|
فواعل (العنف) بعد 9 نيسان 2003
جاسم العايف
الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 31 - 13:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
نتطرق هنا إلى بعض فواعل (العنف) في العراق بعد 9 نيسان 2003 ، وما آلت إليه عملية تدمير بُنية الدولة ، بسبب سياسة قوات التحالف التي اجتاحت العراق وبات عرضة للتخريب والنهب، ولتدخل مباشر، من قبل دول الجوار أو من ينوب عنها . وأعقب تلك الكارثة إجراءات ، لازال العراقيون يدفعون أثمانها من دمائهم وقوتهم وحياتهم ومستقبلهم ، وربما شكل بلدهم مستقبلاً ، وكان يمكن في الأقل تحاشي بعضها ، من قبل النخب السياسية التي قادتها عملية التغيير إلى قمة السلطة على وفق تقسيمات طائفية وعرقية ، مما حول العراق إلى ساحة صراع وتصفية حسابات بين قوى إقليمية- دولية ذات مصالح متضاربة. وباتت الأرض العراقية مناخاً جاذباً لقوى الإرهاب العالمي، وتشكلت الميليشيات الطائفية ، والعصابات و المافيات، وتم اختلاس وتبديد مليارات الدولارات.أن الوقائع اليومية تكشف الدمار الواسع الذي لحق بالعراقيين ، كما جاء ذلك بموجب تقارير دولية مدنية حيادية ، ورسمية محلية ومنها (وزارة حقوق الإنسان في العراق) ، إذ جاء على موقعها في شبكة الانترنت العالمية انه و : " منذ بداية عام 2004 ولغاية الحادي والثلاثين من شهر تشرين الأول عام 2008 قُتل من العراقيين أكثر من خمسة وثمانين ألف ، وعدد الجرحى ما يقرب من مئة وخمسين الفاً" ، و كشف التقرير بأن : " عدد المسجلين لدى الوزارة كمفقودين يتجاوز العشرة آلاف". كما جاء في التقرير "خلال تلك الفترة ، فقط ، تم قتل 263 من أساتذة الجامعات و21 من القضاة و95 من المحامين وأكثر من 289 صحفياً وإعلاميا". وترى بعض الجهات الدولية المستقلة إن هذه الأرقام لا تمثل الحقيقة كاملة ، وهي أدنى مما هو في الواقع ، وتضيف:" أن في العراق حوالي ، مليون أرملة، عدا أرامل الحروب السابقة، نصفهن في العقد الثلاثيني من أعمارهن". وتم وفي عمليات فرز طائفي مقيت تهجير مئات الألوف من منازلهم ومدنهم وقراهم ، ولجأ حوالي مليون عراقي إلى دول الجوار. مع قتل وتصفيات يومية مذهبية- طائفية ، تعود لأزمنة الصراع التركي- الفارسي على الأرض العراقية ، وفرق جوالة للموت تصطاد الكفاءات والعقول العراقية، أي كانت ، مع تدمير شامل للمنشآت والبنية الاقتصادية ، وتهريب متواصل لآثار العراقيين. وسعى الإرهاب الدولي ، للهيمنة على جزء من ارض العراق. وثمة فساد للذمم والفوضى اتسمت بها الساحة السياسية و الوظيفية العراقية، وضعف المنظومة الأمنية للدولة، التي تعنى بالتعامل مع العراقيين على وفق حق المواطنة . لقد تم تكريس سيطرة القوى السياسية (الدينية- الطائفية) على مفاصل الحياة في الشارع العراقي ، عبر انتخابات نيابية جرت في غير أوانها ، وبأجواء شحن وغليان ديني- طائفي- قومي ، كما تم كتابة الدستور العراقي بعجالة غريبة باشتراط تعديله خلال ستة أشهر، وهو ما لم يحدث حتى الآن ولا يبدو ذلك قريباً. وبات العراقي ، يخضع لتمييز عمد إليه النظام البائد سابقاً ، من خلال احتكار فرص العمل والوظائف ، وجعله حكراً على من يتحكم في مفاصل تلك الوزارة أو هذه المؤسسة . يمكن الوثوق بأن الدولة العراقية ، وبعد انهيارها التام في 9 /4 /2003 ، لم تؤسس حتى آلآن، والمقصود بها الدولة المعنية بالمواطنة العراقية دون تمييز مهما كان ، و هناك محاولات مستميتة لعرقلة تأسيسها ، على وفق القانون وما يترتب عليه من حقوق وواجبات، من بعض القوى في داخل العملية السياسية الحالية ،الموزعة على الشكل الحالي للمئوسسات، التي يمكن عبرها أن تنهض الدولة الحديثة ، دستور دائم ، رئاسة، مجلس وزراء، برلمان ،قضاء مستقل، ومنظمات مجتمع مدني لا علاقة للسلطة التنفيذية بنشاطها بل هي التي تَحد من خروقاتها وطغيانها ، وأعلام مستقل وحيادي ومهني ويسعى للوصول للمعلومة بشفافية و معني بصياغة توجهات الرأي العام لتفعيل وترسيخ القيم