أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - -ضرائب دولة- أم -دولة ضرائب-؟!















المزيد.....

-ضرائب دولة- أم -دولة ضرائب-؟!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2906 - 2010 / 2 / 3 - 15:10
المحور: الادارة و الاقتصاد
    



كلاَّ، فكلمة الحكومة الأردنية في أمْر الضرائب الجديدة إنَّما هي كلمة حقٍّ يراد بها باطل، فحكومة الرفاعي، وعلى ما كشفته وأوضحته طرائقها وأساليبها لسدِّ العجز في الموازنة الجديدة للدولة، تريد لشعبها مزيداً من الجوع والفقر، فالمدمنون على التدخين، ولكونهم مدمنين، يفضِّلون مزيداً من الجوع، ومن العجز في موازناتهم العائلية، والعجزعن تلبية حاجاتهم الأولية والأساسية، على الإضراب عن التدخين، أو خفض استهلاكهم اليومي من السجائر.

حتى الآباء والأمَّهات لن يشذوا عن هذا الالتزام القوي، ويمكن، بالتالي، أن يحوِّلوا إلى سجائر بعضاً من "مال الحياة"، أي المال الذي يجب أن يُنْفَق للحصول على القوت اليومي لأطفالهم وأبنائهم.

ولا شكَّ في أنَّ الحكومة تعلم ذلك علم اليقين؛ ومع ذلك قرَّرت ضَرْب ضرائب جديدة على مواطنيها، بدعوى أنَّ بعضاً من الغلاء، كغلاء أسعار السجائر والتبغ ومنتجاته والمشروبات الكحولية بأنواعها والمكالمات الخلوية، يمكن أن يقيها شرَّ الفقر المالي، والمتأتي بعضه من تنازلها عن ضرائب ورسوم جمركية كانت مفروضة على نحو 2000 سلعة إسرائيلية، ومن قرارها الآن إعفاء الرواتب والأجور، التي يتقاضاها العاملون غير الأردنيين، من ضريبة الدخل.

و"القرار الضريبي الجديد"، والذي تفوح منه رائحة العداء "الزائف" للتدخين، و"الحقيقي" للشعب المُدخِّن، إنَّما ينمُّ عن ذكاء سياسي حكومي، فالنقمة الشديدة للمكتوين بنار الغلاء العام لن تكون على الحكومة والطواغيت من التجار، وإنَّما على المدخنين من معيلي أُسَرِهم، فهؤلاء، باستمرارهم في تدخين السجائر الغالية، هم وحدهم المسؤولون عن جوع وفقر عائلاتهم، أي عن جوع وفقر الشعب في آخر المطاف!

و"القرار" المُفْعَم بالروح الانتهازية، هو أجمل لبوس يمكن أن ترتديه الحكومة في زمن الغلاء، مع ما يولِّده من غليان شعبي، فهو يلبسها لبوس الحرص على صحَّة مواطنيها، وعلى نظافة ونقاوة الهواء، وعلى صحَّة البيئة على وجه العموم؛ وقد يقع موقعاً حسناً من نفوس كثير من المواطنين الذين يميلون إلى الأخذ بفتاوى دينية تحرِّم التدخين، أو تجعله في حُكم المكروه دينياً.

الغلاء ليس بعامٍ على ما يزعمون، فثمة مواطنون، هم المواطنون غير العاديين، يرون في الغلاء المتزايد لأسعار البضائع رخصاً متزايداً؛ ذلك لأنَّ قدراتهم الشرائية تنمو مع نمو الغلاء؛ أمَّا المواطنون العاديون فكثير منهم، إنْ لم يكن معظمهم، لا خيار لديهم إلا أن يشعلوا مزيداً من السجائر، لعلَّ نارها تطفئ في نفوسهم ومشاعرهم نار الغلاء، فَلِمَ قرَّرت الحكومة شن الحرب على "أفيون الفقراء"؟!

لقد أوقفني، ذات يوم، شرطي المرور ليحرِّر محضراً في مخالفة ارتكبتها هي عدم وضعي حزام الأمان في أثناء قيادتي السيارة، فقلت له، قبل أن أقبل على مضض استلام المخالفة، إنَّ عدم وضعي حزام الأمان لا يضر أحداً سواي، وأنا لست بمقتنع بأنَّ الحكومة تُغرِّمني من فرط حرصها على سلامتي، فهي إنما تظهر هذا الحرص على سلامتي لكونه يعود عليها بالنفع المالي، الذي قلَّما يتحوَّل إلى نفع عام.

