|
هل من جديد
فاديا سعد
الحوار المتمدن-العدد: 2907 - 2010 / 2 / 4 - 07:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ليس جديدا أن تشاهد حلقة من الاتجاه المعاكس وتخرج من غير عبرة. وليس جديدا أن تتابع ضيوف هذا البرنامج وتفقد شهيتك في نهاية البرنامج في التفكير بالانتماء إلى أحد الأطراف المتحاربة. وليس جديدا ألا يرتوي عطشك من الفهم، بانتهاء هذا البرنامج، لكن حلقة حوار الأديان، الذي مثل أستاذ جامعة الأزهر "ابراهيم الخولي" فيها وجهة نظر المتشددين، مقابل الشيخ ضياء الموسوي المعتدل، أوصلت العبرة بشكل أو آخر. لقد وضح من حلقة الاتجاه المعاكس إلى أي حدّ تشكل عنصريته تجاه الأقليات مشكلة مستعصية على الحل، فيما لو استلمت هذه النخب الدينية إدارة الحياة بشقيها الاجتماعي والسياسي. لغة الخولي تجاه الأقليات في مجتمعاتنا، التي كان يتعمد فيها استخدام مصطلحات حادة وعنيفة تجاه من يخالفه الدين أو المذهب هي اللغة القديمة التي استخدمها سابقا، وهي لغته الحاضرة وحكما ستكون مستقبلية، لأن قواعد وأصول الفكر المنغلق على ذاته تقتضي الثبات عند مرحلة تاريخية معينة من التاريخ الإسلامي، وقد عبر صادقا: نحن لسنا مسلمين، وهو يشير إلى الديناميكية الفكرية التي تمتع بها المسلمين الأوائل في عهد الرسول، وبهذا التصريح يمكنني أن أحكم من خلال لغته العنيفة تجاه الأديان الأخرى بأنه ليس مسلما، فالمسلمين الأوائل تمتعوا بفكر تطويري متغير متبدل حسب الظروف التي واجهتهم. فأين من مسلم كالأستاذ ابراهيم من المسلمين الأوائل، فهو يرفض بعد 1400 عام من ظهور الإسلام مصافحة الأديان الأخرى، والحوار معها.. ألا تكفي ألف وأربعة عام من التغيرات العالمية التي وقعت على المجتمعات الأخرى غير الإسلامية لتدخل كل التغييرات العالمية في معمل الفكر الإسلامي كي يجوز الحوار معها؟ يمكن لأي طرف يعتمد قواعد وأصول الفكر المنغلق، أن يستدعي شواهد من تاريخ الأديان استخدم العنف فيها إلى أقصاه، وغالبا حين يتم الحديث عن تطرف الحركات الإسلامية فإنهم يجيئون بالمثال التالي: محاكم التفتيش في أوروبا" ويمجوّن في المثال ويكررونه حتى لنكاد نعتقد نحن الأقليات "سلالات القردة والخنازير وهو التعبير الذي تكرر على لسانه عدة مرات" أننا كمسيحيين موجودين في الشرق العربي والغربي من بلاد العرب في القرن الثاني والعشرون مسؤولون مسؤولية مباشرة عن ما جرى في تلك المرحلة وتلك الأرض، وفي مرحلة محاكم التفتيش، و ونكاد نصدق الكذبة من كثرة تكرارها حسب نظرتهم أننا شاركنا فيها وقتلنا العلماء وصلبناهم وسممناهم وفتكنا بالضحايا فتك الأسد بالغزال. إن هذا الحكم علينا، حسب هذه القاعدة الذهبية، يسقط من حساب المحكمة أننا في الشرق نعيش، وأننا نشارك المسلمين في صنع الظرف التاريخي للبلاد بكل أخطائه وأمراضه، وإيجابياته، فيما أن الأرض الأوروبية عليها أناسا آخرين تشملهم قوانين تطور مختلفة كما ونوعا. يمكن للسيد الخولي ومن يشاركه من رجال الدين الاسلامي وجهة نظره العنصرية تجاهنا كأقليات أن يقولوا ما شاءوا من هذه العبارات: كفار سلالة القردة والخنازير.... ولأن الخولي كان صريح العبارة، بأن مسلمي اليوم هم أتباع دين، وليسوا مسلمين، فمن حقي كامرأة من الأقليات المسيحية أن أجزم أن هذا الحكم المجحف بحقنا كأقلية هو حكم صادر: - عن مؤسسة دينية لا إسلامية: فالمؤسسة الدينية التي يسيطر عليها أشخاص عنصريين مثل الخولي وحسب تصريحه لم تتطور عبر التاريخ ومتغيراته وهي بالتالي غير إسلامية! - يتسم الحكم علينا كأقليات دينية بصفة العشائرية، بحكم أن المؤسسة الدينية الاسلامية الأولى قامت وتشكلت قلبا وقالبا في أحضان النظام القبلي والعشائري، ولم يتطور هذا النظام ولم تطور المؤسسة الدينية بدورها، ولو اختلفت أشكال الحكم الحديث. وبحسب هذا الافتراض فحكم السيد خولي علينا هو حكم عشائري. أي: ثأري وشمولي. ثأري: لأنه لا يأخذ التقدم الزمني بعين الاعتبار، وشمولي لأنه: يحكم على قبيلة بأكملها بجريرة أفعال فردية. هذه المقدمة تفسر إلى حد بعيد لماذا قال الخولي ساخرا: " تستحق