|
قراءة في كتاب(التوتاليتارية)
غسان سالم
الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 30 - 23:34
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
التوتاليتارية، شكل من اشكال الحكم، نقيض الديمقراطية، احد الانظمة التسلطية، ظهر هذا الشكل من الحكم في عشرينيات القرن الماضي. ويقصد بها تحديدا (المانيا النازية، الفاشية، والاتحاد السوفيتي زمن ستالين) في حين يوسع بعض المنظرين المصطلح ليشمل دولا اخرى كمنظومة الدول الاشتراكية وصين ماوتسي تونغ، وكوريا الشمالية وغيرها من البلدان التي ينطبق الوصف عليها، وبحسب المقياس المستخدم. والتوتاليتارية نظام اجتماعي سياسي، شمولي، وتعود هذه الكلمة للمفكر الايطالي جيوفاني جنتلي (1875-1944) الفاشي الذي نظر لدولة موسوليني، واعتبره معبوده، وجيوفاني فيلسوف هيغلي، يؤمن بان للتاريخ غاية، والدولة القومية تمثل تجسيدا ارقى لهذه الغاية، وهي بالاساس نزعة فلسفية هيغلية لكن دون المعايير الليبرالية لهيغل، وفي فعلها السياسي دمج لمفاصل الدولة وسلطاتها والغاء لكل فعل خارج ارادة هذه الدولة. "وهذا النزوع الشمولي المعبر عنه هنا بلغة فلسفة، هو الاندفاع الى ازالة الخط التقليدي الفاصل بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، أي بين الدولة كنظام حكم والمجتمع كمجتمع، وبين الدولة والفرد. فالدولانية (statism) الفاشية تكره مثل هذا الفصل الليبرالي، مثلما تكره فصل السلطات، وتسعى الى نظام احادي، واتحاد كلي بين الدولة والمؤسسات الاجتماعية المستقلة والمجالات الخاصة". الكتاب الذي بين ايدينا هو دراسة او بحث مقارن لمفاهيم متعددة تنظر لهذا المصطلح السياسي، فجنتلي وموسليني يريان ان الدولة تقوم على ثلاث عناصر: معاداة اليبرالية، معاداة الماركسية (الجماعية النقابية) ومعاداة الامم الاخرى. وتبنت النازية هذه العناصر الى ابعد الحدود، لكن النازية الالمانية لم تعترف باسبقية ايطاليا الفاشية في اختراع (النظرية التوتاليتارية). "كان نظام الحزب الالماني الواحد، ونزعته القومية العنصرية والتوسعية، والابادة الجماعية المستندة الى اللاسامية، وعداوة للجماعة (الاشتراكية) والليبرالية، وتركيزه على الدولة باعتباره التجسيد الاسمى لروح الشعب (volksgeist) نقول كان ذلك كله مدينا لموسوليني، لكن القادة الالمان كانوا غير مستعدين للاعتراف بذلك". وحدد كارل فريدريش خمس سمات للانظمة التوتاليتارية في كتابه (طبيعة التوتاليتارية) واعتبرها جوهر تلك الانظمة واضاف لها سمة سادسة بالاشتراك مع زيغينو بريجنسكي سنة 1956 وسميت نظرية النقاط الست وهذه السمات هي: 1- ايديولوجيا رسمية مركبة من مجموع رسمي من المذاهب التي تغطي ملامح وجود الانسان كافة، يفترض في كل من يعيش في هذا المجتمع الالتزام بها بصورة سلبية على الاقل، وتتركز هذه الايديولوجيا بصورة واضحة مزاعم قيام مجتمع انساني مثالي كامل. 2- حزب جماهيري واحد مؤلف من نسبة ضئيلة نسبيا من مجموع السكان (قد تصل الى 10%) من الرجال والنساء الجامحين والمتفائلين من دون تردد في سبيل الايديولوجيا والمستعدين للمساعدة على كل وجه في سبيل ترويجها والقبول العام بها، مع كون هذا الحزب منظما على نحو اوليغاركي، تراتبي صارم، وخاضع عادة لزعيم وحيد، واما متعال او مختلط تماما بالتنظيم البيروقراطي الحكومي. 