|
السفر عبر آلة الزمن (المعرفية) لنفقأ عين الفتنة
رابحة الزيرة
الحوار المتمدن-العدد: 2923 - 2010 / 2 / 20 - 10:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
السفر عبر آلة الزمن (المعرفية) لنفقأ عين الفتنة
ثمّة نكهة خاصة لتحليل التاريخ وفهمه إذا ما توثّقت عراه بالحاضر واتُّخذ مرصداً لاستشراف المستقبل، فتكون قراءة التاريخ بوعي بمثابة رحلة عبر الزمن بالانتقال إلى الأمام أو الوراء من نقاط مختلفة في الزمن، بل ويسمح للسفر بين أكوان متوازية، وقد تقدّم العلم في فهم هذه الظاهرة وتفسيرها ولم تعد ضرباً من الخيال، فعبّرت عنها بذكاء بعض أفلام الخيال العلمي التي تتيح الفرصة لأبطالها للانتقال عبر الأزمنة المختلفة ليطّلعوا على أحداث كبرى حدثت على مناطق مختلفة على الأرض، كمشاهدة سقوط القنبلة الذرية على هيروشيما مثلاً، ثم الانتقال إلى زمن آخر لمشاهدة كارثة طبيعية في بقعة أخرى من الأرض قبل وبعد وقوعها، أو معاينة حربٍ أهلية، ورصد انتصار هنا وهزيمة هناك، ليعيش في قلب الحدث .. وكذلك هي قراءة التاريخ.
كثيراً ما نسافر عبر التاريخ إلى الوراء لأخذ العبرة منه، ولكن نادراً ما نمتطيه لينقلنا سنين إلى الأمام ربما لأنّ السفر عبر الزمن إلى المستقبل أكثر غموضاً وتعقيداً وبحاجة إلى معطيات أكثر لحلّ مجاهيل متعددة عدا عن عنصر المفاجأة الذي قد يفسد كل التوقعات لمن يعتمدون على الحسابات المادية فقط ويغفلون الشق المعنوي في حساباتهم الذي لا يتأتّى إلا لذوي البصيرة والرؤية المستقبلية النافذة، وهذا يصدق على الأفراد كما يصدق على الشعوب والأمم، وكما أن أمّة بلا تاريخ هي أمة بلا جذور، فإن أمة بلا مستقبل مدروس ومبني على حسابات صحيحة (مادية ومعنوية) أمة مجهولة المصير.
في السابق كانت الأحداث تأخذ زمنا طويلاً حتى تتكشف الحقائق والنتائج المترتّبة عليها، ربما لشُحّ المعلومات بسبب التكتّم والسريّة، أو صعوبة تداولها لعدم وجود وسائل الاتصال سريعة الانتشار المتاحة اليوم، فكانت الجرائم التي تُرتكب بحق الأمم والشعوب – بشتّى أنواعها العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والأخلاقية - تتكرّر بحذافيرها في مناطق مختلفة من أنحاء العالم دون أن يتاح لها المجال للاستفادة من تجارب الأمم التي سبقتها، بل لا تكتشف الأمة الواحدة حجم الأذى الذي أصابها جراء تطبيق سياسات معينة ضدّها إلا بعد أن تدفع عدّة أجيال الثمن غالياً، ليأتي أخذ العبرة من التأريخ متأخراً في بعض الأحيان، وبلا جدوى في أحيان أخرى.
اليوم تغير الوضع - إلى حدٍّ ما - ولم تعد بعض الأمور بحاجة إلى انتظار طويل أو إلى سفر عبر الزمن حتى تكشف عن وجهها الحقيقي وإن كانت لا تزال بحاجة إلى جهد جهيد للخروج من هيمنة النظام العالمي المحكم لتأخذ الحياة (مستقبلاً) مجراها الطبيعي، فنقرأ على سبيل المثال في تاريخ الثورة البرتقالية في أوكرانيا التي بدأت قبل خمسة أعوام بفوز المرشّح المؤيّد من قبل أمريكا "يوشينكو" بزخم جماهيري كبير وبانقلاب (استعراضي) على نظام الحكم آنذاك المؤيّد لروسيا على أمل أن يُعطى الناس حقوقهم وتتحسّن أوضاعهم الاقتصادية وتتخلّص الدولة من الفساد المالي والإداري، فخرج مئات الآلاف في مسيرات احتجاجية تحت شعار: "تحوير الحقائق، لا .. للرشوة، لا .. لا للفكر الكاذب"!
