سألني أحدهم عن زميل لنا يعمل في القسم هل فلان شيعي؟ قلت له: لا اعرف. ولست متأكداً. ولم أسأله. وقد يكون. قال: لقد عرفت أنه شيعي؟ قلت له: وكيف عرفته؟ قال: من عينيه. كانتا تشعان بالخبث. سكت انا للحظات بعد هذا الاكتشاف المذهل؟ ثم التفت اليه فسألته: هل تعلم اين ولد فلان؟ قال: لا. قلت له: الرجل ولد في الناصرية في جنوب العراق. لم يستوعب ما أرمي اليه فهو خارج احداثيات الجغرافيا والتاريخ. ثم فاجأته بسؤال أصعب: يا صديقي لو ولدت أنت في بايرن في المانيا هل كنت تعلم ما هو الدين الذي كنت ستدين به؟ ذعر من السؤال ولم يتصور ارتباط بايرن بالدين. اجاب بشيء من التضايق: ماذا تقصد بسؤالك؟ قلت له: لا شيء مجرد سؤال. وعدم الجواب احيانا يبقى أبلغ من اي جواب.
يولد الناس من بطون امهاتهم لا يعلمون شيئاً وعندهم قدرة التشكل على قالب أي ثقافة بأفضل من الحديد في مصانع الصلب. فتخرج منها سيارة مرسيدس او حاوية قمامات. وقدم البنت الصينية كانت في القرن الفائت تضغط لتبقى صغيرة بطول بضعة سنتيمترات لأن القدم الكبيرة كانت غير مرغوبة في الزواج. وفي قبائل غينيا من العيب على الرجل ان يمشي بدون قرن ثور مشدود الى قضيبه دلالة على الفحولة. وفي تهامة من عسير يطهر الغلام بسلخ جلد منطقة العانة كلها ويوضع الطين فوق المكان المكشوط وفي بعض مناطق التيبت يرحب بالضيف بابراز اللسان. وفي الاسكيمو يحتفل الرجل بالضيف بتقديم زوجته له.
كما ان الصينيين يكرمون الاموات بوضع افخر الطعام على الضريح. وعندما تعجب بريطاني منهم ان الميت لا يأكل؟ كان جواب الصيني: انكم تضعون اجمل الزهور على قبر ميتكم والميت لا يشم؟
والمشكلة هي ان كل واحد يسخر من ثقافة الآخر ويضع يده على رأسه عجبا. ولم يدع نوح قومه الا إلى ما هو منفعتهم ولكنهم جعلوا اصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا. وضحك مشركو قريش كثيرا من الأمثلة التي كانت تضرب لهم. ولما ضرب ابن مريم مثلاً اذا قومك منه يصدون. اي يضحكون.
وكان الانتيك عام 1500م في المكسيك يتقربون الى الله بانتزاع قلب شاب قوي وهو على قيد الحياة فيخرج الكاهن الى الشعب وبيده القلب يخفق فيهلل الجمهور استحساناً. والى فترة قريبة كان البشر يأكل بعضهم لحم بعض فكرهتموه. ويذكر المؤرخ (ديورانت) أنه لفترة قريبة من التاريخ الانساني كان لحم البشر يباع معلقا عند القصابين مثل الخرفان. وينقل عن بعض القبائل الافريقية انها كانت تستطيب لحم الرجل الأبيض. ومعروف عن الاسد انه إن اكل لحم البشر اعتاده بسبب ملوحته عن لحم الغزلان. وفي فيلم (على قيد الحياة) وهي قصة حقيقية سقطت طائرة على قمم جبال الانديز وحوصر الناس لمدة 72 يوماً في الثلج والبرد ولم ينقذهم من الموت إلا أن يأكلوا بعضهم بعضا. وعند حصار تل الزعتر في بيروت افتى أحدهم بجواز أكل لحم الميت دفعاً للمجاعة التي فرضها عليهم اخوانهم العرب.
وعند سكان استراليا الاصليين تتدلى اثداء النساء بدون ان تثير الفتنة. وفي كهوف الفلبين يعيش الناس رجالاً ونساء مع اطفالهم في حالة عري كامل فلا يصيح واعظهم ان هذا مخل بالاخلاق.
وبالمقابل فإن كشف (يد) امرأة متلفعة بالسواد من مفرق رأسها حتى أخمص القدم في بعض المناطق من العالم العربي يثير الشهوة عند رجال يعيشون في حالة هلوسة جنسية عن عالم المرأة. ولو اندس رجل ابيض وتلفع بالاسود ثم ابرز يده لحرك شهوة القوم. وفي بلد عربي لاحق احد المتشددين سيدة يطلب منها الانتباه الى حقيبتها فشكرته وتعجبت من الاريحية. ولكن تبين انه كان يريد افهامها ان حزام الحقيبة اظهر حجم كتفها بما يثير الفتنة.. مما يؤكد ان الجنس (هندسة ثقافية) كما كتبت المغربية (فاطمة المرنيسي) كتاباً كاملاً عنه.
