|
الغرب وحواره المشروط مع الإسلام
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2918 - 2010 / 2 / 15 - 08:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يصر بعض المثقفين الغربيين على إدخال الحوار بين الحضارات القديمة والحديثة، بكل ما تحتويه من منجزات علمية ونظرية، إلى صومعة الصدام، بدلاً من إدخاله إلى قاعات الحوار. والحجة الأساسية التي يتذرعون بها في سبيل تعطيل الحوار مع الشرق الذي يمثله الإسلام ، مثلما تمثل المسيحية الغرب ، افتقاده لجملة الشروط التي يضعونها أمامه، ولعل أهمها على الإطلاق ، شرط الديمقراطية والتي من خلالها تتحدد شروطهم الأخرى ، سواء في استئناف الحوار أو السير قدماً في طريق الصدام الحضاري. في الواقع ، أن شرط الديمقراطية ، يعد شرطاً أساسياً لأي حوار ، ولا يمكن اعتباره ثانوياً ، وهذا ليس تبريراً لجملة الشروط الغربية من الحوار مع الإسلام ، لأنه بغير الديمقراطية لا يكون للحوار أي دلالة على مدى جديته وفاعليته . إن الديمقراطية ، بطبيعة الحال ، ليست شرطاً لأي حوار مع الغرب ، لأنه سيبدو حينها شرطاً تعجيزياً يراه البعض كسبيل للهروب من استحقاقات الحوار ، التي باتت تتطلب أولاً ، إعادة ترتيب البيت الإسلامي من الداخل والخارج ، قبل الولوج في أي حوار مستقبلي ، بحيث يصار إلى ما يشبه عملية المراجعة السياسية والفكرية الشاملة لمسيرة 1400 سنة هي عمر الإسلام . والغرض الأساسي من تلك المراجعة الشاملة ، إتاحة المجال أمام الأجيال المعاصرة ، لنقد الطروحات الإسلامية المعاصرة ، إن في المجال السياسي ( تجربة الإسلام السياسي ) أو في المجال الاقتصادي والاجتماعي ، وبالتالي إعادة فهم الإسلام ، كجسد واحد ، بروح ملؤها الانفتاح والتسامح ، بعيداً عن مفردات الماضي ، وما يشوبها من تعصب وتطرف أعمى ، يضع العصي في عجلات الحوار مع الآخر . والجدير بالملاحظة ، أن الحوار المطلوب تطبيقه جرت قولبته وفقاً لرؤى الغرب بما يحقق مصالحه السياسية أولاً، وهذا ليس شرطاً جديداً ، وإنما تقييماً عملياً لموازين القوى بين الشرق الغرب ، بمعنى أن الحوار بات خاضعاً بصورة مسبقة لتلك الموازين ، بحيث لا يمكن تجريده منها ، بالإضافة إلى أن الحوار ، لا يمكن أن يتم من دون لغة حاضنة وراعية له ، وهذا شرط آخر يحتم استخدام لغة الغرب سبيلاً للحوار، وليس لغة الشرق. الدافع الأساسي وراء استخدام لغة الغرب ، كأداة فاعلة من أدوات الحوار ، أن لغة الشرق تشوبها الكثير من العيوب والنواقص ، ولا نتحدث هنا عن الجوانب القواعدية ، بل عن الجوانب السياسية الموصوفة على أنها لغة تحض على العنف ، التي تلازم الإسلام ، والتي تمتلئ بها نصوص القرآن ، إن ظاهراً أو تفسيراً . إن ما يتعرض له الغرب من عمليات تفجيرية طائشة بين فترة وأخرى، لا يقتصر اتهامه فيها لجماعات إسلامية بعينها، بل يسعى إلى تعميم اتهاماته ليؤمِّن مصالحه وليحقق غرضين جوهريين في آن معاً : الأول ، الثأر من بعض الدول ( أفغانستان ) والجماعات ( طالبان - القاعدة ) وتصفية ما تبقى معها من حسابات قديمة طويت بفعل ظروف قاهرة. والثاني ، تنميط التفكير الإسلامي وإخضاعه