فتغيّر نظام الحكم في أوكرانيا مائة وثمانين درجة دون أن تُسكب قطرة دم، أو يُخدش جدار بل في مهرجانات صخب وفرح راقصة، ولكن بتمويل سخي بملايين (الدولارات) من الخارج لتنتقل من معسكر الشرق إلى معسكر الغرب، وعندما سُئل "يوشينكو": "هل ستقدّم استقالتك إذا لم تحقّق ما وعدت الناس به خلال عام"، ردّ قائلاً: "لن أستقيل من منصبي لأني سأفي بكافة الوعود وكل ما أتفوّه به سيكون حقيقة"، ولم يفعل طبعاً .. ولعلّه لهذا السبب أُخرج من الجولة الأولى للانتخابات الأوكرانية في يناير الفائت بعد أن حصل على ستة في المائة من أصوات الناخبين فقط! ما يعني أنّ ملايين الناس ممّن صوّتوا ضدّه استطاعوا أن يخرجوا من برمجة "الثورة البرتقالية" في أقل من خمس سنوات، ودون الحاجة إلى السفر عبر الزمن بل بقراءة واعية للواقع، وشجاعة للاعتراف بخطأ الحسابات السابقة، وإرادة لتغيير المستقبل.
الثورات المخملية الملوّنة – ولكن ليس بلون الدم – لا مجال لتجربتها في الأنظمة الاستبدادية لانعدام أية فرصة للتداول السلمي للسلطة نتيجة لوجود مرشّح واحد سيفوز بالوراثة أو بأغلبية ساحقة فيها، ولكن هذا لا يمنع الاستفادة منها لتحذير الشعوب من الانخداع بالشعارات الرنّانة التي تريد أن تخرجهم من نظام سلطوي حاكم إلى آخر ديكتاتوري معارض.
ومع تراكم الخبرات العالمية والإقليمية الموثّقة والمتنوعة في زمان باتت جُلّ المعلومات في متناول الباحث عنها، وأخطر الأسرار تُكشف عند أوّل بادرة خلاف بين المتحالفين، أو نزاع على سلطة بين المتشاكسين فإن المسافة للمتنقّلين في "آلة الزمن" (المعرفي) تُختصر ليغدوا – إن شاءوا - دواوين علوم السابقين، فلا مجال بعد ذلك للتعلّل بعدم القدرة على صناعة المستقبل وتحديد معالمه ووجهته لمن يريد، ولكن لابد من بذل الجهد لقراءة التاريخ والواقع بموضوعية مادمنا خارج دائرة العنف، فهناك دماء تراق وفتن تضطرم في العالم من حولنا فإن لم نكشف خططهم، لنمسك بخيوط مستقبلنا، فسندفع الثمن مضاعفاً؛ ثمن الجهل، واللامبالاة.
#رابحة_الزيرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عمتِ صباحاً يا أمة الإنسانية
-
قانون أحكام الأسرة .. وحكايات ألف ليلة وليلة
-
تسيير موكب عزاء أو قافلة نصرة
-
اهجر (ما تحب) لأجل (من تُحب)
-
سرّ التفرّد الصهيوني
-
المُواطن والوطن.. سندريلا في بيت أبيها ..
-
في العيد .. فسحة للتأمّل
-
بحثاً عن -ماء حياة- الإنسانية فينا .. هاجر أنموذجاً
-
يدي تفنى .. ويبقى كتابها
-
لتعارفوا
-
بين ديناميكية الاجتهاد وميكانيكيته
-
احذر أن تفضحك لغتك اللاواعية
-
الخروج من قوقعة التعصب يبدأ بسؤال
-
وحدها الظهور المحنية تصلح لتكون مطيّة
-
إن لم يوحّدنا العيد .. فلنسمح للحكمة أن تفعل ..
-
سلَك الوادي وحده.. وما يزال
-
قرآن مترجم بمذاق غربي
-
ناصبو الراية بغواية .. وغاصبو الدين لغاية
-
سقيا رمضان .. من رمضاء المحبة
-
راية الدين حين تنتصب منكوسة بيدِ حمَلتِها
المزيد.....
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|