|
هل يمكن الخروج من حالة الدولة الرخوة في العراق
فلاح خلف الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 2921 - 2010 / 2 / 18 - 15:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أن أول من استخدم مصطلح الدولة الرخوة The Soft State هو الاقتصادي السويدى جونار ميردال الحاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد لعام ١٩٧٤. في أكثرها أعماله قيمة واكبرها حجما، والمكون من أربعة أجزاء تحت عنوان «الدراما الآسيوية – بحث فى فقر الأمم»، الذى نُشر فى عام ١٩٦٨ الذي عبر فيه ميردال عن تشاؤمه بشأن فرص التقدم والتنمية في الدول المتخلفة خاصة دول جنوب آسيا، وعلى وجه الخصوص الهند. ولم يتوقف ميردال عند تحليل العوامل الاقتصادية بل ركز ايضا على العوائق السياسية والاجتماعية والثقافية التى تحبط جهود التنمية و يعبر مصطلح الدولة الرخوة عن حالة الدولة التي تعانى من ترهل جهازها الإدارى الذى يستأثر باختصاصات عديدة ويضيق خناق المبادرات الفردية على حين يبدو عاجزا عن القيام بهذه الاختصاصات والمهام لوقوعه فريسة عدم الكفاءة، وانتشار الفساد والمحسوبية، والانصراف للحصول على مكاسب وريوع خاصة من وراء الوظيفة العامة، والخضوع لأصحاب النفوذ، وانعدام الرؤية الإصلاحية والتخطيط المحكم والرقابة الفاعلة، و باختصار فأنه يتميز بسيادة الفساد كقانون داخلي وأن النسبة الغالبة للثروة ذات طابع ريعي أو طفيلي أو غير انتاجي ، وعدم احترام القانون تشكل المواصفات الرئيسة للدولة الرخوة فضلا عن غياب السعى للمصلحة العامة، وعدم الخضوع المستمر لتقييم ومحاسبة المواطنين أو ممثليهم الحقيقيين. أن وجود مثل هذه الدولة يشكل عائق حقيقى ضد جهود التقدم والتنمية، ولذلك يتعين اتخاذ خطوات إصلاحية شجاعة لتغييرها عن طريق تقليص حجمها وتخليصها من مهامها ووظائفها غير الجوهرية، وتركيزها على رسالتها الحقيقية ورفع كفاءة القائمين عليها وحسن اختيارهم وإنفاذ القوانين بكل صرامة وعدالة، ومحاربة الفساد صغيرا أو كبيرا، وكذلك النفوذ والمحسوبية. ولابد لنجاح هذا الإصلاح من تدخل الدولة لضمان كفاءة المرافق العامة، وتحقيق عدالة مقبولة فى توزيع الثروات والدخول، ودعم الصناعات والمشروعات الوطنية الوليدة لمجابهة مشكلة البطالة، ودعم التعليم للقضاء على الأمية والتسرب والجهل، والتأثير على العادات والسلوكيات لجعلها أكثر إيجابية وأقل سلبية، وتشجيع الحراك الاجتماعى عن طريق محاربة جميع أشكال التمييز السياسى أو الاقتصادى أو الاجتماعى بين المواطنين. إصلاح الدولة أمر حتمى لتحقيق التنمية والرفاهية، ولا يغنى عنه تدفق الدخول الريعية أو المساعدات أو الاستثمارات الأجنبية، ولذا أكد ميردال فى محاضرته فى مارس ١٩٧٥ فى ذكرى ميلاد ألفريد نوبل أن ما تحتاجه الشعوب الفقيرة ليس تدفق الأموال، لأن توزيعها فى ظل الفقر المنتشر والتهرب الضريبى السائد بين الأغنياء لن يقود سوى إلى زيادة التضخم ومن ثم إلى مزيد من الضرر بالفقراء، ولكن ما تحتاجه بشدة هذه الشعوب هو تغييرات جذرية فى ظروف حياتها وظروف عملها لتحقيق المزيد من العدالة والكفاءة فى نفس الوقت، وهما هدفان لا ينبغى فصلهما بأى حال خاصة فى الدول النامية. وفى اعتقاد ميردال يعتبر الإصلاح الزراعى وإعادة هيكلة التعليم والصحة وجعل الدولة الرخوة أكثر فاعلية وكفاءة عن طريق استئصال الفساد فى جميع المستويات، أهم الإصلاحات الجذرية الواجب الشروع فيها فى الدول الطامحة للتطور والتنمية، فهى متطلب سابق prerequisite، لا تقدم ولا عدالة ولا تنمية دون تحقيقه. ولا يخفى ميردال اتهامه للدول الغربية بأنها تحابى فى علاقاتها بالدول النامية الفئات القادرة، ومن ثم تشجع على إبقاء الهياكل الاقتصادية والاجتماعية غير العادلة. وجدير بالإشارة أن الدولة الرخوة رغم قصورها أفضل حالا من الدولة الفاشلة failed state أو الدولة العاجزة Etat défaillant، وهو تعبير ظهر منذ مدة ليست بعيدة ليشخص حالة الدولة التى تعجز تماما عن القيام بوظائفها الأساسية، فلا تحمى مواطنيها ولا تضمن سلامتهم البدنية، وتعانى من اضطرابات داخلية وتدخل أجنبى فى شؤونها، وانهيار مرفق العدالة، وربما تدفق اللاجئين وانتشار العنف المسلح وعدم الاستقرار الظاهر أن ظروف الأزمات المستمرة التي تواجه المجتمع العراقي وما رافقها من اختناقات ومشاكل تستلزم وجود جهاز إداري على رجة عالية من الكفاءة ليكون بمقدوره مواجهة الأزمات قبل استفحالها.