|
الأصولية الأمريكية.. التداخل بين الأيدلوجي والسياسي
نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 2924 - 2010 / 2 / 22 - 00:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
«هناك مفهومان لمصطلح الأصولية. المفهوم الأول والذي يقصد به الظاهرة التاريخية وهي حركة الأصولية في أمريكا الشمالية التي أطلقت على نفسها ذلك الاسم وقد ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين والمفهوم الثاني والمستخلص من السمات المشتركة بين التيارات التي تتمسك بأفكار مثالية رافضة لتغيرات الواقع سواء كانت ذات مضامين دينية أو سياسية» من كتاب الأصولية الجديدة لعدة مؤلفين ألمان صادر من دوسلدروف 1990 الأصولية كظاهرة تاريخية انطلقت من أمريكا ثم انتشرت إلى أوربا، وتطورت لتخرج عن الدائرة الدينية المحددة باللاهوت المقدس (الايدولوجيا) باتجاه بلورة حركات سياسية منظمة ذات طابع محافظ تسعى إلى تحقيق أهدافها عن طريق مؤسسات وأحزاب سياسية. ويجمع الحركات الأصولية المختلفة قواعد ومبادئ إيمانية تميزها عن اللاهوت الحديث، الذي في نظرها يتسم بالليبرالية والمعاصرة، والأخذ بالمنهج التاريخي النقدي في قراءة النصوص الدينية، وتتلخص هذه المبادئ (وفقا لكتاب الأصولية الجديدة) في خمس نقاط هي 1- عصمة الكتاب المقدس من الخطا2- عذرية السيدة مريم3- افتداء السيد المسيح للبشر 4- الصعود الجسدي للسيد المسيح 5- عودة السيد المسيح لإقامة ملكوت الألف عام على الأرض قبل يوم الحساب. وتحت ضغط الحركة الأصولية التي تحولت إلى حركة قومية محافظة امتزجت فيها العناصر الأخلاقية والدينية بالسياسية، صدر قانون في عدة ولايات أمريكية بمنع مناقشة نظرية النشوء والارتقاء (داروين) ومما ساعد على انتشار الحركة الأصولية العلاقة الوثيقة مع وسائل الأعلام فقد مول ممولون أثرياء بين عامي 1910- 1915 المجلة المسماة بـ«الأصوليون: شهادة لوجه الحق» وقد طبعت بملايين النسخ وجرى توزيعها على القساوسة والأساتذة في الجامعات والهيئات والأفراد والذين على اتصال بالكنائس، ويلاحظ ان الأصولية تراجع نفوذها طيلة الفترة ما بين الحربين الأولى والثانية غير أنها أخذت بالانتعاش منذ الخمسينات في المرحلة المعتمة في التاريخ الأمريكي وهي مرحلة المكارثية، حيث استفادت المكارثية من الأصولية التي أعادت بعثها وأمدتها بكل أنواع الدعم والمساندة، وذلك لغرض استخدامها في مواجهة التيارات التقدمية، والليبرالية، واليسارية، والنقابات العمالية، والرموز الثقافية والفكرية الجادة ذات الطبيعة النقدية، و سادت أثناءها هستيريا معاداة الشيوعية، التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من المواطنين الأمريكيين، سواء بالسجن والتضييق المادي والمعنوي مثل التشهير والفصل من العمل، ووضعهم تحت دائرة المراقبة المستمرة ،ومنع أعمالهم ونتاجاتهم الإبداعية و الفكرية، واضطر الكثيرون منهم إلى الهجرة إلى أوربا وأمريكا الجنوبية، ونذكر من بينهم شارلي شابلن وجون شتاينبيك وارنست همنجواي وميلر والزوجان كوري وغيرهم الكثير. السؤال الذي يطرح نفسه هنا : لماذا هذا الصعود القوي للأصولية الأمريكية المعاصرة، وكيف تجسد، مقارنة بتراجع الأصولية المسيحية في أوربا، وتضاؤل تأثير الدين بوجه عام في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في مجتمعاتها ،التي أصبحت إلى حد كبير مجتمعات علمانية ؟ الصعود الجديد للأصولية الأمريكية يرجع إلى ما يسمى بالكنيسة الاليكترونية، ففي ظل غياب التأثير المباشر للأصولية عن طريق التعليم العام والمناهج المطعمة بالرؤيا الدينية نتيجة فصل الدين عن الدولة وغيابه عن المقررات والمناهج الدراسية، فإنه جرت الاستعاضة عن ذلك من خلال التلفزيون والإذاعة والانترنت، ومن أشهر واعظي الإعلام القس بيلي جراهام، والواعظ جيري فالويل المتحدث باسم «الأغلبية الأخلاقية» وبات روبرتسون مالك «شبكة الإذاعة المسيحية» والمرشح للرئاسة الأمريكية عام 1988 وجيم بيكر صاحب محطة «امدحوا الرب» والذي