منذر الفضل
الحوار المتمدن-العدد: 2911 - 2010 / 2 / 8 - 21:24
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
خلافا لما قد يعتقده البعض من العراقيين , لم تكن مسألة إجتثاث البعث والبعثيين في العراق وليدة الأمر المرقم 5 لسنة 2003 الصادر عن سلطة التحالف بقيادة الحاكم المدني بول بريمر , وانما جرى الاتفاق على الاجتثاث بين الغالبية الساحقة من الاحزاب والشخصيات المعارضة للنظام الدكتاتوري السابق , حيث اجتمعت ارادة هذه القوى الوطنية على تطهير الدولة والمجتمع من حزب البعث والبعثيين وفقا لتوصية رفعت الى مؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في لندن بين 14-17 ديسمبر عام 2002 من قبل لجنة الخبراء المتكونة من (32) خبيرا عراقيا ( بينهم كاتب هذه السطور ) , حيث سبق للجنة الخبراء ان اجتمعت خلال عام 2001 في كل من لندن وواشنطن تحت اشراف وزارة الخارجية الامريكية لإعداد توصيات لعراق ما بعد سقوط نظام الطاغية صدام . والجدير بالذكر فان هذه التوصية نالت موافقة الجميع باستثناء حركة الوفاق الوطني برئاسة الدكتور اياد علاوي .
وقد أخذ بريمر بهذه التوصية عام 2003 بعد سقوط النظام السابق وتم تأسيس هيئة اجتثاث البعث بموجب الامر المشار اليه اعلاه والتي مارست أعمالها منذ ذلك التاريخ , وحين صدر الدستور العراقي لسنة 2005 اضفى على هذه الهيئة الشرعية الدستورية وفق المادة 135 منه .
وعندما انتخبت الجمعية الوطنية العراقية لجنة خاصة لكتابة الدستور العراقي عام 2005 من(55 ) عضوا يمثلون جميع المكونات العراقية عدا المكون العربي السني الذي قاطع العملية السياسية الجديدة قامت السفارة الامريكية وبجهود من السفير الامريكي خليل زاده باقناع بعض الاشخاص من العرب السنة للمشاركة في لجنة كتابة الدستور ومن ثم الاشتراك بالعملية السياسية بعد انجاز الدستور حتى يضفي الشرعية الدستورية على الوضع السياسي الجديد من خلال اشراك كل المكونات العراقية . وفعلا جرى تسمية (15 ) عضوا من هؤلاء الى اللجنة الدستورية وتم السماح لهم بالاستعانة بعشرة من الخبراء المساعدين لهم حيث شارك اغلب هؤلاء منذ شهر تموز 2005 في اعمال كتابة الدستور وصياغته .
وكان الخطأ الذي ارتكبه خليل زاده هو في سوء اختيار الاشخاص المذكورين حيث جاء بعناصر معروفة بمواقفها المتطرفة دينيا وبعضهم من المتطرفين قوميا والمؤمنين بفكر حزب البعث امثال صالح المطلك ومحمود المشهداني والارهابي الهارب عبد الناصر الجنابي وآخرين , ولعل القاسم المشترك بين هذه الاسماء هو عدم الاعتراف بالدستور ولا بالتداول السلمي للسلطة ولا بالديمقراطية وكان همها الوحيد أفشال العملية السياسية ووضع العراقيل امام اي خطوة ديمقراطية , وخاصة محاولاتها الغاء الدستور والفدرالية واعادة العراق الى المربع الاول في الحكم الشمولي المستند الى مبادئ حزب البعث المنحل .
