أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامية نوري كربيت - التجربة الديمقراطية في تركيا















المزيد.....

التجربة الديمقراطية في تركيا


سامية نوري كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 2923 - 2010 / 2 / 20 - 22:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان التاريخ الداخلي للإمبراطورية العثمانية طوال سبعة قرون(1299-1923 )، وهي مدة حكمهم، بعد أن انشأ الأتراك دولتهم في أسيا الصغرى، تاريخا من الحروب بين السلاطين، والتحالفات المتبدلة، والحكم الفردي المستبد بجميع أشكاله. وعلى أثر هزيمة الإمبراطورية في حروب عديدة على أيدي عدد من القوى الغربية، بدأ السلاطين في السنوات الأولى من القرن الثامن عشر ،إصلاحات في تدريب الجيش العثماني، وإعادة تنظيمه , فقد انشأ السلطان محمود الثاني (1808-1839) ،جيشا جديدا على غرار الجيوش الغربية، واستمرت عملية مركزة الجيش وتحديثه دون توقف بعد ذلك ،خاصة وان الطموح لبناء مركز للسلطة او أعادة بنائه قد تبلور ضمن سياق علاقة القوى فصعود الأعيان الذين استفادوا من ترسخ موقعهم الذي توطدت دعائمه من جيل الى جيل يؤكد فشل النموذج الامبرطوري، وضعف قدراته السياسية ويعبر عن التراجع المتوازي للسلطة المركزية و قدرة هؤلاء الأعيان على ممارسة فرض الضريبة بالنيابة عنها , وعن الاعتراف التدريجي بوظيفتهم كممثلين للسكان وعن أهليتهم في مناطق الأطراف في تعبئة الجماهير ضد النظام السياسي المركزي , وهكذا يمكن القول ان السلطة المركزية سعت الى البناء الذاتي في الزمن غير الملائم أي عندما كانت سلطة فرض الهيبة قد ولت .
بدأت حركة تركيا الفتاة نشاطها في ستينات القرن التاسع عشر على أيدي مجموعة من الضباط الشباب، وكان هدف هذه الحركة الأساسي ،إنشاء حكومة دستورية كانوا يرون فيها علاجا سوف يمنع حصول المزيد من تدهور الامبراطورية . وقد نجحت الحركة في إجبار السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 على إصدار الدستور العثماني الأول عام 1876 واجتمع البرلمان الأول( مجلس المبعوثان ) ، عام 1877 , لكن هذا التطور أوقف بسبب استبداد السلطان عبد الحميد الثاني وتعليقه الدستور وحله البرلمان . أما المحاولة الثانية التي أعيد العمل فيها بالدستور فكانت بعد نجاح الانقلاب العثماني في 23 تموز-يوليو عام 1908 والذي قادته جمعية الاتحاد والترقي وقد ابتدأت حركة دستورية تواصلت مع إقامة الجمهورية عام 1923 بزعامة الجنرال مصطفى كمال (أتاتورك ) , وعمل أتاتورك وهو لقب تركي يعني أبو الأتراك على إخضاع الجيش للسيطرة المدنية , وكان هذا الأمر من بين الإصلاحات الرئيسية التي دافع عنها أتباع حركة تركيا الفتاة, وقد أطلق أتاتورك كزعيم لحزب الشعب الجمهوري النظام الحزبي الحديث للشعب التركي وبهذا بدأ تحول تركيا نحو الديمقراطية .
كانت السياسة التركية- منذ نهاية الحرب العالمية الثانية –واقعة تحت تأثير تحول سريع الى الديمقراطية ففضلا عن التعبئة الاجتماعية ، انصبت الجهود التركية على سياسة تعددية الأحزاب المؤسساتية , واعتماد تأثير شعبي على عملية صنع القرار السياسي , ومن هنا أظهرت عملية التحضير تلك أكثر النتائج أهمية لعملية إضفاء الديمقراطية . كما أغنت عملية النمو في مجال الصناعة وفي التجارة وقطاع الأعمال الخاصة في الاقتصاد الرأسمالي المتبرعم لخمسينات القرن الماضي عملية تعبئة اجتماعية سريعة اكتسبت تسارعا بحلول أواخر الخمسينات , وتسرعا اكبر خلال ثمانينات القرن الماضي , وهكذا تغيرت العلاقة بين الأطراف المحيطة للمجتمع التركي ومركزه مرة واحدة والى الأبد , لقد أصبحت البلاد حضرية وصناعية وديمقراطية على نحو متزايد , في غضون ذلك كان حكم الحزب الواحد لحزب الشعب الجمهوري الذي كان قد تأسس قبل إعلان الجمهورية التركية سنة 1923 قد وصل الى نهايته سنة 1945 .
