|
الطارئون على الديموقراطية واشتراطاتهم
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 884 - 2004 / 7 / 4 - 06:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أتت الغالبية العظمى من المنادين العرب المعاصرين بالديموقراطية من تيارات وأحزاب شمولية، بدأت تلبس القميص الديموقراطي بعد خيبات وتحولات مفصلية (الشيوعيون بعد انهيار السوفيات، ولو أن بعضهم من غير الموالين لموسكو قد بدأ بالتحول نحو الديموقراطية منذ أواخر السبعينيات + القوميون بعد حرب 1991 + الإسلاميون بعد انفكاك تحالفهم مع الغرب إثر انهيار المعسكر السوفياتي وعقب توضح هزيمتهم أمام الأنظمة الموالية للغرب، في مصر وتونس والجزائر، بالنصف الثاني من عقد التسعينيات)، فيما يشكل الليبراليون، الآتين من أحزاب ليبرالية قديمة، وكذلك الآتين إلى الصف الديموقراطي من دون المرور بقطوعات إيديولوجية كانت على عداء نظري وعملي مع مفهوم الديموقراطية، أقلية ضئيلة في الوسط العربي المنادي بالديموقراطية، الآن. عند تأسيس المشهد الديموقراطي في مصر العشرينيات وسوريا الأربعينيات، لم يشترط سعد زغلول (وبعده النحاس باشا) ولا سعد الله الجابري (أو رشدي الكيخيا) اشتراطات على الأحزاب الأخرى قبل دخولها إلى إطار العملية الديموقراطية، بل تركوا الآخرين يدخلونها بكل بضاعتهم. سواء من كان يحمل فكراً فاشياً (أحمد حسين في مصر وفيصل العسلي في سوريا)، أو عقيدة انقلابية (البعث)، و ايديولوجية شمولية (الشيوعيون)، أو فكراً يريد جعل المجتمع إسلامياً على طراز الماضي الذي كانت تسوده الخلافة الإسلامية (الأخوان المسلمون). مع بداية اهتزاز أنظمة الديكتاتوريات الفردية والحزب الواحد منذ أواخر الثمانينيات العربية، ولو لم تكن عملية ولادة المشهد الديموقراطي سلسة مثلما جرى في أميركا اللاتينية وآسيا الشرقية، بات واضحاً أن العالم العربي قد دخل في مرحلة انتقالية من تلك الأنظمة نحو الديموقراطية: تمّ إعاقة هذا الاستحقاق من خلال دفع الأنظمة لفاتورة (حفر الباطن) و(مدريد) مقابل غض بصر واشنطن عن الأوضاع الداخلية في البلدان المعنية، وخاصة مع وجود مؤشرات على أن الأصولية الإسلامية، التي أدارت واشنطن لها الظهر منذ عام 1991، ستكون فائزة في صندوق الاقتراع، كما أظهرت مؤشرات الجزائر، وجزئياً تونس والأردن ومصر. إذا كانت واشنطن (والتي يبدو أنها بدأت تعيد النظر بتلك النظرة للأنظمة العربية لصالح أخرى بعد الحادي عشر من أيلول) والأنظمة قد مارسا تلك المقايضة بين سياسة خارجية "ملائمة" للأميركان مقابل السكوت على الداخل مثلما جرى مع الصين بعد عام 1989، فإن التيارات السياسية العربية، التي بدأت بارتداء مسوح الديموقراطية بعد ابتعاد وتنكر وعداء لها، لم تكن تملك نظرة مشتركة، بين بعضها البعض، تواجه بها الأنظمة أثناء عملية محاولة انتزاع واستعادة الديموقراطية. بعضهم اعتبر الأصولية أشد خطراً من الأنظمة، وفق المعادلة التي نادى بها الشيوعيون الجزائريون (الهاشمي شريف) والعلمانيون (رضا مالك) والبربر (سعيد سعدي) عن "تفضيل بينوشيه على الخميني" أثناء تبريرهم لوقوفهم مع انقلاب 1992 الذي ألغى فوز الإسلاميين بالانتخابات، فيما أصبح من الواضح من خلال كتابات وتصريحات الشيوعي المصري رفعت السعيد، وهو الرجل النافذ في حزب التجمع، أنه يطبق تلك المعادلة الجزائرية عند التفضيل بين الرئيس المصري ومرشد الاخوان، الشيء الذي ينطبق على كل الأحزاب التونسية "الرسمية" التي قبلت وسكتت على حظر وملاحقة حركة النهضة الإسلامية في عام 1991، عقب أن نالت أكبر عدد من الأصوات بعد الحزب الحاكم في انتخابات 1989. يعتبر هؤلاء (والذين ينضم إليهم الآن بعض "الديمقراطيين الجدد"، الآتين من الشيوعية السوفياتية أو من "اليسار الجديد"، في سوريا التي لا يوجد فيها ذلك الشرخ بين اليساريين والإسلاميين بحكم موقف "التجمع الوطني الديموقراطي" المتخذ في ربيع 1980)، أنه "لايجوز" وجود أحزاب دينية، داعين