أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .















المزيد.....

إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2911 - 2010 / 2 / 8 - 23:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


طرحت فى مقال سابق قصة الديك الذى يبيض ..والقصة معروفة وطريفة ولكن لها معانى شديدة العمق عندما نتأملها ونقارنها بأفكار يراد لها أن تتحصن .
دعونى أردد القصة والتى هى على شكل فزورة ومن المؤكد أنها مرت عليكم كونها من التراث الفلكلورى العربى ..
"لنفترض إن لدينا ديكاً في منزلنا، وإن هذا الديك باض بيضة ذات يوم على سطح جيراننا ،فهل البيضة ستكون من حقنا أم من حق جيراننا .
بدأت مجموعة من الأطفال بطرح رؤية بأن البيضة من حق أصحاب الديك بحكم إمتلاكهم له , وهناك طائفة أخرى من الأطفال ذهبت بأن البيضة من حق الجيران كونهم إستقبلوا فى أملاكهم الوافد الجديد , ثم يخرج طفل يقلب بذكائه الطاولة على الجميع عندما يعلن بأن الديك لا يبيض ."
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=198142

واقع الفكر الدينى أنه يغرق فيمن يكون له الأحقية فى البيضة ويهمل فى الوقت ذاته عقلانية فكرة الديك الذى لا يبيض ..!!
فنغرق فى البحث عن الخلق وننسى أن فعل الخلق لا يتحقق بحكم فهمنا ووعينا للمادة بأنها لاتخلق ولاتفنى ولا تستحدث .

ولكن فى مقالى هذا سأتطرق لقصة الله الراصد وهى إحدى مشتقات قصة الديك الذى يبيض .
دعونا فى هذه الفكرة نطرح وجود خالق للكون وهو الإله ..و نتناقش فى كل القصص التى يغرق المؤمنون أنفسهم فيها فتتوه الأسئلة الكبيرة الأولى .
من قال أن بفرض وجود إله فهذا يستدعى بالضرورة أن يكون مراقب للبشر ويمسك دفاتره يسجل كل همسة ولمسة للإنسان ؟
ومن قال أنه يرتب ويقدر كل المصائب والنعم التى تحل بالبشر ؟
ومن قال أنه يعد مضيفة أزلية ذات خمس نجوم للذين يرضى عنهم .؟
ومن قال أنه يعد سلخانة سرمدية ليمارس قسوته وإنتقامه على غير المؤمنين به ؟
يشغل الإنسان نفسه بهذا الأسئلة الكبيرة ويتوه فى داخلها حاله حال الأطفال الذين تنازعوا على ملكية البيضة ونسوا تماماً أن الديك لا يبيض ...فلماذا لا يكون هناك إله مثلاً وغير مهتم بقضية الرصد والتدوين تلك ؟!!

حسب فكرة الإله نفسها ..فمن الوارد جدا وبشكل عقلي ومنطقي أن يكون إله غير مراقب ..وغير معنى بضيافة أحد ..ولايضع نفسه فى وضعية المنتقم والسادى أمام كائن ضئيل كالإنسان .
لماذا لا يكون هكذا ؟! ..وهى فرضية واردة جداً وعلى الأقل تتساوى منطقياً وإحتمالياً مع فكرة الإله الراصد .
فلماذا لا يكون الإله إلهاً نزيها غنياً لا يهتم ولا يعبأ بالإنسان ؟..فهو ليس بالتافه حتى يرصد كل خطواتنا وهمساتنا وأفكارنا العشوائية ..وهو لا يعانى أيضا من الحب والعشق للإنسان البائس حتى يصنع له منتجع سياحى لانهائى ..كما أنه ليس سادياً أو منتقماً حتى يثأر من هذا الكائن الضعيف بإذاقته مليارات صنوف العذاب على يد زبانيته وإلى المالانهاية من الزمن .
الإله النزيه هو أكبر من ذلك ..هو كما نقول نحن المصريين هو منفض دماغه من كل تفاهة وأمور عبثية ..هو مثل ملك عظيم لا يشغل ذهنه بالتفكير فى جحر نمل على أطراف مملكته المترامية .!
الإله النزيه هو فناناً يرسم لوحاته ولا يطالبها أن تعبده ..بل هو يستمتع بعمليات الخلق والتكوين شأنه شأن الفنان الذى يستمتع بإنتاج يده .
يكون الأمر على نفس المنوال فكما أن إنسان لا يمثل للإله أى قيمة تذكر بحكم إنتساب المحدود للامحدود فكذلك اللوحة بالنسبة للفنان .

