أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي الأمين السويد - الإنسحاب المصري















المزيد.....


الإنسحاب المصري


علي الأمين السويد

الحوار المتمدن-العدد: 2899 - 2010 / 1 / 26 - 20:26
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


سقط الضفدع البدين وتبعه النحيف في وعاء الحليب ذي الحواف الزلقة، وراح المسكينان يصارعان أمواج الحليب علهما يخرجان من الوعاء العميق ... ولكن عبثاً. هكذا نسجوا الحكاية. قال البدين للثاني "قُضي علينا يا صاح، ولا أرانا إلا هالكين، فكفاك وكفاني تشبثاً بحياةٍ قد فرَّت من بين أناملنا،" فرد عليه النحيف قائلاً : "ربما تكون قد حانت نهايتنا، غير أني لن أفارق الحياة باكياً مستسلماً، ولن أتوقف عن العوم حتى يتوقف قلبي وتفيض روحي."

وبعد ساعات من السباحة ومقاومة الغرق، أعلنها البدينُ صريحةً بأنه مستسلم لا محالة، فالحليبُ عميقٌ و الأملُ في الإنقاذ معدوم، فاستسلم للقدر الذي أراده محتوماً فمات غريقاً. وبقي الثاني يدور ويدور ساعاتٍ طوال دون أقل تفكيرٍ في الاستسلام، ومع استمرار الدوران بدأ يشعرُ بتصلّبِ الحليب شيئاً فشيئا بين قدميه ويديه، وإذا ببحرهِ الحليبي الهادر يتحول إلى زبدة لذةٍ للآكلين بفضل التحريك المستمر الناتج عن استمراره في السباحة، فما كان منه إلا أن تلمَّس مكاناً أشد صلابةً من غيره فقفز وكان من الناجين بدأبه وجدِّه وعناده.
هل استحق الضفدع ُحياته فقط لأنه جَلِدٌ عتيد؟ ربما يكون عناده وصبره هما من أنقذاه، غير أني أراه محظوظاً كثيراً لأنه حظي بصحبةٍ مسالمةٍ كصحبة الضفدع المرحوم، الذي كان محترماً يرعى للصداقة حرمتها, ويقدر عالياً حرية الرأي، فهو لم يحاول على الأقل أن يثبِّط همة صاحبه، ولم يحاول أن يشنِّع عليه شجاعته التي اختار هو أن يلفظها من قلبه، والأهم من هذا وذاك انه من بعد تيقنه من مصيره، لم يتمسك بقدمي صاحبهِ حسداً وكمداً ليقتله كما قتل نفسه، بل مات بهدوء وسلام وربما باحترام.

وكأني بعالمنا وعاء حليب فاسدٍ، وبعض أنظمة العربان ضفادع من بقية عائلة الضفدعين المذكورين أعلاه، ولكن عددها كبير وأشكالها متنوعة، فمنها السمين، ومنها النحيف، ومنها العجوز، ومنها اليافع، ومنها مابين ذلك صوراً شتى. و من بينها ما يبزٌّ ضفدعنا النحيفُ المقدام همةً وقوة شكيمة على الرغم من ضعفه وهلهلته وقلة ذات يده وحيلته، ولكن من بينها أيضاً دهريون سِمان بطان يجثمون على ما يسمى أم الدنيا والبلدان لا تأخذهم في الباطل لومة مسكين ولا استغاثة صابر، وقد اجتهدوا لإنجاح أجنداتهم الانعزالية وراق لهم السباحة والدوران لا لشيء إلا لأنهم أقسموا بأنهم سيُغرقوا كل من فيها ولا يستثنون إنسان طالما أنهم اختاروا القفز للأسفل لأنه ببساطة ... أسهل.

تُرى كم من الوقت يحتاج العرب لكي يسلّموا بأن زمان أول لم يعد الزمان الذي ظنوه؛ فهذا الزمان قد تحوّل، وكم خازوقاً يجب أن تدقه مصر الرسمية في مؤخرة العرب حتى يكفّوا عن اعتبارها أم العروبة وبيتهم الرحب وكنانتهم الحقيقية؟ وكم من الطعنات يجب أن يتلقى من كان يئن تحت وطأة ظلم العالم بأسره ومن كان تشغله قضايا العرب المحورية على مدى أربعة عقود متواصلة حتى يعترفوا بأن وجود أل فرعون مثل عدمه، بل إن عدمه يجعل الصورة أوضح للتمييز بين العدو والصديق.

