|
شبح الأصولية الإسلامية
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2916 - 2010 / 2 / 13 - 19:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليست الأصولية ، بما تعني التشدد في الدين والعودة إلى التراث من اختصاص ديانة بعينها ، إلا أن أشباحها باتت تحوم في سماء الشرق ، أكثر مما هو عليه الحال في سماء الغرب ، فلم تعد الأصولية المسيحية ، تفعل فعلها الرجعي بالمجتمعات الغربية ، قدر ما أصبحت الأصولية الإسلامية ، تفرض أجندتها على واقع الحياة السياسية والاجتماعية لكل أرجاء الشرق . وإذا ما وجدت الأصولية المسيحية في الغرب ، فإن مجالها الأخير لا يتعدى حدود اللعب في الحياة السياسية ، أي تأثيرها غير المباشر على صناعة القرار السياسي والاستراتيجي لقادة الدول الغربية ، لكون تأثيرها الاجتماعي ، انتفى وجوده بشكل شبه نهائي ، بعدما أقفلت الكنيسة أبوابها أمام المؤمنين ، وألغيت الامتيازات الواسعة لرجال الدين ، كل ذلك جرى كنتيجة مباشرة لحركة الإصلاح الديني ، التي أعادت رسم حدود المسيحية على خريطة جديدة ، حددت بمقتضاها دور الكنيسة ورجالها ، والتي ترافقت أيضاً مع انبلاج فجر الثورة على الإقطاعين السياسي والديني في فرنسا وعموم الغرب . فهل من الممكن أن نفسر الصراع بشقيه السياسي والثقافي بين الشرق والغرب ، وفقاً لرغبات الأصوليين المشبعة بروح التطرف والتشدد والتعصب في فهم الدين وممارسته ؟. في الواقع ، قد لا يكون للأصولية ، إذا ما تحدثنا عن الأصولية الإسلامية ، لكونها أقوى الأصوليات الموجودة على ساحة الصراع وأشدها تأثيراً ، قد لا يكون لها الكلمة الأخيرة في إشعال فتيل الصراع والصدام بين نصفي الكرة الأرضية ، وبين مجموعة القيم والمبادئ المتمثلة داخل كل حضارة إنسانية بعينها ، لأن الكلمة في هكذا صراع ، من نصيب القادة السياسيين ، فعندما أمر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بالحرب على أفغانستان ، رداً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، أمر بصفته السياسية كرئيس لبلد اعتدي عليه ، لا بصفته رئيساً أصولياً ، كما لم يأمر حينها بالنيابة عن أحد القساوسة الأميركيين ، ولم يفوضه بقرار الحرب بتلك ، أحد أولئك القساوسة . أما عوامل ذلك الصراع ومقوماته ، هي ما يجيبنا عن السؤال السابق ، لأنها موجودة لدى الأصوليين عامة ، والمسلمين منهم خاصة ، وأبرزها على الإطلاق ، رفض القيم الغربية بحجة انطوائها على مخاطر أخلاقية ، كمقدمة أولى لرفض مجمل السياسات الغربية في مرحلة لاحقة . إن رفض القيم الغربية بذريعة أنها تدعو إلى الانحلال الخلقي والروحي ، هو الأساس الذي أدى إلى تصليب عود الأصولية الإسلامية وتقوية نزعتها الصدامية مع محيطها الداخلي والخارجي على حد سواء . والسؤال الآن، مَن هو المسئول عن رفض تلك القيم رفضاً مطلقاً ؟ ولطالما أن الإجابة عن هذا السؤال ، تشترط منا الإجابة عن سؤال مماثل للسؤال السابق ، مَن هو المسئول عن تقوية الأصولية وتصليب عودها ؟. يمكن تلخيص الإجابة عن السؤالين السابقين ، بجواب واحد ، هو عامل الإحباط ، فالإحباط النفسي والسياسي والاجتماعي الذي تعيشه شعوب الشرق الإسلامي ، هو النواة الأولى لتكوين شبح الأصولية ، لأنه لم يكن خطر الأصولية الإسلامية موجوداً في أي وقت ، كما هو موجود الآن ، وخطورتها أنها تتوهم في صدامها مع الآخر ، أنه يملك نفس نزعتها الأصولية وإن بوجه آخر ، بمعنى أنه عندما تصطدم بالغرب ، فإنها تبرر صدامها معه ، كونه لا يقل أصولية مسيحية عنها . إلا أن الواقع يقول ، إن مقومات الأصولية المسيحية تختلف في ظروف نشأتها وتكوينها ، أشد الاختلاف عن الأصولية الإسلامية ، فلم تنشأ الأصولية المسيحية من باطن الإحباط ، كما لدى الإسلامية . إن الأصولية المسيحية ظهرت كردة فعل على إقفال الكنيسة وطي صفحة الكتاب المقدس ، فهي نشأت في ظروف ملؤها التسلط ، الذي ساهمت فيه الكنيسة وطبقة ملاك الأراضي إلى حد كبير ، ونستطيع القول ، إن ظهورها العملي سابق على ظهور الأصولية الإسلامية حديثة الولادة ، وذلك بحكم الفارق الزمني بينهما ، وتطورات الأوضاع بين الشرق والغرب . إلا أن الأصوليتان الإسلامية والمسيحية، تلتقيان حول نقطة التقسيم، فكما تنقسم الأصولية المسيحية، وفقاً للتقسيم المذهبي الذي يطبع المسيحية بعدة مذاهب، كذلك الحال بالنسبة للأصولية الإسلامية ، التي تنقسم بدورها بين مذهبين رئيسيين ، هما الشيعة والسنة . فبالنسبة لهذين المذهبين ، تظهر الأصولية ، تبعاً لعدة عوامل ، منها ما يرتبط أشد الارتباط بالبيئة التي يتربى فيها المسلم ، سواء كانت هذه البيئة ماضوية لا تخرج عن حفرة ماضيها الأليم ، الذي تحاول أن تعيده بغرض الثأر التاريخي المزعوم ، وبأي ثمن ، كما هو الحال لدى معظم الشيعة في العراق وإيران ، أو كانت هذه البيئة محافظة تدعي الطهر والنقاء والخلاص ، الذي يبرر انغلاقها على ذاتها ، ومثالها "السلفية" في الجزيرة العربية ، وانكبابها المبالغ في ممارساتها الطقوسية ، ومثالها "الصوفية" في مصر. وإذا ما نظرنا إلى الصدام الذي تمثله إيران الخمينية - نسبة إلى مرشد ثورتها الإسلامية علي الخميني - بهويتها الشيعية مع الغرب ، سنجد أنه ذات الصدام الذي تمثله " القاعدة " بهويتها السنية ، لكون خصمهما واحد ، ولأنهما تنحدران من أصولية إسلامية واحدة ، وإن اختلفت أدوات الصدام ، بين اللجوء إلى استخدام منهج القوة الخشنة " القاعدة " أو استخدام القوة الناعمة " إيران الخمينية " ، والقاسم المشترك بينهما ، التفسير التلفيقي لا الحرفي لنصوص القرآن ، بما يبرر ركوبهما موجة الأصولية ، لاعتقادهما الدائم بأنهما يواجهان خصماً أصولياً واحداً . إن التفسير التلفيقي لنصوص القران ، يبيح للفرد المسلم ، أن يختار من النصوص ما يشاء ، وأن يزاوج بينها وبين نصوص قرآنية أخرى ، نزلت ونسخت في ظروف زمنية بعيدة كل البعد في معناها ومبناها الدلالي عن ظروف عصرنا الراهن ، وكذلك عن ظروف النصوص الأخرى . أخيراً ، إذا ما كان التفسير الحرفي "الأرثوذكسي" لنصوص الكتاب المقدس ، هو العمود الفقري للأصولية المسيحية ، فإن التفسير التلفيقي لنصوص القرآن هو حجر الزاوية للأصولية الإسلامية .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاع الإسرائيلي عن الأسد
-
لغة الحوار في الإسلام
-
الديكتاتور 36 ( الثورة )
-
لماذا لا يحكمنا الإسلاميون ؟
-
الديكتاتور 35 (ميلاد الزعيم)
-
لا ديمقراطية في الإسلام
-
الديكتاتور 34 (أسرار الزعيم)
-
الديكتاتور 33 ( تصفيات )
-
ماذا يفعل المسلمون في الغرب ؟
-
مسلسل الاعتقالات السياسية في سورية
-
الديكتاتور 32 ( مخابرات )
-
تقسيم الإسلام : هل النبي محمد مسؤول عن سلوك المسلمين اليوم؟
-
الديكتاتور 31 ( الغدر )
-
آليات التطرف والاعتدال في الإسلام
-
الديكتاتور 30 (أزمة 99%)
-
الإسلام والعلمانية: وجهاً لوجه
-
الديكتاتور 29 ( الاستفتاء )
-
الإسلام دين أم حضارة ؟
-
الديكتاتور 28 ( الوريث زعيماً )
-
فساد الإسلام أم فساد السلطة ؟
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|