|
قيام الجامعة العربية وتأسيس الوحدة الأفريقية
سالم علي محمد كتي
الحوار المتمدن-العدد: 2919 - 2010 / 2 / 16 - 02:38
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
قيام الجامعة العربية وتأسيس الوحدة الأفريقية
جاء تأسيس جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945 محصلة لتفاعل ستة عوامل أولها الآمال والطموحات القومية العربية التي ظهرت منذ بداية هذا القرن وتعمقت جذورها بين أبناء الشعب العربي والثاني هو التطورات السياسية الإقليمية بعد الحرب العالمية الأولى، وبخاصة تزايد الهجرة اليهودية لفلسطين بعد صدور وعد بلفور عام 1917م، وكذلك السياستين الفرنسية والبريطانية، الفرنسية لاقتسام مناطق النفوذ والسيطرة على العالم العربي والثالث الآراء التي أطلقها المفكرون العرب لبعث الأمة من رقادها والرابع حركة استقلال الدول العربية والرغبة في المحافظة على الاستقلال الوطني والخامس تطورات العالم نحو التوحيد والتكتل والسادس التشجيع من قبل المسئولين البريطانيين وخاصةً تصريحات وزير خارجية بريطانيا في بداية الأربعينات " أنطوني أيدن "1941 أثر فشل ثورة رشيد الكيلاني في العراق عندما قال إن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب. ( )
وبناءاً على ذلك اجتمعت اللجنة التحضيرية في 25 سبتمبر1944 في الإسكندرية بحضور مندوبين عن مصر وسوريا ولبنان والعراق وشرق الأردن والسعودية واليمن وعن عرب فلسطين وعقدت ثمانية جلسات مُماثلة، أستبعد المجتمعون منذ البدء، فكرة الحكومة المركزية، وانحصر النقاش في اقتراح ئيس وزراء العراق نورى السعيد بتكوين مجلس إتحاد له سلطة تنفيذية، أو تكوين مجلس إتحاد لا تُنقد قراراته إلا الدول التي توافق عليها، وقدّم اقتراحاً مكتوباً جاء فيه: " تؤلف جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام إليها، ويكون لهذه الجامعة مجلس يسمى مجلس جامعة الدول العربية تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة العربية على قدم المساواة وتكون مهمته مراعاة تنفيذ ما تبرُمه هذه الدول فيما بينها من الاتفاقات وعقد اجتماعات دورية للنظر بصفة عامة في شئون البلاد العربية ومصالحها وتوثيق الصلاة بينها، وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها ".( )
وقد انشغلت الجامعة العربية بالقضايا الإفريقية في وقت مبكر على أساس أن الاستعمار العالمي كلٌ لا يتجزأ، وإن قوى التحرر يجب أن تتوحد في مواجهته، وإن قضايا التحرر في العالم لا تتجزأ هي الأخرى وترتب على ذلك أن الدول العربية في إفريقيا بدءاً من ليبيا عام 1951 م وإنتهاءاً بناميبيا عام 1990 م بدأت تستقل ضمن سعى الجامعة بحركة تصفية الاستعمار، وكانت الدول المستقلة تباعاً تمثل زاداً جديداً في هذه الحركة، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون الدور العربي – خاصة المصري – فعالاً في مساندة تحرر الدول الإفريقية ومساندة تيار الحركة الإفريقية ، التي سعت إلى تأكيد الحرية والوحدة الإفريقية، وعندما نمت هذه الحركة بشكل كافٍ بدأ السعي إلى إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963 م ، وقد كانت حركة الثورة العربية في مصر منذ عام 1952 م رافداً مهماً من روافد الحركة الإفريقية ،وكان لها أثرها البعيد في جلب الدعم من خارج القارة لحركة التحرر وحمايتها تحت راية عدم الإنحياز التي كانت مصر من مؤسسيها( ) . وقد كانت البدايات الأولى لإهتمام جامعة الدول العربية بإفريقيا والقضايا الإفريقية فيما قبل إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية ، حيث كان في مقدمة تلك المشكلات مشكلة ليبيا ومحاولة الإستعمار الغربي تجزئتها إلى مناطق نفوذ ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى استقلال كل من تونس والمغرب ، حيث أصدرت الجامعة العربية الكثير من القرارات التي تؤكد إهتمام العرب بإفريقيا ، فنجد على سبيل المثال ، إصدار الجامعة العربية قراراً بخصوص أسس التعاون ودعم التضامن العربي الإفريقي في 7 سبتمبر 1953 ملخصة في المبادئ التالية( ) : • تعزيز الدول العربية لتمثيلها الدبلوماسي لدى دول المجموعة الأسيوية والإفريقية . • تبادل الوفود السياسية بغية تعزيز صلات الود والتعاون في الميدان السياسي إلى جانب تدعيم العلاقات الثقافية والإقتصادية . • اتخاذ جميع الوسائل اللازمة لتوثيق العلاقات بين دول الجامعة ودول المجموعة الأسيوية والإفريقية ، بما في ذلك عقد اجتماعات دورية على مستوى عال .
