أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين تملالي - عن مكافحة الفساد في الجزائر أو «الأيادي النظيفة» الوسخة















المزيد.....


عن مكافحة الفساد في الجزائر أو «الأيادي النظيفة» الوسخة


ياسين تملالي

الحوار المتمدن-العدد: 2900 - 2010 / 1 / 27 - 11:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في 13 كانون الثاني/ يناير، وضعت العدالة الجزائرية رهن الرقابة القضائية الرئيس المدير العام للشركة البترولية سوناطراك، محمد مزيان، وأمرت بسجن بعض كبار معاونيه، ووجهت إلى كل هؤلاء تهمة الارتشاء وإبرام صفقات مشبوهة مع مكاتب دراسات أجنبية. وحسب ما أوردته الصحافة الجزائرية نقلاً عن مديرية البحث والأمن (وزارة الدفاع) التي تولت التحقيق الأولي في القضية، لا تقل قيمة الصفقات المذكورة عن مئات ملايين الدينارات.


وتعد هذه الفضيحة زلزالاً سياسياً حقيقياً. فسوناطراك أكبر مؤسسة اقتصادية في الجزائر (بل في أفريقيا كلها)، إذ تجاوز رقم أعمالها 61 مليار دولار في 2008، فيما بلغ صافي أرباحها في السنة ذاتها 9،2 مليارات دولار. ويكفي أن نعرف، لندرك دورها المركزي في الاقتصاد الجزائري، أن موارد الصادرات النفطية والغازية تمثل 98 بالمئة من عوائد البلاد الخارجية، وأن الجباية على إنتاج المحروقات تموّل نصف الميزانية السنوية.


وليست هذه أول مرة يلقي فيها الفساد بظلاله على هذه الشركة. ففي 2006، كشفت المفتشية العامة للمالية عن إبرامها صفقات كثيرة «بالتراضي» (أي دون مناقصات علنية) مع «بي آر سي»، ودفعها مبالغ باهظة إلى هذه الشركة لقاء خدمات كان يمكن الحصول عليها بأقل مما أنفقته بكثير.


وقبل أسابيع من رفع النقاب عن آخر قضايا الفساد في سوناطراك، أمرت العدالة بسجن مسؤولين سامين في وزارة الأشغال العمومية التي يسيرها الإسلامي عمار غول، ومنهم الأمين العام للوزارة ومدير ديوان الوزير. وقد وجهت إليهم تهمة الحصول على رشى من مجمع مؤسسات صيني (CITIC-CRCC)، مقابل إعطائه معلومات سرية مكنته من الفوز بمشروع إنجاز الشق الغربي من «الطريق السيار شرق ــــ غرب» الذي تبلغ تكلفته الإجمالية ما لا يقل عن 12 مليار دولار.


ويطرح السؤال: إذا نجحت المفتشية العامة للمالية سنة 2006 في إماطة اللثام عن تضخيم فواتير «بي آر سي»، فلماذا لم تكتشف التضخيم نفسه في صفقات أخرى أبرمتها سوناطراك؟ ولماذا لم تنتبه إلى أنها عقدت في السنوات العشر الأخيرة ما لا يقل عن 1600 صفقة بالتراضي؟ ويزيد هذا التساؤل إلحاحاً أن إبرامها هذه الصفقات وتضخيم عملائها لفواتير خدماتهم هما حديث العام والخاص منذ سنوات عدة.


يصعب تصديق عقد مؤسسة تشارك بنسبة الثلث في الناتج الوطني الخام كل هذه الصفقات دون علم المسؤولين في أعلى هرم الدولة. لهذا السبب بالذات، تبدو حملة «الأيادي النظيفة» التي أطلقتها الحكومة أخيراً شديدة الشبه بعملية تصفية حسابات داخل الجهاز الاقتصادي، هدفها إعادة توزيع مراكز التحكم في تسيير الريع البترولي. ويزيد من اقتناعنا بذلك أنها ليست الأولى من نوعها، فما زلنا نذكر أن الوزير الأول الحالي، أحمد أويحيى، أعلنها حرباً شعواء على الفساد في 1996، وأن هذه الحرب لم تسفر عن شيء سوى سجن العشرات من الأبرياء.


ويلاحظ أن الخطاب الرائج عن «خلقنة الحياة الاقتصادية» يتفادى مجرد الإشارة إلى مسؤولية الحكومة عن إرساء مناخ اقتصادي غير شفاف بسعيها إلى الحد من رقابة البرلمان على تسيير قسم لا يستهان به من الموارد المالية العمومية. هذا الخطاب يتناسى مثلاً أن النواب لا يعلمون شيئاً عن طريقة إنفاق فوائض موارد الخزينة (أكثر من 60 مليار دولار حالياً)، وأن التصرف فيها حكر على موظفين في وزارة المالية لا يعصون أصحاب القرار ما أمروهم.

وتهدف حملة «مكافحة الفساد»، من جهة، إلى التغطية على فقدان الحكومة صدقيتها بعد تبين التناسب العكسي بين إثراء الدولة الفاحش وتدهور الوضع الاجتماعي، ومن جهة أخرى، إلى حصر أسباب أزمة الاقتصاد في الرشوة وغيرها من الجرائم الأخلاقية. لذا لا نسمع فيها أي تساؤل عن عجز التوجهات الليبرالية خلال ما يقارب العقدين عن تطوير اقتصاد يملك كل مقوّمات النمو.


