|
جدلية التطرف ..بين التقليد والتداعي الحر للرمز المقدس
نضال شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 2916 - 2010 / 2 / 13 - 06:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قال زهير بن أبي سلمى: ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ الشيخ العريفي وضع نفسه رهن صورة نمطية من صور التطرف والإقصاء للآخر المخالف ،وهذه الصورة النمطية التي تشكلت في الوجدان العام على أنها شكل من أشكال الاسترزاق بالدين لمآرب دنيوية محضة . وكان حرياً به،ولكي يحافظ على صورته كداعية ديني من رجال الدين المعتدلين ،أن لايشوه هذه الصورة التي افتعلها افتعالا وحصد من ورائها الحظوة الاجتماعية والشهرة الاعلامية،لكن الأنا تضخم واعتد الرجل بسلطته الدينية ،فطغى و تمادى خالعاً رداء التقية ومتقيئاً مافي صدره من حقد أثيم ،كان يواريه على مضض منه ،فغلى كالمرجل وهو ينعب بترهاته وعوراته ،فظهر فساد رأيه لكل ذي لب. منطلقا من أحكام ذاتية شوهاء،مرددا ببغاوياً نعوتاً مستهلكةً وتهماً جاهزة معلبة لخصومه من أخوانه في الدين والوطن!! وبعبارة واحدة تصف تخرصاته أنها لغو فارغ وهذر ليس من ورائه طائل وليس له من الحقيقة نصيب سوى استنبات الأحقاد القديمة في أرض لطالما كانت خصبة بالاحتقانات الطائفية المترسبة في أعمق أعماق جذورها الضاربة في عمق التاريخ القديم. ومن على منبره الديني بدأ يزبد ويهرف متخذا موقفا متأزما إقصائيا من خصومه ،فتحول إلى مخلوق مثير للشفقة تتمزق دواخله بين الانتماء إلى الاعتدال وبين الانتماء للتطرف،تحت دعاوى تقسيم المسلمين إلى خندقين، خندق المؤمنون حقا ،وخندق الكفرة! فوجه سهامه المعطوبة إلى إخوانه في الدين والوطن،مرة يشكك في ولائهم لأوطانهم ،وأخرى يشكك في عقيدتهم ونواياهم ،بزور الكلام ،دون بينة تدعم افتراءته ،أو قرينة تقيم بنيان هرائه الهش . علما أن كثيرا من علماء الشيعة أكدوا مرارا وتكرارا أنهم ليسوا دعاة فتنة وأنهم يبرؤون ممن يسب الصحابة أو ينسب لأحدهم نعتاً زوراً وبهتانا،وأنهم لايمكن بأي حال من الأحوال أن يطعنوا في شرف أمهات المؤمنين ،ومن يفعل ذلك كائن من كان ليس من الإسلام في شيء، وهو يعلم جيدا أنه لايوجدعالم من علماء الشيعة في المملكة يقول عكس ذلك،بل هو يعلم علم اليقين صحة ذلك ،لكنه اتكأ على خيط واهٍ اختلقته العصبيات ونزعات الهوى ، وأعني بذلك وسمه للشيعة بأنهم الورثة الشرعيون لــــ "عبدالله بن سبأ"!! وكم سينتشي اليهود طربا وهم يرون زمرة من المسلمين تطبل وتزمر لهذه الشخصية اليهودية التي استطاعت(كم تزعم تلك الزمرة) إثارة القلاقل والفوضى في المجتمع الإسلامي ،والأدهى والأمر من ذلك كله أن تنسب الحروب الطاحنة التي خاضوها المسلمون في تلك الحقبة فيما بينهم لتلك الشخصية الكرتونية!! يقول عميد الأدب طه حسين –رحمه الله- في كتابه "الفتنة الكبرى عن شخصية ابن سبأ:" أقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفاً متحولاً قد أُخُترع، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم... إن قضية عبد الله بن سبأ هي من مخلفات أعداء الشيعة،.... قصة ماأراها تستقيم لأنها تخالف طبيعة الأشياء ولايُسيغها إلا أصحاب السذاجة أو الذين يتكلفون أو يُريدون تصوير التاريخ كما كان بمقدار مايريدون تصويره كما تمنوا أن يكون) ويقول العالم الاجتماعي العراقي علي الوردي عن ابن سبأ:" (يبدو أن هذه الشخصية العجيبة أخترعت اختراعا وقد اخترعها الأغنياء الذين كانت الثرورة موجهة ضدهم .