الارث الفكري الإيطالي فيلفريدو باريتو حول النخبة .
لطفي الإدريسي
2010 / 2 / 3 - 08:34
فيلفريدو باريتو (1948 - 1923) : بعد أن تبنى في مرحلة أولى من حياته الفكرية و السياسية توجهات ومواقف ليبرالية، اقترب تدريجيا من الأطروحات المحافظة حيث أعلن مساندته الرسمية لموسوليني وتميز بنظرة فلسفية اجتماعية متشائمة منكرا التقدم، معارضا كل الإيديولوجيات وموجها نقدا لاذعا للأوساط المثقفة، إذ بين في كتابه" الأنظمة الاشتراكية " أن المذاهب الاشتراكية تهب فرصا للعمل السياسي المتحمس على أساس القيم النبيلة والأساطير الخلابة، ولكن كلا الليبرالية و الاشتراكية يهدفان إلى تمكين الأقليات والنخب من الاستحواذ على الحكم و على الاستمرار فيه.
بيد أن التنظير القوي حول النخبة حمله كتابه " مقالة في العلم الاجتماعي" الصادر سنة (1916) حيث عرض نظريته حول أفعال الإنسان التي قسمها بين منطقية (يستخدم فيها الإنسان وسائل مناسبة لغاياته) وغير منطقية (تختلف فيها الغاية الحادثة فعلا وواقعا عن الغاية المقصودة من قبل الفاعل)؛ في حين كان العلم الاجتماعي نازعا في توجهاته الغالبة إلى النظر في أسباب الظواهر كان باريتو يلح على المنظور الغائي مركزا على آثار الأفعال معتبرا أن العلم الاجتماعي قائم على قاعدة نظرية تحليلية مفادها أن الفعل المنطقي هو القابل للتحديد في ما يخص غاياته وآثاره المحتملة و القابلة للتوقع وذلك بالاعتماد على التحليل العقلاني.
ولدى معالجته للقضايا التي تثيرها علاقة السلطة بالمجتمع السياسي كان مدار تفكيره هو الجواب على السؤال التالي: "من يحكم المجتمع السياسي؟ أهو الشعب السيد أم الأحزاب أم الطبقة البرجوازية أم السياسيون؟" ويجيب" إنها النخبة". بيد أن تحديده للنخبة يشمل المجال غير السياسي أيضا" فلنفترض أننا نسند علامة لكل فرد عامل في أحد فروع النشاط البشري تدل على قدراته وذلك على سبيل شبيه بما يسند من أعداد في الامتحانات الخاصة بمختلف المواد التي تتعلم في المدرسة...ولنشكل طبقة من الذين حصلوا على العلامات الأرفع في الفرع الذي ينشطون فيه ولنسند إلى هذه الطبقة اسم النخبة، علما أنه لا تمييز في فروع النشاط وما يبذله الإنسان فيها طبيعة وقيمة بين خير و شر ومستقيم ومنحرف و مشروع وغير مشروع و أخلاقي و غير أخلاقي. يؤسس ذلك حسب المنظور الباريتي لبحث في النخبة لا شائبة معيارية أو قيمية فيه: "إن المقصود من مفهوم النخبة هذا مرتبط بما يبحث لها من صفات لإسنادها إياها.فمن الممكن أن نجد أرستقراطية من القديسين مثلما يمكن أن نجد أرستقراطية من قطاع الطرق وأرستقراطية من العلماء وأرستقراطية من السراق إلخ...فإذا ما اعتبرنا جملة تلك الخصال التي تيسر ازدهار طبقة ما في المجتمع و هيمنتها عليه كان لنا ما سنسميه ببساطة بالنخبة" ( في الاقتصاد السياسي، 103 )؛ أما كتابه" تحولات الديمقراطية" الصادر في سنة (1921) فقد بين أن المجتمع يشهد ظهور سلاليم قيمية غير متجانسة ولكن لا يقابل ذلك عدم تجانس اجتماعي بل تعارض بين الجماهير و النخب.
الملاحظ في التحليل الباريتي أنه يقع نوع من التداخل حيث تتداخل النخبة والطبقة الحاكمة الأمر الذي يؤكد مسألة كيفيات إفراز النخب بشكل "تتغذى الطبقة الحاكمة لا في العدد فحسب بل، وهذا هو الأهم، في النوعية من العائلات المنحدرة من الطبقات الدنيا حاملة لها الطاقة... الضرورية لحفاظها على موقعها في السلطة" و يمكن أن تكون حركة النخب هذه كما يسميها " بطيئة ومستمرة جارية مثل نهر" أو على هيئة" تحولات مفاجئة وعنيفة شبيهة بالفيضانات "، وبهذا المعنى يكون التاريخ الذي يتخذ عنده اتجاها دائريا ودوريا رتيبا مقبرة للنخب.