خلفه القس جيم سواجارات، وهناك أيضا المطبوعات واسعة الانتشار مثل سلسلة «الصليبي» الروائية للأطفال وقد دعمت الأصولية الأمريكية انتخاب الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان (1980- 1988) حيث دعا جيري فالويل إلى تحالف علني بين الأصولية والمحافظين الجمهوريين الجدد، ويرى أنصار هذا الاتجاه أن أمريكا تحمل رسالة إلهية للعالم، وقد جاء في خطاب دوري من «الصوت المسيحي» وهي منظمة اليمين الجديدة «أمريكا كشعب وأمة أعطت بتاريخها القصير أعظم وربما آخر موطن كبير للإيمان فهي معروفة بأنها امة مسيحية بين جميع شعوب العالم ومن هذا يستنتج أن أمريكا وشعبها هدف خاص للشيطان عندما يحاول أن يبتلع الأرض وما عليها» ويعزى فوز الرئيس الأمريكي السابق ريغان إلى عدة عوامل، منها الدور الذي لعبه المعسكر اليميني المحافظ (البروتستانتي) عن طريق رجال الكنيسة ووعاظ التلفزيون والإذاعة. لقد أصبحت الأصولية ذات وجه سياسي من خلال رئاسة ريغان الذي ذكر في إحدى حملاته الانتخابية «إنني اعتقد انه هو قد بدأ في انتقاء بلادنا المباركة... بدا وكأن أمريكا تكاد تفقد قواها الدينية والأخلاقية وتنسى الإيمان وقيمه التي جعلتنا خيرين والتي نشأنا عليها.. ولكن القدير الذي وهبنا هذا البلد العظيم (طبعا بعد إبادة سكانه الأصليين- الإضافة من عندي) أعطانا أيضا حرية الإرادة والقدرة على اختيار قدرنا, الأمريكيون قرروا إيقاف تدهور دام طويلا... واليوم تعيش بلادنا ميلادا جديدا للحرية والإيمان – انتعاشة قومية عظيمة». وفي أثناء رئاسة ريغان رسخت منظمات أصولية عدة قوتها وتوسعت مثل «الأغلبية الأخلاقية» و«اتحاد الحرية» و«اتحاد المحافظين الأمريكيين» و«التحالف الأمريكي للقيم الموروثة» و«الصوت المسيحي» و«حركة من أجل الأسرة». إن أهم سمات الحركة الأصولية الأمريكية تتمثل في الوطنية المتدينة الشديدة، وتأييد النظام الاقتصادي الرأسمالي (الليبرالية الجديدة) والملكية الفردية، والدعوة إلى استقالة الدولة عن مهامها ووظيفتها (الدولة الراعية) الاجتماعية، كما ترى العالم من زاويتين وبعدين فقط، هما الخير والشر، لذا ليس صدفة أن يطلق الرئيس الأمريكي السابق شعاره الشهير «إمبراطورية الشر» على الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، في مواجهة الولايات المتحدة التي وصفها بأنها تمثل قوى الخير، وذلك إبان الحرب الباردة، وكررها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في صيغة «محور الشر» و«من ليس معنا فهو ضدنا». الأصولية الأمريكية عاشت عصرها الذهبي في ظل الإدارة الأمريكية السابقة التي يقودها تحالف المحافظين والمسيحيين الجدد ومعهم اللوبي الصهيوني المتنفذ.
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التقرير الأول ل - جمعية الدفاع عن حقوق المرأة في السعودية -
-
الأصولية الأمريكية -الجذور والمكونات
-
الأصولية الكاثوليكية.. الموقف من الحداثة ولاهوت التحرير
-
الأصوليات الغربية..الأصولية الكاثوليكية
-
الدولة العربية والمسألة الطائفية
-
الدولة العربية ومستقبل المشروع القومي
-
الدولة العربية الحديثة وأسئلة النهضة
-
إشكالية نشوء الدولة العربية - الحديثة -
-
الدولة وسياق العولمة
-
هل يخرج العرب من التاريخ ؟
-
هل يصلح أوباما ما أفسده بوش؟ ( 6 )
-
باراك أوباما والتركة الداخلية الثقيلة ( 5 )
-
هل ينجح أوباما في إستعادة - الحلم الأمريكي - ؟ 4
-
تحت شعار «التغيير».. انتصار كاسح لباراك أوباما ( 3 )
-
ظاهرة أوباما في المشهد الأمريكي ( 2 )
-
ظاهرة أوباما تعبير عن أزمة أم مؤشر للتغيير ؟ ( 1)
-
الميزانية والميزان 3
-
الميزانية والميزان 2
-
الميزانية والميزان «1»
-
الذكرى الأولى لرحيل المفكر والمناضل المصري الكبير محمود أمين
...
المزيد.....
-
تسفي كوغان: الإمارات تقبض على 3 أوزبكيين بتهمة قتل الحاخام ا
...
-
في رحلة لعالم الروحانيات.. وزان المغربية تستضيف الملتقى الدو
...
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|