الإعلام الهادف، فهي دائما ما تحاول وتنجح في التغيير والتجديد بمجال الأفكار والأساليب، لكسب رضا المشاهد، ورغم ضيق مساحة العمل؛ التي لبسها الآخرون قناعا يتذرعون بها؛ لم تنجر المنار وراء المنافسة غير الشريفة على حساب المبادئ والثوابت التي تبنتها عنوانا وشعارا لها، وبلا شك هذا النجاح لم يأتي إلا بحرص إدارتها على استقدام الكفاءات، والاهتمام بالمظهر المحترم والصوت المتميز ومواكبة التجديد والحداثة، مع علمنا التام بظروف القناة القاهرة خلال الحروب الإسرائيلية المستمرة على لبنان وتعرضها للتدمير مرات عديدة.. ومن يتابع تحديدا برنامج صباح المنار، بفقراته الهادفة وكادره وضيوفه المحترمين شكلا ومنطقا، يلمس البون الشاسع بين هذه القناة التي أشرق ضوئها من أنقاض الدمار، منارا للأفكار الطامحة والبناءة، وقنوات أخرى تستخف بالعقول لتحيلها حطاما وركاما.. [email protected]
#علي_الفحّام_العراق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|