أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نعيم عبد مهلهل - عبد الله الصغير ..( الأندلس ثانية )















المزيد.....


عبد الله الصغير ..( الأندلس ثانية )


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 2906 - 2010 / 2 / 3 - 13:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الوصف هنا لدافع النحيب ، هو عبد الله آخر ملوك الأندلس . أخذته مثالاً لهاجس أشتعل في ( قحفتي ) كما تشتعل القصيدة في قحفة الشاعر. وحين عدت إلى تأريخنا المجيد لأستل منه رمزاً لحالة الفرح التي تنتابني على متن هذا المقال . العجيب أنني لم أجد أحداً . لأنني وأنا أتجول منذ الأمس في الأقراص الليزرية التي تحوي مؤلفات أصحاب مروج الذهب وتأريخ الطبري والجاحظ وأبن خلكان وغيرهم . لم أجد أبتسامة تشفي غليلي سوى قهقهات الخلفاء في عهودهم الأموية والعباسية ، وكانوا في نشوة كأس ربما وهم يستحسنون مديحاً للمتنبي أو طرفة من أبي نؤاس أو نغمة عذبة من عود أسحق الموصلي.
وها أنا أضع التأريخ أمامي على شاشة التلفاز وبدءا من خليقة آدم ع وحتى عصر الطغاة الكثر هذا . كانت الأبتسامة تختفي بين طياة الكتب حد الذي رأت زوجة سقراط زوجها يبتسم . فتجهمت وسألته : لماذا تبتسم؟
ولأنه فيلسوف ويخشى امرأته كان رده جاهزاً.
قال : تذكرت حزني وابتسمت.!
ردت هي عليه بصلافة : حسبتك تبتسم لغير هذا!.
لا أدري لماذا تذكر المثقفون العرب عبد الله الصغير آخر ملوك طوائف الأندلس يوم تجرأ المرحوم الباكباشي أنور السادات وذهب ليلقي واحدة من الخطب الارتجالية التي لانجدها حتى عند خطيب الثورة الفرنسية ميرابو. ولم يتفقه مثلها حتى خطيب العرب قس بن ساعدة : صاحب الخطبة المدرسية الشهيرة التي علينا أن نرتديها قميصاً ونحن ننظر إلى الغد بعيون أكثر سعة من عيون حصان. والقائلة: أيها الناس ،أسمعوا وعوا. وإن سمعتم فانتفعوا …إلى نهاية الخطبة.
ذهب السادات إلى إسرائيل . وشرب القهوة السوداء التي يحب مذاقها نابليون في كافتيريا الكنيست. وأعلن صلحاً كان في جانبه التاريخي صلحاً من جانب واحد . أي أنها مبادرة من الرجل ذاته تقبلتها إسرائيل( بأنف يابس ) لأننا أتينا أليها بواحد من رؤساء جمهورياتنا العتيدة لنقول إلى عراب مجازر دير ياسين
: أن عبد الناصر عندما كان يقول بأننا سنرمي اليهود في البحر فأن الأمر لا يتعدى سوى مزحة من مزاحات صعايدة مصر التي لو جمعناها لصارت آلاف المجلدات.
فكأن الأمر حُسبَ في ذلك الوقت الذي ارتدى به السادات بدلة صممها له سانت لوران ، وركب الطائرة حتى دون أن يتناول فطوره قائلا للسيدة جيهان عقيلته : سأتناول الفطور مع السيد بيغن في تل أبيب.
وقتها صرخ الشاعر الشعبي المصري أحمد فؤاد نجم .:
لا أعرف بعد هذه المهزلة كيف سيأتيني الفرح ؟
الآن لاأحد يتذكر عبد الله ربما لأننا تعودنا رؤية هذا الكائن الصغير يومياً في المناظرات والخطب الرنانة ومؤتمرات الوهم الاقليمي والقاري ، وهو الذي قرصت أمه أذنيه وقالت له بحكمة تملكها كل أم وطنية ، وما أكثرهن اللائى أودعن أولادهن في المنافي والمقابر الجماعية والموت المفخخ وأنتحار البطالة والحبوب المخدرة .
قالت له وكان الرجل قد جاء للتو كي يحزم أغراضه بعد أن سلم المفاتيح لولية الأمر الأسبانية التي أنجبت لنا نقيضين لا يتشابهان :الشاعر لوركا ،والجنرال فرانكو . فرانكو الرجل الذي قال عنه االروائي الأمريكي آرنست همنغواي :
أنه يشرب الدم مثلما يشرب أحدهم عصير العنب . وفي ترجمة أخرى عصير التفاح لكن الدم ظل كما هو في الترجمتين .
قالت أم عبد الله الصغير: أبكْ مثل النساء على ملك لم تحفظه كالرجال.
أيام خطوة الرئيس السادات انبرت كل محافلنا الأدبية ، حتى أن مجلة آفاق عربية وهي واحدة من المجلات الرصينة التي خطط لها بأنامله الرقيقة المرحوم شفيق الكمالي ثم توالت عليها مراحل الصعود والهبوط مثل أرجوحة ، حملت في إحدى صفحاتها رسماً كاملاً لمشهد تسليم عبد الله الصغير ، وهو يسلم المفاتيح للملكة الأسبانية ويقال :أنه سلم حتى مفاتيح الحمام الخاص به والتواليت الذي بعد مئات الأعوام فكر الرسام بابلو بيكاسو أن يجعله كاليرياً .
لكن الجمهوريون رفضوا وقالوا : هذا رمز من رموز الهيمنة. وأظن أن المشهد المرسوم في آفاق عربية كان خلفية لقصيدة كتبها الشاعر السوري الكبير نزار قباني يتقدمها مانشيت عريض لبيت شعر للمتنبي قاله بحق كافور الإخشيدي : نامت نواطير مصر عن ثعالبها…
رؤيا ..وتأريخيا أن عبد الله الصغير لم يكن صاحب أرض .كان حفيد لمحتل وعليه أن يعيد البلاد لأهلها .لن الاندلس في جغرافيتها وتواريخها لم تكن ارض عربية قط ..وبالرغم هذا رأينا الحزن يلف وجه عبد الله الصغير كما يلف الغبار وجه مسافر الصحراء ..!
