|
التحول الديمقراطي داخل الفكر الاشتراكي
معقل زهور عدي
الحوار المتمدن-العدد: 884 - 2004 / 7 / 4 - 06:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التحول الديمقراطي داخل الفكر العربي-4
يجادل البعض في سقوط الفكر الاشتراكي مع انتهاء الاتحاد السوفييتي والتجربة اللينينية ، الا ان الفكر الاشتراكي لم يبدأ مع التجربة اللينينية لينتهي معها ، ولاتزيد اللينينية عن كونها أحد التيارات الفكرية-السياسية ضمن مجمل التيارات الاشتراكية ، وهناك العديد منها وعلى سبيل المثال هناك التيارات الاشتراكية الاصلاحية التي استطاعت التكيف مع المجتمع الرأسمالي وتقديم تنازلات حول مسألة ملكية وسائل الانتاج وطبيعة الطريق الى الاشتراكية والعمل من خلال النظام الدستوري البرلماني الذي وضعته البورجوازية ، وهناك التيارات الاشتراكية الثورية التي ظهرت في المانيا معاصرة للينين وتمسكت بالاممية ورفضت فكرة بناء الاشتراكية في بلد واحد ( حزب العما ل الاشتراكي الالماني بقيادة كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبرغ) وقد كان التيار الأقوى في الحركة الاشتراكية العالمية قبل انتزاع البلاشفة للسلطة ، وهناك تيار تروتسكي الذي لم يوافق البتة على احلال الحزب مكان جماهير الطبقة العاملة ونمو الاستبداد وضعف التوجه الاممي الذي رافق المرحلة الأخيرة لحياة لينين ومرحلة ستالين ، وهناك التيارات الاشتراكية الفوضوية ..الخ..الخ..، وبالنسبة للينينية يمكن الاشارة لأبرز ملامحها كالتالي: 1- بخلاف معظم التيارات الاشتراكية الأوربية طرحت اللينينية فكرة امكانية بناء الاشتراكية في بلد واحد ، وكذلك امكانية الانتقال من المراحل ماقبل الرأسمالية الى الاشتراكية دون المرور بالمرحلة الرأسمالية ( حرق المراحل ) . 2- قدمت وجهة نظر خاصة في مسألة الحزب ( المركزية الديمقراطية ، الانضباط الحديدي ، الصحيفة المركزية ودورها في بناء الحزب ، قيادة الحزب للطبقة العاملة). 3- تأسيسا على الخبرة التاريخية لكومونة باريس ركزت اللينينية على مفهوم العنف الثوري ، كما قدم لينين تفسيرا خاصا لفكرة ديكتاتورية البروليتاريا نازعا الصفة التاريخية عن هذا المفهوم لصالح وضعه في سياق سياسي ارادوي 4- مع ذلك لم تكن المسألة الديمقراطية غائبة عن فكر لينين ولكن حرصه على الاستفادة من اللحظة التاريخية المتاحة لتحويل الحلم الاشتراكي الى دولة اضطره للدخول في سياقات عنيفة متلاحقة ، وحين بدأت ظواهر الاستبداد تعصف بالتجربة اللينينية بذل معظم جهده الفكري في أواخر حياته لايجاد المخرج الديمقراطي قبل ان يشله المرض ويحاصره ستالين وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى السوفييتات التي كانت حجر الزاوية المؤمل في بناء الدولة الاشتراكية ( مجالس نواب العمال المنتخبة ديمقراطيا ) والتي تم تصفية دورها لصالح دور الحزب ، وتحول الحزب ذاته الى بيئة مشبعة بالدسائس والخوف واقعا تحت قبضة ستالين والاجهزة الامنية . وعلى أية حال فان الفكر الاشتراكي اليوم يقف عند مراجعة التجربة اللينينية التي انهارت وانتهت بدون شك ، وانتهت معها مفاهيمها الخاصة ، ولكي تكون الاشتراكية مقبولة اليوم لابد من اعادة تأسيسها وفق مفاهيم مختلفة يأتي ضمنها استعادة المنظور التاريخي للمجتمع الاشتراكي بوصفه محصلة نضالات وانجازات طويلة ومتعددة وناتج تقدم عام للبشرية يشمل استنفاد المرحلة الرأسمالية على المستوى العالمي ، واحراز انتقال مناسب في وعي البشرية لمصائرها بعد ان استهلكتها طويلا لقمة العيش والصراعات الدامية ، وبالتالي اعادة الاعتبار لفكرة الأممية الاشتراكية بوصفها الاطار العالمي لنضال الطبقات العاملة وحلفائها من أجل التحرر من هيمنة الرأسمالية المتعولمة وبناء عالم