فاستمرار عمل الجهاز الحالي غير مستقر وغير قادر على أداء مهامه ؛ ساهم في زيادة ارتخاء الدولة ، وحول تلك الأزمات الى مشاكل مستعصية،كما يدلل على ذلك واقع الخدمات العامة وفي مقدمتها الأمن والكهرباء والمياه والتعليم والصحة والمواصلات،فمعالجة أوضاع هذه الخدمات أصبحت في حكم المعجزة ، كنتيجة لتراكمات العقود الماضية،أن الصعوبات التي يواجهها الجهاز الإداري في التعامل مع هذا الوضع أثبتت عدم فعاليته،و زاد التدهور في الوضع الأمني الأمور تفاقما ، غذ أسهم في تراكم تلك المشكلات وطول مدتها وصعوبة معالجتها بشكل تدريـجي مما ضاعف ولعدة مرات من التكلفة المالية المطلوبة لمعالجتها. ومن ابرز العوامل التي اسهمت في تكريس مفهوم الدولة الرخوة في العراق 1-الفشل في تحديد الأولويات بالشكل الصحيح : فلا تزال الأولوية في اختيار الوزراء و كبار موظفي الدولة تتم على أساس الاعتبارات السياسية واعتبارات المحاصصة السياسية والموازنات الطائفية ،وعلى حساب التخصص الأكاديمي والكفاءة والنزاهة ، مما أدى الى تكوين كوادر وأطر إدارية عاجزة عن القيام بمهامها بالشكل الصحيح . 2-ضعف مستويات التدريب الفعّال للقيادات الإدارية التي تتولى مهمة تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والتنمية الإدارية سواء أكان ذلك من حيث الكم أو الكيف،فمن حيث الكم لا يزال عدد مؤسسات التدريب الإداري محدوداً بدرجة كبيرة 3-عدم استقرار الجهاز الإداري وتعرضه للكثير من التقلبات غير المدروسة وغير المبررة علي أسسٍ موضوعية تراعي مصلحة الجهاز الإداري،فكثيراً ما تلغى وزارات أو مؤسسات أو يعاد إنشاؤها ، دون أن يكون هناك سبب منطقي لذلك . 4-التغيرات السريعة السياسية التي شهدها العراق مؤخرا أفقدت الجهاز الإداري توازنه،وجعلته غير قادر على أنجاز أي تطور في المجال إداري،حيث الحكومة تلعب عادة ما يعرف بالأثر المغناطيسي؛ فينجذب الجهاز الإداري وراء سياساتها،حتى وإن كانت تلك السياسات غير صالحة من المنطلق إداري،ومن الطبيعي أن يؤدي هذا الوضع المربك إلى عدم التركيز على برامج التنمية الاقتصادية والتنمية الإدارية وبالتالي انخفاض كفاءة الأداء التنموي والإداري . 5- عدم وجود رؤية إستراتيجية تشمل منظومة الأهداف والغايات والرؤى الإدارية الإستراتيجية لمعالجة حالة التخلف الإداري؛ فعدم وجود هذه الرؤية دفع الى التركيز على المعالجات الآنية ،وعدم الإحاطة بأبعاد المشاكل الاقتصادية والإدارية والقانونية . 6- عدم وجود الدافعية لدى المشاركين في تشريع وتنفيذ برامج التنمية ،وخاصة القياديين ،وهذه الدافعية تتطلب وجود قناعة وإيمان لدى المشتركين في العملية السياسية ،ليتمكنوا من دعم برامج الحكومة،والدفاع عنها وشرحها للآخرين وتطبيقها،وهذا الوضع –للأسف- غير متحقق لحد الآن لدى جزء مهم من المشاركين في العملية السياسية ، وساهم ذلك في تعثر العملية السياسية وتدهور الوضع الأمني فضلا عن توقف عملية التنمية وبطء عملية إعادة الأعمار 7- عدم توفر عنصر الثقة بالنفس لدى المشاركين في العملية السياسية ، اثر على قابلتهم على على تنفيذ ما أوكل إليهم من برامج ، ويعد عنصر الخبرة والتدريب أساساً قوياً لبناء مثل هذه الثقة .
#فلاح_خلف_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المأزق التنموي في العراق... استمرار الطابع الريعي وارتفاع ال
...
-
التكامل الاقتصادي بين الشروط التقليدية والشروط الحديثة
-
البرلمان العراقي و تحريم المشروبات الكحولية
-
دور السياسات الاقتصادية في استفحال ظاهرة البطالة في العراق
-
سبل مواجهة المأزق التنموي في العراق
-
دور الإعلام في عملية التنمية في العراق
-
مدرسة التبعية المنهج الملائم لتفسير ظاهرة التخلف في دول العا
...
-
الجودة الشاملة في التعليم الجامعي وإمكانيات تطبيقها في العرا
...
-
آليات النهوض برأس المال البشري في الدول العربية
-
آليات السوق وسبل تفعيلها في العراق
-
التحولات في دور الدولة الاقتصادي بين الدول المتقدمة والنامية
-
مشكلة الموائمة بين مخرجات التعليم وشروط سوق العمل
-
سبل رفع مستوى التنمية الإنسانية في العالم العربي
-
سبل تفعيل شبكات الحماية الاجتماعية في العراق
-
التكتلات الاقتصادية في الدول المتقدمة والنامية
-
الآثار النقدية للسياسات المالية في العراق
-
التحديات التي تواجه تنفيذ أهداف الموازنات العامة في العراق
-
برامج الخصخصة ..الاهداف والاستراتيجيات والاساليب والاثار وشر
...
-
برامج صندوق النقد الدولي وأزمة التنمية في الدول النامية
-
تطور أهتمام الفكر التنموي بالتنمية البشرية
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|