فهل يعقل–بالله عليكم- أن يهودياً حديث إسلامه يخترق كياناً إسلامياً ضخماً وينفث فيه سمومه وقلاقله بوجود كبار الصحابة كالإمام علي وعمار وأبي ذر؟!! وبعد أن فح العريفي سمومه بين الأغرار من محبيه وتلامذته، انبرى له نخبة من المفكرين والمثقفين من السعوديين وغيرهم،منددين بخطابه الاستئصالي المترتبة علية أثار وخيمة على السلم الأهلي لمجتمع متعدد الأطياف والرؤى، لكن بالمقابل وقع أربعون رجلاً من رموز السلفية في المملكة مبدين تعاطفهم وتأيدهم للعريفي،وهذا ليس مستغرباً ،بل هو من البديهيات، فشبه الشيء منجذب إليه والطيور على أشكالها تقع،علما أن السيد السيستاني الذي نال النصيب الأكبر من القدح والذم على لسان العريفي كانت ردة فعله تتسم بالحكمة والسماحة ،فقد قال رداً على إساءة العريفي له:" على جميع المؤمنين نشر ثقافة المحبة، والحرص على قول «أنا أحبك» لجميع المؤمنين، حفاظا على الوحدة الإسلامية وحرصا عليها من محاولة تفريغها وشق صفوفها ودفعها بالتي هي أحسن كما أمرنا الله تعالى..ودعى زواره لطلب المغفرة له إذا صح ما قاله عنه الشيخ العريفي أو أي شخص يتوجه ضده بالشتم والإهانة، وإذا لم يصح، أن يكون طلب المغفرة للعريفي أو لسواه إذا كانوا مخطئين."! ولم يزد على ذلك. لكن تلامذة العريفي النجباء وبعد أن تشربوا خطاباته التحريضية حتى النخاع بتسليم مطلق كما اعتادوا دائما وأبدا وكأن كلامه وحي منزل! فالنقاش والمراجعة والتساؤل والحيرة من علامات ضعف الإيمان ،ودليل على نزغ الشيطان في قلب المؤمن –وقانا الله وإياكم شر ذلك-،بدأوا حملة مسعورة إزاء كل من انتقد شيخهم ،وكالعادة التهم جاهزة في معامل التبريد لاستخدامها إذا دعت الضرورة ومن تلك التهم والنعوت المعلبة التي قُذِف بها خصومهم :الرافضة والعلمانيون واللبراليون والتغريبيون .." وما إلى ذلك من نعوت معلبة يوصم بها كل من يبدي رأياً مغايراً لقناعاتهم الإقصائية. وبعيدا عن هذا السعار الطائفي الموبوء-وقى الله الوطن شر تداعياته-سنحاول بهدوء فهم التصور الكامن في رؤية السلفية للدين ببعديه الدنيوي والغيبي ومايترتب على هذين المفهومين من تداعيات حسية على الواقع المعاش.لعلنا نفهم سر هذه العقليات المتحجرة وسر هذا المرض العضال الذي بدأ يستشري في نسيج المجتمع السعودي وخصوصا عند الأغرار من الأجيال الناشئة،وحتى لانقف طويلا مذهولين إزاء الأعراض والنتائج ؛ سنبدأ بالنسق ،بالأسباب ،بالجذور الأولى التي انبثقت عنها هذه الرؤية الضيقة للدين. الدين في نظر أنصار القديم من السلفيين عبارة عن مجموعة من الأوامر والنواهي،فهم يبالغون بالاهتمام بالقشوريات والمظاهر المفتعلة النمطية التي تعبرعن نسقية رجعية تعاني من ازدواجية بين الايهام اللاواعي بالحنين للماضي المجيد وبين النفورالمتكلف من مظاهر الحضارة الحديثة.