أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلامة كيلة - الخطاب -الديمقراطي- الأمريكي في -الشرق الأوسط الكبير-















المزيد.....

الخطاب -الديمقراطي- الأمريكي في -الشرق الأوسط الكبير-


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 886 - 2004 / 7 / 6 - 05:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"مشاريع تحديث المنطقة و دمقرطتها" أصبحت في رأس أولويات الإدارة الأمريكية. لقد قرر الرئيس بوش قبل الحرب على العراق أن الهدف هو نشر الديمقراطية ودعم ذلك بميزانية بلغت 25 مليون دولار هدفها تعليم الديمقراطية، ثم أصدر مبادرة من أجل الشراكة الأمريكية مع الشرق الأوسط، وبالتالي قدّم مشروع "الشرق الأوسط الكبير" المتعلق ببناء الديمقراطية وتحديث التعليم وإصلاح الأنظمة السياسية. كما رُصدت الأموال لتحقيق ذلك، فأنشئت محطة فضائية وإذاعة موجهتين، وصدرت مجلة. و أيضاً بدأت "الضغوط" على الأنظمة من أجل تحقيق "الإصلاح المنشود".
لتبدو الدولة الأمريكية وكأنها حاملة القيم الديمقراطية، وساعية بجيوشها وضغوطها المستندة إلى جبروتها/ من أجل تحقيق هذا "الهدف الإنساني النبيل"، بعدما توضّح أن في "الشرق الأوسط الكبير" تعيش شعوب بربرية، أو هي قريبة من ذلك، من أفغانستان إلى المغرب، وتعاني من أنظمة مستبدة. حيث أظهرت أحداث 11 أيلول 2001، حسب الاستنتاج الأمريكي، أن التكوين القائم في تلك البلدان يؤسس لنشوء الإرهاب، وأن مجمل القيم المستندة إلى الدين الإسلامي تنتج الإرهاب الذي بات يهدد المدينة الحديثة، ويسعى لتدمير القيم التي تقوم عليها الحضارة، قيم الديمقراطية والحرية و نمط الحياة. لهذا كان يجب أن تمارس الدولة الأمريكية رسالتها التي ألقاها عليها الله أو التاريخ، رسالة نشر الديمقراطية والحرية، ومعاقبة الدكتاتوريين والمستبدين، و"تعليم" الشعوب كيف تمارس تلك القيم الإنسانية النبيلة.
هذا الخطاب المبني على حدث 11 أيلول يؤسس آليات القبول به، انطلاقاً من أن أمريكا اكتشفت خطر الأصولية (التي كانت تدعمها وتدرّبها وتسلّحها) لحظة تدمير مركز التجارة العالمي. الأمر الذي "فرض" عليها التصرف بما يؤدي إلى إنهاء هذا الخطر. و"الحرب ضد الإرهاب" (التي أدت إلى احتلال أفغانستان والعراق) هي خيار من خيارين، (وهو في هذا المساق مبرّر)، يرتبط به خيار "تجفيف منابع الإرهاب"، عبر محاربة "الاجتهاد" الإسلامي السائد الذي يحضّ على "الجهاد"، وتعميم "إسلام متسامح"، الأمر الذي يعني التغيير الجذري لمناهج التعليم، ومن ثم نشر الديمقراطية، وهو خطاب "متماسك" شكلاً، ومؤثر لدى القوى التي عانت الاستبداد السياسي، والقمع الديني. ويبدو جدياً رغم كل الدمار والقتل الذي يمارسه الجيش الأمريكي "القادم لتحقيق مهمة إنسانية نبيلة"، ورغم كل العنف الدموي الذي يقارن بعنف الجيش الصهيوني ويتوافق معه، حيث يجب أن نحتمل ذلك من أجل إعلاء قيم الديمقراطية والحرية التي سوف تتحقق حتماً لحظة القضاء على الإرهاب (الذي بات يشمل كل القوى التي تقاتل الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق). هذا الوهم الأمريكي يتحوّل إذاً إلى حلم "واقعي" لدى قطاع من السياسيين والمثقفين، رغم التشابه الشديد بين هذا الخطاب والخطاب الاستعماري القديم الذي كان يؤكد على أن هدف الاحتلال هو تمدين الشعوب، رغم أن سنوات الاحتلال الطويلة لم تؤكد ذلك، على العكس كانت أساس الفارق الهائل القائم اليوم بين الأمم المتقدمة والأمم المتخلفة، التي باتت بفعل الاستعمار ذاته أمما مخلّفة (أي أن التخلف مفروض عليها من الخارج، حيث كانت القوة السياسية العسكرية ومن ثم الاقتصادية الإمبريالية هي العنصر المانع لانطلاق عجلة التطور الداخلي)، و بالتالي منعت تحقيق الحرية و الديمقراطية و الحداثة.
