محمد بودواهي
الحوار المتمدن-العدد: 2896 - 2010 / 1 / 22 - 07:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإسلاموية مصطلح يطلق على الإسلام السياسي ويعني أن الإسلام قبل أن يكون أسلوب حياة أخلاقية وحضارية واجتماعية هو نظام سياسي للحكم يمكن أن ينجح في تشكيل دولة على غرار ما يتم الادعاء له أنه حدث في صدر الإسلام . إلا أن مثل هذا الطرح الطوباوي يستحيل أن يصمد أمام التطورات التي عرفها المجتمع والدولة اليوم حيث لا يمكن الجمع بين الدين والديموقراطية في العديد من الأمور التي يطرحها كل واحد منهما ، إذ أن الدين عبادة وأن الديموقراطية سياسة . فالشورى ليست هي الديموقراطية , والحكم بالشريعة ليس هو الحكم بالقانون الوضعي , والبيعة أو المبايعة ليست هي الانتخابات , والحدود ليست هي الحريات , والجزية ليست هي المساواة والعدالة , والنظرة الدونية إلى المرأة والذمي ليست هي المواطنة , والثوابت التي يؤمن بها الإسلامويون تصطدم بالتحولات والمتغيرات التي يعترف بها الحداثيون ..... فالإسلام عند الإسلامويين المتطرفين هو نظام شامل للحياة وليس مجرد دين يأمر الناس بالعمل بالمعروف والابتعاد عن المنكر, وبالعمل لليوم الآخر , وبعبادة الإله وممارسة الطقوس الخاصة بذلك , بل هو مستند إلى الأصول والشريعة لا يمكن تطبيقه إلا بالصيغة التي نزل بها لأول مرة من خلال دولة دينية لها مؤسساتها الشرعية الخاصة .
إن حركات الإسلام السياسي التي تفرعت عن حركة الإخوان المسلمين , هذه الأخيرة جاءت كجواب خاطئ على الأزمة الحقيقية التي كانت تعاني منها النخبة السياسية وهو الخطأ الذي أبعدها عن هاجس الديموقراطية . وحركة الاخوان المسلمين باعتبارها أهم الحركات الإسلاموية وأكثرها تأثيرا في انتشار وتأطير الفكر الإحيائي على الصعيد الإسلامي والعربي ركزت في بداياتها على الطابع الدعوي والثقافي العام , وعلى المسائل الرمزية والشعائرية وقضايا الهوية , غير أن هذا لم يمنع قيادييهم من صياغة مفاهيم سياسية عامة تنبئ بالتطرف السياسي , وبشرت بالدولة الإسلاموية التي تطبق الشريعة كواجب شرعي وليس كشأن تدبيري فرعي كما كان عليه الحال عبر التاريخ . فكان حسن البنا , مؤسس حركة الإخوان المسلمين , أول من اعتبر مسالة السلطة مسألة عقدية من الأصول لا اجتهادية من الفروع . وبينما كان الإسلام وفق المذاهب الفقهية المعروفة ترى أن الإجماع هو أساس المرجعية والمشروعية والحاضن للشريعة والنص , نقل الإسلامويون بقيادة حسن إلبنا العصمة من الجماعة إلى الشريعة واعتبروا الشأن السياسي جزءا من الدين وكون الحاكم مكلف بمهمة مقدسة تتعلق بتطبيق شرع الله , وذلك على حساب ولاية الأمة على نفسها . وبهذا مهد حسن البنا ومجموعته إلى بزوغ الحركة الإسلاموية التكفيرية وتوجها السيد قطب بأطروحاته حول دولة الحاكمية المعصومة التي استباح فيها قتل النفوس والارواح باسم الدفاع عن الإسلام ونشره .
وبهذا لجأ الإسلامويون - على اختلاف تنظيماتهم - إلى فرض برامجهم بالعنف والتهديد ، وتخويف الناس بالفتاوى والتكفير والإرهاب ، وهو ما يدل على فشل برامجهم ورؤاهم وهشاشة أفكارهم . بل إن أصحاب شعار ( الإسلام هم الحل ) لم يتوقفوا عند حدود العمل بواسطة الإرهاب والعمل المسلح مثل ما تفعل القاعدة وتنظيمات فتح الإسلام وأنصار محمد والقاعدة في المغرب الإسلامي والجهاد والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة وغيرها من المنظمات التكفيرية الصريحة ، والتي تعتمد حمل السلاح كوسيلة ( لإحداث التغيير وتحرير البلاد من الطواغيت ) ، بل هناك جناح سياسي مدني تمثله أحزاب إسلاموية كحركة الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وحزبي العدالة والتنمية في تركيا والمغرب وحزب النهضة المحضور في تونس وحركة مجتمع السلم ( حمس ) في الجزائر وغيرها في العراق واليمن وموريطانيا والبحرين والكويت ... وهي أحزاب سياسية ، إن كانت تختلف عن الإسلام السياسي الجهادي التكفيري على مستوى الأسلوب فإنها تتفق معه على مستوى الأهداف حيث تنكر حقوق المواطنة الكاملة المتساوية خصوصا اتجاه المرأة والأقليات العرقية والدينية ، بالإضافة إلى مواقفها السلبية من قضايا التحديث والثقافة والتعددية السياسية ، هذا فضلا عن إنكار حق المرأة في تولي المناصب العليا ، وفصل الطلاب عن الطالبات في المدارس ، وسياقة المرأة للسيارة ....فهناك تشابه كبير بين الإسلام السياسي الراديكالي التكفيري والأحزاب الإسلاموية المسماة بالمعتدلة في معاداة الديموقراطية والحداثة بحجة خصوصية الإسلام . فمشروع كل من النوعين متطابق حيث لا يوجد اختلاف جوهري بينهما . فخطاب هذه الحركات لا يعرف إلا مرجعية الإسلام الوهابي الذي يرفض كل ما أنتجه التفاعل بين الإسلام التاريخي وبين الحضارات التي تحيط به بما فيه الفلسفة الإغريقية التي كانت في زمانه ، إنما يكتفي بتكرار الكتابات المتحجرة والمنغلقة لابن تيمية الذي هو أكبر فقهاء الإسلام رجعية في العصر الوسيط .