وأهم تجليات هذين المفهومين المركبين تغيب العقل الناقد واستلاب لملكة الوعي المحفزة للبحث عن علل الأشياء وحكمتها،لصالح التلقي الحر "التداعي الحر أمام الرمز الذي يمثل حضوره الكاريزمي سطوة على العقول وتأثيراً كبيراً في وجدان المتلقي" فلذلك تجدهم يعانون من ازدواجية بين تقليد السلف الصالح من خلال إطالة اللحى وتقصير الثياب وبين الانصهار في المدنية الحديثة .فتجدهم يحرمون كل جديد في بدايته،فكل جديد يفد لنا من الحضارة الغربية هو متهم في ذاته حتى يثبت العكس ،أو بالأحرى ينتظرون فتوة تشرعن استخدامه ،لذلك يتقعرون وينتطعون في قراءة النصوص التراثية مبتعدين عن جوهر وروح الدين الذي أنزِل رحمة للعالمين لإرساء قيم المحبة والمودة والإخاء والتسامح وكما يقول ابن عربي:"لن تبلغ من الدين شيئاً حتى توقر جميع الخلائق ولاتحتقر مخلوقا مادام الله قد صنعه" ويقول المفكر مصطفى محمود:"وكل الدعاة الذين يغرقون أتباعهم في التفاصيل والقشور والمظاهر ويبتعدون بهم عن روح الدين..عن الحب والرحمة والتقوى ومكارم الأخلاق..هم الكذبة بقدر بعدهم عنها". لكن هؤلاء الغوغائيين من رجال الدين المتزمتين الذين يعيشون في ذاكرة التاريخ (وهذه العقلية تجد لها أتباعاً في كل الطوائف الإسلامية أعني العقلية السلفية من أنصار القديم)جعلوا الحياة جذباء عسيرة على الهضم، لاسبيل إلى إساغتها أو تذوقها،فإنما هي دار محنة وبلاء،وهذه الجماعة بطبيعتها ميالة للسكون والجمود متمرسة في خلق أغلال وقيود باسم الدين ما أنزل الله بها من سلطان-وسبحانه عما يصفون- وظنوا أن حياة العزلة والانغلاق على الذات فيها مايرضي الشعور وفيها ماهو صلاح لفساد الخلق وهم في زعمهم لكاذبون وفي جهلهم سادرون والدليل على ذلك أنهم يفتون لأتباعهم فتاوى هم أول من ينتصل منها، فهم أحرص الناس على متع الدنيا –طبعا بالطرق الشرعية المحضة-وتحت بند (أمابنعمة ربك فحدث) وكما يقول نزار قباني واصفاً مظاهر استغلال الدين وتطويعه للمآرب الذاتية: قضينا العمر في المخدع وجيش حريمنا معنا وصكُّ زواجنا معنا وصكُّ طلاقنا معنا. وقلنا: الله قد شرَّعْ ليالينا موزَّعةٌ على زوجاتنا الأربعْ . هُنا شفةٌ .. هنا ساقٌ .. هنا ظفرٌ . هُنا إصبعْ كأن الدينَ حانوت فتحناه لكي نشبعْ ... تمتَّعنا "بما أيماننا ملكتْ" وعِشنا من غرائزنا بمستنقعْ وزوَّرنا كلامَ الله بالشكل الذي ينفعْ ولم نخجل بما نصنعْ عبثنا في قداستهِ نسينا نُبْلَ غايته .. ولم نذكر سوى المضجَعْ ولم نأخذ سوى زوجاتنا الأربَعْ ...
وقضايا الزواج من قاصرات مكدسة على رفوف النسيان في المحاكم الشرعية السعودية!فأن يتزوج رجل في عقده الثامن من صبية لم تتجاوز بعد المرحلة الإبتدائية حلال لاإشكال فيه لكن الاختلاف في الرأي في أمور فرعية من الدين موجب للكفر وهدر الدماء !ونعلم جيدا أنهم –أي حراس العقيدة –يحرمون –تنطعا ومغالاة –الفن،كالرسم والنحت والتصوير والمسرح والسينما والموسيقى لأنها عمل من رجس الشيطان وكلها معاول هدم للشباب المسلم وملهية له عن شئون حياته ودينه!عقلية تتسم بهذه الصلابة والتعنت،أليس من الطبيعي أن يكون أتباعها أشد الناس جفوة في القول والفعل؟! لارجل دين في الإسلام! يقول المفكر سليمان العسكري:"خلال تقلبات السياسة وتداول الدول تراجعت قيم الدين وسادت سلطة رجل الدين،وهو المنصب الذي لم يعرفه الإسلام في تاريخه المشرق،ولا في العصر النبوي وفي عصر خلفائه،وإنما أنشئ هذا المنصب(رجل الدين)عندما تسلط الحكام على المحكومين فاحتاجوا إلى كهنة لترويض الناس لسلطانهم وأصبح رجل الدين رجلا لايأتيه الباطل،فأنه صاحب الحق والحقيقة.."