حسن العاصي
باحث وكاتب
(Hassan Assi)
الحوار المتمدن-العدد: 887 - 2004 / 7 / 7 - 07:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ونحن نقترب من موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية يجدر بالعرب والمسلمين التوقف ولو لمرة واحدة امام تفاعلات هذا الامر على مستقبلهم ومستقبل البشرية . أين نحن من كل ذلك ؟ هل نستطيع أن نتعلم من عدونا ؟ هل لنا قدرة على البحث في كيفية التأثير بالمجتمع الأميركي وعلى صناعة القرار فيه أيضا .
من السهل قول أن هذا غير ممكن , لكن الصعب هو أن نبحث وننقب عن الوسائل التي تكفل لنا ذلك , نحن في حاجة موضوعية إلى أن نتعامل مع المجتمع الأميركي , ذلك اننا نريد سياسية عربية متكاملة للتعامل مع هذه الامبراطورية , وهي سياسية لابد أن تقوم على رؤية علمية, رؤية لها ولما يجري داخلها ,ولما يضمن مصالح الأمة العربية , والمعرفة هي أول الطريق إلى خلق ما نريد من تأثير .
ماهي ملامح السياسة الأميركية في المنطقة العربية في عهد الرئيس الحالي بوش الصغير ؟ سنبدأ بأهم العوامل على الإطلاق وهو النفط .
إن إنتاج النفط في بحر الشمال الذي وصل ذروته العام 1999 , مع ضخ 2,9 برميل يوميا مرشح الآن للتراجع إلى 1,6 مليون برميل يوميا قبل حلول العام 2007 , والامر نفسه ينطبق على انتاج اوبك الذي يتوقع ان يصل الى ذروته عام 2020 الى نحو 40-50 مليون برميل يوميا , وعلى نفط الاتحاد السوفيتي السابق وبحر قزوين الذي سيبلغ الذروة قبل عام 2010 .
إن العالم اليوم يتمتع بإنتاج نفطي يومي يبلغ 75 مليون برميل يوميا , لكن تلبية الحاجات في العام 2015 ستتطلب اكتشاف حقول جديدة تضخ 60 برميل يوميا اضافية , وهذا الامر مستحيل لانه يتطلب مايوازي عشر مناطق جديدة كل منها بحجم احتياط بحر الشمال , هذا سيؤدي إلى كارثة نفطية في الفترة بين 2010-2015 , وربما قبل ذلك وهذا بالطبع سيكون أمرا مأساويا إلى البلدان الغربية برمتها لان 90 في المائة من وقود الاتصالات ووقود الصناعات الدفاعية والزراعية يعتمد على النفط .
ورغم أن الحديث كان متواصلا خلال السنين الفائتة حول البحث عن بدائل طاقة جديدة , لكن الولايات المتحدة التي تستهلك ربع طاقة العالم والتي سيرتفع استيرادها من 11 مليون يوميا الآن إلى 18 مليون برميل في العام 2020 , هذه الولايات المتحدة ليست في وارد البحث عن طاقة بديلة عن النفط , وليس لديها خطط جادة للاقتصاد في مستوى الاستهلاك الحالي , اختارت ببساطة بدلا من ذلك الانحياز إلى السيطرة المباشرة على إمدادات النفط الباقية بالقوة العسكرية .
وعلى صعيد القضية الفلسطينية فان رسالة بوش الخطية الشهيرة إلى شارون في نيسان من العام الجاري تعتبر تحولا في مسار الصراع العربي الاسرائيلي , وستكون له آثاره الوخيمة والبعيدة المدى على مستقبل المنطقة , ولاجدال في وجود اوجه تشابه بين وعد بوش الجديد ووعد بلفور القديم باعتبارهما معلمين مهمين على طريق التمكين للمشروع الصهيوني الكبير , فان كان وعد بلفور القديم عام 1917 هو الذي تكفل بوضع حجر الأساس في نقل المشروع الصهيوني الذي تم تصميمه في المؤتمر الأول للحركة الصهيونية في بازل 1897 , ونقله من نطاق الحلم إلى ارض الواقع بتأكيده التزام بريطانيا ووضع إمكانياتها وإمكانيات العالم القديم الذي كانت تقوده بريطانيا في خدمة السعي الصهيوني لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين , وهاهو وعد بوش الجديد في نيسان 2004 جاء ليكمل ما بدأته بريطانيا في تأكيده التزام الولايات المتحدة الأمريكية بوضع إمكانياتها وإمكانيات النظام الدولي الجديد الذي تهيمن عليه حاليا وراء تنفيذ المرحلة الأخيرة الرامية إلى قيام دولة إسرائيل الكبرى .
وفي العراق تجاوزت الولايات المتحدة كل الأعراف الدولية باسم مكافحة الإرهاب الدولي , وبحجة امتلاك العراق لأسلحة التدمير الشامل التي لم يتم العثور عليها بعد احتلال العراق لانها ببساطة ليست موجودة ولم تكن , وقامت في الاعتداء على دولة عضو في الامم المتحدة واحتلتها بالقوة العسكرية , وانتهكت حرية وسيادة الشعب العراقي وصادرت مقدراته وخيراته , ومازالت تمارس الاعتداءات بحق الشعب الذي رفعت لواء الدفاع عنه وتخليصه من بطش واستبداد النظام السابق حين بدأت احتلالها للعراق .
