|
-التوجيهية-.. مظهر خلل كبير في نظامنا التعليمي والتربوي!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2910 - 2010 / 2 / 7 - 14:38
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
تجربة "التوجيهية"، وعندنا على وجه الخصوص، أنْتَجَت وراكمت وهيَّأت واستجمعت من الأسباب ما يكفي لإنهاء وإلغاء هذا الطقس التعليمي التربوي الاجتماعي، فإصلاح النظام التعليمي التربوي يمكن ويجب أن يبدأ بجعل "التوجيهية" جزءاً من ماضيه.
ما أكثر "التربويين" عندنا حين تعدُّهم؛ ولكنَّهم في النائبات، وفي نائبة "التوجيهية" على وجه الخصوص، قليل، فالحاجة إلى "تثوير" نظامنا التعليمي والتربوي تشتد وتعظم، ونراها واضحة جلية مع مَقْدَم "تسونامي التوجيهية"، وفي أثناء، وبعد، وقوعه؛ ومع ذلك، لا نرى لها أثراً، وكأَّن الحاجة إلى إصلاح تربوي، مع اشتدادها وتعاظمها، ليست بسبب كافٍ لإنتاج مصلحين تربويين.
إنَّ حياة جديدة تُكتب لمن ينجو من امتحان "التوجيهية"؛ وإنَّه يكفي أن ينتاب الطلاَّب وذويهم ما ينتابهم من هلع وخوف وقلق واضطِّراب..، وأن يروا في "التوجيهية" ما يكاد يَعْدِل "يوم الحساب"، لجهة خشيتهم منه، حتى يتأكَّد أنَّ في "التوجيهية" خللاً وفساداً تربويين عظيمين؛ ولا بدَّ، بالتالي، من الإصلاح، وإعادة الأمور إلى نصابها.
"التوجيهية"، بما تمثِّله وتعنيه عندنا، من طقس وثقافة وأهمية مصيرية، حان لها أن تنتهي، وأن ينتهي معها "نظام الامتحان" المعمول به، والذي لم يتحسَّن كثيراً من حيث الجوهر والأساس، ومن حيث فلسفته ومنطقه، فـ "السؤال"، الذي من خلال إجابته يُمْتَحَن الطالب لم يتحسَّن، ولم يتطوَّر، بما يسمح له بأن يكون أداة صالحة لكشف واختبار وقياس المستوى المعرفي والعلمي والفكري الحقيقي للطالب المُمْتَحَن.
من الوجهة التعليمية، يذهب الطالب إلى قاعة الامتحان برأس تكاد تنفجر من كثرة ما اضطُّر إلى إدخاله فيها من "معرفة"، قسمها الأكبر يضر ولا ينفع؛ ولا بد من تركها حيث هي، أي في بطون الكتب، إذا ما أُريد لملكات العقل الأكثر أهمية أن تَظْهَر إلى الوجود في "أجوبة" الطالب، وطريقته في التفكير، فالعقل، في القرن الحادي والعشرين، يحتاج إلى قليل، وقليل جداً، من "الذاكرة"، وإلى كثير من "الخيال"؛ أما نظامنا التعليمي، الذي في امتحان "التوجيهية" تتركَّز معانيه، وتتضح خواصه، فما زال منحازا إلى "الذاكرة" ضد "الخيال"، وإلى "الحفظ" ضدَّ "الفهم".
ومن الوجهة التربوية، يذهب الطالب إلى قاعة الامتحان ولم يبقَ لديه إلا نزر من القوى النفسية التي يحتاج إلى كثير منها حتى يتمكَّن من أن يُظهِر في "إجاباته" ثمار جهده الدراسي الجهيد، فبنفسٍ أمَّارة بكل ما من شأنه الحيلولة بينه وبين إظهار ما يملك من قدرات علمية يذهب إلى "الامتحان"، الذي فيه من "الإرهاب" ما يجعله ينظر إلى خطأه في الإجابة كما ينظر إلى خطأه في تفكيك قنبلة، فخطأه الأول هو خطأه الأخير!
"التوجيهية"، في مناخها "الإرهابي"، والذي هو في حد ذاته خير دليل على فشل تربوي كبير، إنما تشبه محكمة يُحاكَم فيها الطالب محاكمة غير عادلة؛ وهي ليست بالأداة التي تسمح بـ "اختبار القدرات الفعلية والحقيقية" للطالب.. وليست بـ "السؤال" الذي يملك من الخواص وجودة الصنع ما يسمح له بأن يكون مسباراً نعرف به الغور العلمي للطالب، فـ "الهيئة" التي تتوفَّر على صناعة الأسئلة غير مستوفية للشروط التي لا بد لها من استيفائها حتى نرى "العِلْم" و"الفن" و"الذكاء" في "السؤال".
والطالب يكفي أن يملك "طريقة جيدة في التفكير" حتى يفشل في إجابة كثير من الأسئلة؛ لأن "الطريقة السيئة في التفكير" هي التي أنجبتها وحضَّت عليها.