إنَّنا مع حكومة غنية، تغتني بمزيد من الضرائب والرسوم، فيغتني المجتمع بغناها؛ ولكننا ضد أن تغتني، أو تدرأ عنها الفقر المالي، بضرائب ضد الشعب المدخِّن، فَلِمَ لا تتوفَّر على جمع وجباية الضرائب من المتهربين من دفعها وهم كثر، ومن أولئك الذين لا يُقْبِلون على تجارة أو استثمار إلا إذا كان معدل الربح في منتهى الوحشية؟!

ثم لماذا يُسمح للأغنياء بأن يستفيدوا من معونات ومساعدات حكومية مقرَّرة للفقراء وذوي الدخل المحدود في غير مجال وناحية؟!

إنَّ كثيراً من أبناء الذَّوات يتلقون معونات ومساعدات حكومية جامعية مع أنَّهم في غنى عنها، ومع أنَّ تلك المعونات والمساعدات ليست من حقَّهم، وإنَّما من حق الطلاب الفقراء.

ترفيهاً عن المواطن المُخْتَنِق بالضرائب وكثرتها وتكاثرها، أقول إنَّ لـ "الضريبة" معاني أخرى، نقف على بعضها في جُمَل من قبيل "تَرَكَ ضريبة على جسمه"، أي أثر الضرب، فالضرائب، عندنا، تترك ضريبة على أجسامنا ونفوسنا؛ و"هذه ضريبته التي ضُرِب عليها"، أي طبعه الذي طُبِع عليه، ولقد طُبِعَت الحكومات عندنا على ضَرْب شعبها بضرائب هي كـ "ضريبة السيف"، أي حَدَّه، وعلى "تطوير" النظام الضريبي بما يجعل جُباة الضرائب كمثل آكلي لحوم البشر، أي كمثل بوكاسا الذي أحْبَطَ سعي ذوي النفوس الكبيرة لجعله "نباتياً".

"الضريبة"، في أصلها، ومنطقها، وفقهها، هي "مالٌ عام"، أي مالٌ يخصُّ فحسب صاحبه الشرعي، وهو "الشعب"، الذي تتولَّى "هيئة تمثِّله"، هي "الدولة"، أو "الحكومة"، جمع وجباية الضرائب منه، ثمَّ إنفاقها بما يعود عليه هو بالنفع والفائدة؛ وليس ثمَّة ما هو أسوأ من أن يُنْفَق هذا "المال العام"، بموجب "قانون الموازنة"، بما يعود بالنفع والفائدة على قلَّة قليلة من المواطنين (غير العاديين) في المقام الأوَّل، وبما يُوَلِّد مزيداً من العجز في موزانات الدولة، فلا يُسدُّ إلاَّ بالطريقة نفسها، ألا وهي طريقة "تحويل مزيدٍ من لقمة عيش المواطن العادي والفقير إلى ضرائب"، وكأنَّ "الضريبة" غدت "جزية"، وكأنَّ "الشعب"، ولجهة علاقته بحكومته، أصبح كـ "أهل الذِّمة"!

و"الضريبة"، لجهة صلتها بـ "الدول"، تؤسِّس لظاهرتين: ظاهرة "ضرائب دولة (أو للدولة)"، وظاهرة "دولة للضرائب".

الظاهرة الأولى هي ظاهرة حضارية، ديمقراطية، فالدولة هناك لا تأخذ من الشعب مالاً (ضرائب) إلاَّ لتعيده، أو لتعيد معظمه، إليه، وبما يقنعه بجدوى الضرائب، والنظام الضريبي.

هناك، تَفْرِض الدولة ضرائب، وضرائب ثقيلة، على بضائع كالسجائر مثلاً؛ ولكنَّها لا تفرضها إلاَّ لتُنْفِق هذا "المال العام" في تحسين وتجويد عيش مواطنيها، وتمكينهم (اقتصادياً) من تلبية وإشباع حاجاتهم الأوَّلية والأساسية على الأقل، فالضرائب المفروضة على السجائر، مثلاً، تُنْفَق على شكل إعانات مالية حكومية للأطفال مثلاً، فالحكومة الألمانية، مثلاًً، رفعت سعر علبة السجائر؛ ولكنَّها قرَّرت، في الوقت نفسه، منح مزيدٍ من المساعدات المالية للأطفال وعائلاتهم.

أمَّا عندنا، أي في دولنا التي هي دولٌ للضرائب فحسب، فالضريبة على علبة السجائر لا تتحوَّل، ولا يمكن أن تتحوَّل، إلى رخُصٍ في سعر حليب الأطفال، أو في أسعار سلع غذائية شعبية، فالدولة، بالضرائب، والتاجر، بالربح الوحشي، يتضافران على افتراس مزيدٍ من لقمة عيش المواطن العادي والفقير.

