|
دمقرطة الإسلام أم أسلمة الديمقراطية؟
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2921 - 2010 / 2 / 18 - 14:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تتصف العلاقة بين الإسلام والديمقراطية ، بتناقض عميق ، تتمحور أسسه حول جدلية دمقرطة الإسلام أو أسلمة الديمقراطية. فالنقاش المثار حول الجدلية الأولى ، أي حول جدلية دمقرطة الإسلام السياسي ، يستدعي الاهتمام في أوساط النخبة المثقفة في الشرق الأوسط ، وذلك لأن الروابط بين الإسلام والديمقراطية ، بعيدة كل البعد عن جوهره كعقيدة دينية ، فاستمرار التأكيد على الرابطة بين الإسلام والديمقراطية ، ينفي عن تلك العقيدة طابعها الديني ، ويؤكد على طابعها السياسي ، وهذا ما لا يستقيم مع الإسلام كعقيدة دينية . كما أن الإسلام باختلاف مذاهبه وتياراته، لا يستطيع امتلاك زمام المبادرة نحو الدعوة إلى تطبيق الديمقراطية، لاستحالة المواءمة بين قيم الإسلام المحافظ، وقيم الديمقراطية الحديثة، المولودة أصلاً من رحم المجتمعات الصناعية ، وهو ما يؤكد على أنه لا ديمقراطية في الإسلام . غير أن مقاربة الجدلية الأولى ، تختلف عن مقاربة الجدلية الثانية ، جدلية أسلمة الديمقراطية ، من منظور تيار الإسلام السياسي ، فكل الدلائل التي يقدمها ذلك التيار ، كبرهان على أسلمة الديمقراطية ، تشير إلى العكس مما جرى تقديمه في الجدلية الأولى . فالديمقراطية، تشكل لدى تيار الإسلام السياسي ، أحد أهم المقاصد التي يرتكز إليها في خطابه الديني ( الدعوي ) وفي خطابه السياسي ، واضعاً الحرية في مقدمة تلك المقاصد ، وحجته في ذلك ، أن وجود الفرد مرتبط بحريته، فلا معنى لوجوده إذا انتفت حريته ، وعليه تنتفي حرية اعتقاده ، التي تبنى عليها حرية تعبيره ، ضمن حدود الدين الواحد ، قاطعاً بذلك الطريق أمام الاستعباد، الذي هو النقيض الطبيعي للحرية . أما برهانه على حتمية العلاقة بين الإسلام والديمقراطية ، فإنه يتضح أكثر في سياق نص سورة الكهف " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". والمقصد الثاني لديه ، هو التداول والتشاور في إدارة شؤون " الرعية" وبحث قضاياهم الداخلية، من خلال تحقيق تطلعاتهم في انتقاء شكل النظام السياسي الذي يرغبونه ، عبر التوافق بينهم وبين الحاكم ، المستمد شرعيته وسلطانه ممن اختاروه على مبدأ الدعوة بالموعظة الحسنة ، ويأتي هذا المقصد في سياق قول النبي محمد (ص) "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم". إن التدقيق العميق في باطن الأديان ، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك ، أن كثيراً منها يرفض الحوار مع الآخر جملة وتفصيلاً ، لا بل يعتنق رأياً أحادياً لا يمكن تخطيه ، وهذا ما يفسر دعوة تيار الإسلام السياسي إلى الحوار والتعدد وقبول الآخر ، كركيزة أساسية من ركائزه ،نفياً لكل التهم ، وتأكيداً على مساره الديمقراطي . فالتعددية التي يدعوا إليها ذلك التيار ، ليست محددة النوع ، سواء كانت سياسية أو ثقافية ، إنما تقوم على جملة من القواعد والسلوكيات التي حددها خطابهم الديني في نص سورة النحل " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ". وتتأكد أسلمة الديمقراطية بالنسبة لتيار الإسلام السياسي ، من خلال تلك المقاصد