رجل الدين النموذج المقدس مالك الحقيقة المطلقة ومحتكر الفضيلة والمثل العليا،بيديه مفاتيح الجنان وصكوك الغفران،فإن كنتَ في حضرته المباركة فألغِ عقلك وتخلَ عن رشدك وسلم نفسك طواعية له (فهومن أهل الإختصاص) هذا إذا كنتَ تشاء النجاة في الدنيا والآخرة فهو أعرف الناس بأدق شئونك واحتياجاتك النفسية والعقلية والروحية والجسدية والذاتية أكثر منك!! قال الفيلسوف الهولندي اسبينوزا –الذي نفته محاكم التفتيش-:"إذا غاب العقل ظهرت الخرافة، وإذا سادت الخرافة ضاع العقل"والمعني بالعقل هنا ،ليس العقل الفطري الذي يدرك بفطرته البديهيات التي لاتحتاج إلى تحصيل الأوليات بالاكتساب والبرهان،وإنما المعني بكلامه العقل النظري أو النقدي المتتبع لحقائق الأشياء بموضوعية دون خضوع لمسلمات وراثية أومسلمات ذاتية ، وهذه الطريقة التي يتغافل عنها بعض المتدينين حث عليها الدين الإسلامي، فالحكم في الإسلام للعقل،ويقول الإسلامي محمد جواد مغنية في هذا السياق:"أن ظاهر الشرع إذا تعارض مع العقل أولوا هذا الظاهر تأويلا يعطيه من المعنى مايتفق مع حكم العقل.."والظلاميون يسوءهم أن تسود قيمة العقل الناقد،حتى يسهل عليهم فرض رؤاهم على البسطاء.فهل يختلف اثنان أن العقل النقدي بدا مغيباً فيما يتعلق بالساحة الدينية النقدية لدى أغلب الطوائف الإسلامية؟!لكن بمنطق التقليدين يتحول الأتباع إلى نسخ كربونية ،كل يكرر قول الآخر ببغاويا دون مراجعة أو نقد لقيمة ونوعية هذا المتلقى.فالأب يريد أن يرى صورته تتجسد في ابنه ويكون مرآة له ،والأم تريد أن تكون ابنتها صورة مطابقة لصورتها وهكذا دواليك،والإمام علي يقول:"لاتقسروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمن غير زمنكم" ونحن الآن وبالخصوص فيمايتعلق بالشأن الديني نمارس استنساخاً لأنفسنا ،أحيانا يكون خاضعا لقناعات ذاتية بحكم التحيز للذات ،وأحياناً يكون جبرياً بفعل سلطان عوامل خارجية كسطوة السلطة الاجتماعية التي تقف سداً منيعاً في وجه كل محاولة تغيير أو تجديد. فمازال أنصار القديم يعيشون في ذاكرة الماضي بمعزل عن هموم الحاضر وتطلعات المستقبل،وليت الأمر يقف عند هذا السكون الممجوج فحسب،بل مازال بعضهم يطالب باستنساخ الخلافة بصورتها النمطية في الأذهان المتبلدة(أعني صورتها المقدسة الملائكية)غافلين عن أن التاريخ لايمكن أن تستنسخ تجاربه تماما بل عجلة التاريخ خاضعة دوما لرياح التغيير ،ولا أعني بذلك أن القيم قد تتغير من ناحية القبح والجمال،ولكن مايتغير هو مستوى الإدراك لماهية تلك القيم ومدى جدواها وتأثيرها المتفاوت من عصر إلى عصر.فأنصار القديم –غالبا-يقعون رهن إشكالية معقدة تتلخص في السؤال عن الهوية،ماهي هويتنا؟فأثناء قراءة التاريخ وخصوصا لماتكون القراءة خاضعة لشروط انتقائية مسبقة من جهة ولأفكار مسلمة مترسبة تُتوارث جيل بعد جيل من جهة أخرى،وطالما أن المنهج العقلي النقدي مغيب مع سبق الإصرار والترصد فمن الطبيعي أن تقف حائرا أما سؤال الهوية .بمعنى أن قراءة التاريخ وفق المنهج العقلي النقدي تثير علامات استفهام مؤرقة لعدد كبير من القضايا التي لانجد جواباً حاسماً لها عند أبناء المذهب الواحد .