ولكن حسب الرؤية الدينية فإن الله خلق الإنسان ليعبده ..ومن هذا المنطلق فقد كلفه بالإيمان وإتباع الأعمال الصالحة وتجنب الشرور وغواية الشيطان ..وبغض النظر عن تعدد الأديان والمعتقدات فلن تخرج تصور الإله عن هذه الرؤية .

وبالرغم من تشبع الإنسان بهذه الفكرة إلا أنها تلقى بظلال كثيفة على الله ذاته !!..فوفقاً لهذه الراوية سنجد أن الله ينزعج من عدم الإيمان ويستوى الإنزعاج هنا كون الإنسان يرفض وجود الله فى المطلق أو يؤمن به ولكن ليس فى النسخة المعتمدة لديه .
كما أن الله ينزعج أيضاً من أعمالنا الشريرة بالرغم من أن أعمالنا تلك لا تمس إيماننا بوجوده من قريب أو بعيد , بل هى أفعال بشرية فى نطاقنا البشرى.
ورغماً عن هذا أعد الله محرقة أبدية فى عالم ماورائى ليشوى فيها الغير مؤمنين والأشرار ..وبالمثل أعد مكان رائعاً للمؤمنين به والذين يعملون الصالحات وفى مقدمتهم من يحاربون من أجله .

إذن الله له خطة وهدف ومصلحة ..وله غاية أيضاً وعلى أساسها بنى هذه المنظومة كلها ..ولكن هذا الأمر بالرغم من المنطقية التى ندركها فى وجود هدف وغاية وراء أى فعل إلا أنه يتناقض مع ألوهية الله .!!
فمعنى أن الله ينزعج ويغضب من الاشرار كما يسعد بالمؤمنين والصالحين والشهداء أنه تحت الرغبة والهدف والغاية .
الرغبة والغاية تتناقض مع كمال الله وغناه ..فالله الكامل المطلق لا يحتاج لإيماننا وأعمالنا الصالحة ولا ينقصه قلة إيماننا أوأعمالنا الشريرة ...فهو فى غنى عن هذه الأمور ..بل هو فى غنى عن وجودنا أصلاً حسب ما يرددون .
والغريب أننا لو رفضنا فكرة أن الله له غاية ورغبة من منطلق منطقيتها مع فكرة الله الكامل ...فسنقع فى مأزق أخر وهو وجود أفعال بلا هدف ولامعنى مما يصبغها بالعبثية .!!

ولكن لماذا قصرنا فكرة الله فى هذه الرؤية المشمولة بالغاية والهدف ؟
لماذا لا نتصور الله فى صورة أخرى ككيان خلق الوجود مثلاً كإبداع فنان يجد متعته فى أن يخلق رسماً جميلاً يعبر فيه عن ذاته ولا ينتظر بعد إنتهاء عمله أن تسجد اللوحة له وتقدم له الصلوات والقرابين .؟
لماذا إذن ننظر لفكرة الله ككيان راصد لحياتنا ويمسك دفاتره ليسجل كل أخطائنا الصغيرة والكبيرة وكل همساتنا وأحلامنا الجميلة والشريرة ...والمثير للغرابة والإندهاش أيضاً أنه يعلم كل هذه الأمور مسبقاً!!

هل الله راصد أم أننا وضعناه فى صورة المترصد والمراقب ؟!

هذه الفكرة لها ظلال كثيرة ألقت بنفسها لتخلق فكرة الله الراصد , وإمتزجت مع بعضها البعض لتصنع أسطورة من يترصد لهماستنا وخلجاتنا .
بداية ..نحن كبشر لا نفهم ولانعى ولا نتخيل شئ بدون غاية ..وعليه خلقنا الغاية والهدف وصوغناها وفقاً لإحتياجاتنا ورغباتنا وألبسناها على فكرة الله .
فلفكرة الحياة والموت مثلاً وقع شديد الأثر فى التكوين البدئى للفكرة ..فنحن نرفض الموت كفناء وعدم وإنتهاء ونتشبث بالحياة والبقاء والوجود .
هذه الرغبة اللحوحة والدفينة فى الحياة والوجود كانت دافعنا نحو الأمل فى الحياة مجدداً بعد الموت عن طريق فكرة الله والتى به نعبر عالم الموت والعدم .
تفرض هويتنا نفسها على المشهد ..فيكون تراثنا وإلهنا وجماعتنا البشرية هى المفضلة للإله ضد مشاريع إلهية وثقافية أخرى للأخر المختلف عنا بالضرورة والتى تتصادم مصالحه ومشاريعه مع مصالحنا ..فمن هذا المنظور جاءت فكرة الله المحدد بالإيمان من خلال نسخة واحدة هى نسختنا نحن وبالتالى يكون مصير الأخر الخارج عن جماعتنا وهويتنا وإنتمائنا هو فى عالم سرمدى ولكن فى الجحيم ...ووجودنا نحن كشعبه المختار أو أمته المميزة فى الجنه والنعيم .
ومن هنا تولدت فكرة الإله الراصد الذى يفتش عن إنتمائك وهويتك وإيمانك وسلوكك .