3- احتكار تكنلوجي شبه كامل للسيطرة على وسائل العنف المسلح كافة (في ايدي الحزب وكوادره كالبيروقراطية والقوات المسلحة). 4- احتكار شبه كامل مشروط تكنولوجيا للسيطرة على وسائل الاعلام الجماعية الفعالة كالصحافة، والاذاعة، والسينما، وما الى ذلك، (في الايدي نفسها). 5- نظام بوليس ارهابي يعتمد في فعاليته على النقاط (3، 4) ويتوجه بصورة مميزة لا نحو (اعداء) النظام الواضحين، بل ضد طبقات يتم اختيارها بصورة عشوائية من بين الشعب، مع تمحور الاختيار حول متطليبات بقاء النظام، والتخمينات الايديولوجية التي تستغل علم النفس بصورة منظمة. 6- سيطرة وادارة مركزية للاقتصاد باكمله عبر التنسيق البيروقراطي لكيانات اتحادية مستقلة سابقا تشتمل بصورة مميزة على كافة الروابط والانشطة الجماعية الاخرى. في حين يقدم فرانتز نويمان تنظيرا اخر يعتبره الكاتب اوسع نطاقا، وتتمحور سمات نويمان على التحول في لحظة تأزم "ففي رأيه ان جميع الدكتاتوريات الحديثة انبثقت من ديمقراطية حديثة في نقطة تأزم". وسمات نويمان هي: 1- التحول من دولة تستند الى القانون (دولة القانون) الى دولة بوليسية. 2- التحول من توزيع السلطة الى تركيزها. 3- وجود نظام حزب الدولة المحتكر للسلطة والمنبثق من مجتمع جماهيري، فيما تنشأ التوتاليتارية داخل الديمقراطيات وحدها، صورة تنشر الجماهير كصورة جديدة من (الديمقراطية العليا). 4- التحول من الرقابات الاجتماعية المتعددة الى الرقابة التوتاليتارية حيث يكف المجتمع عن التميز عن الدولة. 5- التوتاليتارية تعتمد على الارهاب، لكنها لا تستطيع الاستمرار من دون تماهي الجماهير تماهيا كبيرا مع حكامها. تنوعت التوصيفات لهذا الشكل من الانظمة واستبعد استخدام مصطلح التوتاليتارية بعد سجال خمسينات وستينيات القرن الماضي حيث يقول الكاتب "فقد اللفظ طبيعته الجامعة، هابطا من كونه مقولة اساسية في علم السياسة الى كونه مفهوما فرعيا من الانماط السياسية المثالية حاذر معظم علماء السياسة استعماله". وتحول تصنيف الانظمة بعدها، خاصة بعد اضافات الماركسين، الى ثلاث انظمة (فاشية، اشتراكية، رأسمالية) بعدها قادت السجالات الى شكلين من الانظمة التسلطية والانظمة الديمقراطية، حيث التسلطية نقيض الديمقراطية، واسقطت التوتاليتارية من التصنيف السياسي. ويرى الكاتب " نشوء ثلاث مدارس، مدرسة الحد الاقصى، مدرسة الحد الادنى، ومدرسة اللاتوتاليتارية، مدرسة الحد الاقصى طبقت التوتاليتارية على المانيا، وايطاليا، وروسيا، وحلفائها ومقلديها، اسبانيا والبرتغال، ورومانيا ما قبل الشيوعية التي قلدت النموذج الايطالي او الالماني، وامم اوروبا الشرقية (الاشتراكية) بالاضافة الى الصين، كوبا وسواها اما اللاتوتاليتارية اطرحوا المفهوم باعتباره غير علمي، واستعاضوا