وفي السودان كانت حكيمة القبيلة تشق بسكين حادة وجوه الناس خطوطا وتترك ندبات مخيفة، وبذلك يفرق الدناقلة عن الشايقية والجعالين ثلاثة خطوط مستقيمة واقفة 111 أو أفقية أو مائلة تلتقي على خط قاعدي. فيميز الواحد ابن قبيلته مثل شمشمة الأرنب للأرنب.
وفي المانيا تزعمت امرأة النقابات العمالية، وفي امريكا اخذت سيدة منصب وزيرة الصحة، كما ان سيدة قفزت الى الواجهة فتربعت على منصب رئيسة وزراء كندا. بدون ان تكون احداهن اكثر اثارة جنسياً. وعندما انطلقت كوكبة من الفتيات عاريات الصدر في كندا القى البوليس القبض عليهن ليس بسبب جنسي بل لتجاوز الحد المقرر من الحرية. وقيمة (الحرية) هناك تشكل العمود الفقري لحزمة القيم مقابل مفهوم (الشرف) السائد في الشرق، بمعنى ان المرأة التي تمارس الجنس بحريتها ليس عليها جناح ولكن الويل لمن اغتصبها. أما الانثى في الشرق فينحرها اخوها بيده غسلاً للعار في شريعة الفحولة اكثر من العدالة.
وفي مؤتمر اسلامي في آخن في المانيا حضرت امرأة المانية مع زوجها من مسافة 400 كم فتطوعت سيدة عربية لفصلها عن زوجها بدعوى التقوى فكان جواب الالمانية: انني مسلمة ولكنني لست ملزمة بعاداتكم العربية ولست مفارقة زوجي ومقعدي سيكون بجانبه في المحاضرات، فافعلوا ما بدا لكم. فسكتوا كارهين. ولكن في امريكا طلب منظمو المؤتمر من الشرطة الأمريكية التدخل لالقاء القبض على سيدة مسلمة أبت الا ان تجلس في مكان الرجال لسماع المحاضرات ولم ترض ان تقعد بين الخلفيين مع صراخ الاطفال في القاعة الخلفية.
ويرى المؤرخ (توينبي) أننا لو اخذنا طفلين الأول من عائلة لوردات بريطانية وجعلناه يتربى بين قبائل الزولو، واخذنا الطفل الأسود وربيناه في كنف عائلة أرستقراطية، لخرج الأول يرقص بالحربة على قرع الطبول في الاحتفالات الليلية. ولكان الاسود اكاديمياً يدخن السيجار وينطق الانجليزية بلهجة ويلز.
ولو رجع احدنا في الزمن إلى عصر الانبياء لهرب بعد ايام لافتقاد حبة اسبرين للصداع ورائحة المدن الكريهة وانتشار الامراض واللصوص في كل مكان. وبالتأكيد لو قفز انسان من عصر تيمورلنك عام 1402 الى مونتريال في كندا عام 2000 فلن يعود الى حضرة السفاح ولو اغرقه بالذهب والنياشين السلطانية، فطبيعة التاريخ تقدمية.
ولو انقذف احدنا بآلة الزمن الى العام 5002 فسوف يغيب لأنه سيرى عالماً خالياً من الحرب والمرض والظلم وامتهان المرأة ولا وجود لشيعي وسني وسلفي وخلفي. وينقل (محمد اقبال) عن الصوفي (عبد القدوس الجنجوهي) أنه لو عرج به الى السماء كما حصل لمحمد صلى الله عليه وسلم لما عاد.
وعندما يحضر زميل عمل الى مؤسسة يبدأ تصنيفه هل هو علوي؟ درزي؟ شيعي؟ ويمضي التصنيف الى الأسفل كما في تقسيم انواع الحشرات عند علماء الطبيعة. فإذا كان سنياً هل هو سلفي ام خلفي؟ صوفي ام فقيه؟ واذا كان من معسكر الصوفية فمن أي فرقة: الرفاعية أم الشاذلية؟ واذا كان اسلامياً فمن أي حزب؟ هل هو من الأخوان المسلمين أم حزب التحرير أم جماعة الجهاد؟ هل هو من جماعتنا أم منشق علينا؟ هل هو سليم العقيدة على منهج السنة والجماعة أم متأثر بفكر العلمانيين والحداثيين أم هو شيخ العصرانيين؟
إن هي الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.
إنها تساؤلات يخفيها الجميع علناً. والكل يتهامس بها سراً. وفي أكثر من بلد عربي يعرف الجميع ان الجيش والحكم بيد فئة معينة. وأنه مواطن من الدرجة الخامسة. ولكن لا احد يصرح بها ولو في منشور سري. في حالة نفاق مزمن ليس له إيمان. وخراج خفي ينفجر مثل انسمامات الدم في الحروب الأهلية.