ولكن هناك رؤية إضافية تطرح نفسها أيضاً كونها فى صميم التركيبة السيكولوجية للإنسان وهى إحتياجنا لمن بترصدنا .!!!

فالإنسان كائن إجتماعى أى يعيش فى جماعة يجد فيها وجوده ..فنحن نحس بوجودنا فى وجود الأخر حولنا ..نحس أن لنا ذات وهوية من وجودنا وسط الأخرين ..ولا نحس بقيمة للحياة بدون تفاعلنا الصاخب معها .. ولا نستطيع العيش بدون الأخرين حتى لوذقنا الألم منهم ..لأن عدم العيش بدون الأخر هو الموت بعينه .
فكل صراعاتنا وقتالنا هو لإثبات التواجد والفعل والتفاعل ..نحن نريد أن نحس بوجودنا من خلال الأخر سواء أكان مستمتعاً أو متألماً لوجودنا ..أو كنا نحن مستمتعين أو متألمين لوجوده ...نريد من يهتم بنا ويحسسنا بوجودنا وذواتنا وأهميتنا ..ولدينا الإستعداد فى سبيل ذلك لتحمل الرافض والمعاند لنا كونه يعطينا الإحساس أننا موجودون ولنا من الأهمية والفاعلية أن نحظى بالعداوة والرفض .

من هنا جاءت فكرة الله الراصد لكل أفعالنا وتصرفاتنا ,,الفكرة القائمة على أننا من الاهمية بمكان أن نحظى بالمراقبة والرصد ..وأن وجودنا حقيقى يستدعى الرصد .
ففكرة الإله الراصد هى فكرة أننا نحظى على الوجود الفاعل والمتفاعل ولسنا حفنة من التراب تنثر فى الهواء ..بل وجود يجد وجوده فى أن هناك عين تنظر وتراقب وتهتم .

المسيحية مثلاً إستمدت وجودها وإستمراريتها بالرغم أنها تحمل على كاهلها كم هائل من الغيبيات من تحويلها للإله الراصد إلى إله محب ..إله لا يكتفى بدور المراقب والتدوين فحسب بل يحمل مشاعر وعاطفة يرسلها لنا ..إله مهموم بحبنا .!!
أن تتحول العلاقة بين الإنسان والإله إلى علاقة محبة إفتراضية متبادلة هى إثبات لأهمية وجودنا وأن هناك من لا يرصدنا فقط بل يحبنا .

ولكن لا تكون فكرة الإله المراقب والمهتم سوى فكرة إنسانية أبدعها الإنسان لتخلق فى ذاته أنه موجود وله أهمية فلا تجعله يتساوى مع الحيوان والدود والشجر .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - رشيد - وموقفه من الإعراب الإلهى .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (4) _ تكريس العنصرية والكراهية .
- الصراع العربى الإسرائيلى وإشكاليات الخطابات الإلهية .
- حاجات غريبة .!!
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (3) _ إستحضار العنف وتصعيده .
- الساسة يسطرون الأديان - اليهودية كنموذج .
- السادة يخلقون الأديان .
- حاجة غريبة .. الله ومسلسل التحريف .
- المقدس والتغييب وسر التخلف .
- خرافات الأديان (2) - خلق الأرض والنبات قبل السموات .!
- الإنسان والذهب .
- أشياء تدعو للخجل (2) - تحليل الدعارة .
- القضاء والقدر والمكتوب .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا . (2)
- أشياء تدعو للخجل (1) - إبراهيم خليل الله .
- خرافات الأديان (1) - الحر هو من فيح جهنم .
- حد فاهم حاجة .
- الصحراء تفرض كلمتها .
- النكاح فوق التنور .
- بانشى فى بيتنا .


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - إله راصد ..أم إله نزيه ..أم فكرة مبدعة .