أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الحسين شعبان - كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! 13 - جيفارا بين رامبو ودون كيشوت!














المزيد.....


كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! 13 - جيفارا بين رامبو ودون كيشوت!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2898 - 2010 / 1 / 25 - 18:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يسرد جيفارا على نحو تصويري تجربته في أول مواجهة مع العالم الخارجي من خلال دراجته النارية وهي تلتهم آلاف الكيلومترات في مغامرة عاصفة، ولعله وهو يقوم بتلك الرحلة يحمل روح دون كيشوت الحالمة وكأنها استيقظت فيه!!
التجوال، أي الانتقال من مكان إلى آخر، ظلّ رفيقاً أساسياً لجيفارا نمت معه بذرة التمرد الأولى، فضلاً عن كونه متعة وممارسة إنسانية له، لاكتشاف ثقافات وتمازج حضارات وتفاعل صداقات وتكامل علاقات إنسانية قومية وإثنية ودينية وسلالية بحيث تشكل تناسقاً ومشتركاً علوياً، عابراً للمكوّنات الفرعية، لحساب المشترك الإنساني، لعل روح رامبو الشاعر الفرنسي كانت قد تلبسته هي الأخرى، وهو القائل: "يذهب بعيداً بعيداً جداً، عبر الطبيعة"، حيث كان رامبو ضجراً وغير قادر على الاستمرار في مكان واحد (من قصيدة لرامبو وهو في سن السادسة عشرة). فقد كان الفتى جيفارا مثل رامبو يحبّ التجوال منذ صباه". الحياة دائماً في المكان نفسه أمرٌ بائس جداً".
كان جيفارا يكتشف مثل رامبو أزهاراً جديدة ونجوماً جديدة ولغات جديدة وربما بشراً آخرين، كل ذلك من أجل "حريته المشتهاة". لقد غادر رامبو الفرنسي شارلفيل الفرنسية، إلى لوكانو (السويسرية) ومنها إلى جنوى الإيطالية ووصل إلى الإسكندرية المصرية ومنها إلى جزيرة قبرص وبعد ذلك إلى جدة السعودية فالحديدة اليمنية، واستقرّ به المقام في عدن جنوب اليمن، التي ناسب جوّها الحار مزاجه. وجيفارا الأرجنتيني اخترق كل أميركا الجنوبية على ظهر دراجة نارية وصولاً إلى شمالها حتى الولايات المتحدة، ومن أميركا اللاتينية إلى أدغال إفريقيا بعد أن زار 15 بلدا وعقد صداقات جزائرية، مصرية، مغربية، كونغولية، وإفريقية وآسيوية ومنها عاد إلى بوليفيا، لا من أجل الهمّ الإنساني الخاص فحسب، بل لحمل مشعل الثورة، متماهياً مع الهم الإنساني العام.
النثر الجميل المفعم بالحياة الذي يسرد فيه جيفارا يوميات رحلته الدونكيشوتية يجعلنا نتوقف أمام مهارته وأسلوبه الأدبي الرقيق، لاسيما إذا كان ممزوجاً بروح مخلصة لتجربة فريدة، حيث يلقي ضوءا على مشاعره وأحاسيسه خلال تلك الرحلة، ولعل جيفارا يبحث عن نفسه في تلك اليوميات عندما ينقل عن الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس قوله "الإنسان مقياس كل شيء"، فالشخص الآخر يتكلم ويروي على لسانه وبلغته الخاصة، ما رأته عيناه، حتى وإن بدت بطريقة المراقبة، فيصف الطريق بلمسة رسام ماهر بالقول:
"تتلوى الطريق بين سفوح الجبال التي تسير بداية سلسلة جبال الإنديز، ثم تهبط منحدرة حتى تصل بلدة بائسة غير جذّابة محاطة بنقيض حاد من الجبال العظيمة الكثيفة المشجرة".
لم يتورّع جيفارا أن ينقل إلينا بشيء من المتعة والسخرية وحسّ الغرابة، واقع حاله مع صديقه غرانادو، يوم يقومان بمحاولة سرقة النبيذ، مزاوجة سلوكه حين يكون ثملاً وبين سخرية القدر في كشف اللص، وبشيء من الدونكيشوتية والشارلشابلنية حسب تشينتيو فيتير، يعرض المطاردة بين الراقصين وكأنه في فيلم يعود للحقبة الثلاثينية للأفلام الصامتة من القرن الماضي.
مغامرات الشاب المملوءة بالفرح والسخرية تنتقل إلى هذه "الجبارة" (الدراجة النارية) كما كان يطلق عليها، للسير أحياناً والعطب في أحيان أخرى والتوقف لإصلاحها في مرات كثيرة، ومفاجأة العلاقة بالناس البسطاء و "الشغيلة" والفلاحين المعدمين، عبر الحدود واجتياز دول، وتنوّع تضاريس وجغرافيات ومناخات، وامتزاج ثقافات وحضارات.
ولعل الغرابة والجسارة والفضول، كانت من أولويات عنصر المغامرة لدى جيفارا وصديقه غراندو، وهو ما كان يقرّبهما من دون كيشوت، الوحيد المحاط بالعزلة والحماقة، رغم أن قلبه مملوء بحب الكادحين والفقراء والأطفال الجياع. وينقل علاقته بمرضى الجذام ومستعمرتهم، لاسيما عندما قاموا بتوديعه وصديقه وداعاً غنائياً، حيث انطلق المرضى الذين ساعدوهما، على صوت لحن شعبي، فانساقت الحمولة البشرية بعيداً عند الشاطئ، وأضفت أضواء قناديلهم الخافتة على الناس، سمة الأشباح.