وهي الآن لا تستبعد القيام بحروب استباقية ضد الحكومات العربية الأخرى ,وتحت شعارات واهية وبحجج كاذبة , وكما هو معروف فان الحروب الاستباقية مبدأ أعلنه الرئيس بوش بعد أحداث 11 أيلول ليحل مكان سياسة الردع والاحتواء القديمة .
الآن ونحن نقترب من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية يبدو وكان سلاح النفط السعودي أقوى من سلاح الإصلاحات الأميركي , خاصة إذا ماجرى توظيف النفط في معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ولصالح الرئيس بوش في مواجهة خصمه المرشح الديمقراطي , فقد كشف بوب وودوارد الصحافي الأمريكي في كتابه إن المملكة العربية السعودية وفي شخص سفيرها في واشنطن الأمير بندر بن سلطان قد وعد الرئيس بوش بان تخفض بلاده أسعار النفط قبل شهر تشرين الثاني حتى يتحسن وضع الاقتصاد الأمريكي وبما يؤدي إلى ترجيح كفة بوش وفوزه في الانتخابات .
ومن اللافت أن الانتقادات الامريكية لغياب الاصلاحات او بطئها في السعودية قد تراجعت بشكل كبير بعد هذه التعهدات مما يشير الى وجود صفقة تمت بين الجانبين , ومما يؤكد ان الضغوط الامريكية السياسية والاعلامية اعطت ثمارها في قبول السلطات السعودية للاملاءات المريكية دون مناقشة , سواء تلك المتعلقة بإعلان الحرب على الجماعات الإسلامية , وتغيير المناهج الدراسية , والعودة إلى لعب الدور التقليدي في تخفيض أسعار النفط بما يتناسب مع متطلبات الاقتصاد الأمريكي وليس وفقا لمصالح الشعب السعودي الذي يواجه البطالة والفقر والخدمات السيئة والديون المتراكمة على ميزانية الدولة .
أليس من المعيب والمخجل ان نقدم الدعم من مقدرات اوطاننا وقوت شعوبنا الى بوش لاعادة انتخابه مرة اخرى كرئيس للولايات المتحدة الامريكية وهو الذي يتحمل شخصيا مع ادارته الصهيونية المسؤولية المباشرة عن كل عذابات الامة العربية , وعن استمرارها , وهو المسؤول عن تغذية شرايين الغدة السرطانية إسرائيل لتظل تعبث بالشعب الفلسطيني وتنتهك حقوقه الأساسية .
وهنا فإني أتوجه إلى الأمريكيين العرب والمسلمين في أن يمتنعوا عن إعطاء أصواتهم لهذا المارق بوش , وحسب استطلاعات الراي التي قام بها معهد زغبي انترناشيونال مؤخرا وشملت 500 عربي على مستوى الولايات المتحدة , فان 28% سيصوتون لاعادة انتخاب بوش بينما سيصوت 40% لصالح أي مرشح ديمقراطي آخر فيما قال 32% انهم سيصوتون لمرشح مستقل . وطبقا للاستطلاع ذاته فان سياسة الإدارة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط كانت سببا رئيسيا لهذا التراجع في تأييد الرئيس الحالي .
إن مواجهة الإدارة الأمريكية الحالية والعمل على إسقاطها وعدم انتخاب بوش مرة أخرى كرئيس للولايات المتحدة يجب أن ننظر إليها كمعركة مرتبطة بمصالحنا القومية .
فأمريكا وبوش وبعد أحداث 11 أيلول انفلتت من عقالها , وهي استفادت من حالة الخمول الجماعية التي خيمت على العالم بعد تلك الأحداث وبدأت تطلق الأكاذيب وتسعى إلى حمل العالم على تصديقها , خاصة مايتعلق منها بحملات الدعاية المنظمة حول الديمقراطية وحقوق الانسان ومكافحة الإرهاب , وماهي الاشرور آثمة من جانب أمريكا في محاولاتها للسيطرة على العالم بالإكراه والتهديد على نحو أحادى الجانب يهدد المصالح الدولية ويهدد الأمن والسلام العالميين , ولم يعد خافيا على أحد اللامبالاة التي تبديها الولايات المتحدة حيال القانون الدولي وحقوق الإنسان في ظل رئاسة بوش , الأمر الذي يتناقض أساسا مع جوهر الخطاب الرسمي للحكومة الأمريكية.
إن أي مراقب لا يحتاج إلى كثير من الجهد كي يكشف اندفاعا مجنونا من قبل بوش يتأسس على روح امبريالية فجة وقحة فوضت نفسها صلاحيات سماوية وتاريخية , ويحركها خيال نريض يكفي لخلق عوامل مناهضة تكون قادرة على الاطاحة بعشر امبراطوريات مثل الولايات المتحدة .
إن أمريكا مريضة فعلا , وبوش رجل مريض ويحتاج إلى صدمة لإيقافه عن ممارسة كل هذا الهوس بحق البشرية , وأمريكا وبوش مارقين على كل الشرائع وحولوا الكذب والقوة إلى أيديولوجيا مدمرة وخطرة على نحو شامل , فأمريكا طفرة إمبراطورية مؤسفة ومزرية في تاريخ البشرية .
#حسن_العاصي (هاشتاغ)
Hassan_Assi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