لكن، ولأن الخطاب وحده غير كافٍ لتحديد صدقيته، لأنه لا يستمد صحته من ذاته، فإن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو التالي: هل أن نشر الديمقراطية متوافق مع المصالح الأمريكية ذاتها؟ هنا نحن نبحث عن هدف الخطاب، لأننا لا نعتقد بأن الدولة الأمريكية تحمل رسالة "خارجية" (سواء كانت من الله أو من التاريخ وفق ما أشار جورج بوش في تصريحات متعددة بعد 11 أيلول)، وأن خطابها يعبّر عن مصالحها، مصالحها الاستراتيجية، ومصالح رأسمالييها مادامت هي القوة التي تدافع عن مصالحهم. ولقد توضّح ذلك بعد احتلال العراق مباشرة حيث وقّع البنتاغون على آلاف العقود بمليارات الدولارات مع شركات أمريكية، وحدد أن الأولوية هي للشركات الأمريكية، وحظيت الشركات المرتبطة برموز الإدارة الأمريكية (هاليبرتون، و ولركوم..) والتي كانت تعاني من "صعوبات" مادية وصلت حدّ الإفلاس، بحصة كبيرة من تلك العقود. وبدا أن "إعادة إعمار العراق" (من الدمار الذي أحدثه الجيش الأمريكي ذاته) هي المدخل للنهب المروّع، والذي يعني احتكار موارد النفط، وترتيب ديون ضخمة على "الدولة العراقية" يجعلها "مملوكة" للشركات الاحتكارية الأمريكية.
بمعنى أن النهب الاقتصادي سبق "نشر الديمقراطية"، وأنه "الهدف الأول" للدولة الأمريكية وللشركات الاحتكارية التي تموّل "الحرب ضد الإرهاب". وإذا كان الاقتصاد الأمريكي يعاني من الركود منذ بادية سبعينات القرن العشرين، وأدى هذا الركود إلى تفاقم مشكلات الشركات التي عانت من أزمات فيض الإنتاج، توضّحت نتائجها منذ نهاية ثمانينات القرن العشرين، وكذلك بداية القرن الواحد والعشرين (إفلاس عشرات الشركات الاحتكارية، وتأزم عشرات أخرى)، وانعكاس ذلك على الدولة الأمريكية ذاتها التي باتت تعاني من عجز الميزانية، وتفاقم المديونية العامة التي باتت تمثّل ما يقارب نصف الدخل القومي الأمريكي، إضافة إلى العجز الهائل في الميزان التجاري الذي يؤشّر إلى إختلال العلاقة مع الرأسماليات الأخرى و " هروب" النقود إلى الخارج . إذا كان الاقتصاد الأمريكي يعاني من كل ذلك فإن انهيار المنظومة الاشتراكية أفضى إلى أن تلعب الدولة الأمريكية دوراً حاسماً، نتيجة تفوقها العسكري الذي بات مطلقاً بعد اختفاء الند (الاتحاد السوفيتي)، الأمر الذي بدأ بالحرب على العراق سنة 1990-1991، وإعلان التصور الأمريكي الجديد للعالم تحت مسمى "النظام العالمي الجديد"، بهدف تجاوز أزمة الاقتصاد الأمريكي وعلاج حالات الركود، وعجز الميزان التجاري (الاستيراد أكثر من التصدير)، وتوظيف الرأسمال الأمريكي المنفلت (أي الذي لا يجد منافذ للتوظيف، الأمر الذي جعله يهرب إلى المضاربات في الأسواق المالية، التي باتت تشكل خطراً على مجمل الاقتصاد الأمريكي والرأسمالي). بمعنى