لقد شعر جيفارا وصديقه غراندو أنهما لا يحسنان لمرضى الجذام فحسب، بل يشاطرونهم محنتهم، ليس بالمعاملة والمعالجة فحسب، بل حين لعبا معهم كرة القدم، وتحدثا إليهم بروح أخوية إنسانية، مفعمة بالتفاني والمشاركة في البؤس الإنساني، والإحساس بألم العزلة والحيرة والمصير البائس.
ولعل مجلة التايم كانت قد أصابت كبد الحقيقة حين وصفت جيفارا المولود في 18 يونيو (يونيو) 1928 ولعائلة من الطبقة الوسطى بـ "أيقونة القرن العشرين". وتكشف رسائله لوالدته أحاسيسه الإنسانية وهواجسه وهمومه وتطلعاته، بما فيها نوبات الربو التي كانت تصيبه والقلق الذي يداهمه وأحياناً خوفه من المجهول، وحرصه على بقاء حلمه مستمراً وإرادته صلبة، كأن مقولة المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي حول "المثقف العضوي" كانت أمامه باستمرار، لاسيما عندما يتحدث عن تشاؤم الواقع، فكل ما حوله كان مدعاة للتشاؤم والقنوط، لاسيما محق الإنسان واستغلاله أبشع استغلال من جانب قلة احتكارية متسلطة على شعوب مستلبة ومهضومة، لكنه رغم كل ذلك لم يكن يائساً، وبقدر تشاؤمه، فقد كان يمتاز بتفاؤل الإرادة، الأمر الذي يضعه في صلب مواصفات المثقف العضوي، الذي أراد أن يتماهى مع قضية العدالة والإنسانية، والتطلع إلى غدٍ جديد يتساوى فيه البشر ويتكافؤون في الحصول على الرفاه، كلٌّ حسب طاقته، ولكلٍّ حسب حاجته!!
وعلى طول اليوميات وعرضها وعلى امتداد امريكا اللاتينية كلها، هناك من يتحدث عن الخيالات الهائجة وغبار الطريق واللحم المشوي والارتجال والنساء الجميلات ورسائله إلى أمه وطريق البجعات السبع، وأخوة الكائنات البشرية.. وكأنها مفردات حياة يومية متخيّلة، لكنها واقعية أيضاً!! وتلك كانت أقرب إلى قصائد رامبو في مرحلته العدنية ومغامرته الكونية!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كان التسامح وراء اغتيال غاندي؟
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! - 12 - يوميات المغامر النبيل
- هل تفلت ليفني من يد العدالة؟
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! - 11 - شعاع الثورة ومتطلبات الدو ...
- بيئة التسامح
- خالد عيسى طه الحالم المستديم!*
- كوبا.. رؤية ما بعد الخمسين (10) التغريد خارج السرب: رومانسيا ...
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (9) جيفارا والمهدي بن بركة.. غياب ...
- جدل هادئ للفيدرالية الساخنة في العراق
- النجف... والفرصة الواعدة!! سعد صالح (3)
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (8)- جيفارا وعبدالناصر: قلق وهواجس ...
- النجف... والفرصة الواعدة!! سعد صالح (2)
- المجتمع المدني بين القانونين الوطني والدولي
- جيفارا وعبدالناصر: أحلام الكبار!كوبا (7)
- محاكمة اسرائيل بين القانون والسياسة
- سعد صالح الضوء والظل -الوسطية- والفرصة الضائعة(ح1)
- الحرب الثقافية في العراق
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (6).. جيفارا وأحمد بن بيلا: العنفو ...
- الاتحاد الأوروبي: هل من وقفة جديدة إزاء -إسرائيل-؟
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (5).. جيفارا والمباراة المصرية- ال ...


المزيد.....




- تمرير مشروع القانون التكبيلي للإضراب في ظل اختلال موازين الق ...
- مصر تتجه لإلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة.. ومصدر ...
- الخلفيات النيوليبرالية للقانون التنظيمي للإضراب
- الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تعبر عن اعتزازها ...
- فرنسا: هل انهار تحالف اليسار؟
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 590
- علماء: النحل يستطيع العد من اليسار إلى اليمين مثل البشر
- محتجون في بنغلاديش يحرقون منزل والد رئيسة الوزراء السابقة
- الشيوعي العراقي يدين مخطط التهجير والتطهير العرقي في قطاع غز ...
- افتتاحية: ولأن الاعتداء كبير على الحقوق الأساسية … يكون الرد ...


المزيد.....

- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن
- آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة / آلان وودز
- اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر. ... / بندر نوري
- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد / حامد فضل الله
- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الحسين شعبان - كوبا: رؤية ما بعد الخمسين!! 13 - جيفارا بين رامبو ودون كيشوت!