أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - نموذج بولاق .. لسيادة العراق














المزيد.....

نموذج بولاق .. لسيادة العراق


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 884 - 2004 / 7 / 4 - 06:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عام 1798 قرر نابليون بونابرت غزو مصر ، فرفع إليه تاليران وزير خارجية الثورة الفرنسية تقريرا في فبراير من نفس العام يزكي فيه الحلة على مصر قائلا : " إن أهالي مصر قاطبة يكرهون المماليك الذين يسومونهم الظلم والاضطهاد ، وليس ثمة خوف من مقاومة أو انتفاضة من الأهالي " . وهبط نابليون إلي القاهرة في 24 يوليو ، ونزل في قصر محمد بك الألفي بالأزبكية ، واثقا أن الأهالي ستلقى قوات الاحتلال بالورود ! إلا أن بونابرت فوجئ بوضع مختلف تماما ، فقد اندفع الناس لمقاومة الحملة إلي درجة أن كل طائفة كما ذكر الجبرتي : " كانت تجمع الدراهم من بعضها البعض ، وبعض الناس يتطوعون بالإنفاق على البعض الآخر ، ومنهم من كان يجهز جماعة من المغاربة أو الشوام بالسلاح والأكل وغير ذلك ، بحيث أن جميع الناس بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم ، ومن لم يجد منهم السلاح خرج بالنبابيت والعصي .. وتحول جميع من بمصر من الرجال إلي بولاق". ولم يجد أنف بونابرت شيئا من عطر الورد الذي عشموه به . وبعد أكثر من مائتي سنة قرر جورج بوش الابن غزو العراق ، فلم يستنشق في مدنها نفحة واحدة من ورود وعدوه بها .
وادعى بونابرت ، كما ادعى جورج بوش ، أن هدفه الوحيد من الغزو هو:" تخليص المصريين من ظلم المماليك " . وفي أول منشور له وعد أهالي مصر بأنهم سيدخلون في المناصب السامية ويكتسبون المراتب العليا ، وأصدر في اليوم التالي لدخوله القاهرة مرسوما بتأليف أول وزارة مصرية ، ووجد من الشيوخ العملاء من يقبل بالمشاركة في وزارة أو حكومة لم يكن من صلاحيتها معارضة أهواء الفرنسيين أو المساس بالاحتلال . وأنشأ بونابرت أول برلمان مصري وأطلق عليه الديوان العام ، وفي الجلسة الأولى للديوان ُقرئت على الأعضاء خطبة الافتتاح مترجمة إلي العربية . وهو ما كان يفعله بول بريمر الحاكم الأمريكي المدني للعراق حين يقف أمام مجلس الحكم الانتقالي ويلقي خطبه وبجواره المترجم ! واستهدفت الديكورات الديمقراطية الفرنسية ومن ضمنها الدعوة لإقامة حكم نيابي أمرا واحدا : التمويه على واقع الاحتلال ، وهي نفس الخطة التي تحاول أمريكا اتباعها الآن حين تتحدث عن أنها نقلت السلطة إلي العراقيين ، وأنها ستجرى انتخابات عامة في 31 يناير المقبل ، على حين تصرح الإدارة الأمريكية بأن قواتها ستبقى في العراق بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1546 ، الذي يجمع بين استمرار الاحتلال وسيادة شكلية هزيلة لحكومة عينتها أمريكا نفسها . أما عن دور هذه الحكومة ، وكل حكومة تنشأ في ظل الاحتلال ، فإنه لن يزيد عن تصور نابليون لدور الديوان المصري ، وقد حدد نابليون ذلك الدور بقوله أن صاري عسكر الفرنسيين : " يسأل أعضاء المجلس عن الأمور الضرورية ، فيبدون رأيهم ، فينتج عن ذلك ما يليق صنعه " ! . أي أن دور الديوان والحكومة والوزارة مجرد دور استشاري لا أكثر ، أي مجرد منظر .
وعندما قامت بريطانيا باحتلال مصر عام 1882 ، ادعت ما تدعيه أمريكا الآن من أن غاية دخول بريطانيا بجيوشها إلي مصر هو تهيئتها لأن تحكم نفسها بنفسها، وأن تقيم على أرضها حكما سياسيا حراً ! وقد سبق لبونابرت أن عبر عن مثل هذا المعنى بالضبط ، كما كرر جورج بوش ، وبول بريمر ذات الفكرة مرارا قبل الغزو وبعده .
