|
الدين وجدوى حركات الإصلاح والتنوير والتجديد
تنزيه العقيلي
الحوار المتمدن-العدد: 2900 - 2010 / 1 / 27 - 19:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كلمة أولى للقراء الأعزاء. إني أعتذر لكل من يعلق على مقالاتي، ولكل من يراسلني على عنواني الألكتروني، لكوني منهمكا في أمور يزدحم بها وقتي، كما وأعتذر لتوقفي في الآونة الأخيرة عن مواصلة الكتابة، لكني أعدكم، إذا ما منحني الله العمر والفرص، سأنجز مشروعي متعدد الجوانب، ومن ذلك دراسة موضوعية للقرآن، بكل عناصر قوته وعناصر ضعفه، وعلى ضوء دعوى إلهيته، وعلى ضوء حقيقة بشريته، ما فيه من انسجام من جهة، ومن تعارض من جهة أخرى يصل أحيانا إلى درجة التناقض، وسأماشي مع ذلك عقلاء المؤمنين بإلهية الإسلام والقرآن وبنبوة محمد، لأفسر النصوص تارة على ضوء فرضية إلهية القرآن، وتارة أخرى على ضوء أن مؤلفه هو محمد نفسه، مع بيان ما يؤيد هذه الفرضية أو تلك، بالرغم من أني حاسم بقناعتي بشرية القرآن، بل استحالة إلهيته تنزيها لله عما لا يليق بجماله وجلاله وحكمته وعدله ورحمته.
بعد هذه المقدمة أعود إلى موضوع عنوان هذه المقالة التي ابتدأتها بعد آخر مقالة نشرتها، ثم توقفت للأسباب المذكورة، الت ما زالت قائمة مما يجعلني ربما لا أضيف الكثير عما بدأته، وأقتصر على تكملة أهم الأفكار ووضع خاتمة للمقالة.
منذ نشأت الأديان، والمصلحون والمأوّلون والمجدّدون والمصحّحون والتنويريون، في حراك فكري مضن، يحاولون صياغة دين بعيد عن الخرافة والتعصب وثقافة كراهة الآخر، دين يواكب العصر، دين يساوي بين الناس، دين يعتمد العقلانية، دين يقر بحقوق الإنسان، دين يؤمن بالعلم، دين يحترم (المرأة/الإنسان) مساوية مئة بالمئة في قيمتها الإنسانية لـ(الرجل/الإنسان)، دين يقر بالديمقراطية، دين يعتمد النسبية وينأى عن دعاوى المطلقات والمقدسات والمسلمات والنهائيات واللامناقشات.
كثير من هذه الجهود المضنية حققت ثمة نجاحا، وكثير من المصلحين والتنويريين الدينيين والناقدين للفكر الديني والمصححين والمأولين والمجددين، كانوا متهمين في دينهم، ولطالما حكم عليهم بالتكفير، فأعدموا معنويا، وكثير منهم أعدموا جسديا. ولعل أكثر دينَين مارسا القمع الفكري وسجنا العقل وصادرا الحريات وأعدم أهلهما المخالفين إما جسديا، وإما معنويا، أو نفوهم إما من أوطانهم وإما من الحياة، هما الدين المسيحي والدين الإسلامي. وجاءت العلمانية والحداثة لتعقلن الكنيسة أو تحد من صلاحياتها، لترجع إلى دائرة الدين، بعدما أبعد الدين عن السياسة والعلم والثقافة والاجتماع، وانحصر في الكنيسة والحياة الفردية للمتدين.
