لطيف شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 2924 - 2010 / 2 / 21 - 07:28
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
دكتور طارق حجي يتناول الشأن القبطي في كتابه سجون العقل العربي بحكمة ومهارة وايضا بجرأة وشجاعة وبتقنين طبيب متخصص في تشريح(PATHOGOGIST ( جسد الوطن المصري ولم يكتف بالتشريح كعادة البعض وتحديد المرض بل وضع الحلول الايجابية والناجعة و قام بدور الجراح الحاذق ( SURGEON ) ليبتر اصل الداء( سرطان التعصب )الذي يكاد ان يتفشي في الجسم كله وحتي يجنب الوطن اخطارا قد تأتي علي الاخضر واليابس .. يقول سيادته عن المشاكل الكبري التي يعاني منها الاقباط وقد اوجزها في الاتي :
- وجود مناخ عام تشيع فيه في بعض الأزمنة وفي بعض الأمكنة روح التعصب التي يستشعرها القبطي بحساسية عالية وبمجرد ذكر اسمه .
- وهناك الشعور السائد بين الاقباط أن تمثيلهم في الحياة العامة والمناصب الكبري قد إنخفض تدريجيا خلال السنوات الخمسين الأخيرة حتي بلغ حد عدم إنتخاب قبطي واحد في مجلس الشعب .
- وهناك ايضا الأحداث المحتقنة التي تقع بين الحين والآخر مثل أحداث الكشح ( الكتاب صدر قبل مذبحة نجع حمادي )
وفيما يلي بعض الملاحظات التحليلية علي جوانب من الشعور القبطي بالتأزم من تلكالمسائل :
- أما المناخ العام الذي توجد في كثير من مواقعه روح تعصب بغيضة , فهو أمر لم يحدث بقرار حكومي أو سياسي وإنما جاء كنتيجة طبيعية لهزيمة المشروع المصري النهضوي وما واكب هذه الهزيمة ( لاسيما منذ يوليو 1967) من تصاعد للفكر والثقافة الأصولية والتي عرضت نفسها كبديل عن قادة المشروع النهضوي , ومع استشراء مفردات ثقافة هذا التيار ( وهو التيار الذي قتل انور السادات ونفذ العديد من الجرائم الآخري) تشبع المناخ العام بروح متعصبا من الأقباط . وكما قال مفكر مصري مرموق : فكلما انهزم المشروع النهضوي في مصر إنعكس ذلك بالسلب علي فريقين من ابناء مصر هما النساء والاقباط - والعكس صحيح , فمع إزدهار جو ثقافي نهضوي تكون الاراء السائدة تجاه المرأة وتجاه الأقباط متحضرة وموائمة للعصر والتمدن . ولكن إذا كان من الظلم أن نقول أن النظام السياسي في مصر اليوم هو سبب وجود هذا المناخ العام الذي ينتشر في ظله في بعض الأحيان وفي بعض المواقع "التعصب " في مناخنا الثقافي العام من خلال ضرب المثل والقدوة ومن خلال برامج التعليم والاعلام ,فبوسع الحكومة من خلال ذلك التعامل الفعال والناجح مع ثقافة التعصب . ولكننا نحتاج هنا لرؤية شاملة تبذر بذورها في برامج التعليم كلها وفي وسائل الاعلام والانشطة الثقافية بل وتبذر في المنابر الدينية , فلا امل في التقدم اذا وقفت المؤسسات الدينية الاسلامية موقفا مناهضا لمشروع ثقافي بهدف لاستئصال شأفة التعصب من مناخنا العام - وهنا فإن علي الازهر ان (يقاد) من طرف رؤية النظام لا أن (يقود) , فترك أي أمر لرجال الدين يعني قبول انتشار ثقافة ثيوقراطية لا يمكن بالمنطق والتنجربة أن تكون من أنصار ثقافة عدم التعصب والقبول العميق بحق الآخرين في الاختلاف ( وهنا فاننا نتحدث عن حالة واضحة من حالات الاختلاف في ظل منظومة الوحدة ).
- واي زعم بان النظام السياسي الحالي في مصر بطبيعته عدو لهذ الفكر هو زعم غير صحيح فالنظام لم يخلق –في اعتقادي –روح التعصب وإنما " سكت" علي وجودها زمنا طويلا ثم أكتشف عن قرب أن الفكر الواقف وراء ثقافة التعصب هو العدو الأول للنظام وهو الذي أفرز حادثة المنصة وحادثة أديس أبابا وغيرها من الأحداث التي ماهي إلا ذروة ثقافة معينة.
