|
ظاهرة أوباما في المشهد الأمريكي ( 2 )
نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 30 - 09:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك مغزى عميق في حضور مارتن لوثر كنج الثالث، وكلمته ألتي ألقاها أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي، مؤيدا لترشيح باراك أوباما لخوض المنافسة على الرئاسة الأمريكية، وذلك كونه الابن البكر للزعيم الأمريكي الأسود وداعية الحقوق المدنية البارز مارتن لوثر كنج الذي اغتيل في عام 1968، وجميع الأمريكيين في ما أعتقد لا يزالون يتذكرون خطابه الشهير في عام 1963، الذي تمحور حول حلمه في رؤية مجتمع أمريكي جديد، قد نفض عنه الغبار الداكن للعنصرية المقيتة التي ظلت موجهة ضد السود على مدى قرون. لقد حسم مؤتمر الحزب الديمقراطي ترشيحه الرسمي لباراك أوباما كمرشح رئاسي، وكذلك ترشيح السناتور جوزيف بايدن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة في شهر نوفمبر القادم. أشار مارتن لوثر كنج الابن في خطابه أمام المؤتمر إلى ان «ترشيح اوباما هو استمرار لحلم مارتن لوثر كنج.. كلنا أبناء هذا الحلم الذي لم يفارق قلوبنا وعقولنا». وختم لوثر كنج بالقول إن «الحلم يتجسد بما يطمح له اوباما وبقدرات وجهوزية وصحة ما يطمح إليه المرشح الديمقراطي». أثار ترشيح أوباما، السناتور عن ولاية إلينوي، والبالغ من العمر 47 عاماً، ردود فعل واسعة ومتباينة بين قطاعات الشعب الأمريكي، وخصوصا في ضوء صعوده السريع، واكتساحه لجميع منافسيه الديمقراطيين في الانتخابات التمهيدية، بما في ذلك السيناتور هيلاري كلينتون، التي كانت معظم المؤشرات والاستطلاعات والنتائج الأولية حتى الأشهر القليلة الماضية، تبين أنها في طريقها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، كأول امرأة مرشحة للرئاسة في التاريخ الأمريكي. في الواقع إننا أمام حدثين فريدين من نوعهما يعكسان حجم التغير النوعي ليس على صعيد النخب السياسية الأمريكية فقط، بل على صعيد التعاطي الإيجابي للمجتمع الأمريكي مع إمكانية انتخاب رجل أسود أو امرأة لمنصب الرئاسة. كثيرون يتساءلون داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها: من هو باراك أوباما، ولماذا ظاهرة أوباما ألتي غزت الحياة السياسية والاجتماعية الأمريكية وأمتد تأثيرها إلى الخارج وخصوصا في أوربا، وهو ما تمثل في نتائج الاستطلاعات، وفي الحشود الواسعة التي قدرت بمئات الآلاف التي حضرت للاستماع إليه؟ وهل يعود ذلك لكونه الشاب الوسيم والمحامي البارز والأستاذ الجامعي المولود من من أم بيضاء وأب أسود؟ أم بسبب ذكائه وقدرته على الإقناع وشخصيته الكاريزمية المميزة في مقابل المرشح ماكين المحافظ والمسن (72 عاما) الذي يمثل امتدادا للإدارة الجمهورية الفاشلة والممقوتة من قبل قطاع واسع من الأمريكيين؟ أستطاع أوباما الذي يقول عن نفسه: «أبي لا يشبه الناس من حوله، كان أسود حالك السواد وأمي بيضاء كاللبن» أن يقنع قطاعات واسعة بين الشعب الأمريكي، بما في ذلك الطبقة العاملة والطبقة الوسطى، باعتباره رمزا للحلم والتغير والتجديد في الحياة الأمريكية، وأنه عامل وحدة وصمام للأمان في ظل مجمل الأزمات والتخبطات التي يعاني منها المجتمع الأمريكي على الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية، نتيجة السياسات والممارسات الداخلية والخارجية المطبقة على امتداد ثماني سنوات من حكم الرئيس بوش وإدارته، التي يتحكم فيها المحافظون الجدد. لقد حصل تبدل نوعي إلى حد كبير في وعي الشعب الأمريكي، حيث تجاوز عقدة النوع العرقي، والجنسي، والجذور الدينية والطبقية كما في السابق. أوباما ومارتن لوثر كينج.. أوجه التماثل والاختلاف ؟ في نهاية شهر يوليو 2008 اعتمد مجلس النواب الأمريكي أول اعتذار رسمي من الحكومة الفيدرالية، عن مرحلة العبودية ووحشيتها والظلم الفاحش الذي لحق بالسود أثناءها ولعدة قرون، حيث أشار نص الاعتذار إلى أن المجلس «يقدم اعتذارا للسود الأمريكيين باسم شعب الولايات المتحدة عن الأذى الذي تعرضوا له». وعلى ما عاناه أجدادهم من عبودية وما تعرض له السود من قوانين الفصل العنصري المعروفة باسم «قانون جيم كرو». وأكد البرلمانيون أيضا تعهدهم بالعمل على تصحيح “الآثار المتبقية” للعبودية والفصل العنصري. وقد أعرب الرئيس السابق بيل كلينتون عن «أسفه» لدور الولايات المتحدة في ممارسة العبودية ووصفها الرئيس جورج بوش «بأنها من أكبر الجرائم في التاريخ». وفقا للمصادر التاريخية فإن أول دفعة من العبيد الأفارقة دخلت أمريكا سنة 1619، وعلى مدى قرون لم تتوقف تجارة العبيد الذين تم اختطاف الملايين منهم عنوة من أراضيهم الأصلية في القارة الأفريقية كما وتعرض مئات الآلاف منهم للهلاك في الطريق أو بعد وصولهم إلى القارة الأمريكية، بفعل المعاملة القاسية والأعمال الشاقة والمجاعة والأمراض. استمرت العبودية لعدة قرون إلى أن ألغيت رسميا في عهد الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن، الذي يعتبر أول زعيم في التاريخ وضع حداً للعبودية الممقوتة، وذلك إثر الحرب الأهلية (1861- 1865) الطاحنة بين الشمال من جهة والجنوب الذي أعلن انفصاله عن الحكومة المركزية إثر قرار إلغاء العبودية من جهة أخرى، وقد خلفت تلك الحرب أكثر من 970.000 قتيل وهو مايعادل 3% من مجموع السكان آنذاك ومن بينهم 620.000 جندي، وقد اغتيل إبراهام لينكولن بعد شهور من انتهاء الحرب على يد رجل أبيض انتقاما من مواقفه التحررية والمناهضة للعبودية، غير أن سياسة التمييز والفصل العنصري بين البيض والسود في الأماكن العامة، والمعروفة بقوانين «جيم كرو» نسبة إلى حاكم ألباما السابق واستمرت على مدى عشرات السنين في بعض الولايات الشمالية وغالبية الولايات الجنوبية، إلى أن ألغيت رسميا عام 1964 واستبدلت بقانون الحقوق المدنية «سيفيل رايتس آكت» الذي يحظر أي شكل من أشكال التفرقة العنصرية في الأماكن العامة والعمل، وتم ذلك بفضل نضال السود من خلال الحركة المدنية المناهضة للعنصرية التي قادها منذ مطلع الستينات الزعيم الزنجي البارز مارتن لوثر كينج، غير أن العديد من المنظمات العنصرية، استمرت في النشاط وممارسة جرائمها العنصرية ضد السود والملونين، ومن أبرزها منظمة «كوكلس كلان» التي تشكلت من قبل المحاربين القدامى في الجيش الكونفدرالي (الجنوبي) في عام 1866 أي بعد انقضاء عام على انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية، وكان في مقدمة أهداف تلك المنظمة مقاومة إعادة التأسيس (الاتحادي)، ومعارضة تحرير العبيد التي حدثت عقب الحرب الأهلية الأمريكية. انتهجت