رشا ممتاز
الحوار المتمدن-العدد: 2908 - 2010 / 2 / 5 - 01:04
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
(من اليسير أن تسير في طريق سبق شقه وتمهيده ومن العسير أن تشق طريقك بنفسك)
اختارت الغالبية العظمى من المسلمين السير عكس حركة التاريخ , فى طريق الماضي الممهد بأقدام السابقين و
ولم يبقى عليهم سوى تتبع آثارهم والسير على خطاهم و هم معصوبي العقل والعينين!
وهناك قلة اختارت أن تشق طرق جديدة نحو المستقبل متسلحين بخبرة السابقين ومصرين على إزاحة الحواجز والعقبات ,واقفين في صمود أمام رياح الشرق الترابية والغرب الباردة ...مهتدين ببصيص الضوء والأمل المنبعث من نهاية الطريق.
عندما قرر مارتن لوثر الخروج عن الطرق القديمة المألوفة ومواجهة القوانين الكنسية التعسفية اختار الطريق الصعب متبعا عقله وضميره , متحملا تبعات المغامرة ومستعدا لدفع الضريبة الباهظة المفروضة على الثوار ..
مشر على صفحات الحوار المتمدن العديد من المقالات في الفترة الأخيرة عن وهم الاعتدال في الإسلام( بشكله الحالي) ولا يسعني سوى أن أتفق معهم فالاعتدال في الإسلام الموروث أو الظاهرة الإسلامية (كما يسميها محمد اركون) يشبه السير على حبل بدراجة فقد تتم المهمة بنجاح وقد تسقط في أية لحظة الدراجة.
لان ما يسمى بالاعتدال أو الوسطية في الإرث الاسلامى يتم بشكل انتقائي قابل للتقلب فلو أخذنا مثال السلم والحرب في الإسلام سنجد المعتدلون يرفعون آية (وان جنحوا للسلم فاجنح لها) والمتطرفون يرفعون آية (وقاتلوا المشركين كافة) إذا نحن أمام اعتدال عشوائي انتقائي لا يقوم على أسس ثابتة, يكون فيه الاختيار رهينا بالظروف الزمكانية المحيطة ومدى إنسانية وثقافة الفرد و بالتالي فمن السهل أن ينقلب المعتدل إلى متطرف والعكس صحيح إذا ما تغيرت تلك الظروف,لنجد أنفسنا أمام معادله كيميائية تتغير نتائجها كل مره بتغير العامل المحفز ..
ما لم يتم وضع أسس متينة ومنهج علمي محدد لقراءة النصوص وفهم معانيها فسيكون الحديث عن الاعتدال أشبه يمن يحاول إجراء عملية ترميمية سطحية لمبنى على وشك السقوط .
من يستمع إلى مشايخ التجميل بدءا من عمرو خالد وانتهاء بالقرضاوى فى الفضائيات يشعر بأنه أمام تجار (فواكه أوخضار) ! فهم بارعون فى رص حبات قليله من الفاكهة الجيدة على وش القفص لإخفاء التالف! والتجارة شطاره !
لن تجدي محاولات دفن الرأس في الرمال والسكوت عن إثارة قضايا ومواضيع شائكة مثل ملك اليمين وحقوق المرأة ووضع الأقليات والعلاقة بالآخر ولن تنجح دعاوى الاعتدال الزائفة في ترقيع الثوب المهلهل , فلن تصمد طويلا وستنقلب مع أول هبة ريح .
لسنا بحاجه إلى شيوخ تجميل وتجار خضار يتشدقون بالاعتدال ليل نهار ولكننا بحاجه إلى ثوار يقرءون الكتاب بشكل عصري وبأسلوب علمي ممنهج ,بحاجه إلى مفكرين و باحثين لا خياطين ونجارين.
نحن بحاجه إلى من يحمل مشعل التنوير ويخرج من تحت عباءة الافغانى والكواكبى ومحمد عبده وطه حسين وأمين الخولى نحن بحاجه إلى من هم أمثال الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي بدأ بأولى خطوات الإصلاح وانتقد الموروث الاسلامى ولم يقف عند هذا الحد ولكنه اجتهد ووضع أسس جديدة لقراءة النص دون انتزاعه من سياقه التاريخي معتمدا على منهج واضح المعالم وداعيا إلى فتح باب الاجتهاد الذي هو السبيل الوحيد لمسايرة العصر.
نحن بحاجه الى المفكر الاسلامى المجدد محمد أركون الذي شدد على ضرورة العملية النقدية والتفكيكية للموروث الاسلامى والعقل العربي واعتبرها الأمل الوحيد الباقي أمامنا للخروج من النفق المظلم ولم ينتقد أركون الجمود والتطرف الاسلامى فحسب ولكنه انتقد أيضا العلمانية المتشددة المحاربة للدين وأطلق عليها لفظ علماناويه واعتبرها الوجه الآخر للتطرف.