الحكومة كان ينبغي لها أن "تصمت" على الأقل؛ ولكنَّها أبت إلاَّ أن تنطق كفراً، فهي، على ما زعمت وادَّعت، اتَّخَذت من الضرائب الجديدة على السجائر والمكالمات الخلوية "وسيلة تربوية"، فهذا "المربِّي الأسمى"، أي الحكومة، ما عاد في مقدوره أن يصبر أكثر ممَّا صبر على بعض "السلوك الشعبي"، وعلى تمادي الشعب في "الإنفاق غير المبرَّر"، فقرَّر أن يقسو ضريبياً، لعلَّ "القسوة" تُصْلِح ما أفسدته "الرحمة"، أي رحمة الحكومات السابقة بالشعب!

إنَّها حكومة تريد لها شعباً قد كفَّ وأقلع عن التدخين، وعن "الثرثرة الخلوية"؛ أمَّا إذا اقترن فرض تلك الضرائب (الأخلاقية) الجديدة بمزيدٍ من الغلاء العام، وبمزيدٍ من الإفقار الاقتصادي لذوي الدخل المحدود، فإنَّ على الشعب أن يعزِّي نفسه بالآية "وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ"، فـ "الفقر" مُطهِّرٌ للنفوس!

الحكومة ترى فحسب العجز في موازنتها هي؛ وتسعى، بالتالي، في سدِّه بفرض مزيد من الضرائب على الشعب، وبكل ما تملك من سلطة الإكراه؛ أمَّا العجز المتنامي في موازنات العائلات، مع تعاظُم العجز عن سدِّه، فلا تراه، وليس لها مصلحة في أن تراه!

من قبل، أقَمْنا ما يشبه "حائط المبكى"، فذرفنا الدموع حزناً على موت "الطبقة الوسطى" عندنا؛ أمَّا اليوم فحقَّ لنا أن نذرف الدموع على موت ما بقي في الشعب من "بنية طبقية"، فشعبنا الذي كان مؤلَّفاً من عمال وفلاحين..، ما عاد اليوم كذلك، فهو انتظم، وينتظم، في "طبقة جديدة" هي "طبقة المتسوِّلين"، التي ساعد كثيراً في نشوئها ونموِّها "الاتِّجاه الطبقي" لموازنات الدولة، والتي يجهل الشعب تماماً كيف تُنْفَق حقَّاً.

ولقد اعتاد الشعب، الذي أصبح "الراتب" عنده يعني "مساعدة مالية ضدَّ التسوُّل"، ظاهرة إفقاره عبر "الموازنة"؛ فهل من "موازنة" أفقرت الأغنياء، وأغنت الفقراء، حتى يَصْدُق زعمهم أنَّ "الدولة" هي "الممثِّل العام"، أي الذي يمثِّل المصالح العامة للمجتمع؟!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الإنسان-.. نظرة من الداخل!
- -شجرة عباس- و-سُلَّم أوباما-!
- هكذا تكلَّم الجنرال باراك!
- -ثقافة الزلازل- عندنا!
- أوباما يَفْتَح -صندوق باندورا-!
- مفاوضات فقدت -الشريك- و-الوسيط- و-المرجعية-!
- سنة على تنصيب أوباما.. نتائج وتوقُّعات!
- حال -اللاتفاوض واللامقاومة-!
- مزيدٌ من الإفقار.. ومزيدٌ من -التطبيع-!
- نمط من المراكز البحثية نحتاج إليه!
- الأجهزة الأمنية العربية!
- ما معنى -حل مشكلة الحدود أوَّلاً-؟
- الإرهاب ومحاربيه.. منطقان متشابهان!
- -سورة الأنفاق-.. يتلوها علينا الشيخ طنطاوي!
- احذروا فضائيات التكفير!
- شيء من -الاقتصاد الإعلامي-
- قيادات في تيه سياسي!
- -جدارٌ فولاذي- لفَلِّ -الأنفاق-!
- أزمة الإصلاح السياسي والديمقراطي في الأردن
- الحقُّ في السؤال!


المزيد.....




- -فوربس-: روسيا تسجل 15 مليارديرا جديدا
- رسوم ترامب تهدد بتسريح 25 ألف عامل في صناعة السيارات البريطا ...
- لافروف.. نمو التبادل التجاري بين روسيا وفيتنام 20%
- هل تحل أدوات الذكاء الاصطناعي محل المبرمجين؟
- مبيعات جنرال موتورز في أميركا ترتفع 17% خلال الربع الأول
- الذهب يلمع مع تصاعد المخاوف من تداعيات الرسوم الجمركية
- -يوني كريديت- يعلن موافقة السلطات على استحواذه على بي.بي.إم ...
- تونس تحقق زيادة بـ 5% في عائدات السياحة خلال الربع الأول
- 4.7 مليار دولار إيرادات -موانئ أبوظبي- في 2024
- ترامب يستعد لإطلاق -أم المعارك التجارية-


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - -ضرائب دولة- أم -دولة ضرائب-؟!