تلك المنظمة العنصرية أساليب عمل عنيفة ضد السود بما في ذلك تنفيذ عمليات الإعدام بحقهم، وقد وصل نفوذ تلك المنظمة ذروته في عام 1926 حيث قدر عدد أعضائها في ذلك العام بنحو ستة ملايين عضو، غير أن نفوذها أخذ في التراجع في ما بعد، وقدر عدد أعضائها في عام 2006 بحوالى خمسة آلاف عضو. لقد احتفل العالم في أغسطسس 2008 بمرور خمسة وأربعين عاما على الخطاب الشهير (لدي حلم) الذي ألقاه د. مارتن لوثر كينج أمام النصب التذكاري للرئيس الأمريكي ابراهام لنكولن في الثامن والعشرين من أغسطس عام 1963 الذي استهل خطابه قائلا «قبل عقود من الزمان، وقّع الأمريكيّ العظيم الذي نقف اليوم تحت ظله الرمزي قرار إعلان تحرير الزنوج، وجاء هذا القرار الهام أملا عظيما للملايين من الزنوج العبيد الذين عانوا واحترقوا بلهب الظلم المزري، جاء كفجر مشرق لينهي سنوات الليل الطويل تحت الأسر، لكن.. وبعد مائة سنة من ذلك الإعلان، يجب أن نواجه الحقيقة المأساوية:
الزنجي.. ليس حرا. بعد مائة سنة، مازالت حياة الزنجي مشلولة بقيود العزلة، وأغلال التمييز.. بعد مائة سنة، مازال الزنجي يعيش في جزيرة من الفقر المدقع وسط محيط شاسع من الرخاء الاقتصادي». بعد مائة سنة، مازال الزنجي يعاني في أنحاء مجتمعه، ومازال يعتبر نفسه منفيا في أرضه وأشار إلى أنه لن يكون العام 1963 النهاية بل سيكون هو البداية.. وسيباغَتُ أولئك الذين يعتقدون أن ما يجري إنما هو تنفيس عن غضب يمارسه الزنوج وأنهم سيعودون لممارسة أعمالهم المعتادة غدا.. ولن ينعم الوطن بالهدوء حتى يحصل الزنجي على كل حقوقه الوطنية.. وستستمرّ رياح الثورة في هز أسس الدولة حتّى اليوم الذي تتحقق فيه العدالة للجميع.. «لقد صدقت نبوءة مارتن لوثر كينج وألغيت قوانين الفصل العنصري في عام 1964 غير أنه دفع حياته ثمنا لذلك حيث اغتيل في عام 1968 على يد عنصري أبيض». وبعد مرور أربعة عقود على اغتياله جرى اختيار باراك أوباما كأول مرشح أسود في تاريخ الرئاسة الأمريكية، وهو ما يعكس حجم التغير النوعي في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية لدى الشعب الأمريكي.
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة أوباما تعبير عن أزمة أم مؤشر للتغيير ؟ ( 1)
-
الميزانية والميزان 3
-
الميزانية والميزان 2
-
الميزانية والميزان «1»
-
الذكرى الأولى لرحيل المفكر والمناضل المصري الكبير محمود أمين
...
-
ظاهرة الصالونات الأدبية الثقافية وتصدّر القبيلة والطائفة
-
لايزال يحدونا الأمل.. برجوعك ياأبا أمل
-
معوقات قيام مؤسسات المجتمع المدني ( 9 )
-
ثقافة الفساد
-
التمايز ما بين المجتمعين الأهلي والمدني ( 8 )
-
نشوء الدولة المركزية السعودية والمجتمع المدني ( 7)
-
السجال حول طبيعة الدولة في الإسلام ( 6)
-
التيارات الاصولية والموقف من الدولة المدنية (5 )
-
الدولة العربية الحديثة ومستلزمات المجتمع المدني ( 4 )
-
مفهوم المجتمع المدني .. ترسيخ فكرة المواطنة ( 3 )
-
مكونات وعناصر المجتمع المدني (2 )
-
بمناسبة العيد الثامن لانطلاقة الحوار المتمدن
-
المسار التاريخي لظهور وتبلور مفهوم المجتمع المدني ( 1 )
-
الحداثة والأزمة الحضارية 2 - 2
-
الحداثة وانسداد الأفق التاريخي ( 1 )
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|