أذن وبدون تشاؤم مع الاعتراف بفضل الحزن على متانة أدبنا وقوة اشتغاله والسياب العظيم مثال لذلك . نقول : أن الحزن بالنسبة للعربي حاسة سادسة غير الشم والنظر واللمس والسمع والتذوق ، بالترتيب الذي تعد فيها أبنتيمريم في الصف الأول الابتدائي.
وهكذا نجد الندرة في هاذين الهاجسين بالنسبة لقيم المساواة العددية والكمية . وهذا يقودنا إلى شيء من المفارقة المؤلمة بين مجتمعين . واحد كانت الرؤى فيه يصنعها الأنبياء والاكتشافات الحضارية الأولى ،وأقصد المجتمع العربي .وبالذات جزأه الأزلي المتمثل بمنطقة الهلال الخصيب والجزيرة العربية ومصر ، كون مرجعية التأريخ في هذه المناطق ترتبط بإنجازات حضارة العالم الأولى والذي مثلته سومر وبابل وأشور في العراق والفراعنة في مصر والفينيقيين والكنعانيين في بلاد الشام وفلسطين ، فيما كان لليمن السعيد حصة لابأس بها كون بلقيس والمرسال هدهدها قد عاشا فيها .وكان بها سد مأرب الذي يفوق عظمة ومتانة ألف مرة سد أتاتورك الذي شيدته الجارة تركيا لتمنع مياه الفرات عن العراق وسوريا.
أما الرؤى الثانية التي أقصدها في هذه المفارقة ، فأنا أعني شعب حضارة الشمس الذي ظهر إلى الوجود بقوة في القرون المتأخرة الثلاثة وقد أتخذ من الشمس طاقة روحية لبناء وجوده الحضاري اليوم ، هو من الأحدث على صعيد التقنية والنظام الاجتماعي وحتى على مستوى الرفاهية رغم أن هذه الجزر لا توجد فيها قطرة نفط واحدة . وأقصد الإمبراطورية اليابانية والتي هي اليوم ليس بمفهوم الإمبراطوريات القديمة بل لأنها لازالت تحكم من قبل إمبراطور.
المقارنة تتحدث عن ا لمستوى البارومتري للابتسامة والدمعة بين الإنسان العربي والياباني ، متخذين أحداث القرن العشرين أنموذجاً كونه كان قرناً لكل شيء وخاصة فيما يخص التكنولوجيا والأحداث السياسية والأدبية وأشتغالات كثيرة أخرى لم تحض بها بقية القرون السالفة . وأنا هنا أ تصور الحالتين من خلال المشاهدة والمتابعة الشخصية ، وليس لأوراق الاستبيان علاقة بذلك وكالأتي : اليابانيون بكوا مرة واحدة بعمق هي عندما ضربت هيروشيما ونيازاكي ورأوا أمبراطورهم يوقع صك الاستسلام الذي كان أشبه بالفرج ، وعدا ذلك بقوا طيلة القرن العشرين مأخوذين بقصيدة لساداكي وهو شاعر من العصر الوسيط تقول : حتى الساموراي المنتحر عليه أن يودع العالم بابتسامة تشبه ابتسامة القمر..
فالياباني يشرب الشاي ويمارس الحب ويتلقى خبر حدوث الزلزال ويتظاهر ضد الفساد الإداري والتزوير في الانتخابات البرلمانية ويتحمل أمراض الشيخوخة ، ويحتج على منع بيع بضائع بلاده في أمريكا ، ويخرج من رحم أمه ، وفي كل هذه الحالات وهو مبتسم.
أخونا العربي لاأحصاء محدد لمرات بكائه منذ مشانق الوالي جمال السفاح المنصوبة لوطني سوريا العربية ، ومرورا بألف حدث مصبوغ بالدم والكآبة المرسومة حتى على وجه نوابنا ووزراءنا المثقلين بأمتيازات الدنيا وترفها وسياراتها المصفحة والذين نراهم ينتشرون كالجراد في شاشات التلفاز في بداية كل حملة انتخابية .
إحصاء هذا الحزن وكآبته يسد النفس حتى وأنت جالس على مائدة في مطعم مكسيم الفاخر في باريس.. حتى قال أحد مثقفينا : أننا يكفي أن نصنع من الدمع محيطاً بحجم المحيط الأطلسي . وأنا أضيف أليه أننا سكبنا دمعاً يكفي لملأ بحر بحجم البحر المتوسط كلما سمعنا أغنية أم كلثوم الرائعة : راجعين بقوة السلاح..راجعين كما رجع الصباح ، من بعد ليلة مظلمة..
هذه الأطنان الهائلة من الأحزان تضع فارقاً شاسعاً بيننا وبين اليابانيين يحق لنا أن نطلق فيها الوصف التالي : أننا أمة باكية ، وهم أمة مبتسمة .
ويبدو أني ملكت من هذا الاستنتاج رؤية قد لا يصدقها غير العربي عندما يقرؤها : أن الحزن وبكاؤنا الدائم على الأطلال ، وهذا التأريخ الواقع بين مطرقة سيف الدولة وسندان العولمة والدبابة الأجنيسة . هو السر الأوحد في كل هذا الثراء الحسي الذي ملكهُ العرب منذ أن فكر جلجامش بكتابة مذكرات رحلته الخالدة ومروراً بفصاحة نهج البلاغة علي عليه السلام وحتى ثلاثية نجيب محفوظ . ولكن مع كل هذا الحس الجميل يظل بيت الشعر الذي وجده صومائيل كريمر مجهولاً في أحد الألواح السومرية والقائل : عندما وزعت الأنصبة..كانت الحصة المخصصة لي الحرمان والألم .
يظل ملازماً لذاكرتي مثلما يلازم الظل صاحبه .
أعود مرة أخرى إلى عبد الله . هذا الذي نراه كئيباً وحزيناً على شاشات التلفاز والذي تفكر والت ديزني أن تصنع من شخصيته بطلاً يعاكس كل أفعال ميكي ماوس الرجولية بشناشيله البطولية وعكازته وشيخوخة العرش . الحزن هذه المرة وهو أعمق حزن عربي جلبه عبد الله لنفسه بيديه جراء تسليمه الأندلس للنصارى غير عابئ بكل غزليات أبن زيدون لولادة التي هي حتماً أجمل ألف مرة من كاترين دينوف حسناء فرنسا ، هذا الحزن سيظل يلازمنا لخطأ في أيديولوجية ذاكرتنا الحضارية هو أننا نصدق دائماً نوايا ملوكنا وهم فوق خيولهم وشاهرين سيوفهم.

