مصطفي النجار
الحوار المتمدن-العدد: 2910 - 2010 / 2 / 7 - 17:59
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في يوم لم أشهد في روعته مثيل مع صفاء سماء القاهرة على غير المعتاد، مع نسمات الريح الرطبة التى تثلج الصدور والتى تخللتها ابتهالات دينية مع دقات الكنيسة الملاصقة من منزلى وتذكري لأيام والدي مع يهود منطقة الكربة في مصر الجديدةن بكل ما فيها من لحظات فرح وحزن وكبت وقلق، جاءني ابني ليجلس بجواري في هذا المشهد الخيالي الذي لن يتكرر مرة أخري، وألقي على بقنابل أغرقتني في بحر من دماء الدهشة والحيرة والاحراج معاً.
لم يتجاوز الصغير سنواته السبع لكنه فعل بي كما تفعل الآلات في حبات القمح، اعتصرني بكل ما تحمل الكلمة من معان، ذبت في قاع سفلي عميق تغلفه سيول عرقي بينما تطايرت أبخرة الذهول من فروة رأسي، لقد سألني ابني: "فين ربنا اللى بتقولى عليه ديما؟"، تسمرت في مكاني فجأة وشعرت كأن سهم أخرق ضربني ونزع من رأسي حكمتي.. انتظرت لحظات حتى عدت لحالتي، كان وقتها ينظر إلى في استنكار.. عاد ليكرر على سؤاله في لحظات صمتي مرتين أحسستهم ضهرين من الزمان، هببت في مقعدي، استندت على سور الشرفة، دققت بعيني في حجمه الضئيل، واخدت نفساً عميقاً وكلما عزمت الإجابة لا أجدها معي.
قررت مرة واحدة أن أضربه وأصرفه وأصرف كل ما تسبب لى من تعكير لصفوي ولحظاتي التى لن يعوضها أحد مما كانت قدراته الجبارة.. شلت يداي ولساني إلا أن أمهد لإجابتي عليه، طلب العون من الله في السر بقلبي ربما أو بعقلي. قلت له في كلمات مقضبات كي أنهى حواره الذي فكرني بحوارات المعارضة في السياسة. أشرت إلى السماء والأرض وكوب ماء "هنا الله هو ربنا ورب كل شئ"، فرماني بقنبلته الثانية التى توالت بعدها القذائف: "هو اسمه الله ولا ربنا؟"، فرددت "ربنا له أسماء كثيرة لا تعد.
وكما هي عادة الصغار متطفلين أصر: "جاوبني هو فين ولا شكله ايه؟".. فقلت بلسان متوتر "موجود في قلبك وعقلك وفي السماء والأرض وفي الهواء وفي المياه والطعام"
- بس أنا مش بشوفه خالص ولا أعرف شكله، وهو مش عارفني؟
بهذه الكلمات جادلته بصوت علت نبرته قليلاً وتخللته نار الاحراج.
- هو بيشوفنا واحنا بنشوفه الحاجات اللى صنعهالنا بنفسه.. يعني التراب والمياه والهواء اللى بنتنفسه والأكل اللى ماما بتعملهولك.. وهو اللى بيدينا القوة والصحة اللى بنعمل بيها كل اللى انت شايفه حوليك.
كنت وقتها أشير إلى جهاز التليفزيون وسيارتي في الشارع.
- طب هقابله واسمع صوته امتى؟
- يوم القيامة يا حبيبي
- وامتى اليوم ده يا بابا؟
- ده في علم الغيب!!
- يعني ايه "غيب"؟
- يعني الحاجات اللى ربنا خلاها لنفسه ومش عايز يقولنا عليها
- وليه مش عايز يقولنا.. هو بيخاف زينا؟
- ربنا مش بيخاف يا حبيبي.. لكن مش كل حاجة يقولها لنا عشان يبقي في فرق بينا وبينه لانه مش بشر زينا ولا قدراته وقوته زينا.
انتظروا الحلقة التالية
#مصطفي_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