ومما ساعد هؤلاء على التمادي في مواقفهم هو تهاون العديد من القوى السياسية الرئيسية في التصدي لهؤلاء المتطرفين والمجرمين , والتفكير بالمصالح الآنية والحزبية الضيقة والفساد المالي والاداري المتفشي في مفاصل الدولة والمجتمع , أضف الى ذلك إنفراط عقد جبهة المعتدلين المتحالفين في العملية السياسية , وتنصل بعض الاحزاب السياسية الشيعية لتعهداتها التي قطعتها للحلفاء الكورد في اكثر من موقف ابتداء من الفدرالية الى تطبيق المادة 140 من الدستور وقضية النفط والغاز وغيرها من الامور التي سبق وان حذرنا من مغبة التأخر في ايجاد الحلول لها في كل المناسبات , كل ذلك ساهم في تقوية شوكة ونفوذ البعثيين الى درجة صاروا ينادون صراحة وعلنا بعودة حزب البعث الى العملية السياسية رغم المنع الدستوري الوارد في المادة (7 ) وانكروا المقابر الجماعية وأخذوا يروجون ويمجدون لما يسمى بالمقاومة ويتلقون الدعم المادي والمعنوي من بعض الدول العربية والاقليمية بهدف تغيير المعادلة السياسية لصالحهم , بل ان بعضهم كان في النهار مع العملية السياسية وفي المساء يلتقي مع قوى الظلام والمجرمين من الارهابيين من خلال لعبة مزدوجه ومكشوفة تضر مستقبل العملية الديمقراطية وتتعارض مع الدستور والقوانين العراقية , وقد وصل الامر الى قيام بعض النواب الى التشكيك بالشعب الكوردي وتاريخة الطويل المعروف حيث صرح اسامة النجيفي النائب عن القائمة العراقية بأن الكورد لا ينتمون الى العراق كما يمارس محافظ نينوى أثيل النجيفي ممارسات خاطئة عدوانية وعنصرية لا تمت للعراق الجديد بأية صلة .
وتحت دعوات ما يسمى بالمصالحة الوطنية تم اصدار قانون الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة رقم 10 لسنة 2008 الذي الغى أمر بريمر رقم 5 المتعلق باجتثاث البعث وحلت محله الهيئة الجديدة التي تتكفل بدراسة ملفات المشمولين باجتثاث البعث وابعاد من هو مشمول باحكام القانون على ان يكون له الحق في الطعن لدى الهيئة التمييزية المشكلة من (7) قضاة للنظر في الطعون المقدمة من المعترضين على حرمانهم من المشاركة في الانتخابات والعمل السياسي وفقا للفقرة تاسعا من المادة 2 من الفصل الثاني من القانون المذكور.
وهنا يجب التوقف عند مفهوم المصالحة التي هي الاخرى تم محاولة استغلالها من قبل البعض من المتسللين للعملية السياسية كوسيلة لشرعنة عودة البعثيين والارهابيين والمرتكبين للجرائم ضد العراقيين , وهذا مما يتعارض مع نصوص الدستور واحكام القانون .
وبعد ان استفاق السياسيون والبرلمانيون العراقيون اخيرا من غفوتهم وانتبهوا الى تصريحات صالح المطلك وظافر العاني ومن لف لفهم من البعثيين و العروبيين المتطرفين وتهديداتهم بتغيير المعادلة السياسية وقلبها لصالحهم على اثر التحضير للانتخابات البرلمانية الجديدة , احسوا عندئذ بالخطر الذي سيحيق بالعراق اذا ما وصل هؤلاء الى مواقع الدولة والسلطات الثلاث فحدث ما حدث من الدعوات والمطالبات بشمول البعثيين بقانون المساءلة والعدالة وابعادهم وذلك بعد اربع سنوات من المشاركة السلبية لهؤلاء البعثيين ومحاولاتهم الحثيثة لتقويض ونسف كل ما تم انجازه خلال تلك المدة , فضلا عن إرتكاب بعضهم للجرائم مستغلين حصانتهم النيابية , فمارس بعضهم جرائم القتل والتهجير وقام احدهم (محمد الدايني ) بالمشاركة في تفجير مجلس النواب أيضا وقتل وجرح عدد من النواب .
بعد شد وجذب تم تشكيل الهيئة التمييزية وفق الفقرة 9 من المادة 2 من قانون رقم 10 لسنة 2008 للنظر في اسماء المبعدين والطعون المقدمة منهم . اصدرت الهيئة يوم 3 شباط قرارا ضعيفا يدل على الارتباك والتردد ويكشف عن ضغوط خارجية وقعت على الهيئة بهدف اشراك المشمولين بالمساءلة في الانتخابات القادمة ومن ثم حسم هذه الملفات بعد انتهاء عملية الانتخابات , وهذا قرار خاطئ وخطير من الهيئة التمييزية , لأنه قرار ذو طابع سياسي وليس قانوني وهو يخالف الدستور . وبعد اعتراضات شعبية ورسمية من غالبية العراقيين اضطرت الهيئة التمييزية الى ان تدرس الادلة التي تخص المشمولين بالمنع واصدار قراراتها قبل يوم 12 شباط 2010 .
