|
هل ماتت الإشتراكية وإلى الأبد؟
نضال الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 01:35
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في أواخر عام 1989 سقط النظام الإشتراكي في الإتحاد السوفيتي و دول المنظومة الإشتراكية في أوروبا كعلب الكبريت ولقد كان السقوط مدهشا حتى لأؤلئك الذين سعوا إلى إسقاطه. كان لهذا السقوط تأثيرا سلبيا ضخما على الأحزاب الشيوعية والإشتراكية في العالم وخاصة في العالم العربي فتضعضعت وإنقسمت على بعضها ودب الخلاف بينها كما فقدت بوصلتها السياسية وأصبحت أحزابا صغيرة شبه عائلية بدون تأثير فعال في المسيرة السياسية بعد أن كانت طليعة للنضال الوطني والإجتماعي . لقد كتب العديد من المقالات والكتب في تحليل أسباب هذا السقوط السريع ولن أدخل في هذا الوضوع لأنه يحتاج إلى كتاب كامل من مئات الصفحات ولكنني سأكتب في هذه العجالة محاولة لوصف التغيرات التي طرأت على هذه المجتمعات بعد سقوط النظام الإشتراكي والتحول نحو الديموقراطية الرأسمالية. سآخذ مثلا وهو تشيكوسلوفاكيا حيث عاصرت كل التقلبات التي طرأت على هذا البلد منذ نهاية الخمسينيات وحتى يومنا هذا ولا زلت أعتقد بأن النظام الإشتراكي فيها قد سقط بفعل بعض قيادات الحزب الشيوعي بالتعاون مع قوى غربية. ولقد بينت في مقال لي على هذه الصفحة بعنوان " كيف رفع الشيوعيون القدماء العداء للإشتراكية" تلون بعض قادة الحزب الذين أصبحوا من أعنف منتقدي الحقبة الإشتراكية ومن ألد أعداء الإشتراكية والشيوعية. كانت تشيكوسلوفاكيا دولة صناعية متقدمة ولم يستلم الحزب الشيوعي الحكم في البلاد من على ظهر الدبابة السوفيتية كما حصل في بعض البلدان الإشتراكية الأخرى ولكن بواسطة حراك عمالي شعبي إنتهى في النهاية إلى إستلام الحزب الشيوعي الحكم وتكوين جبهة وطنية من الأحزاب الإشتراكية بقيادته. لقد عاصرت الحراك السياسي والإجتماعي منذ عام 1959 وعايشت التقلبات المختلفة فيه. لقد عشت في ظل القيادة الستالينية بقيادة نوفوتني وعايشت إنتفاضة الإشتراكية الديموقراطية أو الإنسانية كما يحلوا للبعض وصفها والتي جرت بقيادة دوبتشيك ثم تدخل جيوش الإتحاد السوفيتي وبقية الدول الإشتراكية، ما عدى رومانيا، وإحتلال تشيكوسلوفاكيا في عام 1968 والقضاء على الحالة الدبتشيكية وفرض عودة الإشتراكية الأصولية للحكم والعمليات التنظيفية التي جرت في الحزب والدولة التي طالت عدد ضخم من القياديين الشيوعيين على مختلف المستويات. كما عاصرت سقوط النظام على يد ما يسمى بالثورة المخملية التي أطاحت بالنظام بدون أي وسائل عنفية ومن هنا أخذت هذه التسمية. لا يستطيع أحد أن ينكر بأن النظام الإشتراكي قد حقق نجاحات كبرى في مجال البناء التحتي ، الصناعي، الزراعي، الصحي والإجتماعي. ولا يستطيع أحد أن ينكر أيضا أن النظام قد وقع في أخطاء رهيبة، لا مجال لشرحها في هذه العجالة، كانت من أحد العوامل الفعالة في سقوط النظام. اليوم وبعد مرور أكثر من عشرين عاما على سقوط النظام الإشتراكي وبناء الديموقراطية الرأسمالية لا يسع المراقب الحيادي أن يتسائل إن كانت قد حققت الرأسمالية وعودها ببناء الحياة الديموقراطية المقرونة بالرفاه والطمأنينة والكرامة الإنسانية؟؟؟ في الحقيقة وحسب أرقام الإحصائيات المتوفرة، الجواب لا. لقد فشل النظام الرأسمالي في تحقيق وعوده على مختلف المستويات ووسع الهوة بين الطبقات حيث تجمع رأس المال في أيدي حفنة من المستفيدين الطفيليين وإنخفض الإنتاج العام وزادت البطالة و مديونية الدولة والأفراد و إنخفض المستوى المعيشي للمواطنين وخاصة للمتقاعدين والشباب حتى وصل في حالات كثيرة تحت حد الفقر. هذا وقد إرتفع إرتفاعا ملحوظا عدد الجرائم المالية والجنسية وجرائم القتل وانتشرت المحسوبية على أعلى المستويات وإنتشرت عصابات المافيا التي أرعبت المواطنين وهددت أمنهم. كما يلاحظ هبوط حاد في مستوى الأدب والفن والثقافة وانتشار الثقافة الأمريكية المشحونة بالعنف والتفكك العائلي مما نتج عنه إنحدار أخلاقي عام. هذا الوضع دفع بكاردينال الكاثوليك في سلوفاكيا يان كوريتس أن يصرح بأن المجتمع ينحدر إلى هاوية السقوط الأخلاقي حيث تنتشر المحسوبية والسرقة والجنس الحر وتفكك العائلة. الإحصاءات الرسمية تبين أن