وأحسبُ أنَّ إصلاح نظامنا التعليمي يحتاج، في المقام الأوَّل، إلى إصلاح "السؤال نفسه"، أي سؤال الامتحان، فإنَّ اختبار "الفهم" هو الذي ينبغي له أن يكون الغاية الكامنة في سؤال الامتحان.
و"الفهم"، الذي لا يَظْهَر ويتأكَّد إلاَّ إذا هبط فيه منسوب "الحفظ" كثيراً، إنَّما يحتاج إلى سؤالٍ، إجابته يجب ألاَّ يكون لها من وجود مباشِر في صفحات الكتاب، فإذا اقتضى الأمر أن تكون كذلك، فيجب ألاَّ يُسْمَح لهذه الإجابة بالظهور في "ورقة الامتحان" بالمفردات والعبارات نفسها، فإنَّ "الفهم"، والذي هو خير وأبقى من "الحفظ"، أو من "الحفظ عن ظهر قلب"، لا يتأكَّد إلاَّ بإلباس الفكرة نفسها، أو المعنى نفسه، لبوساً لغوياً مختلفاً.
إنَّ قدرات من قبيل القدرة على الفهم والاستنتاج والاستدلال.. هي التي يجب أن تُخْتَبَر في الطالب عَبْر سؤال الامتحان.
على أنَّ هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أن يتوخَّى واضِع السؤال "التعقيد"، تلبيةً لحاجة نفسية لا نراها إلاَّ عند ضيِّقي الأُفق، الذين يتبارون في تصعيب الإجابة على الطلاَّب، ضاربين صفحاً عن الفَرْق الجوهري بين الذكي والغبي، فالذكي هو الذي "يُبسِّط المُعقَّد"، أو يكتشف "البسيط" في "المعقَّد" من الأمور؛ أمَّا الغبي فهو الذي "يُعقِّد البسيط" منها.
إن الطالب، والإنسان على وجه العموم، لا يملك، وليس في وسعه أن يملك، قدرات علمية "مطلقة"، فالاختبار العلمي والموضوعي لقدرات الطالب العلمية لا يمكن أن يكون من النوع الذي يفضي إلى علامة شبه كاملة لطالب ما في كل المواد الدراسية، فالطالب الذي يحصل على مثل هذه العلامة في الفيزياء والرياضيات واللغة والتاريخ والدين.. إنما هو خير دليل على افتقار الاختبار إلى معاييره الحقيقية.
والطالب من حقه أن يُختبر الاختبار الأكبر في مادة دراسية بعينها.. من حقه، مثلا، أن يحصل على 50 في المئة من معدله العام من مادة دراسية ما، فهو يجب أن يُظهِر ويؤكِّد مقدرته العلمية في ناحية علمية ما وليس في كل شيء.
والطالب من حقه، أيضا، استعادة مُعلِّمه المقتدر المخلص الذي يبذل من الجهد في "الصف" ما يكفي طلابه شر "الدروس الخصوصية"، التي غدت مظهر فساد في نظامنا التعليمي، فالمُعلِّم لا يعطي من جهده التعليمي الحقيقي في داخل "الصف" إلا ما يشدِّد الحاجة لدى كثير من الطلاب إلى دروسه الخصوصية، التي لا قانون تخضع له سوى قانون "العرض والطلب".
لقد حان لنظامنا التعليمي والتربوي أن يتغيَّر بما يسمح له بأن يتحوَّل إلى قوة تغيير لإنساننا ومجتمعنا، فإن فيه من أسباب الموات الإنساني والديمقراطي والحضاري والاجتماعي ما يمنع الحياة والأحياء من الظهور فيه.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصَّة نجاح لثريٍّ روسي!
-
-ضرائب دولة- أم -دولة ضرائب-؟!
-
-الإنسان-.. نظرة من الداخل!
-
-شجرة عباس- و-سُلَّم أوباما-!
-
هكذا تكلَّم الجنرال باراك!
-
-ثقافة الزلازل- عندنا!
-
أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!
-
مفاوضات فقدت -الشريك- و-الوسيط- و-المرجعية-!
-
سنة على تنصيب أوباما.. نتائج وتوقُّعات!
-
حال -اللاتفاوض واللامقاومة-!
-
مزيدٌ من الإفقار.. ومزيدٌ من -التطبيع-!
-
نمط من المراكز البحثية نحتاج إليه!
-
الأجهزة الأمنية العربية!
-
ما معنى -حل مشكلة الحدود أوَّلاً-؟
-
الإرهاب ومحاربيه.. منطقان متشابهان!
-
-سورة الأنفاق-.. يتلوها علينا الشيخ طنطاوي!
-
احذروا فضائيات التكفير!
-
شيء من -الاقتصاد الإعلامي-
-
قيادات في تيه سياسي!
-
-جدارٌ فولاذي- لفَلِّ -الأنفاق-!
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|