أن "الحرب على الإرهاب" التي هي استمرار للحرب الأولى على العراق، والحرب ضد يوغوسلافيا، والتدخل المتصاعد في الصومال و إندونيسيا، و غرينادا وهايتي و إلخ، هي الصيغة السياسية الهادفة إلى ترتيب العالم بما يخدم المصالح الأمريكية (احتكار النفط لحل الأزمة المتصاعدة في أمريكا وللضغط على الرأسماليات الأخرى وتحجيمها، واحتكار الأسواق من أجل الاستثمار وتصدير السلع).. حيث سيكون الاحتلال، وتكون السيطرة العسكرية والسياسية المباشرة وسيلة لاحتكار الأسواق والتحكم بالنفط).
إذاً الحرب هي من أجل الاحتكار الاقتصادي للعالم، وتكريس الشركات الاحتكارية الأمريكية القوة المسيطرة الوحيدة مع تحويل الرأسماليات الأخرى إلى رأسماليات من الباطن (كما يجري الآن في العراق)، حيث يمكنها النشاط، لكن فقط عبر الشركات الأمريكية، وفي إطار النشاط الذي تسمح به تلك الشركات (العقود من الباطن التي تعني أن تحصل الشركات الأمريكية على العقود والأسواق، ومن ثم تسمح لشركات أخرى بتنفيذ جزء من المشروع أو كله، وفق ما تحدد الشركة الأساسية التي هي شركة أميركية).
وإذا كانت الدولة الأمريكية تعمل كذلك، مستغلة قوتها، من أجل فرض "اقتصاد السوق" في البلدان التي تحتلها أو في البلدان الأخرى التي يجب عليها التكيف مع "اقتصاد السوق"، فإنها تكرس السيطرة "الخارجية" على الاقتصاد "المحلي"، وبالتالي تكرّس نهب الفائض المحلي، الأمر الذي يقود إلى تعميق حالة الإفقار التي تعيشها الشعوب، وتدفعها إلى حد الموت جوعاً. إن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" يركّز على ذلك كمرادف للديمقراطية والحرية، و"تمكين المرأة" و"دعم المجتمع المدني"، وتحديث "نظام التعليم".. حيث يؤكد على التكيف مع شروط منظمة التجارة العالمية، وعلى "إطلاق حرية الخدمات المالية"، كما على "كف يد" الدولة في المجال الاقتصادي، والتعامل مع الرأسمال الأجنبي "على قدم المساواة" مع الرأسمال المحلي، بل وحمايته وتمييزه (كما توضّح في قانون الاستثمار الذي أقره بريمر في العراق). وسيبدو أن الاقتصاد تعاد صياغته وفق الأسس التي كانت سائدة قبل الميل الجارف للاستقلال والتنمية (التي كان محورها بناء القوى المنتجة محلياً، خصوصاً في مجال الصناعة)، حيث سيكون السوق مستورداً لكل السلع (الأمر الذي يعمق العجز في الميزان التجاري وهروب الرأسمال)، ومحتكراً من قبل "الرأسمال الأجنبي"، الذي يعمل في القطاعات الأكثر ربحية (النفط، الخدمات، المال)، وبالتالي تهميش الميل لبناء القوى المنتجة، ونهب الفائض المحلي، مما يقود إلى توسّع حالة الإفقار و التهميش والبطالة، ومن ثم الرفض والنقمة والتوتر الاجتماعي، والصراع الطبقي. حيث يصل التناقض إلى حدّه الأعلى بتبلور الطرفين المتصارعين.