جديد أقرب للمثال الاشتراكي ، والأهم من ذلك بناء المفهوم الاشتراكي داخل المفهوم الديمقراطي وليس خارجه . وباعتبار أن موضوعنا هو التحول الديمقراطي داخل الفكر الاشتراكي فمن الضروري التوقف عند هذه المسألة واعتبار ماسبق مدخلا لها. منذ الخمسينات من القرن الماضي بدأ الفكر الاشتراكي يحتل موقعه ضمن الفكر العربي ، ومع نهاية الستينات ظهر الفكر الاشتراكي باعتباره الجزء الأكثر تقدما وحداثة ضمن منظومات الفكر العربي ، وشكلت النخب الماركسية جزءا واضح الفعالية والتأثير ضمن النخب الفكرية والثقافية في سورية ، ومنذ الثمانينات فان مساهمتها تعتبر الأكبر في اعادة اكتشاف المسألة الديمقراطية واستعادة الوعي الديمقراطي وتعميقه وتشكيل الهيئات والمنظمات المرتبطة بهذا الوعي . لكن استعادة الوعي الديمقراطي لم تتم لدى التيار الاشتراكي داخل المفهوم الاشتراكي بل خارجه ، وشيئا فشيئا ظهر وكأن الانسياق وراء الوعي الديمقراطي قد تم على حساب المرجعية الفكرية الاشتراكية وفي تناقض معها . وحين اتسعت المسافة بين الشاطىء الاشتراكي والسفينة التي أبحرت نحو الديمقراطية ظهر وكأن أزمة انتماء فكري قد أصبحت واقعة . وبدلا من التفكير في مراجعة التجربة اللينينية والمقولات الفكرية الاشتراكية لاعادة تأسيسها ديمقراطيا توجه البعض لقطع العلاقة مع الفكر الاشتراكي وايداعه ملف الذكريات ، وتلك كانت لحظة ولادة الليبرالية اليسارية ( من حيث الأصل فقط) التي انتقلت الى مرجعية أخرى هي الحداثة والانسانوية واتجهت كموجة تائهة نحو تفكيك مقولات الفكر العربي ونظرت اليها كعقبة بوجه الحداثة. وأثناء ذلك استمر الجزء من التيار الاشتراكي الذي بقي على وفائه والتزامه بالمفاهيم الاشتراكية يعاني من أزمة في التوفيق بين تراثه الاشتراكي الذي لم يتجرأ على التعرض اليه بالنقد حتى الآن وبين حقيقة انهيار التجربة الاشتراكية اللينينية من جهة ورغبته في اللحاق بالركب الديمقراطي من جهة ثانية وظهر وكأنه الابن المخلص للأشتراكية الذي لاينفعه اخلاصه في انقاذ اشتراكيته طالما استمر في العجز عن تطوير وعي نقدي وديمقراطي. وبغض النظر عن مآل الليبرالية ( اليسارية) الجديدة وهي مسألة غير محسومة فليس ثمة مفر من القيام بالعمل الصعب المتمثل في مراجعة الفكر الاشتراكي مراجعة نقدية في ضوء انهيار اللينينية ، واعادة تأسيس مقولاته من داخل الفكر الديمقراطي . ومثل تلك المراجعة ضرورية لاعادة الحيوية لذلك الفكر وتخليصه من مقصلة الليبرالية الجديدة وقوى الاستئصال وتيارات العولمة التي ترغب في تصفيته. تنبع أهمية الفكر الاشتراكي من انارته لطبيعة الصراع الدائر على نطاق العالم وتحديد الطبيعة الرأسمالية لقوى الهيمنة العالمية ( رأس المال المتعولم) وضرورته لحشد قوى الطبقات العاملة والفئات الشعبية لانجاز الأهداف المطلبية والديمقراطية والقومية وانتزاع حقوق الطبقة العاملة والتهيئة للانتقال لعصر جديد. هكذا يتوضح الفرق بين خط يدعو لنقد الفكر الاشتراكي دون التفريط به وخط فضل القطع مع ذلك الفكر وابداله بمرجعيات تفتقر للوضوح والتماسك والتحليل الاجتماعي ، مثلما فضل القطع مع الفكر القومي والفكر الاسلامي. وأخيرا فان من المناسب أن يظهر الفكر الاشتراكي بعض التواضع والواقعية ويبتعد عن النرجسية والخطاب النخبوي اللذين وسماه لفترة طويلة وأن ينظرلذاته ليس باعتباره الطليعة والبديل كما اعتاد ولكن باعتباره الشريك المتساوي في القيمة مع الشركاء الآخرين خاصة التيار القومي والتيار الاسلامي ، وتشكل تلك النظرة للذات احدى التعيينات الرئيسية للتيار الاشتراكي الذي يرغب في اعادة بناء ذاته ضمن المفهوم الديمقراطي وليس خارجه.
#معقل_زهور_عدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|