2010



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضيحة الروح عندما ترى .......!
- المندائية تحبكم ...ويحيى يُعمدكم بالورد .....!
- المرض الانساني في نظرية الشجرة المثمرة .!
- وجع الحفاة في السير الى كربلاء...!
- دون اي شك ...وزارة الثقافة ( عراقية )
- سونار لدمعة العراق ..................!
- منذر علي شناوة ..الرثاء المبكر للطفولة ...!
- مونليزا مندائية على جدران اللوفر ..!
- كارل ماركس الروح ...شكل الوجدان ..والهاجس الغامض ...!
- بعاذرا ..حقول عباد الشمس .................!
- في بيت النبي إبراهيم .........ع
- طشت خردة ..لثلاثاء دام ٍ في العراقٍ....!
- نجم مندائي في جفن الأخضر ....!
- المندائية ( الضوء بثوبه الروحي الأخضر )
- كاتم الصوت ..وكاتم السر ..وكاتم الدمعة ..................... ...
- شيء عن الجمال ...
- على رمش نبي وجنح قديس ..
- العراق المندائي ...والعراق السريالي ..
- جفن الوردة .وهي ..وهو ..والمفخخة ........!
- من اسرار الرؤيا المندائية للكون ...!


المزيد.....




- هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
- الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم ...
- هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
- السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
- 10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
- الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا ...
- الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
- الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي ...
- إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نعيم عبد مهلهل - عبد الله الصغير ..( الأندلس ثانية )