وفي مصر أعادت بريطانيا تطبيق خطة بونابرت القديمة ، التي لا تبلي ، والصالحة لكل أنواع الاستعمار في كل العصور أي الاستعانة بالديكورات الديمقراطية للتمويه على واقع الاحتلال باعتباره نفيا لكل ديمقراطية من أي نوع . في مصر اتخذت الخطة البريطانية اسم اللورد كرومر ، وأصبحت الكرومرية مصطلحا يدل على مجموعة من أساليب وأهداف المدرسة الاستعمارية القديمة – الجديدة لتمرير الاحتلال وإلباسه ثوب التحرر والتقدم . وكان اللورد كرومر يرى أنه لدوام الاحتلال واستقراره لابد من القيام بعدد من الإصلاحات الإدارية وبناء المنشآت وتنظيم الأمن وتوفير بعض الحريات الشكلية ، لأن كل ذلك يضفي على الاستعمار صفات الاستنارة والتقدم . وفي عام 1913 تم بإشراف المندوب البريطاني السامي إنشاء الجمعية التشريعية ، وتعددت الصحف ، ودار الحديث طويلا عن ديمقراطية الاستعمار الإنجليزي الذي قاد مصر إلي الفقر وحولها إلي قاعدة عسكرية لحماية مصالح الإمبراطورية وإلي مستعمرة تزرع القطن فحسب لكي يعاد تصنيعه في بريطانيا . وكان اللورد كرومر يعتمد على قوة إقناع وحيدة هي قوة البوارج الحربية والبنادق التي تقف خلف مشاريعه . وكان كرومر يكتب إلي لندن أن مستقبل مصر محصور بين الاستقلال أو الاندماج في الإمبراطورية ، وأنه يفضل الحل الثاني ! وأحصى المؤرخون المصريون حتى عام 1904 تسعة وتسعين وعدا بريطانيا بالجلاء ، لم ينفذ واحد منها ! أما عن الشعب الذي لم تخدعه أحاديث بونابرت عن الحكم النيابي البرلماني ، وديكورات الديمقراطية في ظل أبشع انتهاك لها ، فإنه سرعان ما هب لمواجهة الاحتلال الجديد البريطاني ، وشن عليه هجوما طويلا إلي أن طهر أرضه منه .
ومن بولاق إلي الفلوجة ، ومن الديوان العام ، إلي الحكومة العراقية الانتقالية، ومن إصلاحات كرومر إلي إصلاحات بريمر ، لا يجد الغزاة سوى نفس الأقنعة القديمة ، لأن أهدافهم مازالت نفس الأهداف القديمة : السيطرة على ثروات ومقدرات الشعوب الأخرى . أما الناس في العراق فإنهم : " يفعلون ما في قوتهم ، ومن لم يجد منهم السلاح خرج بالنبابيت والعصي "، وسوف يجلي الشعب العراقي المحتلين عن أرضه ، مهما .جتهدوا في خداعه ، وحاولوا كسر إرادته في معتقلات أبوغريب و بالمقابر الجماعية الأمريكية في الفلوجة واغتصاب نسائه .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
- بط أبيض صغير
- أدب سياسي
- مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
- ترجمة الروح
- فاطمة زكي ونساء الثورة
- كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
- وجهة نظر روسية في الاستراتيجية الأمريكية لعالمنا
- الشيخ أحمد يـاسـيـن ما الذي اغتالوه .. ؟
- القاهرة تهتف للعراق
- راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة
- الدكتور أبو الغار وكتابه إهدار استقلال الجامعات
- الصحافة المصرية لحظـات مضيـئـــة
- الرد على العملية الأخيرة في العراق
- محمد صدقي .. وداعا
- البيان الختامي للملتقى الأول للجان الشعبية المصرية لدعم الان ...
- ليس من جدار واحد ينشع دم الفلسطيني
- مضارب الأهواء عمل جديد لإدوار الخراط
- صورة الإسرائيلي في مصر
- ديوان - وطنيتي - قصة الروح الثائرة


المزيد.....




- مصر.. حكم بالسجن المشدد 3 سنوات على سعد الصغير في -حيازة موا ...
- 100 بالمئة.. المركزي المصري يعلن أرقام -تحويلات الخارج-
- رحلة غوص تتحول إلى كارثة.. غرق مركب سياحي في البحر الأحمر يح ...
- مصدر خاص: 4 إصابات جراء استهداف حافلة عسكرية بعبوة ناسفة في ...
- -حزب الله- يدمر منزلا تحصنت داخله قوة إسرائيلية في بلدة البي ...
- -أسوشيتد برس- و-رويترز- تزعمان اطلاعهما على بقايا صاروخ -أور ...
- رئيس اللجنة العسكرية لـ-الناتو-: تأخير وصول الأسلحة إلى أوكر ...
- CNN: نتنياهو وافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. بوصع ...
- -الغارديان-: قتل إسرائيل 3 صحفيين في لبنان قد يشكل جريمة حرب ...
- الدفاع والأمن القومي المصري يكشف سبب قانون لجوء الأجانب الجد ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - نموذج بولاق .. لسيادة العراق