مما تقدم لابد من التأكيد على النقاط التالية :
1- إننا نعتقد بان تجارب التاريخ اثبتت بأن حزب البعث ( سواء أكان منسوبا الى صدام ام كان تابعا الى ميشيل عفلق ام الى غيره ) هو حزب لا يقل في خطورته على الدولة والمجتمع من الفكر النازي ويجب التعامل معه على هذا الاساس بلا رحمة ولا مجاملة وبدون الرضوخ للضغوط الخارجية والداخلية وتحت اي مسميات كانت .
2- ان المصالحة لا يجوز ان تقوم مع المتهمين بجرائم الابادة للجنس البشري او جرائم ضد السلم او جرائم ضد الانسانية او بجرائم الحرب لوجود المانع الدستوري والقانوني في العراق وطبقا للاتفاقيات الدولية ذات الصلة المانعة من ذلك واية مصالحة او عفو معهم يكون باطلا والباطل مثل العدم ولا قيمة له من الناحية القانونية.
3- ان انكار المقابر الجماعية والتهديد باستعمال القوة ضد مكون عراقي والترويج للبعث المنحل وتبنى العقيدة العنصرية الشوفينية يعد خرقا للدستور ولنصوص قانون رقم 10 لسنة 2008 ويجب محاسبة كل من يقوم بذلك ومنعهم من مزاولة العمل السياسي ومن التغلغل في مفاصل الدولة والمجتمع .
4- ان الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة تشكلت بموجب القانون رقم 10 لسنة 2008 وطبقا للدستور كما بينا وان جميع اعمالها مشروعة قانونا ومما يبنى على ذلك ان الهيئة التمييزية المشار اليها لها صفة مشروعة ايضا لانها جاءت وفقا لاحكام القانون المذكور مما يجعل قراراتها التي تصدرها صحيحة وسليمة من الناحية القانونية وواجبة التنفيذ .
5- ان ما جرى من اجتماع بين رئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب مع رئاسة مجلس القضاء الاعلى ليس تدخلا في استقلال القضاء مطلقا كما يدعي البعض , ويجب الوقوف ضد أي تدخل ومن أي طرف كان للتاثير على القضاء سواء كان من جهة اجنبية او وطنية لأن احترام مبدأ استقلال القضاء ضروري باعتباره مبدأ دستوريا مقدسا ويجب تعزيز هذا المبدأ , وعند مناقشة قرار الهيئة وتداعياته من جانب الرئاسات الثلاث فان ذلك لا يعني تدخلا بشؤون القضاء ولا يمس استقلاليته , اذ لا يجوز تأجيل النظر بقضايا المشمولين بالحرمان من الانتخابات الى ما بعد الانتخابات , ولأن ما ورد في قرار الهيئة بتأجيل النظر بهذه القضايا خلل جوهري جرى مناقشته حيث من الصعوبة بمكان سحب الثقة من الشخص المرشح بعد انتخابه لان الشخص المرشح يجب ان تتوفر فيه الشروط اولا ومن ثم يسمح له بالدخول في الانتخابات .
6- إن دور الهيئة التمييزية يتحدد في النظر بالادلة المقدمة من الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة المتعلقة بالمشمولين بمنع الترشيح للانتخابات واصدار قراراتها القضائية بجواز او عدم جواز الدخول في العملية الانتخابية يكون وفقا للقانون وللوقائع لكل قضية على حدة .
7- ان الخطورة تكمن في البعث فكرا وتنظيما وفي البعثيين الذين تسللوا الى مواقع مهمة في الدولة والمجتمع بينما توجب قواعد العدل والعدالة تصنيف هؤلاء حسب أفعالهم وتاريخهم ووفقا للدستور والقانون رقم 10 لسنة 2008 وعلى من أنكر جرائم النظام السابق وأنكر عراقية الكورد وشكك في إنتمائهم للعراق ان يحاسب قانونا و يقدم الاعتذار للعراقيين جميعا وان يصار الى محاسبة غير البعثيين أيضا ممن تعاون مع أجهزة النظام القمعية والمخابراتية وفقا للقانون وبعيدا عن الانتقام والثأر.
روابط ذات صلة :
• http://www.cpa-iraq.org/arabic/regulations/CPAORD5-Arabic.html
• http://www.krg.org/articles/detail.asp?smap=01010400&lngnr=14&rnr=84&anr=9579
• http://www.parliament.iq/dirrasd/law/2008/10.pdf
2010-02-08
#منذر_الفضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