وهذه النتيجة قد تقض مضاجعهم الوثيرة وتسلب منهم الشعور بالراحة والدعة وتحرك المياه الراكدة التي ألفوها واستأنسوها،فسؤال الهوية وفق القراءة النقدية أصبح مهدداً ،لذلك تجد أنصار القديم أشد الناس رفضا لهذه القراءة التي تكون غير خاضعة لرؤاهم السلفية ولاتكون منطلقة من منطلقاتهم.ويقول المفكر الإسلامي هاني فحص عن النمطيين من أبناء المذهب الواحد الذين يودون دفعَ بقية أفراد المذهب إلى صورة نمطية واحدة كي يصبحوا"عيدان ثقاب في علب مختلفة القياسات والألوان موحدة المشاعر والألسنة:"على أن الطائفة أساساً لاتقوم إلا على إلغاء حرية أعضائها، وعندئذٍ،يصبح الحر في طائفته أو المتحرر من إملاءاتها وضغوطاتها ،والمصر على تحرريها بإدماجها لافصالها ،يصبح منشقاً أومرتدأ.." وعلى أية حال لاينبغي ولايصح أن تكون أية قراءة للتاريخ مهما اختلفت زاويتها سببا للتباغض والقطيعة بين أبناء الدين الواحد.:( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) ولسنا مسئولين عن صواب هذا أو خطأ ذاك،والحقيقة ليست ملكا لفئة دو أخرى،فالإنسان إنما يدرك من الشيء مايدخل في حدود فهمه وشعوره،فلاشك أن هناك ثمة حقائق مطلقة ،على مستوى ذواتها طبعا،لكن التعاطي معها من قبل الأفراد سيكون نسبيا، بمعنى ماهو مطلق عندي قد يكون نسبياً عند آخر،وقد يكون المطلق واحداً عندي وعندك ،لكن إدراك كل منا سيكون متفاوتاً متبايناً (نسبياً)،والتفاوت بين المختلفين في إدراك حقيقة ما بصرف النظر عن كونها مطلقة أو نسبية لايعني بالضرورة أن الإدراك مرآة للحقيقة في ذاتها.مادام الإدراك والوعي يكتسبان قيمتهما المعرفية إن صح التعبير من خلال قيمة المدرِك،لا الحقيقة المراد إدراكها.لذلك قالوا"للحقيقة عدة أوجه،تختلف باختلاف زاوية الرؤية".وعلى ضوء ذلك يكون من الإسفاف أن تدعي جماعة أو طائفة أو فئة أنها تملك أو تحتكر الحقيقة المطلقة دون سواها مما يعني أنها تمارس إراهاباً فكرياً وإقصاءً معنوياً لكل من تسول له نفسه الخروج عن تلك الأطر الضيقة والأقبية الخانقة.ومعروف أن من يتشرب عقيدة ما عن طريق التلقي(ودون تفعيل العقل الناقد)يكون مآله من شدة الاقتراب من تلك العقيدة المسانخة، فلا يرى إلا من خلال هذا المنظور الذي ألفه وتشربه حتى نخاع،فبطبيعة الحال لابد أن تتولد لديه مناعة وقائية إزاء كل جديد مضاد يستهدف مسلماته بصرف النظر عن قيمة هذا الجديد أو المتغير أكان صواباً أم خطأ ،فهولا ينظر إليه إلا من خلال منظار المسلمات فما وافقها كان صواباً وماخالفها كان خطأً،ومن هنا جاءت الحدية والخطابات المتشنجة في التعامل مع الآخر المخالف (الأنا والآخر)،ونلاحظ هذه التمظهرات بدأت تطفو على السطح في البيئات المنغلقة التقليدية . فالبيئات النمطية استمرأت وأد كل محاولة للتجديد على كونها تمرد على المألوف من المسلمات المحاطة بسياج القداسة (ممنوع الاقتراب). ولاشك أن لسطوة رجال الدين دور أساس في تسيج تلك المسلمات بلبوس القداسة والسمو على الوعي،لذلك تعد محاولة مناقشتها وطرحها على طاولة النقد أو محاولة فهم أسباب قداستها من المروق على الدين أو ضعفاً في الوازع الديني في أحسن الأحوال! وهؤلاء النمطيون من رجال الدين ،احتكروا المعرفة وحولوا الدين إلى معميات