- وأما الشعور السائد بين الاقباط أن تمثيلهم في الحياة العامة والمناصب الكبري قد إنخفض بشكل كبير خلال العقود الاخيرة , فذلك حقيقة تثبتها مئات الاحصائيات ولا ينبغي أن نفهم علي ان النظام يقصد ذلك ( ومع احترامي للكاتب لدي مايثبت عكس ذلك تماما فالنظام هو الرأس وان لم يكن هذا فيستطيع ان يمنع)ولكن الحكومات المتوالية سمحت بتفاقم الظاهرة وأصبحت هذه الظاهرة السلبية يتعاظم حجمها في ظل مناخ من عدم رؤيتها وهو مايستحق الدراسة , وان كنت اعتقد أنه يفسر بثقافة ذاعت وشاعت في حياتنا العامة خلال العقود الاخيرة ..جوهرها إنكار المشكلات والحديث بإصرار علي أنه ليس في الامكان أبدع مما كان وهي ظاهرة تخرج من رحم بعد ثقافي آخر هو عدم قبول النقد وعم تأصيل القدرة علي ممارسة النقد الذاتي وقد يدفع البعض قائلا أن السبب الوحيد هو سلبية الأقباط وانكبابهم علي الانشطة المالية – والحقيقة أن هذا من باب وضع الحصان أمام العربة , فالاقباط سلبيون لاشك ,كما أنه لاريب أنهم إنصرفوا الي الانشطة المالية والاقتصادية ولكن ذلك كان نتيجة لامقدمة : نتيجة لانغلاق أبواب عديدة أمامهم وهو أصحاب الكفاءات الحقيقية التي لايجوز لعاقل أن ينكرها ,
- ورغم يقيني أن التحليل الوارد أعلاه سليم إلا انني أعلم أنه ناقص : أن هناك أبوابا عديدة , مغلقة أمام اصحاب الكفاءات العالية من الاقباط فإن معظم هذه الابواب أيضا مغلق أمام أصحاب الكفاءات العالية بوجه عام , فاساس اللعبة هو المشاركة في المطبخ السياسي الذي تكون خلال العقود الاخيرة وهومطبخ منفر بطبيعته لأصحاب الكفاءات إذ إنه يقوم علي قواعد من الولاء الشخصي وغير ذلك من مفردات المطبخ السياسي المصري المعاصر وهي مفردات لأصحاب الكفاءات وأصحاب الكبرياء .
أما الاحداث المختلفة التي تقع بين الحين والآخر مثل أحداث الخانكة ومرورا بعشرات الاحداث حتي نصل الي مآس الكشح الحديثة ( مذبحة نجع حمادي جاءت بعد اصدار الكتاب ) فانها ناجمة عن عناصر واضحة لعل أهمها :
- الرغبة في تصغير حجم مايحدث خوفا من آثار إنعكاس الحقيقة علي سمعة مصر – والحقيقة أن سمعة مصر تخدم بمواجهة الحقيقة لا بادارة الظهر لها .
- تفشي ثقافة تجاهل المشكلات والتغني بالانجازات ومدح الذات .
- عدم أخذ العبرة من الجهود المخلصة التي بذلت في دراسة وتحليل مثل هذه الاحداث وأشهر الامثلة علي ذلك عدم الاستفادة من التقرير المشهور بتقرير الدكتور العطيفي عن أحداث من هذا النوع وقعت في السبعينات وكان يمكن الاستفادة القصوي منها لولا ذيوع ثقافة أن ماحدث أمر بسيط (قتل 86 قبطي بخلاف اصابة المئات وتدمير محلاتهم وحرق منازلهم ) حرضت عليه قوة خارجية تريد السوء لمصر( اسطوانة مشروخة).
- وفي كل الاحوال فاننا ندعو لا لتوجيه إتهام أو لوم لأحد وإنما لدراسة موضوعية محايدة تهدف للوقوف علي عناصر مايحدث ولا تهدف للقول بأن الحكومة تضطهد الأقباط ( اذن ماذا نسمي تكرار الحوادث وتصعيدها ؟) فليس من الحكمة او العقل ان يكون هذا هو الهدف كما انه ليس من الحكمة والعقل أن يقال أن كل شئ علي مايرام
( أري ان د. حجي يقدم تبريرا مهذبا للحكومة عن الافعال المشينة التي لايتحمل مسئوليتها احد سواها ...وهذا ما تقوله الاحداث الجارية علي سطح الوطن ويؤيده العقل والمنطق)
والي لقاء في المقال الرابع والاخير
#لطيف_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