|
غربلة المقدسات -6-
جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 886 - 2004 / 7 / 6 - 05:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فقهاء الكلام والبطالة من المعروف أن أعداداً ضخمة من المسلمين يمتهنون العمل السهل الذي لا يخرج منذ قرون من الدائرة الكلامية المغلقة وهم بذلك يشكلون كتلة اجتماعية غير منتجة تعيش عالةً على الشرائح الاجتماعية الأخرى.. هذه الأعداد مثلت على الدوام جيشاً احتياطياً للسلاطين الذين ينفحونهم الهبات من المال العام بما يكفي لاستمرار دورهم السلبي الذي لعب دوراً خطيراً في تضليل الناس، وتشويه وعيهم، وتزييف حقائق الحياة التي يعيشونها.. تلك الأعداد المتزايدة من الفقهاء رافقت كل أنواع الاستبداد فعملت على تبريره، وتجهيل الناس بحقيقته وذلك من واقع وظيفتها المأجورة فمهنتها تقتصر على الفلاحة ( الحراثة ) في حقل الغيبيات بادعاء البحث عن حلول لمشاكل الناس التي يراكمها باطراد الحكم المستبد بأشكاله المختلفة..! ومن الطبيعي أن يكون الحل الذي يقدمونه للناس مآله الدنيا الآخرة لذلك كان من الطبيعي أيضاً أن تكون فلسفة الفقهاء المعلنة على مر الزمن قائمة على نظرية ألبسوها رداء الدين، والشرع، والسنة النبوية وجوهرها: عدم الخروج على طاعة الخليفة السلطان، الملك، الرئيس، القائد، الأمين العام وهلم جرى.. وحتى تستمر نظريتهم هذه كل تلك القرون كان لا بد من إبعاد الناس عن التفكير بعقولهم وترك هذه المسألة لعقول الفقهاء المتفرغين العاطلين عن العمل بالرغم من تطور أنماط التفكير المجتمعي مع الزمن.. وهكذا تمَّ حصر الكلام بشتى مجالاته في مصادر محددة لا يجوز الركون لغيرها منها قياس الفقهاء أنفسهم الأمر الذي كرَّس إبعاد الناس كلياً، وإلغاء دورهم على كل الصعد.. وإذا لزم الأمر تكفير الذين يخرقون الحظر الفقهي بإقدامهم على الحراثة في بيدر الحياة لكشف حقائقها بدلاً من حراثة الفقهاء في اللغة الغيبية وحدها و هو الأمر الذي برَّر ولا يزال.. وأبَّد ولا يزال، أشكالاً متعددة من الاستبداد لكن كلها ذات هوية عربية إسلامية بامتياز..! لقد مارس الفقهاء عبر التاريخ الفقهي منطقاً جحوياً ( من جحا ) فالخليفة الفاجر، والغارق في شهواته، واستبداده، واستيلاءه على الأموال العامة يوزع منها كيفما يشاء، هو حاكمٌ يستمد شرعيته من الله مباشرة مع أنَّ مجمل ما يقوم به من شرور، وما يرتكبه من فواحش، يكذِّب ما يدعيه الفقهاء عن شرعيته الربانية..! تماماً كما قال جحا لجاره الذي رغب باستعارة حماره لكن حين ادعى جحا موت الحمار نهق الحمار فاستشاط الجار غضباً وراح يقرعه على كذبه فلم يكن من جحا إلا الرد قائلاً: يا للغرابة كيف تصدق الحمار وتكذبني..!؟ فمع أنَّ صوت الحمار هو واقعة مسموعة تكذِّب جحا غير أن المنطق يقول إنَّ الجار مخطئ بتصديقه الحمار..! وهكذا هو منطق الفقهاء الذين يكذبون الوقائع، و ينفون الحقائق ويطلبون من الناس تصديقهم، والركون لفتاويهم ومواعظهم.. وفي أيامنا الراهنة نرى الفقيه يتأبط ساعد الحاكم الديكتاتور ضافياً عليه ما تكذبه الممارسات الملموسة على الأرض إنه نفس المنطق الجحوي إذ لا يجوز لبسطاء المجتمع تكذيب تزكية الفقيه المتشدق باحتكامه للقرأن وللسنة النبوية و تصديق ما يرونه ويلمسونه من تصرفات حاكمهم ففي هذا كفرٌ ونكرانٌ.. وفي راهن الأيام جحودٌ و خيانة وتخابر مع الخارج أو سفاراته..! أما الآلاف الذين يرزحون تحت أفظع صنوف التعذيب في سجون أنظمة الحكام الذين يتأبطونهم في المناسبات الوطنية وذلك لمجرد إبداء أراءهم السياسة فإنَّ آذان الفقهاء لا تسمع أنينهم، ولا تقشع أحوال أطفالهم، وأمهاتهم..! وهم أي فقهاء الأنظمة والسلاطين يصيبهم العمى فلا يرون أجيال ( أمتهم) الإسلامية وهي تفترش أرصفة سفارات الدول ( الكافرة ) تتسول فرص الحياة.. وهم يجدون بالرغم من كلِّ ما نذكره متسعاً في ضمائرهم كي يلحقون الناس ليل نهار ليمطرونهم بمواعظهم المتهافتة..! قتل جحا أحد فقهاء الجوامع لكرهه الشديد لهم ورمى جثته في البئر القريب من بيته غير أنَّ والدته أخرجت الجثة ووضعت عوضاً عنها جثة تيسٍ كبير في مسعى منها لإنقاذه من شرِّ فعلته ولما جاء العسس والشرطة اعترف جحا بما فعله وهبط إلى قاع البئر ليقدم الدليل ولما فوجئ بجثة التيس رفع رأسه وسأل الشرطة قائلاً: اللحية هي اللحية لكن هل كان للفقيه قرون..؟ إنَّ عملية التوظيف السياسي للفقه وللفقهاء التي دشنَّها- معاوية- مؤسس إمبراطورية الأمويين لا تزال عملة رائجة، وناجحة، وذات مردود أعلى بما لا يقاس من مردود أجهزة المخابرات بالرغم من ظهور فقه سلطوي جديد يتمثل بالإعلام الذي يلعب دوراً كبيراً في سياق السيطرة والتوجيه بما يخدم استمرار ودوام أنظمة الحكم على اختلافها..وأخيراً تجدر الإشارة إلى حقيقة التحالف والتنسيق بين الفقهين.. وهي مسألة لا تحتاج لبراهين بل تحتاج لكتابة أخرى متصلة بها..! 4/7/2004
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأيهم صالح شكراً ...ولكن
-
الجزء الأخير من مذكرات المفرج عنه أبو يسار دريوسي
-
غربلة المقدسات -5-
-
وهل ينهض الموتى..؟
-
من مذكرات أبو يسار
-
غربلة المقدسات-4-
-
المثابرة الكلكية
-
غربلة المقدسات -3-
-
حدث في سورية
-
بين عالمين
-
غربلة المقدسات-2
-
غربلة المقدسات
-
حلقة ذكر
-
تعقيب على مقال
-
الوعكة في مرابع الوطن
-
كرمى لعيني القومي النبيل
-
النظافة لم تعد من الدين في الفلوجة
-
اطلبوا العلم ولو في الصين
-
تبويس اللحى بين الإخوان والرفاق
-
حول هجرة أدمغتنا وهجرة ملائكتهم
المزيد.....
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
-
المقاومة الإسلامية تواصل ضرب تجمعات العدو ومستوطناته
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|