وبقي الإسلام قاعدة الخرافة والتعصب والتطرف والإرهاب. نعم هناك إسلام آخر، إسلام العقل، والإنسانية والحداثة والديمقراطية. وما زالت الجهود تبذل في إصلاح الدين الإسلامي، وما زال التنويريون يبذلون ما يبذلون من أجل تحديث الإسلام وربما علمنته ولبرلته ودمقرطته. هناك إعادة نظر في أكثر الفتاوى ثباتا عند المسلمين، لجعلها من الأحكام المتغيرة بتغير الزمان والمكان. نعم يمكن تأويل كل النصوص، حتى نستطيع مشاهدة إسلام، يقر للمسلمة ان تتزوج رجلا من دين آخر أو لادينيا، ويساويها في الإرث وفي تعدد الأزواج، أو يساوي الرجل بها بواحدية الزوجة للرجل وواحدية الزوج للمرأة. سنجد عندئذ إسلاما يؤمن بالديمقراطية بالمطلق، ويلغي حكم الردة، ويعطي كامل الحرية للمولود من أبوين مسلمين أن يكون على أي دين يشاء، أو يكون بلا دين. ولكن هذا الإسلام لن ينهي الصور الأخرى للإسلام، فإسلام الخرافة سيبقى، وإسلام التطرف والغلو سيبقى، وسيبقى إسلام تقديس الصحابة والسلف الصالح، وكذلك إسلام تأليه الأئمة، سيبقى الإسلام السياسي، وإسلام تحريم الديمقراطية، الإسلام السلفي والوهابي سيبقى، إسلام التعصب السني، وإسلام الغلو الشيعي سيبقى أيضا، سيبقى إسلام حكم الردة والجزية والجلد والرجم. سنجد إسلاما لا يحرم السفور، ولا يحرم الزواج المتنوع دينيا، ولا يحرم الانتقال من الإسلام إلى دين آخر أو إلى اللادينية أو إلى الإلحاد، سنجد إسلاما منفتحا متطورا ليبراليا عقلانيا إنسانيا، وسنجد النقيض منه.
لذا أقول ليس الحل في إصلاح الدين، ولا في تأويله تأويلا حداثويا، ولا في تنويره، أو تحديثه، بل الحل للإنسانية لا يكون إلا بإنهاء الدين، وطيّ ملف الأديان، وإطلاق مشروع العقل، والحداثة، والمثل الإنسانية، والعلم، والإبداع، والنسبية، والتعايش، والحب، والسلام، والعدالة، والرفاه، والتنوع، والتعددية، والحرية التي لا يحدها حد سوى حدود حريات وحقوق وكرامة الآخر. وإلا فلا نفع في أن ينطلق التنويريون في جهود مضنية في إصلاح ما يصلح، وتصحيح ما لا يصحح، ثم يبذلون الجهود إلى جانب ذلك في درء تهمة الكفر عن أنفسهم، بل نكون على الطريق الصحيح، عندما أكون كافرا بالإسلام، ومفصحا عن كفري ومدافعا عنه، وأن أسمي الإسلام نفسه كفرا أو شركا ووثنية، عندما أرى إيماني اللاديني هو الأكثر تعبيرا عن حقيقة الإيمان، كما أفهمه، لكن دون دعوى أني أمتلك تمام الحقيقة، وبالتالي فرؤيتي تمثل الإيمان والهدى والحق والاستقامة، ورؤية غيري تمثل الكفر والضلال والباطل والانحراف، إلا بما أراه من نسبية كل ما ذكرت.
فنتطلع إلى عالم الإنسان الإنساني والعقلاني، سواء آمن أو كفر، الإنسان النسبي، الإنسان الذي يعيش قلق البحث عن الحقيقة، دون دعوى اكتشافه لتمام ومنتهى الحقيقة، ودون دعوى احتكاره لامتلاكها دون غيره. ونطوي ملف الأديان وملف الحركات التصحيحية والإصلاحية والتنويرية، فكفى هدرا للطاقات والجهود فيما لا نفع فيه.
أكملت في 27/01/2010
#تنزيه_العقيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 5/5
-
موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 4/5
-
موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 3/5
-
موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 2/5
-
موقف القرآن ممن لم يؤمن بالإسلام 1/5
-
آيات تحدي القرآن بالإتيان بمثله
-
المحكمات والمتشابهات في القرآن
-
صلاة المذهب الظني وصلاة عقيد التنزيه
-
صلاة المذهب الظني 4
-
صلاة المذهب الظني 3
-
صلاة المذهب الظني 2
-
صلاة المذهب الظني 1
-
المذهب الظني 3/3
-
المذهب الظني 2/3
-
المذهب الظني 1/3
-
تدريس الدين
-
تأويل ممكن لقصة آدم وحواء القرآنية
-
قراءة أخرى لنصوص القرآن
-
مطابقة دائرة الوجود والعدم ودائرة أحكام العقل الثلاثة 2/2
-
مطابقة دائرة الوجود والعدم ودائرة أحكام العقل الثلاثة 1/2
المزيد.....
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|