عنه بمصطلح التسلطية، وفي ما بين الاثنين قصرت مدرسة الحد الادنى تطبيق المصطلح على المانيا النازية، وايطاليا الفاشية وروسيا الستالينية". ويصل البحث الى ان التصنيفات الثلاث (المانيا، ايطاليا، وروسيا) تشترك في سمات اساسية هي (تعبئة جماهيرية شاملة، حركة ايديلوجية ناشطة، منظمة عالية الانضباط من النشطاء، مسمة عسكرينارية (جناح مسلح)، وعود مهدوية). ويصل الكاتب الى ادراك (فهم) التوتاليتارية بأعتبارها محاولة هيمنة لتركيز السلطة عبر دمج الحزب الجماهيري والدولة في كيان واحد، واستعمال هاتين الالتين الجديدتين القسريتين لالغاء الحدود الفاصلة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني واخضاعه للسياسي". ويرى ان نجاح هذا الاجتياح او فشله يتوقف على: 1- صلابة الفصل بين المجتمعين السياسي والمدني. 2- نضج المؤسسات الاجتماعية والسياسية وصول عمرها وقدراتها على كبح التعديات على الحريات. ويصل الكاتب الى مصدر التوتاليتارية ويعتبر ان لها مصدرين مختلفين، (الاول اجتماعي والثاني سياسي) ويشرحهما في فقرتين بتفصيل مع الامثلة التاريخية. وفي نهاية الكتاب يطرح الكاتب سؤالا (ما التوتاليتارية اذا؟) ويجيب عن هذا التساؤل حيث يعتبرها ظاهرة اجتماعية وخطابا نخبويا وعبادة (cult) ثقافية وهي اخيرا شكل معين من اشكال نظام الحكم مع تقنيات للسيطرة.. وعلى الرغم ان الكتاب بحث مقارن لمفهوم الانظمة التوتاليتارية الا ان الكاتب ينهي كتابه بعبارة متشائمة يستخلصها من واقع هذه الانظمة التي تسحق المواطن وانسانيته، حيث يقول "تفككت الستالينية تدريجيا بعد وفاة ستالين، وبلغ التفكك خاتمته باصلاحات غورباتشوف اواسط الثمانينات، وهذا يعني ان التوتاليتارية الستالينية عاشت نحو عقدين، وتطلب تفكيك بقاياها نحو ثلاثة عقود، الواقع ان تفكيك بقايا النازية الالمانية تطلب عقدين بعد احتلال المانيا. هذه الاماد تبدو مروعة منظور اليها من زاوية فرص الحياة لاجيال ضحايا هذه الانظمة".
الكتاب: التوتاليتارية تأليف: فالح عبد الجبار ترجمة: حسني زينة حقوق الطبعة العربية محفوظة لمعهد الدراسات العراقية الطبعة: الاولى 2008 بغداد - بيروت - اربيل
#غسان_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرشحون (زينة!!)
-
قراءة في كتاب (الأكراد وبناء الأمة)*
-
لماذا السرية؟
-
قراءة في كتاب (الاختيار)
-
قراءة في كتاب بناء الدولة ل(فوكوياما)
-
الايزيديون والبرلمان العراقي القادم
-
قراءة في كتاب (الديمقراطية التوافقية مفهومها ونماذجها)
-
تناقضات الإعلام العراقي في الأربعاء الدامي
-
الايزيديون والشبك ضحايا الصراع والتطرف
-
قراءة في كتاب (عام قضيته في العراق)
-
المغلوب على أمره .. !
-
الانسحاب المشرف يشترط دولة مستقرة
-
قراءة في كتاب (في قلب العاصفة)
-
خلل يجب تجاوزه
-
قراءة في كتاب (نهاية العراق)
-
(الوطنيون الجدد) و دكتاتورية الأغلبية
-
احتفاء
-
سبعة ايام في ايران (3)
-
سبعة ايام في ايران..(2)
-
الهوية اولا
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|