نحن بحاجه إلى إبراهيم ابن نبي الذي أسس منهج مفاده أن القران إسقاط للكون في صحيفة والذي يرى أن لا ترادف ولا ناسخ ولا منسوخ في القران وان هناك وحده للبنيه وللفظ .. الخ , منهجا ثوريا جديدا يتعامل مع النص القرآني بطريقة مغايرة تماما للا منهج الموروث الذي كان اجتهادا وليد عصره وزمانه .
نحن بحاجه إلى صبحى منصور وشحرور وإبراهيم خليل وسيد القمنى وحسن حنفي و غيرهم من الثوار المجددين الذين يختلفون فى مناهجهم واجتهاداتهم القرائية ويتقاطعون في نتائج تلك القراءات التي مدت جسور التصالح بين العلمانية والإسلام وحقوق الإنسان والمرأة و الأقليات وقبل هذا بين الإنسان والخالق .
بل نحن بحاجه إلى من ينتقد مناهج هؤلاء المفكرين بشكل علمي لتصحيحها نحن بحاجه إلى المناظرات السلمية ,الرأي والرأي الآخر.. للحفاظ على دوران عجلة النقد والتفنيد لان وقوفها معناه التصلب الفكري والانسداد العقلي المفضي إلى السكتة الدماغية .
لم يتوقع احد ان يقابل هؤلاء الثوار بالورود فمن الصعب أن تغير ما شب عليه الآباء وللمعبد جيش من الكهان يحميه, ولكن ما يزعجني هو وضع لوثرينا بين فكي الرحى فقد أتفهم تصرف التيار المتأسلم عندما يلقيهم بالحجارة ولكن اعجز عن فهم موقف بعض مدعى الانتماء للعلمانية عندما يقدموا لهم الدعم و الورود ثم يعاودوا سحبهم كلما صدر منهم ما يثبت إسلامهم !!
لقد ظن هؤلاء أن كل من يكتب منتقدا الخطاب الاسلامى التراثى هو ملحد بالضرورة وكل من أعلن الكهان كفره فهو خارج عن الملة !
لهذا وعند ظهور إشارة من مفكرينا تعكس إسلامهم ترى الارتباك قد حل بصفوف التيار المتعلمن وأصبحوا تائهين محتارين فمنهم من يتهم الباحث بالردة الفكرية ومنهم من يتهمه بالنفاق والتقية ومنهم من يلتمس له العذر لكونه يخشى القتل ,ومنهم من يتهمه بالفصام !!
ولعل الحيرة التي خلفها سيد القمنى بتصريحاته ومقابلاته التلفزيونية والارتباك الذي خلفه أدونيس بمقاله الأخير عن الإرهاب لهو خير دليل !
فقد ظن هؤلاء أن النقد يعنى التحطيم ولم تتفتح مداركهم على نوع آخر من النقد يسمى بالنقد البناء. النقد والتفكيك والبحث التاريخي العلمي بهدف محاولة التوصل إلى الحقيقة , نسى هؤلاء ان النقد هو أولى خطوات الإصلاح وربما لم يسمعوا بالمقولة الشهيرة ( صديقي من اهدي إلى عيوبي).
أو ربما لم يدركوا بان انتقاد العقل العربي المتكلس والإرث الاسلامى الحالي لإصلاحه وتنقيته بعمق ومن الجذور بات واجبا و فريضة على كل مسلم حقيقى وعلى كل باحث حر .
كتب الصديق اللدود (واقصد باللدود هنا المختلف معي دائما وهذه ظاهرة صحية)
الأستاذ الكاتب رعد الحافظ متمنيا أن أنصر بقلمي المظلوم ويقصد هنا على وجه الخصوص المرأة وقضيتها العادلة ..
وردى عليه اننى قد قررت ان اكتب لتقديم حلول وأن لا اكتفى بتشخيص مرضا قتل تشخيصا ,وإلا سأكون كمن يشخص أعراض الأنفلونزا التي يعرفها الجميع او كمن يصف الشمس في كبد السماء ! فقد برع الكتاب في وصف السلبيات الظاهرة للعيان ولكن القليل منهم يقدم رؤيته للحل..
فما جدوى الكتابة عن تعدد الزوجات اذا كان الجميع بما فيهم المرأه يؤمنون بأن التعدد أمر سماوي ومن يقف فى وجهه يقف فى وجه الله!
و ما قيمة الكتابة عن المساواة في الإرث والسواد الأعظم من النساء قبل الرجال يرونه قمة العدل الالهى!
يجب تغيير القاعدة الفكرية لهؤلاء ومعها سيتغير الكثير ..
لقد قررت سيدى الكريم أن ابدأ بالحل و ليس العكس كي لا تتحول كتاباتي لمجرد (فشة خلق)
والحل في نظري هو ثوره على القراءات التراثية القديمة ودعم الفكر الاسلامى المعاصر و مساندة رموزه..
الحل هو أن تتوحد جهودنا تحت راية العلمانية وان نتقبل اختلاف الطريق الذي يسلكه كل منا للحاق بركب التقدم وان نعترف بان كل الطرق مؤديه إلى روما ما دامت النتائج واحده وما دامت أهدافنا النبيلة مشتركة.
#رشا_ممتاز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