وطلاسم،فكلما ازدادت حجب التعمية والضبابية اكتسبت تلك القيم ايحاءً بالقداسة والسمو لدى الأتباع ،ومن خلال تلك الضبابية والتعمية اكتسبوا نفوذهم وسطوتهم بما أنهم يملكون مفاتيح أسرارها ومعرفة السبل القويمة لكشف الحجب عنها. فحذارِ أن يجنح بك الفضول وتجرؤ على تطبيق مبدأ الشك في جدوى تلك لمسلمات!! وغني عن القول أن هذا الأسلوب الملتوي في تحويل الدين إلى معميات وطلاسم لم نجده عند المسلمين الأوائل ولاعند علماء الصحوة والتنوير من علماء الدين المصلحين،بل وجدناه عند رجال الكنيسة في القرون الوسطى.إذن هي محاولة مشبوهة غايتها اتخاذ الدين مطية لمآرب دنيوية محضة،لإخضاع رقاب العباد بسلطة الدين وبسط النفوذ بما للدين من هيبة وتأثير في النفوس المؤمنة وخصوصا فيما يتعلق ببعده الغيبي. والأديان السماوية كافة بريئة من هذه التخرصات،فماجاءت إلا للسمو بالإنسان بعقله وحريته وتحطيم أغلال وقيود العبودية للهوى وأصنام الوهم وأنصاف الألهة من المستبدين من البشر.وكما يقول المولى عزوجل مخاطباً رسول الرحمة ،مبيناً الدافع وراء بعثه للناس هادياُ ومبشراً ونذيرا: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). وكما قرأنا في الرواية البديعة"عزازيل"للرائع يوسف زيدان،ذلك المشهد الذي جسد فيه صورة من صور المتاجرة والاسترزاق بالدين من أجل غايات دنيوية ،على لسان الراهب هيبا ،يقول:"نظرتُ إلى الثوب الممزق في تمثال يسوع ثم إلى الرداء الموشى للأسقف! ملابس يسوع أسمال بالية ممزقة على صدره ومعظم أعضائه،وملابس الأسقف محلاة بخيوط ذهبية تغطيه كله،وبالكاد تظهر وجهه.يد يسوع فارغة من حطام دنيانا،وفي يد الأسقف صولجان أظنه،من شدة بريقه،مصنوع من الذهب الخالص.فوق رأس يسوع أشواك تاج الآلام،وعلى رأس الأسقف تاج الأسقفية الذهبي البراق.بدا لي يسوع مستسلماً وهو يقبل تضحيته بنفسه على صليب الفداء، وبدا لي كيرلس مقبلا على الإمساك بأطراف السماوات والأرض" ولامراء إن قلنا إن هذا المشهد لايحكي عن الواقع المسيحي فحسب،بل له إسقاطات واضحة على المشهد الإسلامي على نحو استغلال بعض رجال الدين للدين والمتاجرة به. وللسلطة الدينية هيمنة على الحياة الفكرية والثقافية في السعودية على وجه الخصوص، ممثلة في دور الرقيب الوصي على أفكار الناس ونواياهم ونرى ذلك جلياً في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،الذين يرون أنفسهم أنهم يمثلون الحق المطلق فهم خلفاء الله على أرضه وأوصايائه على رقاب عباده،هم المؤمنون وغيرهم منحرفون عن جادة الصواب والحق،فلاغرو أن تمارس أعنف أساليب الرقابة والوصاية استنادا على الزخم السياسي الذي توفر الدولة لدعم الهيئة،وانطلاقاً من مبدأ ديني يبرر لهم التدخل في أدق شئون المواطنين لكشف عن منابت السوء والمنكر!! وكأنهم تناسوا أن من تتبع عورات الناس تتبع الله عوراته حتى يفضحه في عقر داره ،وكأنهم أيضا تناسوا قوله سبحانه وتعالى: (لاإكراه في الدين). على ضوء ذلك كله،جل ما نأمله ونعول عليه كثيرا أن تتخذ الحكومة إجراءات صارمة إزاء كل من تسول له نفسه إثارة النعرات الطائفية بين أبناء الوطن بصرف النظر عن انتمائه المذهبي أو الفكري ،حفاظاً على السلم الأهلي.
#نضال_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|