الوطنية المدنية الديمقراطية . إن أسس دولة العشرينيات العراقية لن تعود قطعاً، ناهيك عن عدم صلاحيتها حالياً، وهي - الدولة العراقية الديمقراطية المدنية المأمولة- لن تُبنى ، بالثأر أو الانتقام من العراقيين، ولا على أوهام الكثرة واحتكار الهوية أو المظلومة التاريخية، واستغلال هشاشة سلطة المركز، وتعدد مصادر قراراته ، وعدم انسجامها. بعد كل هذا التدمير والموت والخراب الذي لم تسلم منه أي بقعة في العراق ، يُلاحظ إن الغالبية العراقية ، لم تستجب لدعوى ومشاريع بعض السياسيين ، في مجلس النواب بالذات ، لتفتيت النسيج الاجتماعي العراقي ، وبات الوعي الاجتماعي الشعبي في الشارع أكثر إخلاصا للعراق ووحدة نسيجه الاجتماعي المتعدد منهم . إن غالبية العراقيين ممن يهمهم مستقبل العراق، لا يُشغلهم حالياً مبررات حرب التحالف في إسقاط النظام البعثي - الصدامي ، ولا ثمة منهم مَـنْ يسأل حول شرعيتها وحجتها قانونياً أو دولياً ، فلا ماضٍ تليدٍ خَلفهُ أو أبقاه، حزب البعث وصدام حسين، ودولتهما (القوموية) بيننا، وما جرى للعراق وفيه بعد9 نيسان 2003 قد جرى ، فبنية وركائز الدولة العراقية المبنية على الدستور الدائم ، مهما كان شكله أو القوى التي تُكيفه لمصالحِها في العهد الملكي والفصل بين السلطات ، قد تآكلت منذ 14 تموز 1958- بغض النظر عن المُسمى لما حدث صباح ذلك اليوم- وأُجهز على ما بقي منها في 17 تموز1968، وتم محوها تماما،على يد صدام حسين و حتى الخارطة الجغرافية،المتوارثة للعراق، حدوداً أرضيةً وماءً، قُضمت وتقلصت بسببه وفي زمنه. غير انه يلاحظ ، حالياً ، تلمس بعض الآفاق في الحياة العامة، أهمها التحسن النسبي في الوضع الأمني ،مع ما تحدثه بعض الاختراقات الأمنية من أسى ولوعة وخسائر بشرية ومادية ، ويترافق ذلك مع استشراء الفساد والذمم وأزمات الخدمات العامة وارتفاع مستوى البطالة، كل ذلك يؤرق العراقيين، ويضعف الاستقرار الاجتماعي فيه ، وبدا الطيف السياسي ، خاصة في مجلس النواب، نائياً عن مشاكل ومصاعب الحياة اليومية الشاقة لشرائح واسعة من العراقيين. منذ 9 /نيسان / 2003 بات العراق ووقائع الحياة اليومية الجارية فيه محط أنظار العالم . ومهما نأت بقعة عراقية فان ثمة مَـنْ يُسلط على ما يحدث فيها الضوء لغرض تحاشي مسبباتها دعماً لإقامة نظام إنساني- عادل واعد يتسم بشفافية الحياة المدينة وينأى بالعراقيين عن حاضرٍ دامٍ ، وماضٍ قاسٍ لم يتحصل لهم منه سوى اكراهات السلطات المتعاقبة وتعسفها . ومن أجل تمتين القيم الديمقراطية الناشئة في العراق ، دون تراث راسخ يُعتد به، تعمل بعض المنظمات المدنية، على وفق ما متاحٍ من هامش الحياة المدينة وتهرؤ جدران العزلة، على متابعة و رصد المشهد العراقي والتباساته وتحولاته القاسية المريرة .إن دراسة وقائع العنف في المشهد العراقي حاضراً ورصدها محفوفة بمخاطر عدة، قسم منها يتعلق بموضوعة الرصد ذاتها ، والآخر يندرج بالتوصيف وحدوده ودراسته لغرض تحليله واستخلاص نتائجه.في ظل تكريس وتفعيل الاستقطابات الطائفية و المذهبية و المناطقية و العشائرية والحزبية ورصد المشهد العراقي الحالي معقدة وشاقة إلى الحد الذي يضعها في دائرة الشكوك وسوء النوايا والتباسات المقاصد من قبل فئات وجماعات، منتفعة بالتحكم بالسلطة ومغرياتها ومنافعها ، و تَرى إن وضع الحقائق والوقائع الموثقة ، أمام الرأي العام يحط من توجهاتها ويقلل شرعيتها والتفاف الناس حولها . والمشقة في رصد الواقع العراقي الراهن تأتي من توفر عوامل عدة مؤثرة فيه منها القوات الأجنبية وطبيعة السلطة وتوجهاتها والقوى السياسية وتعدد مرجعياتها ومكوناتها الاجتماعية وكثرة وتنوع الجماعات المسلحة - قبل التصدي لبعضها من قبل الحكومة المركزية في بعض المدن والقصبات العراقية ، وكذلك تأسيس (الصحوات) بالاتفاق مع القوات الأمريكية لمواجهة الجهات الإرهابية - . كل ذلك افرز ظواهر وحالات ملتبسة متداخلة ، بعضها لا تاريخ له في الواقع الاجتماعي العراقي