إستهلاك لحم البقر نقص إلى مستوى عام 1970 أما إستهلاك الحليب فقد إنخفض إلى مستوى عام 1936 والسكر إلى مستوى عام 1956 ويمكن للقارئ القياس على ذلك. كما تبين أن إنتاج البيض إنخفض نسبة 61% من إنتاجه الإشتراكي وإنتاج الحليب إلى 51% والثروة الحيوانية إلى 51 % وهكذا. حسب الدراسة الرسمية التي قام بها معهد إستطلاع الرأي في سلوفاكيا في عام 1990 أكدت النتائج أن 41 % من المواطنين أكدوا أن حياتهم كانت أفضل في العهد الإشتراكي وأن 3% فقط أكدوا أن حياتهم قد تحسنت في العهد الرأسمالي و 52% تمنوا نظاما يجمع بين الإثنين. وحسب دراسات معهد المسائل العامة وهو معهد مدعوم من الغرب كانت نتيجة الدراسة أنه: في عام 1997: فضل الإشتراكية 49% من المواطنين في عام 1999 : فضل الإشتراكية 56% من المواطنين في عام 2001 : فضل الإشتراكية 59% من المواطنين في عام 2002 : فضل الإشتراكية 66% من المواطنين وفي دراسة مؤخرة كان نسبة المواطنين الذين أكدوا أفضلية الرأسمالية 8 % فقط لا غير. هذا وتدل الدراسات أن غالبية المواطنين السلوفاك يؤكدون على أن حياتهم كانت أفضل في زمن الإشتراكية منها في زمن النظام الرأسمالي. لا تعني هذه النتائج أن غالبية المواطنين السلوفاك يرغبون في العودة إلى زمن الحكم الإشتراكي فلقد بينت الدراسات أن غالبية المواطنين ترغب في الحصول على المكاسب الإشتراكية معا مع المكاسب الديموقراطية التي إكتسبوها في العهد الجديد و التي أعطتهم مساعة واسعة من حرية الكلمة والحركة والسفر. لقد أخبرني صديق لي يعيش في قرية في جبال سلوفاكيا أنه منذ سقوط النظام الإشتراكي إلى اليوم لم يغادر سلوفاكيا ولا يتوق للسفر إلى الغرب كما فعل الكثيرون ولكنه أكد أن حصوله على جواز السفر وشعوره بأنه يمكنه أن يسافر وفي اي وقت إلى أي مكان في العالم دون قيود يعطيه شعورا بالحرية وبالطمأنينة. إذن أغلبية المواطنين يرغبون في إشتراكية ديموقراطية تطلق الحريات الفردية بمختلف اشكالها، وفي الوقت الذي ترفض فيه هذه الأغلبية الرأسمالية فإنها أيضا ترفض العودة إلى نظام ديكتاتورية البروليتاريا والحزب الواحد والحد من الحريات الشخصية. وهذا ما إقتنعت فيه الأحزاب الشيوعية في البلدان الإشتراكية السابقة حيث عدلت برامجها على أساسه ودخلت في اللعبة الديمقراطية ولقد إستطاع الحزب الشيوعي التشيكي أن يصل إلى المركز الثاني في مراتبية الأحزاب التشيكية وهو حزب برلماني مؤثر في المجتمع التشيكي . أما الحزب الشيوعي السلوفاكي فبعد أن نجح في الإنتخابات قبل الماضية في الحصول على نسبة خولته دخول البرلمان السلوفاكي، خسر موقعه في الإنتخابات الماضية وخرج من البرلمان. ولا ندري كيف ستكون نتيجته في الإنتخابات القادمة التي ستجري في جون من هذا العام. إستطلاعات الرأي تؤكد أن الإشتراكية في شكلها القديم والمبني على دكتاتورية البروليتاريا والحزب الواحد قد ماتت وإلى الأبد بالنسبة للأوروبيين وليس هناك أي أمل في عودتها. كما أنها ليست جذابة بالنسبة لسكان بلدان العالم الثالث الذين ذاقوا الأمرين ولا يزالوا من قسوة الأنظمة التوتالية وخاصة تلك المقنعة بقناع الإشراكية. إن إشتراكية المستقبل هي الإشتراكية التي تتبنى الديموقراطية والحرية الفردية بمختلف أشكالها وتؤمن بالتعددية وبتداول السلطة بناءا على قرار الجماهير الناتج عن إنتخابات حرة وديموقراطية. د. نضال الصالح/فلسطين
#نضال_الصالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوشة الموارس
-
الجدل العقيم: ديني أفضل أم دينك؟
-
رسائل وردود
-
رسالة إلى المقاتلين بإسم الله
-
قارئة الفنجان
-
الجنس بين العيب والحرام والإحتكار الذكوري
-
ضائعة بين عالمين
-
رسالة إلى المرحومة أمي عادت لخطأ في العنوان
-
ما بين ساقيها وعقلها
-
يساريون لا يزالون يعيشون في الماضي
-
في الذكرى الثامنة لتأسيس الحوار المتمدن
-
كيف رفع الشيوعيون القدماء في الدول الإشتراكية شعار العداء لل
...
-
لمن نكتب وهل من يقرأ؟
-
الحقائق التاريخية والعلمية مقابل النص المقدس
-
التدين واليسار
-
صراع مع الموت
-
الحذاء
-
الشيوعي وسقوط الحلم
-
العلاج بواسطة الصلاة عن بعد
-
كيف جرى تزوير تاريخ فلسطين والشرق الأدنى القديم
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|