|
النظام السياسي العربي يحطم المعارضة ، وينظر إلى نفسه بمرآتها المهشمة
شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن-العدد: 884 - 2004 / 7 / 4 - 06:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
النظام السياسي العربي يحطم المعارضة، وينظر إلى نفسه بمرآتها المهشمة، فيرى قوة ظافرة لا بديل لها! المهندس: شاهر أحمد نصر لقد ثبت من خلال دراسة عملية تطور المجتمعات البشرية، أنّ المجتمعات ذات البنى والتنظيمات والأحزاب والمؤسسات الديناميكية المتنوعة والمتجددة التي تنسج بنيانها، هي مجتمعات حية تستطيع تجاوز الصعوبات والأزمات التي تعترض مسيرتها. والتجديد المستمر في بنية ووظائف المجتمع، وأشكال العلاقات الاقتصادية الاجتماعية والسياسية، والأفكار والأهداف التي يسعى الناس لتحقيقها، يتطلب وجود قوى وتنظيمات متنوعة ومتباينة في الفكر والرؤية.. بل إن طبيعة الحياة المتبدلة والمتغيرة ذاتها تحتم وجود هذا التباين والتنوع في القوى والاتظيمات التي تشكل نسيج المجتمع، والتي لا بد أن يعارض بعضها وجهة نظر الأخرى، فظهور المعارضة مسألة موضوعية، لا يمكن أن يمنع وجودها عدم اعتراف الحكام وبطانيتهم بالحقائق الموضوعية، أو دفن الرؤوس كالنعام بالرمال... فلا وجود لمجتمع خال من المعارضة.. والشعوب تبدع مختلف أشكال معارضتها بنفسها.. وفي المجتمعات التي تمنع فيها أشكال الدفاع عن الحقوق ودفع الظلم، كالتظاهر والإضراب.. تبدع الشعوب أشكال إضرابها المختلفة، التي تكمن في أعماق المجتمع والشعب.. أي لا يمكن إلغاء المعارضة بقرار، ولا بتصريح مسئول ضحل التفكير ومعزول عن الواقع الموضوعي.. إنّها جزء مكون وحتمي الوجود في المجتمعات البشرية.. ومن المعروف أنّ حصانة ومناعة الدول التي لا يسمح بنشاط المعارضة فيها ضعيفة، ومصير أنظمتها الانهيار الهش الذي يترك آثاراً وخيمة بعيدة المدى على المجتمع ككل... في نشاط المعارضة: في البلدان التي لا يسمح فيها بالنشاط السليم للمعارضة، يبدأ نشاط المعارضة العلني في المراحل التاريخية الانعطافية، وتدشن بعض القوى والشخصيات هذا النشاط بإصدار الدراسات والبيانات حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد، وتحاول تنظيم العمل في صالونات ومنتديات وتنظيمات تهتم بالحوار والبحث عن مخرج للمأزق الذي وصل الجميع إليه... قوانين استثنائية: وتسن السلطات الحاكمة قوانين استثنائية في ظل حالة الطوارئ التي تعلن تحت ذريعة مجابهة الأخطار الخارجية، إنما تكرس عملياً للتحكم بالوضع الداخلي وفق إرادة السلطات الحاكمة، والتي تحظر العمل السياسي الذي لا ينسجم ويتطابق مع تطلعاتها، وتشن حملات متنوعة ومتلاحقة على كل من لا ينسجم مع توجهاتها، ونتيجة لذلك ينكفئ أبناء المجتمع بشكل عام عن العمل السياسي، ويزداد انكفاؤهم، مع استمرار نفس الظروف السابقة، ومع تسعير الحملة على المعارضة، وزج رموزها في السجن... وبالتالي فسبب انكفاء المواطنين عن المعارضة لا يكمن في المعارضة نفسها، بل سببه آلية التعامل مع العمل السياسي بشكل عام... نمو اقتصادي مشوه: ومن الأسئلة المشروعة التي يكتسب الجواب عليها دلالة عميقة: لماذا لا يقف أغلب رجال الأعمال، وأصحاب رؤوس الأموال في الأنظمة الشمولية في صفوف المعارضة المطالبة بالحريات السياسية؟ بل تجد الكثيرين من أصحاب رؤوس الأموال المحدثة (أو من يسمون محدثي النعم) يؤيدون بقاء حالة الطوارئ، والقوانين الاستثنائية، هل هناك تناقض بين النشاط الاقتصادي لرأس المال ونشاطه السياسي الذي تعد الحرية أحد أهم أسسه، أم أن طبيعة رأس المال المحدث تختلف عن رأس المال الاقتصادي المنتج، الذي ارتبطت كثير من الدعوات الحديثة للحرية به؟! من الطبيعي أن يترك شكل النشاط الاقتصادي المشوه أثره على الحالة السياسية..وإذا أردنا معرفة أسباب تعثر المضي قدماً على طريق الإصلاح والتغيير والحريات السياسية، علينا التمعن في مصالح القوى المالكة لرؤوس الأموال، ومدى العلاقة بين هذه القوى ومواقع إصدار القرار، وهل الإصلاح في صالحها، أم أنّه يتناقض مع تلك المصالح؟! في أسباب ضعف المعارضة: ينجم هذه الأجواء والظروف التي تحدثنا عنها والتي توجد، وتنشط المعارضة فيها، وجود خلل وضعف في عملها، أي إن طبيعة بعض أنظمة الحكم، وغياب قوانين العمل السياسي الديموقراطي مسئولة عن الثغرات في عمل المعارضة..وهذا لا ينفي القصور الذاتي لدى المعارضة، إنما الخلل الجوهري فيها ناجم عن طبيعة الوسط والظروف التي تعمل فيها.. أجل إنّ أنظمة الحكم تتحمل قسطاً أساسياً من المسئولة عن الشكل البائس الذي تظهر فيه المعارضة. وتتحمل مسئولية دفع بعضها للارتماء في أحضان الأعداء.. وتظهر الآراء المتطرفة، والصبيانية، بل تعلو أصوات هؤلاء، ويستغل المتضررون من وجود معارضة بناءة ـ الذين لا يستطيعون الوجود إلاّ في ظل الفساد وحالة الطوارئ التي تحميهم ـ يستغلون هذه الأجواء ليشوهوا سمعة المعارضة، ويختلقون كافة الذرائع لإحباط أية محاولة للتغيير، ويكيلون الاتهامات لمن ينادي بالتجديد والتغيير.. ولا يتوانون عن إطلاق صفات العمالة والخيانة على المعارضة، ويألبوا السلطات عليها، بسبب خوفهم منها لأنّها ستعريهم أمام الشعب والتاريخ، فيجري الانقضاض على المعارضة قبل أن تنضج بشكل صحيح، بل قبل أن تقول كلمتها.. وهكذا تفتقد المعارضة إمكانية وجود مناخ اجتماعي وسياسي سليم لتشكلها، ونموها، فتظهر محطمة ومشوهة، منقسمة، يهاجم بعضها بعضاً.. ولا تألو السلطات جهداً في دس شخصيات لا تملك الكفاءة في صفوف المعارضة أو تتحدث باسمها لتشوه سمعتها... وتستغل السلطات كل جبروتها وهيبتها وعلاقاتها الدولية والإقليمية، التي تجيزها لنفسها وتحظرها على المعارضة، للحط من هيبة وسمعة المعارضة، التي تبدو محاصرة ضعيفة، كثير من رموزها لا يقنع الجماهير التي تعيش في أجواء الخوف والإقصاء.. وتنظر السلطات إلى نفسها في مرآة المعارضة المهشمة بزهو وتحاول إقناع الجميع بأن لا بديل لها.. انظروا إلى أنفسكم في مرآة الواقع الموضوعي: إنّ نظرة موضوعية إلى الواقع الموضوعي في هذه البلدان تبين استمرار، بل استفحال الأزمات فيها على كافة الصعد: الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية.. تضعف فيها وتائر النمو الاقتصادي، وينمو الفساد، ويزداد عدد العاطلين عن العمل، ونسبة الأمية، وعدد من يعيشون دون مستوى خط الفقر، وتنتشر مختلف أنواع الأمراض البدنية والاجتماعية، وتوصل شعوبها إلى حالة من البؤس والانحطاط تحتاج إلى عقود وعقود لتجاوزه.. وتتصاعد الهوة ما بين هذه البلدان، ومسيرة التطور الإنساني العام، وهنا تكمن الأزمة الأساسية لهذه الأنظمة التي تفقد مشروعيتها التاريخية، وتجعل شعوبها تعيش في زمن ضائع بالنسبة إلى إحداثيات التطور الإنساني العام، وكأنّها تسعى لإخراج شعوبها ومجتمعاتها من التاريخ.. إنّه لمن الأجدى لهذه الأنظمة ولشعوبها أن تنظر إلى نفسها بمرآة الواقع