وبعضها يُؤوّل لأسباب ودوافع سياسية واجتماعية معقدة ، وبالتالي فان أي توصيف أو عبارة أو تحليل سيُعد في ضوء الاستقطابات تلك، قابلاً للتأويل ويمكن أن يعتبر "تحيزاً" ضد طرف ما ، وسيقود إلى الاستنكار وربما ردود الأفعال القاسية، غير المحسوبة . ولتحاشي ذلك تحاول أي مجموعة مدنية مستقلة معنية بـ "رصد العنف و فواعله الراهنة في الوضع العراقي" أن تعمل بـالـ "حيادية والمعلومات الموثقة". في محور (العنف) يلاحظ التباين في التعريفات التي يقدمها المعنيون بعلم الاجتماع وعلم النفس لمصطلح العنف ويمكن التمييز بين نوعين من العنف. الأول: العنف المجتمعي الذي يركز على أسباب عدة منها اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي . والثاني: ما يسمى بـ "العنف السياسي" وفيه يتم اعتماد وتوظيف العنف لأغراض سياسية ، وهذا الأمر هو المعني بالرصد . لان العنف المجتمعي لا يمكن دراسته آنياً في العراق إلا عبر أبحاث ودراسات تقوم بها مراكز أكاديمية مستقلة متخصصة تستوجب مسوحات وإحصاءات وبيانات تاريخية وآنية للوضع العراقي واستطلاعات للرأي العام فيه تعمل عليها فرق بحثية متخصصة لا يمكن توفيرها حالياً أو على المستوى المنظور. يلاحظ أن العنف ومصادره و فواعله الظاهرة والجهات والأطراف المتحكمة به في العراق، منذ سقوط النظام البعثي،هي:القوات الأجنبية والجماعات المسلحة ذات الأيدلوجيات الدينية المتطرفة، من كل الجهات، وبقايا حزب البعث وأجهزته الأمنية والعسكرية المنحلة ومَـنْ تحالف معها مؤخراً، ويضاف لها جهات مسلحة ذات توجهات دينية متزمتة برزت بعد سقوط النظام مدعية إنها تعارض التواجد العسكري الأجنبي في العراق وكذلك استغلت في توجهاتها الدينية المتشددة مسألة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وحاولت فرض تصورها الخاص لهذه المسألة بطرق وحشية وعلى النساء خاصة ، والمليشيات المسلحة التابعة لأحزاب وقوى مشاركة في العملية السياسية، و تم دمجها في الأجهزة الحكومية المسلحة ، دون التأكد من انحيازها إلى مهماتها الحالية بمهنية وحيادية وفك ارتباطاتها بولائاتها القديمة ،والقوات الأمنية العراقية تحت أي مسمى، وقوات الحماية الخاصة المتعاقدة مع القوات الأجنبية في العراق ، وكذلك حمايات المسئولين العراقيين، وعصابات الجريمة المحلية والدولية ، وهي تسعى جميعاً، كل بما متاح له من وسائل وإمكانيات ، تقويض وعرقلة أسس بناء دولة القانون والديمقراطية .
#جاسم_العايف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجليات التوظيف السياسي للفكر الديني
-
رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب: يحاور المثقفين وا
...
-
القاص والروائي عبد الجليل المياح..بورتريه خاص*
-
مَنْ يقتل الصحفيين ويهددهم و يخشاهم..!؟
-
بعض ملامح المشهد الانتخابي القادم
-
أدباء البصرة يواصلون حواراتهم حول:مؤثرات وآليات العملية الإب
...
-
أدباء البصرة .. حلقات حوارية عن كيفية تشكل عمليات الإبداع ال
...
-
اتحاد ادباء البصرة..يستذكر الروائي- عبد الجليل المياح- بمناس
...
-
استباقا لانتخابات اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين(2)
-
حلقات حوارية عن كيفية تشكل عمليات الإبداع الفني
-
استباقا لانتخابات اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين(1 -2)
-
ملف عن القاص والروائي الراحل - كاظم الاحمدي-
-
شؤون العراقيين ووطنهم بعد انتخاباتهم المحلية
-
المسرح آلآن أشبه بقارة (تثرم) أناسها و المسرحي يقف في طابور
...
-
موقف بعض الأدباء والكتاب والمثقفين العرب من العراق والعراقيي
...
-
نحو انتخابات لمجالس المحافظات العراقية.. نزيهة- شفافة
-
قراءة في كتاب-المرأة والجنس..بين الأساطير والأديان-
-
من اجل القاص والروائي -كاظم الأحمدي-..
-
-عربة النهار-للشاعر هاشم تايه.. سردية الشعر وإنتاج المعنى
-
زمني مع جريدة -الصباح-..!؟*
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|