جائزة نوبل" معلقا على سابقه: الشيخ ضياء الموسوي حين عبر عن العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين بأن الحب والفضاء الإنساني الأوسع يجب أن يكونا حاضرين للحوار: سأترك لعبة البرنامج التي أسقطت كل حسابات التقارب الديني من حصيلته، وارتضى –البرنامج- أن يلعب دور الفرقة بحجة الحرية الإعلامية، ففجاجة نظرة ابراهيم الخولي تجاه الأقليات، تجيء من هذا الخلط بين الأقليات الموجودة في الشرق ووضعها في سلة واحدة مع امتدادها الديني في بلدان أخرى، وفجاجتها أن هذه السلة تسقط كل حسابات التقارب البيئية واللغوية والوطني بالاشتراك بمصير الأرض وما عليها من وسائل إنتاج وعلاقات إنتاج، ليبقى العنصر الديني هو الجامع والمفرق، وكأن الأقليات لم يقع عليها بجانب المسلمين حرب ال67، ولا نكبة ال48 ولا... وأيضا حسب هذه النظرة إن المسلم السوري و المصري و النيبالي هم أكثر قربا من بعضهم وأكثر قربا من الله وجنته من تقارب مسلم ومسيحي من نفس المكونات: بيئة، وأرض، وعلاقات إجتماعية، وأحكام عرفية واحدة يخضعان لها في ذات البقعة من الأرض، مع أننا لو جئنا بمسلم من بلاد شرق المتوسط وقارنا سلوكه، ومعياره الأخلاقي مع مسلم شيشاني لاختلفا حتى العظم في نظرتهما تجاه الحياة وتفاصيلها: صديقة لي مسلمة من عرق غير عربي تعيش في سوريا، ذهبت تبحث عن أقاربها، الذين يعيشون وسط سلالة القردة والخنازير في روسيا!!، وقد احتفل أقاربها بمجيئها بكرم كبير، وحين جاء المساء وتجمعت العائلة حول منضدة الطعام، كانت العادة ألا يبدءوا بالأكل قبل أن يفتتح كبير العائلة الاحتفال، ولذلك بقي الكرسي المخصص له فارغا حتى جاءت امرأة عجوز، فجلست على رأس طاولة الطعام بهيبة كبير العائلة، وكانوا قد سكبوا لها الخمر في كأس كبيرة لتلقي كلمة الترحيب، نظرت العجوز إلى الجالسين حول الطاولة، ثم رفعت كأس الخمر عاليا، وهي تقول: بصحة الله!! وأفرغت الكأس حتى القطرة الأخيرة في جوفها، ثم اعتذرت من الجمع قائلة تابعوا احتفالكم فأنا ذاهبة للصلاة!! سيكفّر الفكر الديني المنغلق بحكم تصريح الخولي: "أننا أتباع دين ولسنا مسلمين" تلك العائلة بالتأكيد، ولو حلفت بالقرآن كتابا سماويا واحدا، ولكن من حقي بحكم تصريح الخولي أيضا أن أسحب الحكم لأنه لم يصدر عن مسلم!! كي أقول: أن هؤلاء مسلمون بحكم الانتماء العقائدي وهم يعيشون في أحضان سلالة القردة والخنازير شئنا أم أبينا، وليس من حق وجهة النظر العشائرية الخاصة بمجتمعاتنا أن تطلق حكما عليها بأنها مسلمة أو غير مسلمة. إن المؤسسات الدينية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تقارب البشر من بعضهم البعض في ظل ظروف قاسية لا ترحم الإنسان في إنسانيته، وعلى رجال الدين، والدعاة من كافة الأديان، والمذاهب أن يرتدوا الثوب الأوسع في النظر إلى الحياة وتفاصيلها. إذ لا خيار ولا حل ولا بصيص أمل بتجاوز محن السلوك العنصري في مجتمعاتنا ما لم تتسع النظرة إلى الحياة. وعلى برنامج الاتجاه المعاكس أن يتحلى بروح المسؤولية لا التجارية، في التقارب بين أتباع الديانات، فهي موجودة على أرض واحدة، سواء أكانوا مسلمين وسط سلالة القردة والخنازير، أو كان الأخيرين وسط المسلمين، وإن قلنا في الوقت الحاضر: "موتنا واحد، وحياتنا واحدة"، فقريبا سنقول: "موت الكرة الأرضية واحدة وحياتها واحدة!"
#فاديا_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وثيقة تفسّر الكثير
-
دروشة علمانية
-
في منشور : يكذب القرآن ويزدري رسوله
-
في حلول........ ألغام الازدواجية
-
واقعة سلوكية ودلالة
-
يا زينب بابان
-
مقال.. ليس بالمقال
-
حين يتخلى الوقار.. عن زيفه
-
من قال أنها غير.. مكررة؟
-
............. مبالاة
-
وطن أم.. في الخيال وطن؟!
-
أطرف انتخابات في العالم
-
في إشكالات قراءة النص
-
احتراق شمعة
-
التواضع مطلوب.. الوحدة العربية؟!
-
عيد الأم.. الصورة المزيفة
-
خفة المقال.. وثقل الانتخابات
-
منحتموه جائزة؟.. أنا أيضاً
-
بعد رحيلك
-
عندما يكون.. اختياراً
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|