الموضوعي، وليس بمرآة المعارضة المهشمة التي حطمتها.. لترى إن كانت استطاعت أن تتجاوز والمجتمع أزماتها مع تحطيم المعارضة، أم أنّها دخلت ومجتمعاتها في نفق مظلم، وأنّ أحد سبل معالجة هذه الأزمات تكمن في خلق الحالة والمناخ السياسي السليم الذي يسمح لجميع طاقات الشعب بما فيها المعارضة أن تتفتح؟!! يتفق الوطنيون جميعاً على أن مصلحة الوطن فوق كل مصلحة، وعلى ضرورة مواجهة التحديات والتهديدات التي يتعرض لها الوطن من قبل أبنائه جميعاً، حكاماً ومعارضة،.. أما التباهي والتصريح من قبل البعض بأن عدد أعضاء المعارضة لا يتجاوز عدة أنفار، يسيء إلى الشعب والوطن، ولا يساعد في معالجة التحديات التي تجابهها البلاد... لقد آن الأوان لفهم وتبني عملية التطور الاقتصادي الاجتماعي والسياسي السليم، المنسجم مع متطلبات التطور العصري والحضاري.. والذي تعدّ أحد أركانه الأساسية مسألة وجود المعارضة في الدولة الديموقراطية المبنية على أسس حقوق الإنسان والقانون والتعددية السياسية وفق قانون تشكيل أحزاب سياسية عصري، والتداول السلمي للسلطة،.. وكما يحق للشعوب دعم حكوماتها التي تعبر عن مصالحها والتباهي بها، يحق لها أيضاً أن تدعم معارضتها الغيورة على مصلحة الوطن، والتي تعدّ ضمانة مستقبله المضيء، وتتباهى بها أيضاً.. فالمعارضة عنوان الأوطان ومصدر قوة لدولة القانون.
طرطوس ـ 2/7/2004 شاهر أحمد نصر [email protected]
#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احترام كرامة شهداء الرأي والحرية يتطلب إحالة الجلادين وحماته
...
-
ابن رشد فرصة العرب الضائعة
-
نضال الحركة العمالية العالمية في سبيل الديموقراطية وضرورة تج
...
-
ألم يحن الوقت للغة خطاب جديدة بديلة للغة الاعتقال!
-
في سبل اغناء اللغة العربية بالمصطلحات العلمية والحضارية وتوح
...
-
مسلسل اللامعقول في زمن الصمت
-
الأكراد والعرب أخوة في صالح من جعل القضايا تتراكم والتباطؤ ف
...
-
أ ليس مفيداً أن يكون البعثيون في سوريا من أوائل المطالبين بإ
...
-
صدى
-
هل أصبحت صيغة الحكم من خلال الجبهة وحدها تلعب دوراً معرقلاً
...
-
لنفكر بعقل بارد وقلب حار مناقشة موضوعات المؤتمر الـسادس للحز
...
-
منطلقات حزب البعث في سورية تحتاج إلى قراءة عصرية للتاريخ(*)
...
-
منطلقات حزب البعث في سورية تحتاج إلى قراءة عصرية للتاريخ(*)3
...
-
المعارضة عنوان الأوطان ومصدر قوة لدولة القانون
-
وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ - دعوة للتمس
...
-
إلغاء قوانين الطوارئ شرط ضروري للمناقشة الموضوعية لفكر حزب ا
...
-
من الأشعار الأخيرة لرسول حمزاتوف
-
المجتمع المدني ضرورة اجتماعية ووطنية
-
الاستراتيجية الأمريكية، والقصور العربي، في السياسة الخارجية
-
رسالة مفتوحةإلى: المناضل، عميد كلية الاقتصاد السابق، الدكتور
...
المزيد.....
-
الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر
...
-
لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح
...
-
مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع
...
-
-حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم
...
-
هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
-
فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون
...
-
ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن
...
-
محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|