ففي حرب تشرين / أكتوبر، أوقفت مصر إطلاق النار مع صديق الغد، وتركت الجبهة السورية لقمة سائغة للجيش الصهيوني بطريقة غير مفهومة، ولم تطلق رصاصة واحدة، منذ ذلك التاريخ إلى هذه اللحظة، إلا في صدور بعض المصريين وكثير من الفلسطينيين. لم تنفع كل مطالبات السوريين بعدم وقف إطلاق النار إلا بعد التنسيق ولكن عبثاً، ونجحت مصر آنذاك بالحفاظ على مكانتها لأن العرب نظروا إلى مصلحتهم العليا في عدم فتح جبهات جانبية فتم استيعاب مصر و التجاوز عن تخاذلها الغير مفهوم، فكانت هذه لمصر الرسمية أولى بداياتها في الرقص الأرعن.

ثم جاءت زيارة أنور السادات إلى حضن الصهاينة ليس طلباً للسلام كما زعم؛ بل إمعاناً في التأكيد أنه وزمرته خارج أي حلبة اهتمام بالقضايا العربية، وأن فلسطين وجوقة قضايا العرب الأخرى لا تهمهم إلا بقدر ما تهم مجموعة رواد ملهىً ليلي في قبو في البرازيل، فجاءت مكافئته بأن أوكلَ له الصهاينة مهمة حماية حدودهم الجنوبية بالعتاد والأفراد الذي رأوه مناسباً، ولحفظ ماء وجهِ ولحصد جوائز نوبل للسلام، جرت مسرحية مراسيم تواقيع الخروج المبدئي من همِّ الصراع العربي الصهيوني وتبعاته بحفلة توقيع معاهدة؛ دعيت معاهدة سلام. وهب العرب فأفردوه إفراد البعير الأجرب، وسرعان ما تغير ممثل النظام وتعاظم الظن بأن مصلحة العرب العليا تقتضي رد البعير للقافلة، فابتلع العرب السكين وجراحهم معها من جديد، و ردّوا بعيرهم إليهم عملاً بالمثل العربي الذي يقول بأن العفو من شيم الكرام.

وأطلق الصهاينة شرارة حربهم على لبنان من قلب أم الدنيا، فقال صاحب بُعد النظر أبو جمال، إنما هذه الحرب على حزب الله – ذنب إيران – وليس على لبنان، و تَمَترَسَ خلف ما يُحرج بعض العربان وسلّم كل لبنان الصمود لبني صهيون، وراح يستقبل الوفود المبشرة بولادة الشرق الأوسط الجديد على يد "الداية" الموناليزا رايس، فاستحق وصف "أنصاف الرجال" هو وزمرته ومن دار في فلكه، ولكن ولسوء حظه، تعسَّرت الولادة وقُتل جنين السِفَاح قبل حتى أن يشتد الطلق، وظن العرب من جديد أن لكل بغلٍ كبوة، ولا بد لهذا الدرس من تأثير، ففتحوا الباب موارباً لعله يشهد إطلالة الأخ الكبير تائباً فالدرس كان قاسياً ، إلا أن الأحلام لا بد لها من نهاية... وبقي الباب ينتظر من يدخله.
ومرة أخرى، قال أزلام "بروتس" الفرعوني لأهل غزة: اطمأنوا وقرّوا عينا فلن يؤذيكم الصهاينة في المدى القريب، وما كادت الرسالة تستقر في أذان معنييها حتى كذّبها فسفور حقد الصهاينة عبر طائراته ومدافعه ورصاص سفاحيه وراحت المنايا تحصد أطفال غزة على مرأى ومسمع من العالم، وعلى مرأى ومسمع من بروتس الذي لعب دوراً فعَالاً في قتل أكبر عدد من الفلسطينيين بدم الالتزام بمواثيقه مع الصهاينة، متناسيا أن اتفاقياته مع الصهاينة تشمل الأرض التي يسيطر عليها بني صهيون وليس الأرض التي يسيطر عليها بني جلدته. وبالرغم من محاربته لمؤتمر غزة – مؤتمر الخيط الأبيض من الأسود - الذي عقد في الدوحة، أبقى العربُ البابَ موارباً لعله يهتدي ويصحو، ولكن هيهات أن تكون هنالك من ردةٍ للآفلين.