وهكذا تم ربط التحديث السياسي بالتحديث الاجتماعي على أسس مختلفة عن الأسس التي كانت متوقعة , وبدأت تدريجيا نخبة سياسية تتشكل كانت تستمد انجازاتها المتعالية من أعمال التحديث السياسي في الغرب , هذه النخبة التي برزت تدريجيا خلال القرن التاسع عشر داخل الامبراطورية العثمانية وبدأت تتمايز يوما بعد يوم عن الطبقة السياسية الحاكمة القديمة , حتى شكلت طبقة سياسية مستقلة ومختلفة .
هذه الثنائية في الأنظمة السياسية يمكن تفسيرها في البدء بالأصول الاجتماعية والمحتدية , إذ كان الشباب الأتراك ما زالوا يرتبطون بصيغة من الانتماء التقليدي وينتسبون في معظمهم الى عائلات الأعيان حين صدور التنظيمات الأولى , فان الشباب في بداية القرن العشرين كانوا ينتمون الى أرومة مختلفة وينتمي قسم منهم الى البرجوازية الصغيرة المدينية ويتميز بخاصة بسجل مدرسي وجامعي يجعله مميزا بوضوح عن بقية المجتمع.
هذا التطور السوسيولوجي كان يتماشى مع إعادة تحديد مصالح الفئة الاجتماعية , هذه الفئة التي لا تنتسب الى الارستقراطية العقارية والتي كانت تعارض سلطتها , كما لا تنتمي الى الجماهير الفلاحية ولا المدينية , هذه النخبة لم تكن تملك من استراتيجيات ممكنة سوى استراتيجيات انجاز بناء المسرح السياسي ومواصلة العمل على التحديث السياسي . وبقيت تركيا على الحياد خلال الحرب العالمية الثانية واثر تلك الحرب تحركت بسرعة لتحدد هويتها أكثر فأكثر بالغرب , وبإتباعها بشكل واضح نماذج غربية فقد تحولت من حكم الحزب الواحد الى نظام تعدد الأحزاب المتنافسة وسعت الى ان حققت أخيرا عضوية حلف شمالي الأطلسي في عام 1952 وبالتالي أكدت نفسها كعضو في العالم الحر .
ولقد تأسست في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية أحزاب سياسية جديدة ومن بينها الحزب الديمقراطي الذي فاز بالانتخابات العامة سنة 1950 , وأفرزت السياقات الانتخابية بين الأحزاب السياسية الممثلة لمواقع أيديولوجية متنوعة عبر النطاق الممتد من اليسار الى اليمين منذ خمسينات القرن الماضي وعبر الأطراف المحيطة مقابل المركز أفرزت تفوقا حاسما للأطراف المحيطة واليمين في وقت واحد , بل حتى أقصى يمين الأيديولوجيات في السياسات التركية .
ويعود الفضل في عملية التحول الديمقراطي في تركيا الى حصول العديد من أفراد أحزاب الأطراف المحيطة على السلطة وعن طريق الاعتراف الاجتماعي بهم , وكذلك عن طريق الخدمة في المؤسسات الحكومية بصفاتهم نوابا في الجمعية التركية الكبرى ووزراء في الحكومة ونواب عامون وقضاة , وفي جهاز السكرتارية لوزراء الحكومة ومديرون عامون لاستثمارات الدولة الاقتصادية . ولقد أسهمت أيديولوجية الأحزاب الحاكمة التي أكدت تطبيق سياسات اقتصادية ليبرالية ضمن اقتصاد رأسمالي من خلال منظور توفير مساحة اقتصادية لمبادرة مسعى تجاري خاص , كذلك عبدت عملية التحول الديمقراطي الطريق الى إقامة جمعيات سياسية واجتماعية متعددة وأحزاب سياسية متنوعة .