في هذا الوضع لن تكون الديمقراطية هي شكل السلطة التي تعمل الدولة الأميركية على فرضها، بل تميل إلى تأسيس أنظمة استبدادية جديدة، مرتبطة بالمافيات المحلية المتشابكة مع الشركات الاحتكارية الإمبريالية. إن احتكار الاقتصاد ونهب الفائض ومنع صيرورة تطوير القوى المنتجة (التي تعني تحقيق تراكم الرأسمال وامتصاص العمالة و تفعيل مجمل قطاعات المجتمع) لا تتوافق مع الديمقراطية، لأنها تؤسس لتفاقم الصراع وحدّته، وبالتالي إلى الميل الحدّي لحسمه بالقوة. ولقد كانت في أساس دعم كل النظم الاستبدادية في أمريكا اللاتينية، وجنوب شرق آسيا، وبقاع أخرى. فالديمقراطية تفترض الفاعلية الاقتصادية والتطور المضطرد في القوى المنتجة، ومن ثم الميل لتخفيف التناقضات الطبقية. أما النهب والتركيز على تسويق السلع المنتجة في المراكز، والميل للهبش (الربح الفاحش)، وإهمال مجمل قطاعات الاقتصاد، فلن يسمح بتكوين دولة ديمقراطية.
وبالتالي فإذا كان الأساس الذي تعمل الدولة الأمريكية من أجله هو النهب الاقتصادي، فإن التكوين الاقتصادي الذي يتشكل انطلاقاً من الرؤية الإمبريالية للاقتصاد العالمي (اقتصاد السوق المنفلت)، لن يجعل الاستقرار ممكناً، لأنه يدفع قطاعات شعبية متسعة إلى "القتال" من أجل أن تعيش، الأمر الذي يفرض "التدخل العنيف" من قبل السلطة الاستعمارية، أو السلطة "الوطنية" التي تقيمها. ومادامت المصالح الاقتصادية هي الأولوية المطلقة في السياسة الأمريكية، فإن نشر الديمقراطية سيكون الغطاء "الأيديولوجي" لذلك، رغم أن ذلك يفرض تحقيق أشكال "ديمقراطية" هامشية، وربما كان البحث في الصيغة التي تعاملت فيها الإدارة الأمريكية مع العراق مؤشراً على ذلك، حيث انطلقت من الأساس الطائفي (التمثيل الطائفي) في صياغتها ل "الدولة العراقية الحديثة"، وهو الأساس الذي لا يسمح بنشوء ديمقراطي، لأن الديمقراطية تفترض مبدأ المواطنة وليس الانتماء الطائفي والديني و الإثني. ثم أن الميل للتعبير عن "الأغلبية الطائفية" لن يقود إلى تمثيل ديمقراطي يفترض شطب التبلورات ما قبل مدنية، رغم "حرية" الصحافة والنشاط الحزبي، لكن الذي لا يشكك بسلطة الاحتلال، ولا يدعم مقاومتها، ولا يطالب بالاستقلال والديمقراطية، والعمل والاستقرار، والخدمات الضرورية، ولا يؤشر إلى نهب الاقتصاد، ولا يشكك في "إعادة إعمار العراق"... إلخ.