وجاء بناء الجدار الفولاذي كأحسن تعبير عن النيات الفرعونية القديمة بالخلاص من العرب ومشاكلهم برسم خريطة جديدة للجغرافيا والتاريخ دفعة واحدة وهي غايةٍ في التفصيل، فالهندسة إسرائيلية أمريكية، يفضحها مكان وزمان ومتانة الجدار الفولاذي وهي تضع حداً نهائياً لأي اعتبار تقليدي بأن مصر "خزان العرب الاستراتيجي" على المدى المنظور على الأقل. وقبل الجدار المادي، بنت الدرع الغير مرئي ضد كل محاولة إدخال أية مواد إنسانية تعين أهل غزة على العيش يوماً آخر بعزة، و العذر في هذه المرة عدم المساس بالسيادة الوطنية المصرية هو عذر أقبح من ذنب ككل مرة، وكأن هذه السيادة قرآن يتلى أو كعبة يُطاف حولها.

ماذا يريد العرب حتى يعوا حقيقة خروج مصر من حلبة صراعهم الرئيسية؟ ألم يتجاوز إعطاء النظام المصري السبعين عذراً تبريراً لما يقترفه بين الحين والحين الأخر؟ ألم يكتفوا من تلقي الخوازيق المصرية التي مازالت أثارها مستقرة في جسد كل شريف ينطق بالعربية؟ هل يجب أن ينتظروا ما يُعِدّه النجل القادم على البساط السحري ليكمل مسيرة أسلافه بإفراغ "الكنانة" من السهام المسمومة ولكن في ظهور العرب؟ أم أن العرب اعتادوا على تلقي اللكمات كما اعتادوا على تبريرها؟

ليست دعوة انفصالية، فلا وجود لوحدةٍ حتى يقال - انفصال، بقدر ما هي دعوة للتبصر بواقع الحال ووضع أجندات واقعية تسقط من حساباتها الرهانات الخاسرة التي تعتبر مصر حليفاً عربياً نزيهاً، فليس للتصرفات المصرية الرسمية تبريرات منطقية، غير أنها تمثل اكتمال مرحلة نسفِ أي أفضلية عربية من أولوياتها السياسية والإستراتيجية. ولا ضير في أن يبقى الباب مفتوحاً على مصراعيه للشعب المصري الذي لا يتوقف قلبه عن ضخ كثيرٍ من الدماء العربية الحية دون إذنٍ من فراعنته. وليسمح لنا من يؤمن بالتجاوز عن الأخطاء بداعي التاريخ العريق، بأن نقول له: لو كانت الشعوب تسود بتاريخها العريق لما وجدتَ لمن تسودُ حضارتهُ و ثقافتهُ وجيوشهُ العالمَ اليومَ ذكراً.

أما آن لهذه الضفادع الصغيرة أن تكفَّ عن الاقتراب من هذا الضفدع العملاق ظناً منها بأنه المنقذ الوحيد؟ أما آن لها أن تفهم أنه بالاقتراب منه إنما تقترب من الموت الأكيد؟ إن اليوم الذي تتخذ فيه هذه الضفادع الصغيرة قرارها الصائب ليس ببعيد، بل هو قريب، وهي لن تلبث طويلاً حتى تقرر عدم انتظار تحول الحليب الفاسد إلى زبدة، وتتخلص من هذا "الصديق – العدو" الثقيل بان تطأ رأسه و تقفز من الوعاء إلى الحرية الحقيقة تاركةً إياه في قعر وعائه غير مأسوفٍ عليه إلى أن يأتيه اليقين.



#علي_الأمين_السويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرضاوي الشيخ النووي
- الزهايمر الفكري عند الجلبي
- نظرة في -أضاحي منطق الجوهر*- للدكتور حمزة رستناوي
- رسائل وعناوين خاطئة (1)
- الإعجاز و الإفلاس
- يأخذ ويرد حتى من علي (ر)
- الراعي الجديد
- البهيمية! و ما أدراك ما البهيمية؟
- كيس خيار


المزيد.....




- ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا ...
- أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية ...
- مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا ...
- مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف ...
- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي الأمين السويد - الإنسحاب المصري