من هنا أصبح بإمكان الأفراد منذ خمسينات القرن الماضي اتخاذ مبادرات سياسية ومدنية بإنشاء جمعيات مع أفراد آخرين من العقلية نفسها فظهر مجتمع مدني متبرعم بدافع إضفاء الديمقراطية على النظام السياسي لكن لم تكن هذه العملية سهلة وسلسة , لقد مر المجتمع المدني في تركيا ولا زال بانتكاسات قاسية وارتدادات سريعة ضمن بيئة ثقافية تشكلت بين المركز والأطراف المحيطة وبيئة اجتماعية – سياسية من التغيرات والتحولات والاضطرابات السريعة .
ان النظرة التنزيهية للدولة من جانب الجمهور والنخب ،عجلت بظهور ميل علمي الى تصوير تركيا دولة ذات تقليد قوي موروث بعضه من الامبراطورية العثمانية , ويبدو ان هناك توجها مناصرا لحكم الدولة ألاستئثاري في تركيا يشدد على تفوق الجماعة على الفرد , والنسق المتشابه على التنوع , وفهم للقانون يعطي التفكير العقلي الجمعي ميزة , مثل هذا التوجه نحو الدولة هو عون على فهم السياسة باعتبارها قيادة الجماهير الجاهلة وتعليمها من خلال تدخل الدولة أو النخب البيروقراطية .
في ظل هذه الظروف، لا يتوقع المرء ان يجد أدلة كافية على جذور المبادرة المدنية، ولا على التنشيط الطوعي الضروري لإعادة تشكيل الدولة والانغماس فيها , وان تفسير العلاقات بين الدولة والمجتمع المدني المتجذرة عميقا في التاريخ والثقافة لا يفسح المجال ان نكون عادلين في نظرتنا إلى الإمكانات الكامنة للتغيير في النظام السياسي او حتى في المجتمع نفسه , والمقصود هنا هو ان التقاليد قد تكون مهمة ولكن الهيكليات السياسية والسلوك تميل الى التعديل مع مرور الزمن حيث يشير المجتمع المدني الى سياق اجتماعي يتقرر بهيكليات وعمليات ومؤسسات تنبع بدورها من أفعال طوعية وخاصة لأفراد مواطنين , من هنا يعني المجتمع المدني ضمنا فقدان تدخل الدولة او السلطة الوطنية المركزية في الشؤون الخاصة للمواطنين , ان الاستقلال الذاتي والأفعال النابعة من الذات لكل فرد هي التي تقرر خلاصة المسالة التي تكون المجتمع المدني والذي ينصب تعريفه على حرية الإرادة وصنع القرار المحلي والعقد الاجتماعي الذي لا تعكر صفوه الدولة .
وتكمن المشكلة في ان الدولة تعرض موقفا مغايرا من الجمعيات التي تدعو الى تغييرات جذرية في النظام الجمهوري أو في نظام الحكم , فمنظمات حقوق الإنسان التي تدعو الى إنهاء الدولة الموحدة وتبني النظام الفدرالي والى التمتع بحقوق خاصة لمجموعات أثنية كالأكراد , او النساء اللواتي يتحجبن بغطاء الرأس على أسس دينية تجتذب تعاطفا او تسامحا ضئيلا من الدولة , وتسعى السلطات السياسية الى استخدام السلطة التنفيذية بطريقة تعسفية نسبيا لإقامة قوة تأديبية لقمع تحديات فعلية او كامنة للمؤسسة فكان إصدار دستور 1982 الذي عزز تفوق السلطة التنفيذية ووطدها، باعتبارها القيمة الأساسية للنظام السياسي وقد صمم لإضفاء صفة القانونية ان لم تكن الشرعية على مثل هذا الأسلوب من الحكم .
إن استخدام السلطة التنفيذية استخداما استبداديا لاشك يجعل من المجتمع المدني مجتمعا هشا عن طريق ترهيب الكثيرين ممن كانوا يفكرون في النشاط المدني الايجابي. كما انه قد يبعد تركيا عن المسار الديمقراطي الذي امتازت به بكونها من أولى الدول- ليس فقط الإسلامية او الشرق أوسطية فقط بل دول العالم الثالث قاطبة -التي طبقت ومارست الديمقراطية كأسلوب حياة وحكم .



#سامية_نوري_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة الديموقراطية والمواطنة
- النظام الديموقراطي هو الحل للوضع العربي الراهن*
- الديمقراطية ومعوقاتها في دول العالم الثالث*


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامية نوري كربيت - التجربة الديمقراطية في تركيا