للثقافة الغربية قسراً والوصول به إلى الكونية أو العالمية التي تريد. ويزداد الحوار صداماً بين الشرق والغرب ، نتيجة الخلط المتعمد بين أطراف الحوار ، فكل طرف أضحى مخولاً بالحديث نيابة عن الآخر، بمعنى أن السياسي انتهك حرمة الديني، والديني تطفل على الأيديولوجي، وسببه الصراع العميق بين السياسي والديني في الشرق بصفة عامة ، لتعذر الفصل بينهما ، وبذلك تعمقت رؤية الغرب سوداوية في حواره مع الشرق الإسلامي واعتباره بؤرة من بؤر التطرف الخطيرة. وبالعودة إلى أحد أهم شروط الحوار المطلوب غربياً، ألا وهو شرط الديمقراطية، يتضح بجلاء، أن الغربيين نجحوا في استثمار هذا الشرط العصيب لإملاء ما لديهم من شروط ثانوية للحوار، بدلاً من أن تكون موضوعاً له. فشرط الديمقراطية يكاد أن يكون مفجراً لصدامات هوجاء بين الشرق والغرب ، والمعروف أن فكرة الديمقراطية صناعة غربية صرفة، وهي من اختصاص النظم السياسية لا الإقطاعية - العائلية أو العسكرية - الكولونيالية ، وهي نظم ( السياسية ) يندر وجودها في الشرق ، ما أعطى الغربيين الشرط الأكبر والسبب الكافي للاستعلاء في حوارهم مع الشرق، والزعم بأن الإسلام لم يعرف الديمقراطية قط ، كما أنه لا يشجع عليها. القول بأن الإسلام يخلو من الديمقراطية، يقابله في الجهة الأخرى خلو المسيحية واليهودية من الديمقراطية أيضاً، باعتراف الغربيين أنفسهم. فلم تبشر المسيحية بالديمقراطية يوماً ، وبالتالي إن ما يسمى بحوار الحضارات أو صدامها ، ما هو إلا حوار بين سياسات ومصالح دولية تتصارع على بسط نفوذها في مناطق واسعة من العالم، بحيث تغدو الحضارات مرهونة بحوار السياسات قبل كل شيء، فإما أن تتصادم ، في حال تصادمت المصالح ، أو أن تتلاقى حين يتم الاتفاق. تتلخص أهداف الغرب من وراء أي حوار يسعى إليه مع الإسلام ، بإفساح المجال أمام القيم الغربية التي لم تجد لها منفذاً للسريان في عروق الشرق، وهذه القيم تتمثل بالديمقراطية الغربية التي تتعارض مع عقائده ، واللغة المتعارضة أصلا مع تراثه. ونظراً لصعوبة تحقيق تلك الأهداف بالحد الأدنى ، فإن أي حوار بين الشرق والغرب ، قد يستهدف العقائد الدينية بغرض تغييرها ، وفرض عقائد سياسية تتجاوب مع شروط الغرب وتطلعاته المستقبلية .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شبح الأصولية الإسلامية
-
الدفاع الإسرائيلي عن الأسد
-
لغة الحوار في الإسلام
-
الديكتاتور 36 ( الثورة )
-
لماذا لا يحكمنا الإسلاميون ؟
-
الديكتاتور 35 (ميلاد الزعيم)
-
لا ديمقراطية في الإسلام
-
الديكتاتور 34 (أسرار الزعيم)
-
الديكتاتور 33 ( تصفيات )
-
ماذا يفعل المسلمون في الغرب ؟
-
مسلسل الاعتقالات السياسية في سورية
-
الديكتاتور 32 ( مخابرات )
-
تقسيم الإسلام : هل النبي محمد مسؤول عن سلوك المسلمين اليوم؟
-
الديكتاتور 31 ( الغدر )
-
آليات التطرف والاعتدال في الإسلام
-
الديكتاتور 30 (أزمة 99%)
-
الإسلام والعلمانية: وجهاً لوجه
-
الديكتاتور 29 ( الاستفتاء )
-
الإسلام دين أم حضارة ؟
-
الديكتاتور 28 ( الوريث زعيماً )
المزيد.....
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|