وعلى ضوء ذلك بذلت الجامعة العربية جهود كبيرة لتعزيز التعاون في مختلف القضايا المشتركة ، ومما يدل على التعاون بين المنظمتين كان من أهداف المنظمتين أن المؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية -الذي تشمل فيها معظم الدول العربية والذي عقد في مايو 1963م- قد قسمت أعماله في ذلك الحين إلى ثلاث لجان خاصة لبحث الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية، وقد أقر مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الإفريقية جدول أعماله الذي تضمن خمسة مسائل منها تنمية التعاون الاقتصادي بين دول القارة، وقد صدر عن المؤتمر ميثاقاً لمنظمة الوحدة الإفريقية عكست مواده جميع التيارات السياسية والاقتصادية والفكرية لكافة المجموعات والتنظيمات الإقليمية الفرعية التي نشأت قبيل قيام منظمة الوحدة الإفريقية ، وجاء الميثاق مكوناً من ديباجة وثلاثة وثلاثون مادة نتناول منها ما يهم دراستنا والتي تتعلق بعلاقة المنظمة بالجامعة العربية ( ).
وعلى هذا الأساس جاء ميلاد منظمة الوحدة الإفريقية بتأكيدها ذات المبادئ والسياسات التي اعتنقتها الجامعة العربية، دعماً للجامعة وسنداً لها وصار كلاهما عوناً للأخر في العمل على تحقيق ذات الغايات والأهداف، ومن السهل أن نفهم العلاقة على هذا الوجه إذا علمنا أن ذلك يجد سنده في العوامل الجغرافية والتاريخية والدينية، فمن الناحية الجغرافية يقع نحو 72% من إجمالي مساحة الوطن العربي في القارة الإفريقية وهي مساحة تسع دول عربية أعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية، هذا العدد يؤلف نحو خمس الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية كما يشكل نسبة ملحوظة من مساحة إفريقيا وإجمالي سكانها، ومادامت العضوية في الجامعة العربية أساسها العروبة فهي لا تضُم دولاً إفريقية غير عربية، بينما تضم المنظمة الإفريقية دولاً عربية مادامت هذه الدول تقع في القارة الإفريقية وبذلك اعتمد الميثاق الإفريقي معياراً بسيطاً هو المعيار الجغرافي القاري ( ) .
كما نشأ مع هذا التقابل في معايير العضوية تقابل سياسي اختلفت حوله الإجتهادات وهو التقابل بين العروبة والإفريكانية ، فمن الناحية التاريخية امتزج التاريخان العربي في الجزيرة العربية بالإفريقي في شرق القارة ووسطها على وجه الخصوص، واختلط تاريخ الدول العربية الإفريقية جميعاً بأقدار متفاوتة بتاريخ بقية الدول الإفريقية ( ) ، ومن الناحية الدينية كان الإسلام وعلاقته التاريخية الخاصة بالمسيحية الإفريقية أحد دعائم العلاقات العربية الإفريقية منذ المراسلات التي حدثت بين الرسول (ص) حاكم مصر القبطي ( المقوقس) ، ومصاهرة الرسول لأم المؤمنين ماريا القبطية ، والهجرة المؤقتة للمسلمين إلى الحبشة هرباً من اضطهاد الوثنيين لهم حيث لاقوا كل ترحيب ومودة ، كما ساعد الأقباط الفاتحين المسلمين في فتح مصر تخلصاًمن ظلم الروم ، ولعبت الدول العربية الإفريقية في دعم هذا الجانب، وتتقاسم كل من منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الوحدة الإفريقية هذا النطاق من العلاقات الذي يتجاوز الأطرْ العرقية والجغرافية، أي معايير العلاقات الأفقية، ليجعل شعوب أسيا وإفريقيا إخواناً في الدين يتجهون إلى ذات الدين، ففي منظمة المؤتمر الإسلامي- بالمعيار الجغرافي- تتقاسم أسيا وإفريقيا بالتساوي تقريباً عضوية المنظمة مع غلبة واضحة للقارة الإفريقية، فتضم المنظمة 25 دولة إفريقية( 16 إفريقية + 