إن الدولة المتوافقة مع الحياة العصرية الحديثة لا يمكن أن تكون بالطريقة التي يفكر بها جماعات الإسلام السياسي . لقد ظهر في مراحل زمنية مختلفة من تجارب الإسلام السياسي التي مر بها العالم الإسلامي وخاصة في العصر الحديث أن لديهم مشكلة كبيرة تتمثل في رغبتهم الدائمة بنقل صورة محددة للحياة الاجتماعية من تاريخ بداية الإسلام ومن ثمة تطبيقها بكل تفاصيلها على المسلمين قاطبة . لقد شاهدنا بعض التجارب في الجزائر وأفغانستان وإيران والصومال والسودان ، ورأيناها كيف كانت مؤلمة وقاسية على هذه الشعوب ، ورأينا أن مشروعهم لم يكن مشروعا سياسيا بقدر ما كان مشروعا للإفتاء في كل القضايا كبيرة كانت أو صغيرة .
إن دعاة الإسلام السياسي محكوم عليهم بالفشل لكونهم يجهلون أبسط قوانين التطور الاجتماعي ، ويصرون على إعادة مجتمعاتهم إلى الوراء واجترار الماضي وأقوال ما يسمى بالسلف الصالح ، ويفرضون أحكام القرن السابع الميلادي على القرن الواحد والعشرين ، وهو ما يعتبر مخالفا لقوانين التطور وحركة التاريخ .
في كتابات وحوارات وتغطيات إعلامية ، وفي دراسات في مراكز أبحاث عربية وغربية ، يبشر باحثون ومتخصصون بتراجع قوى الإسلام السياسي وخاصة منها الحركات الأكثر تطرفا . ولقد كان ( أوليفييه روا ) الباحث الفرنسي أول من بشر بفشل الإسلام السياسي ليأتي بعده ( جيل كيبيل ) الفرنسي الآخر ، ليأتي بعد ذلك آخرون ك ( باتريك هاني ) و( فرانسوا يورجا ) وآخرون . يرى كيبيل - بناء على تحليلات ودراسات اجتماعية - أن الإسلام السياسي الجهادي في حالة من الانحسار والتراجع ، فبعد أن كان في تمانينات القرن الماضي في حالة جيدة ، وكان أداءه حسنا ، حيث كان يوسع قاعدته باستمرار ، إلا أنه تراجع وتساقط في التسعينات بسبب العجز عن المحافظة على استمرار التحالف الذي عقده المتطرفون الإسلامويون بين فقراء المدن من جهة والطبقة المتوسطة المتشددة دينيا من جهة ثانية . كما يذهب ( راي تاكيا ) و( جفو سديف ) اللذان قاما بدراسة الحركات الإسلاموية في كل من إيران والجزائر ومصر والسودان وأفغانستان إلى أن الإسلامويين في هذه الدول على الرغم من القوة التي اكتسبوها في بعض الأحيان ، لم يثبتوا نجاحهم كحركات سياسية ، وهو ما عبرا عنه بكون ( الرؤية تزداد وضوحا على الدوام بان الإسلام السياسي الراديكالي لا يستطيع التمكن سلطويا من الدول الحديثة أو الدول المتحولة إلى طور الحداثة في قلب العالم الإسلامي ، وأنه لا يستطيع إقامة نموذج بديل وفعال للحكم ) واستدلا في حجتهما على تجربة الجزائر الفاشلة وتجربتي إيران والسودان اللتان تعيشان انحسارا ومأزقا كبيرين . كما لا يخفى على كل متتبع التراجع الكبير للإسلامويين في الانتخابات التي أجريت مؤخرا في لبنان والكويت والتي عجز فيها حزب الله والأحزاب المتحالفة معه من انتزاع الأغلبية ، ونفس الشيء حصل لإسلامويي الكويت وحزب العدالة والتنمية المغربي وحمس الجزائرية ، هذا إضافة لما أصبح عليه وضع ( تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ) من حصار وعزلة وانكفاء ، ومن صراعات داخلية طاحنة ، ومن انقسامات في صفوفه ، وهروب وتوبة العديد من رجاله .
لقد سقطت تنظيمات الإسلام السياسي من أعين الناس في كل مكان ، حيث حسمت الشعوب في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا مواقفها وأعادت حساباتها واتخدت قراراتها إزاء الجرائم الفادحة التي ارتكبتها هذه التنظيمات ، وبالتالي أماطت اللثام عن الوجوه البشعة لهذه التيارات الإجرامية لتنأى بنفسها عن تلك الفضاعات التي يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان ، والتي تعدها وتنفدها هذه التنظيمات الظلامية باسم الدين في حق المدنيين العزل من النساء والأطفال والشيوخ وفي حق الوطن والأرض و...... .
#محمد_بودواهي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