محمد جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 884 - 2004 / 7 / 4 - 06:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
دخل الرجل دون استئذان يسحل نعله الذي قضى منه وطراً وتربع فوق احدى الصناديق الخشبية المعدة لهذا الغرض بعيداً عن منضدة العمل التي تحولت الى منضدة غداء في تلك الساعة فصاحب المحل رغم كونه من المهاجرين الارمن الا انه كان يحب صداقة البسطاء من الحرفين البغدادين نبض الشارع و مروجي كل انواع الاخبار المدفوعة والمجانية. بعد فسحة الغداء يسترخي كل شيء في المحل معدناً كان ام لحماً ودماً وخصوصاً اذا كان الغداء سمكاً دسماً من النوع الذي يسمونه العراقيين "ألجرّي" المكروه تناوله من اغلب الطائفة الجعفرية ومن هنا بدأ الحوار. المكان محل تصليح كهربائي سيارات في شارع الشيخ عمر الشهير المتخصص بتصليح كل الاشياء ذات العلاقة بالمركبات ابتداءاً من التي تدار بالوقود وانتهاءاً بتلك التي تجرها الحمير، الزمان صيف بغداد الحارق ثمانينيات القرن المنصرم. دافع صاحب المحل الارمني عن فوائد سمك الجري ورجل اخر تأكدت من اسمه بانه ليس من الطائفة الجعفرية اما صاحبنا ذو النعل المتعب فلم يعجبه تماديهم في الحديث عن فوائد الجري فبدأ الحكاية من بيولوجية هذا الحيوان وانتهى الى زفرته التي لا تطاق. هنا انتفض المدافع عن اكل الجري واوضح بان للجري طريقة خاصة بالقلي واسترسل يشرح خطوات تحضيره كانه مقدم برامج لك سيدتي فبدأ من تنقيعة لأيام بنوع خاص من الخل وانواع التوابل والصلصات وانتهى الى الخلطة التي سيغلف بها قطع لحم السمك فأدخل البيض والدقيق وبقايا الكعك المطحون ثم الى تفاصيل قليه حتى اخذني العجب من المعرفة التي يمتلكها الرجل. تمايل الرجل ذو النعل المنهك على الصندوق الخشبي و أراح رجليه من ثقل ساعداه وجذعه ثم ضغط براحة كفيه على اطراف الصندوق الذي يجلس عليه راسما شكلا مربعاً منحسراً بين ساعديه وكتفه نزولاً الى كرشه ثم ضحك بسخرية وهو يشير الى نعله المستنفذ قائلا لو انك طبخت نعلا قديما بهذه الطريقة لكان لذيذاً ايضاً.
سلبت حكومة البعث كل شيء من شعب العراق واليوم يبدأ فصل جديد من النهب منقعاً بخل الايام العصيبة وصلصات الحرية المزعومة مضافاً اليه دقيق كعك الفدرالية في مقلاة الطائفية ودعك عن التحضيرات الاخرى ولا ندري هذه المرة هل هم يطبخون لنا سمكة جرّي ام نعلاً مستهلكاً. لك الله يا عراق.
#محمد_جهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