9 عربية أفريقية ) مقابل إحــــدى وعشرين دولة أســيوية: مـــــنها ( 12دولة أسيوية عربية بعد توحيد اليمنيين و8 دول أسيوية غير عربية) بالإضافة إلى تركيا ( ) . وغني عن القول أن الفضل في انتشار الإسلام واللغة العربية في إفريقيا يعود إلى ما عززه الإسلام ونمَّاه في قلوب معتنقيه من قيم سلوكية واجتماعية تضمنت استعداد المسلمين في كل مكان وزمان للاختلاط والتزاوج مع من عاشروهم وحاوروهم من شعوب وقبائل ، وقد نتج عن اختلاط العرب المسلمين وتزاوجهم بسكان القارة الإفريقية الأصليين من القبط والبربر والزنوج تولد شعوب إسلامية مختلفة الأعراق والألوان استعرب بعضها استعراباً تاماً بسبب إسلامها ، بينما ظلت جماعات أخرى محافظة على لغاتها وثقافتها القديمة ، إلا أنها ظلت مرتطة بالعرب وببيقة الشعوب الإسلامية براطة الإسلام ، ولعب التجار العرب من المغرب دوراًهاماً في ربط الصلة التجارية ين الممالك الإفريقية في غرب إفريقيا ووسطها من ناحية ، وبين مناطق البحر الأبيض المتوسط والبلدان الأوربية من ناحية أخرى ، كما تبوء العرب مكانة مرموقة في الممالك الإفريقية ، وشغلوا مناصب مهمة فيها وتمتعوا بكثير من الضمانات( ) .
كما يعتبر الإسلام عامل صهر وداعم للعلاقات العربية الإفريقية ، وهناك علاقة وطيدة تربط بين الإسلام والعروبة والإسلام وأفريقيا، وتعتبر مصر هي القاسم المشترك بين أسيا وأفريقيا وبين المنظمات الثلاثة " الإسلامية والإفريقية والعربية " ولها دورها المشهود في التاريخ في دعم هذا الترابط ( ) .
لقد نشأت الجامعة العربية حيث كان الوفاق بين الحلفاء في قمته، بينما نشأت منظمة الوحدة الإفريقية والحرب الباردة قد وصلت إلى ذروتها ، واتخذت المنظمات العربية والإفريقية موقف عدم الإنحياز إزاء الحرب الباردة وقضاياها، لكن موجة التحرر الوطني في الدول العربية والإفريقية التي أيدتها الدول الاشتراكية جعلت المنظمتين ودولهما أكثر تعاطفاً مع المعسكر الاشتراكي، غير أن تمَسّك كل من الدول العربية والإفريقية بسياسة عدم الإنحياز لم يَعصٌم هذه الدول تماماً من التأثر بتيارات الحرب الباردة ( ).
إن العلاقة بين المنظمتين العربية والإفريقية هي نتاج التفاعل بين كل من المنظمتين مع سياسات أعضائها، فالجامعة العربية كانت في بعض الحالات أداة للسياسات والخلافات العربية وفشلت أحياناً عن أن تلعب دوراً فعالاً في مجرى العلاقات العربية بسبب البروتكول المؤسس للجامعة العربية الذي لا يفرض إلزاماً كبيراً على الدول الأعضاء لتنفيذ قرارات الجامعة العربية لذلك ظلت إطاراً شكلياً إلى حد بعيد لهذه العلاقات،وعلى عكس ذلك فإنه برغم بعض الخلافات الحادة بين الدول الإفريقية، مثل صراع القرن الإفريقي، ومشكلة الصحراء الغربية، بقيت منظمة الوحدة الإفريقية أداة مهمة في توجيه السياسات والأحداث الإفريقية ( ) .
ويترتب على نمط التفاعل بين السياسات الإقليمية والمنظمتين العربية والإفريقية ظاهرة أخرى هي ظاهرة ما دون الإقليمية على غرار الاتحادات والمجالس العربية (مجلس التعاون العربي – إتحاد المغرب العربي – مجلس التعاون الخليجي) وهى إن لم تكن تحدياً للجامعة وبديلاً عنها، فهي على الأقل مزاحمة لها وصارفة للاهتمام بها، أما القارة الإفريقية فلم تعرف ظاهرة مماثلة، ولا تعد ظاهرة الاتحادات الاقتصادية في شرق القارة وغربها تحدياً للمنظمة الإفريقية مثلما حدث للجامعة العربية ( ).
#سالم_علي_محمد_كتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|