الثلاثة ( الحرية ، التشاور ، التعدد) التي شكلت مجتمعة ما اصطلحوا على تسميته ، بواعث الصحوة الإسلامية ، الهادفة إلى إيجاد بنية ديمقراطية ، عبر توطيد العلاقة مع الأنظمة السياسية في شتى بلدان العالم الإسلامي ، على أن تتكلل لصالح القوى الإسلامية بمشاركتها الواسعة في العملية السياسية ، وذلك ضمن نطاق الدولة الواحدة ، كي لا تتكرر مشاهد الصراع المستميت مع قوى محلية تحالفت خارج حدود الدولة ، مثلما حصل في إيران عام 1979، عندما أسقطت الثورة الإسلامية بقيادة رجل الدين المعارض علي الخميني ، عروش نظام الشاه . وثمة تيارات إسلامية تعطي لمفهوم الأمة دوراً كبيراً لإضفاء الصبغة الدينية وحتى الديمقراطية على تحركاتها السياسية ، التي برزت في عقد التسعينات من القرن الماضي في الجزائر ، عندما تحدت جبهة الإنقاذ الإسلامي ، النظام الحاكم لجبهة التحرير الوطني وأرغمته على خوض الانتخابات ، التي وسعت نتائجها دوائر الصراع المسلح بين كلا الجبهتين. وهو ما حدا بالكثير من التيارات الإسلامية إلى الصدام مع أنظمتها ، بعد أن شككت بها ، انطلاقاً من حالة التمزق القومي ، والتباين الكبير بين تأسيس الدولة ومؤسساتها القانونية ، التي فرضت بالقوة من جانب القوى الاستعمارية ، والإبقاء عليها تارة، والدعوة إلى توحيدها تارة أخرى ، ما دفع بتلك التيارات إلى اعتماد منهج القوة سبيلاً لمواجهة منتقديها ، ولغة لمخاطبة مخالفيها ، ما أفسح الطريق أمام بعض الإسلاميين بالتحول من الخط الإصلاحي إلى الخط الراديكالي . فالعبرة ليست في السياق ، وإنما في التطبيق الفعلي الصحيح لأطر الديمقراطية ، لأن حالة الضعف والانهيار التي تنتاب المجتمعات الإسلامية ، ليست عائدة إلى أصل الدين نفسه، بل لما تعرض له من موجات متتالية من الضلال والفساد ، أفرغته من محتواه العقائدي . إن غياب الديمقراطية في الإسلام ، قد يكون بسبب غيابها في التراث الإسلامي ، وهذا الغياب ، مهما حاول تيار الإسلام السياسي التقليل من شأنه والالتفاف عليه ، له أسبابه الثقافية ومسبباته الاجتماعية، لاسيما بعد ما همش وزيف هذا التراث ، الذي خلى من الحرية والتعددية ، ولم يجد مكاناً طبيعياً في الواقع ، لغياب المؤسسات التي تعبر عن مفاهيمه ، على حساب تثبيت شرعية السلطة كتقليد سياسي في وجه الديمقراطية .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجوه الإصلاح الديني
-
الغرب وحواره المشروط مع الإسلام
-
شبح الأصولية الإسلامية
-
الدفاع الإسرائيلي عن الأسد
-
لغة الحوار في الإسلام
-
الديكتاتور 36 ( الثورة )
-
لماذا لا يحكمنا الإسلاميون ؟
-
الديكتاتور 35 (ميلاد الزعيم)
-
لا ديمقراطية في الإسلام
-
الديكتاتور 34 (أسرار الزعيم)
-
الديكتاتور 33 ( تصفيات )
-
ماذا يفعل المسلمون في الغرب ؟
-
مسلسل الاعتقالات السياسية في سورية
-
الديكتاتور 32 ( مخابرات )
-
تقسيم الإسلام : هل النبي محمد مسؤول عن سلوك المسلمين اليوم؟
-
الديكتاتور 31 ( الغدر )
-
آليات التطرف والاعتدال في الإسلام
-
الديكتاتور 30 (أزمة 99%)
-
الإسلام والعلمانية: وجهاً لوجه
-
الديكتاتور 29 ( الاستفتاء )
المزيد.....
-
خلال لقائه المشهداني.. بزشكيان يؤكد على ضرورة تعزيز الوحدة ب
...
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|