ومن المواضيع التي تثار كلما انكشفت قضية فساد هي «اللجوء المفرط وغير المبرر إلى الخبرة الأجنبية». وإذا عرفنا أن الحكومة تسعى حالياً إلى التضييق على الاستثمارات الخارجية، وأن دافعها إلى ذلك هو إفادة «الرأسمال الوطني» وبيروقراطية الجهاز الاقتصادي من ازدياد الريوع النفطية، نخمن أحد دوافع كشف فضيحة سوناطراك الأخيرة: إزاحة لوبي اغتنى بفضل إبرام صفقات مشبوهة مع جهات أجنبية بغرض تعويضه بلوبي «وطني»، سيبرم الصفقات المشبوهة نفسها مع جهات محلية وربما خارجية أيضاً.


وقد ازدادت فضائح الفساد بامتلاء خزائن الدولة بمئات مليارات الدولارات. فالجزائر تمتلك حالياً احتياطي صرف ضخم قدر بـ 144،3 مليار دولار في حزيران/ يونيو 2009، فضلاً عن عشرات المليارات الجاهزة للاستعمال في «صندوق معادلة نفقات الدولة» الذي تُصب فيه الفوائض الناتجة من تباين السعر المرجعي لبرميل النفط المعتمد في الميزانية السنوية عن سعره في السوق العالمية (بلغ الفرق بينهما في تموز/ يوليو 2008 مثلاً حوالى 120 دولاراً).


وبدءاً من 2001، أطلقت استثمارات عمومية لم تشهد الجزائر لها مثيلاً منذ الاستقلال. إذ بلغت ميزانية «برامج دعم النمو» حوالى 200 مليار دولار بين 2001 و2009 وحوالى 150 مليار دولار بين 2010 و2014. وزادت هذه الاستثمارات تكالب الرأسمال الأجنبي على ثروات البلاد، وأغرت مخصصاتها بعض المسؤولين بأن يغرفوا منها ما شاؤوا، سواء مباشرة عن طريق الاختلاس، أو بتسهيل عقد صفقات خيالية مقابل رشى خيالية هي أيضاً (تجزم بعض المصادر الصحافية بأن قيمة الرشوة التي قدمها المجمع الصيني لمسؤولي وزارة الأشغال العمومية لا تقل عن 530 مليون دولار).

وبالطريقة نفسها، وفي ظل عجز أجهزة الرقابة عن أداء مهماتها، ازدادت فضائح الفساد في سوناطراك بتنامي استثماراتها في السنوات الأخيرة (32 بالمئة بين 2007 و2008 مثلاً)، ومنها بناء ميناء غازيّ جديد وتحديث مركبات تمييع الغاز الموجه للتصدير وإنشاء أنابيب جديدة لنقله إلى أوروبا، فضلاً عن رفع طاقة الأنابيب العاملة حالياً (زيادة طاقة أنبوب «جالسي»، بين الجزائر وإيطاليا، من 26 إلى 33 مليار متر مكعب سنوياً).


وتبرر الحكومة هذه الاستثمارات الضخمة (9 مليارات دولار سنوياً حتى 2012) بضرورة زيادة صادرات المحروقات، وهو نفسه ما بررت به في بداية الـ2000 قانوناً (تم التراجع عن أهم بنوده، لحسن الحظ) كاد أن يفتح باب الاستثمار في ميدان الطاقة على مصراعيه للشركات المتعددة الجنسيات.


ويزيد شرعيةَ التساؤل عن الدوافع الخفية لهذا الهوس الاستثماري أن الكثير من الخبراء (ومنهم من تقلد سابقاً مناصب عالية في وزارة الطاقة وسوناطراك) يحذرون من أن مآله النهائي هو ضخ كل بترول الجزائر وغازها في وقت قياسي إلى خزّانات الدول الصناعية. وعكس وزير الطاقة، شكيب خليل، الذي يلح على ضرورة «الاستغلال الأمثل للمحروقات» تحسباً لتراجع دورها في الاقتصاد العالمي، يدعو هؤلاء الخبراء إلى التقتير في تصديرها أخذاً في الحسبان لصعوبة استبدالها عاجلاً بمصادر طاقوية بديلة.


ياسين تملالي

صحافي جزائري



#ياسين_تملالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزائر و مصر : بعد كرة القدم، ماذا عن الاقتصاد ؟
- عن الجزائر ومصر يوسف زيدان أو صورة الكاتب عنصريا
- الإعلام الشوفيني : 1 - مصر والجزائر : 0
- الجزائر : -تأسلم- السلطة و-تسلطن- الإسلاميين
- هل ما زالت الجزائر دولة مدنيّة؟
- بين «ولاية» الشيعة و«ولاية» الإخوان»
- اغتيال مروة الشربيني والحرية الدينية لدى المتزمتين
- عدم الانحياز بين الأمس واليوم
- 1964-2009 : -عدم الانحياز- من القاهرة عاصمة حركات التحرر إلى ...
- باراك أوباما ووهم -العالم الإسلامي-
- ساركوزي وإيران وعصر «ازدواجية الخطاب»
- السودان على ضوء البترول
- أسطورة -المغرب العربي الكبير- وواقع الحدود
- نيكولا ساركوزي والدين كبضاعة سياسية
- مغالطات عن التبشير المسيحي في الجزائر
- المهاجرون الأفارقة ضحايا «المصالحة الإيطاليّة الليبيّة»


المزيد.....




- السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته ...
- نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف ...
- -الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر ...
- السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
- نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران ...
- نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب ...
- كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
- تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
- -مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت ...
- مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين تملالي - عن مكافحة الفساد في الجزائر أو «الأيادي النظيفة» الوسخة