أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جاسم محمد حافظ - صورة العراق في اذهان اطفالنا















المزيد.....

صورة العراق في اذهان اطفالنا


جاسم محمد حافظ

الحوار المتمدن-العدد: 181 - 2002 / 7 / 6 - 09:03
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

 

 

كنت مسرورا وأنا أراقب أطفالي، فاغري الأفواه، ابتهاجا بحكايات ندمائي عن بغداد والأزل، وأحيائها الشعبية المكتظة ، نواصي أزقتها، بائعي الفول والشامية وشعر البنات، ومظاهر البهجة في الأعياد والأعراس .. عن المواكب الحسينية وطقوس زيارة العتبات المقدسة ومواسم الحصاد في الريف ومقالب الأطفال .. عن البصرة وسندبادها البحري.. عن النخلات الباسقات، والموصل وأعيادها الربيعية .. عن حكايات الثلوج والينابيع بذرى جبال بلاد الكرد في شمال الوطن العزيز .. عن دجلة الخير وقطوف بساتينها الدانية .. عن أريج الياسمين وعبق البنفسج .. عن حمد وحكايات الريل وروائح القهوة والهيل .. وكان ما يسبب فرحي ما تزيله هذه الأحاديث عن كاهلي، بعضا من عبء إقناع أطفالي بأن العراق وطن جميل يستحق التضحية والعودة للعيش في ربوعه .. لكن الحديث وكعادة العراقيين تشعب ليشمل الحروب والأهوال والموت والدمار الذي يطحن الناس منذ ثلاثة عقود سوداء . قال أخي الذي التقيته بعد ربع قرن :

أتذكر جارنا الحاج عيسى ..إن له حكاية مفزعة .. لقد اختفى فجأة ثم ظهر .. وانتشرت حكاية تقول بأنه كان قد سافر الى البصرة حيث مخبأ أبنه وأقنعه بتسليم نفسه للسلطات التي أعدمته وسلمت الجثة للعائلة بعد يومين من عودة الأب .. استشاط أبي غضباً وهمس في أذنه: كيف آذن لك قلبك أن تفعل ذلك؟ بكي الحاج المنكوب وقال والدموع تغسل لحيته: لقد خيروني بين ولدي وبين أعراض البنات ، فذهبت إليه وأخبرته بحالي، فأفتدى العائلة بدمه ..

حكى صديق ترك العراق حديثاً عن الأطفال الرهائن لدى السلطة حتى يظهر آباؤهم الغائبين، وعن حفلات إعدام رافضي الحرب، في الساحات العامة ، عن أنين الثكلى والأرامل والمعوقين .. عن المآتم والجوع ..

وفيما كان يواصل حديثه بحماس وألم، نظرت لأطفالي فوجدت الابتسامة قد غادرت وجوههم، وحل محلها ذعر الزمهم مقاعدهم ، فيما تجمدت في عيونهم الجميلة دمعة خوف وحزن. فاستغثت بوالدتي، علها تحكي لنا شيئاً من حكاياتها المبهجة فتبدد هذا الوجوم، وقلت لها : لعل منكر ونكير أرحم على الكفار من هؤلاء العفالقة يا أمي؟

بكت أمي وهي تقول: يحكى أن ثرياً أوصى أولاده الثلاثة أن يختاروا أحدهم ليسهر عند قبره ليلة دفنه ويقرأ القرآن. لكن الأبناء لم يجرؤا على ذلك فاستأجروا مقرأ لينفذ وصية الأب. وحين جاءوا اليه في الصباح وجدوه ملقى على الأرض لا يقوى على الحراك وقد تناثرت عمامته وأشياؤه ،                                                             سألوه عما جرى ، فحكى لهم بأنه حالما تركوه مع أبيهم ورحلوا، جاء رجلان ضخما الجثة ليأخذا الأب، وفعلا به ما يرونه وهم في طريقهم لأداء مهمتهم.  وحين سأله أحد الأبناء عن ما حل بوالدهم ، أجاب إذا كان هذا ما فعلوه بي فما عساهم فعلوا بأبيكم . ضحكنا نحن الكبار للحكاية طويلاً، قبل أن ننتبه لصوت أطفالي يصرخون: 

إذا كان كل هذا يحدث للناس أحياء وأموات في العراق، فكيف تريدنا أن نعود لنعيش فيه؟!

أخذتنا المفاجأة حقاً، وأدركنا بأننا ومن حيث لا ندري نسهم في هذه الحكايات برسم صورة مشوهة في أذهان أطفالنا عن العراق الذي نعشقه، دون أن ننتبه الى أن هؤلاء قد ولدوا أو تفتحت مداركهم في المهاجر، حيث ثقافات أخرى لشعوب مختلفة ، وأمم بنت حضارتها على احترام حقوق الإنسان. وإطلاق قدراته الخلاقة .. وأسوق هنا مثلاً عن أبن ولد في المنفى سأل والده يوماً عن سر أطفال الحجارة في فلسطين، ولماذا يرمون الإسرائيليين بالحجر؟ فرد الأب ميسراً الأمر على ولده قائلاً بأن هؤلاء الجنود قد احتلوا أرض هؤلاء الأطفال وهدموا بيوتهم . ولم يكن ذلك مقنعاً للفتى الذي أجاب ببرود :

ولماذا الحجارة، لماذا لا يطلبون تعويضاً عن بيوتهم من شركات التأمين؟

وحكاية أخرى رواها لي صديق من مالمو، كان قد أصطحب أبنته المولودة في المنفى لمظاهرة عراقية احتجاجاً على قصف الأمريكان للعراق. كان المتظاهرون قد ترجموا شعاراً للسويدية يقول:

اقتلوا صدام ولا تقتلوا الشعب

وفيما كان صديقي يردد بحماس ذلك الشعار، لكزته أبنته الصغيرة وقالت له :

ولكن ليس من حق الإنسان أن يقتل أحداً يا بابا !!

ولكي لا يكون منطقنا غريباً عن أذهان أبنائنا، وأن لا يكون منطقهم مضحكاً لنا، لا بد أن نتفهم ما يفكرون به .. أن نرسم لهم صورة العراق الأصيل وليس العراق الأسير .. أن نعلمهم من تقاليدنا فكرة الحب والتراحم والمحبة والتسامح، وأن نكتم الغيظ الذي يمزقنا جراء ما فعله الفاشست بنا وببلادنا الحبيبة ، فليس بالكلمات وحدها يمكن أن يتغير الواقع هل المهمة يسيرة.. لا أدعي ذلك ، بل لعل صعوبتها محفز لنا، مثقفين وباحثين، أفراداً ومؤسسات، بأن نعمل من أجل سياسة واضحة للجيل الثاني من المنفيين، جيل يتعلم أفضل ما عند الآخرين، ويحمل العراق الأصيل في الذهن، ليعود ويبنيه محصناً من أن يكون يوما ما ملعباً للموت ثانية.


 



#جاسم_محمد_حافظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جاسم محمد حافظ - صورة العراق في اذهان اطفالنا