إذن ستبدو الديمقراطية و"إزالة الطغاة" (حسب تعبير جورج بوش)، مدخلان للنهب الاقتصادي، وغطاءً للسيطرة والاحتلال، ولتأسيس دكتاتورية جديدة. الأمر الذي يفرض تحديد الهدف الأيديولوجي من "الخطاب الديمقراطي"، و المغزى الذي يسكنه، حيث سيبدو أنه ليس للتحقيق أو أن جدية ما تحكم تحقيقه، إنه " خطاب" له أهدافه الخاصة البعيدة عن مضمونه و المناقضة لها. وفي هذا الإطار يمكن تلمّس مستويين:
الأول: رغم أن تاريخ الدولة الأمريكية حافل بدعم الدكتاتورية وفي الانقلاب على الأنظمة الديمقراطية (تشيلي مثلاً)، ورغم أن الدولة الأمريكية لازالت تغضّ النظر عن أنظمة استبدادية، فسنلحظ أن "الخطاب الديمقراطي" قد إستخدم في مواجهة المنظومة الاشتراكية تحديداً طيلة القرن العشرين، رغم الدعم الأميركي للإستبداد في جنوب شرق آسيا ( كوريا الجنوبية، تايوان) و في أميركا اللاتينية. ومنذ التسعينات من القرن العشرين بات يستخدم ضد كل الأنظمة التي حاولت التمرد على النمط الرأسمالي والاستقلال عنه، والتي كانت في الغالب تنزع إلى سيطرة "الحزب الواحد" أو الفرد الواحد، وغلّبت التطوير الاقتصادي وتحكّم الدولة بالتطور الاقتصادي وتحقيق الضمانات الاجتماعية على الشكل الديمقراطي، وبالتالي فقد كان "الخطاب الديمقراطي" موجهاً إلى "الدول المارقة". إنه خطاب ضد الدكتاتوريات التي انشقت عن النظام الرأسمالي حيث شمل "محور الشر" كل من العراق وإيران وكوريا الشمالية، وكذلك سورية وليبيا وكوبا. وكان يهدف إلى الإفادة من الميل الداخلي للتخلص من الاستبداد بنشوء نزعات ديمقراطية لدى قطاعات من المثقفين والساسة، ومن الأقليات الإثنية والدينية والمحلوية التي كانت تسعى لفرض سيطرتها أو التخلص من سيطرة أقليات أخرى.
وسيبدو الجانب الأيديولوجي واضحاً في هذا المجال، حيث سيكون الهدف هو الإفادة من حركة واقعية تسعى للدمقرطة من أجل تفكيك "الدولة الاستبدادية"، لكن من أجل دفعها للتكيّف واشتراطات النمط الرأسمالي العالمي، التي تنطلق من إلغاء دور الدولة الاقتصادي (وبالتالي تجاهل ضرورة تطوير القوى المنتجة)، والانفتاح المطلق للسوق، والقبول بكل الآليات التي تفرضها الشركات الاحتكارية الإمبريالية.
هنا يكون "الخطاب الديمقراطي" هو خطاب تفكيك وتدمير، دون أن يترافق وآليات بناء، ودون أن يكون مقصوداً بذاته، أو أن يصبح ممكن التحقيق العملي. إنه خطاب أيديولوجي يخدم أغراض السيطرة الاقتصادية والنهب الاقتصادي ما دام يستخدم ككاشف ل" نقاط ضعف".
الثاني: إن الهدف الآخر هو تشويه الديمقراطية ذاتها، وافتعال كل مكنونات الشك في "الخطاب الديمقراطي" كونه خطاب إمبريالي و"هدف" إمبريالي. والسبب الذي يفرض اللجوء إلى التشويه هو أن النضال الديمقراطي يكشف زيف ذاك الخطاب، ولأن الديمقراطية الواقعية تتناقض مع المصلحة الإمبريالية لأنها تسمح بكشف كل السياسات الإمبريالية و آليات النهب الإمبريالي. بمعنى أن الديمقراطية الحقة ليست مطلب الرأسمالية في الأطراف، على العكس، إنها نقيضها. لهذا تسعى إلى إثارة الشك حولها لكي لا تصبح من مكونات الحركة المناهضة لسيطرتها و نهبها، معتمدة على عدم ملاحظة المناضلين في الأطراف أنها خاضعة لاستخدام أيديولوجي، الأمر الذي يقود من قِبلهم إلى ربط مواجهة السيطرة الإمبريالية والاحتلال برفض الديمقراطية. وهذا الوضع يقود إلى تفكك الحركة المناهضة للسيطرة والاحتلال، وإلى هيمنة قوى سلفية، من السهولة مواجهة خطابها، كونها استبدادية و"رجعية"و.. إلخ، وفي الوقت ذاته تسهيل تأسيس سلطة استبدادية تابعة، حيث تكون الديمقراطية قد أصبحت مجال رفض وخارج النشاط الواقعي.
هنا يصبح الخطاب الديمقراطي ملتبساً ومحلّ شك، وتصبح القوى الديمقراطية مجال تشكيك. كما يصبح النضال من أجل الاستقلال مرتبط بالاستبداد، والنضال من أجل الديمقراطية مرتبط بقبول السيطرة الخارجية، الأمر الذي يعزّز الخطاب الإمبريالي ذاته، و يؤسس لممارسات و تصوّرات تعيق صيرورة التطوّر، حيث الديمقراطية مسألة أساسية فيها، و الوعي الديمقراطي جزء مهم في العقلانية الضرورية لتحقيقها.
إذن " المشروع الديمقراطي" الأميركي ليس للتطبيق، و هو غطاء لسياسات السيطرة و النهب، و تعمية على الحرب التي تشنّها الدولة الأميركية على العرب و العالم، و هو المموّه لتلك السياسة و هذه الحرب، و إن كان يدغدغ أوهام الذين عاشوا وطأة الإستبداد و السطوة المطلقة للسلطة، و الذين يحلمون بتحررهم و إنعتاقهم و بتحسس إنسانيتهم.
الديمقراطية ليست الهدف الإمبريالي، كما أنها ليست السبب في الحروب التي تخوضها الدولة الأمريكية، ولن تكون من أحد نتائجها. إنها ضحية تلك الحروب، والهدف من طرحها هو دغدغة ميول من عانوا من الاستبداد من أجل توظيفهم في حرب تخدم مصالح الاحتكارات. الديمقراطية هي جزء من عملية التطور، وهي مضادة للمصالح الإمبريالية، لهذا يجب أن يرتبط النضال من أجل الديمقراطية بالنضال من أجل الاستقلال والتحرر، من اجل مواجهة الرأسمالية وتشكيل عالم بديل ديمقراطي وإنساني.
فالعالم الذي تؤسسه الجيوش الإمبريالية الأميركية لا مكان فيه للديمقراطية، لأنه عالم نهب و حروب و مستبدّين. عالم إفقار و تهميش و قتل و تدمير. حيث لا مكان للإستقرار أو السلام و المساواة و التكافؤ.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -g8-ال
- مقدمات الشمولية
- - وعد بوش- و السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الصهيوني
- عفوية الجماهير و دور الحركة السياسية في الوطن العربي
- دراسة الآليات التي تسمح بتحقيق المقاومة والمواجهة
- آفاق الصراع و دور الماركسية بعد حرب الخليج
- التبشير بالخصخصة
- الطبقة العاملة واليسار في عصر العولمة
- اليسار السوري في واقعه الراهن
- مناقشة لفكر ملتبس المادية والمثالية في الماركسية
- المفكر والباحث الفلسطيني سلامة كيلة :المجتمعات المعاصرة تميل ...
- حول مشكلات السلطة والديمقراطية في الأمم التابعة ملاحظات في ص ...
- الاشتراكية أو البربرية
- العراق حدود-الوجود- الأمريكي والاستراتيجية البديلة -1
- نقاش حول العولمة في موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الس ...
- رحيل الأسد: إطلالة على التغيير المحتمل
- العـولمة آليات إعادة إنتاج النمط الرأسمالي العالمي
- الخيار الفلسطيني من الدولة المستقلة إلى الدولة ثنائية القومي ...
- في النقاش الماركسي الراهـن ضرورة الخروج من فوضي الأفكار
- الماركسية والثورة الديمقراطية ثورة أم ...........إصلاح؟!


المزيد.....




- رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق ...
- محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا ...
- ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة، ...
- الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا ...
- قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك ...
- روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
- بيع لحوم الحمير في ليبيا
- توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب ...
- بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
- هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلامة كيلة - الخطاب -الديمقراطي- الأمريكي في -الشرق الأوسط الكبير-