الابداع والتحصيل المدرسي والقطيعة بينهما

عصام عبد العزيز المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 2901 - 2010 / 1 / 28 - 12:00
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

اختلفت نتائج البحوث التربوية والنفسية في علاقة القدرات الإبداعية بالتحصيل المدرسي ، فمن الباحثين من توصل إلى وجود علاقة موجبة ذات دلالة إحصائية بين التحصيل المدرسي والقدرات الإبداعية ، وقسم منهم لم يجد علاقة ذات دلالة إحصائية أو وجود علاقة سالبة ليست ذات دلالة إحصائية 00 فما حقيقة ذلك ؟ أو هل يمكن التنبؤ بالقدرات الإبداعية والمبدعين من الطلبة من خلال مستوى تحصيلهم المدرسي ؟
إن هيئة استحقاق المنح ( البعثات ) الوطنية ففي الولايات المتحدة الأمريكية The National Merit Scholarship Corporation تقدم المنح للطلبة الذين أنهوا الدراسة الثانوية من خلال اهتمامها ليس بالتحصيل المدرسي فحسب ، بل باستخدام معايير عقلية كوسيلة أخرى لمنح هذه الجوائز ، ولهذا تقدم الهيئة المنح الدراسية للطلبة الذين يحققون أو يمتلكون قدرات إبداعية من خلال مقاييس الإبداع والتفكير الإبداعي ، على الرغم أنهم لم يحصلوا في الاختبارات المدرسية على درجات علمية تؤهلهم للحصول على هذه المنح والجوائز ، فقد أخفقت اختبارات التحصيل المدرسية ، وربما اختبارات الذكاء في تحديد الطلبة ذوي القدرات الإبداعية وذلك بسبب تأكيدها على القدرات المعرفية والتذكر والتفكير ألتقاربي (1) 0
إن المتتبع للسيرة الذاتية لكثير من المبدعين في شتى المجالات يرى أن خبراتهم المدرسية كانت محبطة ، فكثير منهم فشل في المدرسة أو طرد منها ، أو لم ينتظم فيها أو أنهى تعليمه فيها مبكرا" أو وصفه معلموه بالكسل والإهمال 0
فها هو الفيزيائي الكبير ألبرت اينشتاين أحد أعظم العقول التي أنجبتها البشرية في تاريخها كله ، لقد أبلغ مدير المدرسة الثانوية والده بأن ( ألبرت ) لن ينجح أبدا" في أي شيء 0 وقد طرد من هذه المدرسة مع تحذيره بأن وجوده في الصف ( مشتت لانتباه زملائه ) ! (2)
أما الشاعر الانكليزي ( سكوت فتزجرا لد ) الذي فشل في دراسته ولم يتجاوز تقديره فيها مستوى (مقبول ) أبدا" فقد وجه خطابا" في يوم ما إلى مدير مدرسته يقول فيه ( لقد اكتشفت أنني أنفقت سنوات طويلة من عمري أحاول أن أتواءم مع منهج أعد أولا" وقبل كل شيء للطالب العادي أو المتوسط ) 0
إن الإبداع تفكير تباعدي متشعب Divergent Thinking يتطلب تقديم عدة حلول مناسبة ومتنوعة وبالتالي يتميز بالتعبير الحر غير المقيد لاستعمال القدرات العقلية 0
إن الكثير من المعلمين لا يفضلون شخصيا" الطالب المبدع ، وقد ترجع أسباب عدم التفضيل إلى أن السمات الشخصية لدى الطالب المبدع ليست من الصفات التي تتفق مع المعايير السلوكية التي يتوقعها المعلم من طلبته ككائنات سلبية مستقبلة وليست كمخلوقات ايجابية نشطة فعالة مؤثرة 0
لم يتوصل الكثير من المبدعين سواء" كانوا علماء أو فنانين أو أدباء أو من شتى ضروب العمل الإبداعي إلى مكانتهم المرموقة الحقيقية قي البيئة المدرسية لأن المبدعين يميلون إلى عدم حشو عقولهم بالمعلومات والمعارف العلمية حيث أن المبدعين من الطلبة تصدمهم البرامج التعليمية الجامدة وأساليب التدريس التقليدية التي تهدف إلى جعل الطالب مجرد متلق للعلم دون أن يساهم أو يشارك في عملية تعليمه 0
لقد أوضحت نتائج العديد من الدراسات التربوية أن الطلبة المبدعين يعانون من مشاكل عديدة يمكن ذكر بعضها كالآتي :
1- إن تفكير الطلبة المبدعين يفوق تفكير نظرائهم في الفئة العمرية وهو اختلاف يؤدي إلى بعدهم عن نظرائهم في العمر ويؤكد على احتياج هذه الفئة إلى نوع من الرعاية الاجتماعية 0
2- غالبا" ما لا يرتاح المدرسون للمبدعين من الطلبة لأنهم لا يحبون الانقياد والتبعية 0
3- عدم اهتمام المبدعين بالحصول على درجات عالية وانعدام الرغبة لديهم في تكملة الواجبات المدرسية لأنها لا تقابل حاجاتهم ويرونها غارقة في تيار التقليدية 0
4- صعوبة تعامل المدرسين مع المبدعين من الطلبة لأن المجتمع لا يثق في من يقومون بأعمال غريبة ؟أو ذوي السلوك المختلف 0
5- إن أهم ما يميز الطالب المبدع هو ارتفاع عامل السيطرة لديه مما يجعله يفضل العمل منفردا" في كثير من الأحيان وممارسة التفكير المستقل ولديه الرغبة في التوصل إلى حلول لمشاكله بمعرفته ،غير أن تلك الرغبة عادة ما تصطدم بطرق التربية التقليدية التي تفرض أنماطا" من السلوك الوظيفي والاجتماعي تتعارض وتلك الاتجاهات لدى الطالب المبدع مما يؤدي إلى اصطدامه بمدرسيه في كثير من المواقف اليومية (3)
يتميز المبدعون بشكل عام بجملة من الخصائص النفسية التي تجمع بين بعض التناقضات أو المتعارضات في الخصائص النفسية للفرد المبدع كالتحرر والسيطرة على الذات ، ثائر لكنه لا يعمل ضد المعايير الاجتماعية ،يتميز بالاندفاع وسرعة الاستثارة وعدم ضبطه لتعبيراته الانفعالية ، وفي نفس الوقت يتميز بقوة الإرادة واحترام المطالب الاجتماعية والطموح والقدرة على ضبط الانفعالات وقد يعني هذا أن الفرد المبدع يعاني توترا" شديدا" للتوفيق بين المتعارضات الكامنة في طبيعته مع محاولته تحمل ذلك التوتر والحد منه ، وكل ذلك يجعله في قطيعة مع التحصيل المدرسي 0
المصادر
1- تنمية الإبداع والتفكير الإبداعي في تدريس العلوم ، د0 عايش زيتون ، 1999 ، ص 52 0
2- علم النفس التربوي ، د0آمال صادق ود0 فؤاد أبو حطب ، 1996 م ، ص 633 0
3- رعاية الموهوبين والمبدعين ، د0رمضان محمد ألقذافي ، 2000م ، ص 156 -182

( نشرت في جريدة البرلمان الصادرة في محافظة ديالى العدد 4 في يوم السبت 12 ذو القعدة 1425 هجري الموافق 25 كانون الأول 2004 م صفحة اتجاهات صفحة رقم 4 )

#عصام_عبد_العزيز_المعموري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات