راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 23 - 20:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الذي ألفه - الشيخ الركابي - في بداية التسعينات من القرن الماضي ، ويُعد هذا الكتاب الأول من نوعه وفي موضوعه ، سيما وإنه تكفل بنقد وتفكيك البنية التراثية التي قام عليها العقل الإسلامي والشيعي على وجه الدقة .
ولا نجافي الحقيقة عندما نقول إنه الأول في موضوعه ونوعه في هذا المجال ، نعم هناك ثمة محاولات قام بها نفر من الناس ، لكنها أفتقدت للموضوعية وللبحث العلمي المنهجي ، لذلك فقد حامت حول الأفكار من بعيد ولم تلامس الداخل إلاّ من خلال النزوعات المُغرضة الغير مأمونه ، لكنما هذا الكتاب هو بحث تحليلي من الداخل ، أعني من داخل القواعد والأصول التي قام عليها العقل الإسلامي الشيعي ، لذلك نقول إنه الأول دون سواه ، والكتاب في طبعته الأولى سنة 1994 م ، ناقش قضايا مثيرة للجدل تُعد في السابق من التابوات المقدسة التي لا يجوز بحال مناقشتها وتحليلها ، لهذا تكفل هذا الكتاب كما قلنا : بنقد التراكم التراثي والتاريخي الذي أثقل العقل وحدّ من حركته وقدرته وفاعليته ، لقد كان لفعل ذلك التراكم الدور في غيبوبة العقل الإسلامي وعدم قدرته على إتخاذ ما يجب من الأراء والأفكار ، ونبذ ما جاء عبر التقادم والنزاع السياسي و سيادة النزعة الكهنوتية الصرفه فيه .
و في هذا المجال أعني مجال النقد الموضوعي للعقل وللعقيدة تبدو المهمة ليست سهلة لكنها ليست مستحيلة ، نذكر هنا في مجال نقد العقل جرى تقليد للظاهرة من قبل رجالات نعتز بهم ، أثروا ولازالوا يؤثرون كلاً حسب تخصصه وكلاً حسب قدرته - ولكل مجتهد نصيب - كما يقولون ، كما لا يفوتني التنبيه بشخصية المؤلف - الشيخ الركابي - ذلك المجتهد في قضايا الدين والتراث من - فقه واصول - ، والركابي الشيخ يُعد واحدا من أهم الشخصيات الشيعية التي نادت : بتجديد آليات ووسائل الفكر الديني ، كما إنه نادى وبوضوح بتحريك أدوات إنتاج العقل الإسلامي الشيعي ليكون قادراً على مواجهة تحديات العصر والعلم وحاجات الناس المتنوعة ، مثله في ذلك مثل أبن رشد في التجديد ومثل لوثر في الإصلاح ، والكتاب هو من الحجم الكبير - طبع في بيروت في سنة 1994م طبعة أولى ، ويقع الكتاب في (182) صفحة .
ونحن وإيماناً منا بوجوب الإصلاح والتجديد ، قمنا ونقوم بنشر مايمكننا نشره ، هكذا فعلنا مع قضايا وقعة كربلاء و الموقف منها ومن الزيف والتزييف الذي علق بها ، وكذا موقفه من أهل السُنة وفتواه الشهيرة - بجواز التعبد بمذهب أهل السنة - ، و كذا قضايا العقيدة كمفهوم الإمام والإمامة وما يترتب على ذلك من العصمة ، و علم الغيب ، و البداء والرجعة ، والناسخ والمنسوخ ، و الأمر بين أمرين إلى ما هنالك كثير ، كما كان موقفه واضحاً تجاه السيد الخميني في مسألة - التمتع بالرضيعة - ..
* * *
ونقول ولأن الحديث يتناول بنية العقل الشيعي فهو بطبيعته حديث خطير ، ويستدعي المزيد من الحرص والدقة والحذر والمسؤولية والهدوء ، وبالتالي البعد ما أمكن من التطير والحماقة ، من أجل رصد العناصر القائمة فعلاً على أرض الواقع الموضوعي ، وتحريكها وتفعيلها بما يخدم هدف العقل بإعتباره صيرورة إحتماعية ثقافية نفسية ، وهو ثورة على مستوى الفرد والمجتمع كما يقول الإمام علي - ع - ,,,
إن نقطة البداية هي في البعد أولاً عن الأوهام والأفكار المزيفة والأحقيات المزعومة ، والتوجه بجدية نحو الواقع ، بما هو تاريخ وحاضر ومستقبل ، ولن يكون ذلك ممكناً إلا من خلال رؤية شمولية وحدوية ترى الشيعة من كونها دائرة ترتبط وتتداخل مع مجموعة من الدوائر الأوسع ، .
إن دراسة ونقد العقل الشيعي يمر بمنابعه ومصادره التأريخية والتراثية والروائية ، ومن دون معرفة تلك المصادر ، لا يمكن الحكم على صحة وخطأ العقل الشيعي ، ولا نعتقد كذلك بأن أية عملية نقدية إذا لم تجر نقداً ذاتياً موضوعياً لكل أدواتها وآلياتها المعرفية لن تكون عملية نافعة ومجدية .
إننا نسمع بين الفينة والأخرى من يطالب بإعادة كتابة التأريخ وإعادة النظر بمسائلة وموضوعاته ، ومع إن المطالبة مشروعة ولها ما يبررها ، ولكننا نعتقد إن تلك عملية شاقة وخطيرة تستدعي مراعاة ضوابط الحياد ، وعدم الوقوع في أسر الأحكام القبلية أو الأطر الضيقة ذات الإتجاهات المعروفة ,
إن للإعادة شروطاً مادية ، أهمها معرفة جدل الإنسان والتاريخ ،و جدل الصراع الطبقي الإجتماعي و الإقتصادي ، وكذا جدل الزمان و المكان ، وسلطة المرجعيات الدينية الحكومية ذات المنظومات الفكرية القهرية الإلزامية ، وكذا يجب التعرف على جدل الذات الموضوع الذي هو صيرورة إجتماعية تهدي إلى تطور في العملية النقدية ، بدءاً بنقد الأسماء والأشخاص من الأدنى إلى الأعلى وبالعكس ، وليس بالميسور تماماً تحقيق أشراط هذه العملية ، إذا لم ننبذ حالات : - التشويه والتكفير والتسقيط والإلزام بما لا يلزم ونبذ التعالي الردئ وعدم - . الإصغاء للغير
الشيعة كما نرى تمر في مرحلة حرجة من الإختبار ، فهي إن تمسكت بأدواتها العتيقة دون ملاحظة التطور التاريخي ، فإنها حتماً ستؤول إلى نهاية غير سعيدة ,
والتاريخ حافل بصور من هذا اللون ,
إن إعتبار التشيع بما هو مبدأ أخلاقي وقانوني ونظام في العقيدة والشريعة لم يأت صدفة ، ولكن هذا بما هو هو لا يعطيه الصلاحية أن يتجاوز حدود الله ، وأن يلغي دور العقل ، وأن يرتب نظاماً إكليروسياً بابوياً مقيتاً ، قائماً على موجة أستثارات عاطفية وظنون تخلفها فئات تحسن فن اللعب بالحبال ، وهذا كله غريب عن الإسلام وأهدافه النبيلة ، ولا يحقق شئ من هذا إذا بقيت الموجة في تزييف التاريخ والطعن بالحقيقة .
إن الإسلام كما نفهمه يجب ان يكون حركة من أجل الحياة ، لا يعرف الإنغلاق ويستوعب الغير ويحترم التطور المعرفي ، ولا يجد حرجاً في التعامل مع كل الأشياء بروح الإنفتاح ، الروح التي تساهم في دعم المشروع الحضاري الإنساني : مشروع العدل والحرية والسلام ، مشروع التقدم والنهوض المجتمعي العام ، الذي من أهدافة حماية الإنسان ، والدفاع عن حقوقه الطبيعية وحرياته العامة .
والإسلام كما هو وكما نفهمه لا يؤمن بالطائفية أو المذهبية أو القومية العنصرية ، بل يؤمن بالإنسان كوحدة واحدة ، يؤمن بسيادة القانون الذي يجعل من الإسلام واحة أمان لكل الناس بغض النظر عن إنتماءاتهم الإيديولوجية أو الدينية .
وللتأكيد على هذه الأشياء يلزمنا مواصلة النقد وإعادة البناء لكل لبنات التركيب التشريعي والعقيدي ، وإعادة النظر في مباحث الفقه وإزالة حالة الإجترار التي تغلف العملية الفقهية ، وإعتبار الفقهاء مفسرين بدرجة معينة للنصوص ليس أكثر ، من دون إغراءات أو زيادات سواء ً في الألقاب أو الكنى ,
وإعادة قراءة أصول العقيدة ، فهي حاجة ماسة ونحن نلاحظ الخبط والعشوائية وعدم التركيز والخوف من البعض في الدخول بهذا المجال ، فقضية الإمامة مثلاً تحتاج إلى تأسيس جديد ينسجم وحجم الفاعل وطبيعة النص .
وحجته ودلالته وإنطباقه على الواقع ، فالقضية بما هي تثير هنا إشكاليات متعددة وتقاطعات تاريخية وفكرية ذات دلالات معينة في مسائل الرجعة والبداء والمهدي ، ودراسة المضمون المعرفي للسنة النبويه ومحتواها وحقيقتها ، لأن البحث والتنقيب في هذه المسائل من أولويات صحة الإعتقاد والإيمان ، والتي يترتب عليها جدلاً حاجات المجتمع في التطور السياسي والإقتصادي والثقافي المعرفي .
ولابد للإعادة أن تأخذ بعين الإعتبار الموقف من أراخنة الدين ، من خلال تصحيح الإعتقاد من قواعد الأصول المقروءة والمكتوبة ، وهذا الذي نقصده سيؤدي إلى إعادة إنتاج في الوعي التاريخي ، الذي هو نبذ للتقديس الذي ألزمتنا به سلطة الأراخنة وسلطة المال مستغلة مشاعر الناس وحاجاتهم ، يظهر ذلك في الجدل الفئوي الضيق المهزوز ، ذلك الجدل الذي من مهامه إشغال الأمة ، وعدم إشعارها بمسؤولياتها وواجباتها الحقيقية ، وعليه فسلطة الأراخنة تقوم على جدل الأفكار المنقبضة والصراع المذهبي الهزيل ، وهي بذلك تحرف التاريخ ، وتطعن بالخطاب والنص القائم على موافقة الصحيح والصريح ,
وتعتمد في أحكامها على الصفة المعيارية التي تختزل الذهن والفكر معاً ، تختزل الإبداع خدمة للخرافة وقواها .
* * *
إن الأفكار التي يتبناها - الشيخ الركابي - على الصعيد المعرفي أثارت موجات من الجدل أدت إلى بروز حالة من الوعي تستلهم الماضي وقضاياه بروح عقلانية نقدية ، مما أسهمت في تشكيل تيار يؤمن بحقيقة التغيير والتجديد من أجل تحديث الوسائل والإستفادة القصوى من كل حالة إيجابية في تراثنا الحضاري وتاريخنا الزاهر .
لقد قدم في هذا المجال سلسلة من الكتابات التي تساهم في قراءة الموروث ، قراءة من وحي العقل والزمن الثقافي والبيئي والإجتماعي ، قراءة تأملية في الأرواق التاريخية والدفاتر الفلسفية ، محاولاً القيام بمقاربة منطقية بين الأخبار الروائية وآيات الكتاب المجيد مستهدياً بإدلاءات أهل البيت في هذا المجال ، بعيداً عن أجواء التطرف والغلو والتفريط ، ملتزماً المنهج الأصولي المقرر والمعروف لدى الجميع في قراءة النص وكيفية أستنباط الحكم من خلاله ؟
ولكن هذا الإجراء العلمي أثيرت حوله موجات من الجدل ، تحكمت في معظمها أوهام القبيلة وأوهام السوق كما يقول فرنسيس بيكون : - الأوهام التي صاغتها الذهنية النرجسية خدمة لقضاياها ومصالحها الضيقة ، أوهام السلفية الضبابية المتخلفة ، المعادية لحركة الإصلاح الديني وتجديد مباني التفكير ولذلك حاولت تشوية الحقيقة والطعن فيها ,
ومحاولة تخريب العقيدة وإفساد الشباب وتشكيكهم في حياتهم .
وبالمقابل إزدادت قناعة الجيل الجديد والمثقفين بالطرح الذي تبناه - الشيخ الركابي - على الصعيد التاريخي والفقهي والعقيدي ، وقد أستجاب الجميع لذلك وأبدوا شعوراً ينم عن قناعة وتصميم ، من أجل إدامة هذا النهج التحرري حتى يبلغ أهدافه ، مما جعله أكثر تمسكاً بالمطالب المشروعة في تغيير مباني العقيدة وإعادة النظر في مباني الشريعة ، إذ الأمر يخضع بالكلية إلى الزمان والمكان والحدوث ، وهي كلها أشياء إجتهادية ، للعقل وحده القدرة على إبداء الرأي فيها على التفصيل وهكذا فعل بالحدود التي تناولها درساً وتحليلاً .
إن أحداً لايستطيع التنبوء بمستقبل العقل الإسلامي إذا ظل الحال كما هو عليه ، وإذا أرتبطنا بالماضي أرتباط الظل بذي الظل ، إن فتح باب الإجتهاد على نحو جديد يتيح لنا إعادة تركيب أدلة الإستنباط ، وسيجعل منا أمةً أكثر ألتزاماً بقضايا التقدم والتحرر والإنعتاق من ربقة الظلم الطبقي الإقتصادي الإجتماعي .
إن مشروع - الشيخ الركابي - في التصحيح والإصلاح ، يؤدي إلى ردم كل ما يمكن حسابه خارجاً على الناموس والطبيعة الإنسانية ، إن مشروعه كما نرآه وكما هو مشروع ثقافي فكري حضاري ، يؤمن بالإنسان ويعتبره هو الغاية وهو المنطلق ، يظهر ذلك في الكتب التي نشرها في هذا المجال ، من أجل حلّ الإشكالية المعرفية والإيديولوجية في التعامل مع التاريخ والطبيعة والإنسان والدين ، وإعتماد العقل هو الدليل في عملية الوعي والتطور والفهم .
إن جهوده في هذا المجال تتركز على إنجاز قراءة معرفية للدين والإنسان ، قراءة حداثويه أكثر عصرنة وقبولاً ، قراءة يتداخل فيها الحاضر مع الماضي تداخل بناء من أجل أستشراف المستقبل والتنبوء بإحداثياته .
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