إلى ضرورة أن تكون الأحزاب "المشروعة" ذات طابع تمثيلي شامل، أو يشترطون لانخراطها في اللعبة الديموقراطية (وهي التي تمثّل أكثر منهم في المجتمع وربما كان هذا هو السبب) أن تقبل بالعلمانية، التي أصبحوا يعتبرونها شرطاً للديموقراطية متغاضين عن حقيقة عدم ترافق علمانية أتاتورك أو شاه إيران مع الديموقراطية، وعن كون العلمانية التي انتصرت في الغرب هي علمانية (Laicism) التي لا تفصل الدين عن السياسة وإنما الكهنوت والإكليروس عن الأخيرة بخلاف علمانية (Secularism) الآتية من عصر الأنوار الفرنسي، والتي تريد أن تجبر المتدينين على الانحصار في الأخلاق والشعور الفردي والطقوس، في اشتراطات من الواضح أن أصحابها لا يقبلون بأن يكون المجتمع حراً في إفراز كافة تعبيراته لكي تقدم نفسها في عملية احتكام يكون ممرها هو صندوق الاقتراع، كما أنه من الواضح استمرار هؤلاء في عاداتهم القديمة التي كانت تريد وضع تحديدات عقائدية وأيديولوجية لمن "هو اشتراكي" والآن يريدون تطبيق ذلك على الديموقراطية. من يطلب من المتدين الإسلامي تبني العلمانية هو كمن يطلب من القومي التخلي عن الوحدة العربية أو من الشيوعي نبذ الماركسية، ولا يُعرف إن كان أصحاب هذه الاشتراطات يعرفون ذلك أم لا، مع أن ميولهم إلى ذلك "الخيار الجزائري" توحي بأنهم يريدون، ولو بالتعاون مع الأنظمة القائمة، منع الإسلاميين من ولوج ساحة العمل الديمقراطي، الشيء الذي بان الكثير من ملامحه عبر ما جرى مؤخراً في مصر، عندما قبلت الأحزاب "المشروعة"، أي التجمع والوفد والناصري، الدخول في "حوار وطني" مع الحزب الحاكم، بالترافق مع استبعاد جماعة الأخوان المسلمين "غير المشروعة". إذا ابتعدنا عن المسوغات الأيديولوجية المطروحة من قبل هؤلاء، مثل مقولة (ديموقراطية المرة الواحدة) التي يمكن أن يمارسها الإسلاميون تجاه اللعبة الديموقراطية حسب تخوفاتهم أو التبرير الآخر حول "عدم وجود" ثقافة ديموقراطية في المجتمع، وهما طرحان لم يفارقا أفواه الكثير من منظِّري الأنظمة القائمة، فإن أي بحث جدي في فحوى الخطابات الإيديولوجية يجب إحالته إلى المحمول الاجتماعي لأصحابها (وليس إلى المحتوى المضموني للخطاب) وكذلك إلى الوظيفية التي يريدون تأديتها عبر هذا الخطاب في اللحظة السياسية المعنية. تعطي الأمثلة الجزائرية والمصرية والتونسية أضواء كبيرة على حقيقة أن تحالف "العلمانيين" و"اليساريين" مع العسكر ضد الإسلاميين لم يقد إلى الديموقراطية، وإنما إلى "ديموقراطية محدودة" وربما، وهذا هو الأرجح كما تبين الجزائر ومصر باعتبار أن راشد الفنوشي يمثل استثناءً واضحاً، يكون ذلك طريقاً إلى الاضطراب والعنف، وبالتالي إلى إدامة الديكتاتورية من حيث أن الأخيرة ترى "مشروعيتها" و"وظيفيتها"، تجاه الخارج أساساً، من خلال ذلك. إن الديموقراطية في الغرب الأوروبي، وهو الذي شكلّ حاضنة الديموقراطية العالمية، لا تشترط أكثر من قبول (التعدد) و(التداول) على من يدخل في اللعبة الديموقراطية، وأن يستمر بالالتزام بهما في حال أوصله صندوق الاقتراع إلى السلطة، كما تشترط على كل الأحزاب الالتزام بالقانون العام الذي يحظر العنف ويحدد أطراً سلمية وقانونية للصراعات والنزاعات الاجتماعية (يمكن أن تأخذ أشكالاً سياسية وفكرية واقتصادية ومهنية) والتي أتت الديموقراطية كإطار منظم وضابط لها. *** *** ***
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فساد معنوي في المعارضة السورية
-
الشرق الأوسط والاستثناء الديمقراطي
-
التفسير التآمري وضعف دور المجتمع السياسي
-
أزمة اليسار السّوري - الماركسيون نموذجاً
-
ماذا بقي من الماركسية؟
-
رأي آخر حيال موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري
-
من كابول
79 إلى كابول 2002 حقائق جيو سياسية جديدة أضعفت مو
...
-
ملامح السياسة الأميركية على إيقاع أحادي
-
السياسي والجنرال-الترابي والبشير نموذجاً
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|