أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - الصحراء تفرض كلمتها .















المزيد.....

الصحراء تفرض كلمتها .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2896 - 2010 / 1 / 22 - 00:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عند محاولة رصدنا لتأثير الطبيعة المادية على تشكيل ملامح شخصية وتركيبة الإنسان النفسية والمزاجية لن نجد أسهل من مثال أرض الرمال فى تأثيره على إنسانها بحيث نستطيع القول أنها نحتته وشكلته بصورة متقنة يسهل معها قراءة ملامحه .

قبل الدخول فى هذه الرؤية ..هالنى سؤال محدد قفز فى رأسى ووجدت الكثير من علامات الإستفهام تحاول أن تجد لها طريقها للحل .
لماذا عاش الإنسان فى الصحراء .؟!!
هل الحياة الصحراوية بجفافها وقسوة حرارتها وفقرها المدقع لكل مظاهر الحياة داعية أومغرية لكى يعيش فيها الإنسان تاركاً وراءه الوديان والسهول .؟!!
فهل يوجد إنسان طبيعى يترك طبيعة ثرية بعطائها من ماء وزرع ومناخ جميل وصور طبيعية رائعة لينصرف عنها ويوجه عينيه إلى طبيعة جرداء قاسية تفتقر إلى كل مقومات الحياة السهلة بل تمنح الجفاف والقسوة والإهمال .
لايوجد إنسان طبيعى فى وضع الإختيار سيرفض العيش فى الوديان ويهملها ويتجه نحو طبيعة قاسية فقيرة جدباء .

أصل من هذه النقطة إلى إستنتاجى الخاص بى , فى أن إنسان الصحراء الأول لم يكن راغبا فى العيش بأرض الرمال برغبته وإرادته بل رغماً عنه .
نعم ..من المؤكد أنه أجبر على الإقامة فى الصحراء من قبل الجماعة البشرية التى ينتمى إليها كنوع من العقاب أوالنفى .
ففى العصور القديمة كان الخارجون عن الجماعات البشرية والمنبوذون والمتمردون بل والثوار أيضا حتى لا نشوه الصورة كثيراً ..هؤلاء كانت الصحراء هى المنفى والسجن الذى ألقوا فيه كنوع من العقاب والعزل .
ومازلنا نجد هذا الأمر فاعلا فى عصرنا الحديث ..ففى مصر مثلا نجد أن هناك فئة يطلق عليها المطاريد ..وهم الأفراد الملاحقون من قبل الدولة على جرائمهم فيجدوا فى الصحراء الشاسعة والجبال بكهوفها مأوى لهم بعيدا عن عيون الرصد والقانون .

من هنا أستطيع الجزم بأن الوافدون الأوائل فى عمر البشرية كانوا منبوذون أو متمردون أو مجرمون أو ثوار .
ولتأكيد هذه الرؤية بشكل تاريخى سنجد أن الجزيرة العربية إحتضنت المذاهب والأفكارالدينية المنبوذة فى عصرها كفرق المسيحية الأبيونية والغنوصية .

إذن نحن أمام الجماعات البشرية الأولى التى سكنت أرض الرمال قصراً وليس عشقاً ..نحن أمام جماعات إتسمت بالشذوذ والتمرد والعصيان سواء أكان تمردها وعقوقها على حق أو باطل .
نستطيع من هذه البدايات الأولى والمناخ العام الذى يستدعى الطرد والنفى أن نتحسس نفسية الزوار الأوائل وندرك بشكل لا يقبل الشك بأنهم لم يكونوا فى حالة لإختيار لعمليات النفى والإستئصال من جذورهم .
نحن هنا أمام نفسية تبدو فى حالة غضب وكراهية من سكان الوديان الذين طردوهم من العيش السهل إلى عالم لا ينتج إلى الجفاف والقسوة .
فهل يحدونا الشك فى أن أحقاد كثيرة تولدت عن عمليات الإبعاد والتهجير القسرى لتمارس فعلها فى خلق شخصية تزداد كراهية نحو سكان الوديان وتنحت باالضرورة قسوة داخلية .

تزداد الأمور سؤاً عندما تصبغ الطبيعة القاسية برموزها وملامحها الشحيحة المزيد من التدمير على سيكولوجية إنسان أرض الرمال لتزيده قسوة وعنف نجد هنابالفعل ما يبرر نشأتها وتناميها .

فأن تعيش فى أرض تعاند الحياة ليس بالشئ السهل ..وأن تملا عيونك بلون لواحد من ألوان الحياة ليس بالشئ السار أبدا .
أرض تكابد فيها للحصول على أساسيات الحياة لن تسمح لك بأن تفكر وتتأمل وتقيم حضارة لأنك بالكاد مهموم فى الحصول على بديهيات الحياة من مأكل ومشرب .
أنت تصنع الموسيقى والرسم والفن عندما تكون شبعاناً وفى حالة أمان للقمة عيشك ..فتمتلك حينها فسحة من الوقت لأن تتأمل وتتناغم مع الطبيعة التى هى مترفقة بك .
من هنا نستطيع أن نفهم لماذا أرض الرمال لم تنتج حضارات يعتد بها بينما قامت الحضارة فى أراضى الخصب والثراء .

ولوتطرقنا لقضية ثراء الطبيعة بتكويناتها وألوانها كمكون أساسى لتكوين الشخصية الإنسانية , فسنجد أن ثراء الطبيعة مرادف للثراء الشخصية الإنسانية .
فعندما نقول مثلاً بأننا نريد أن نتنزه أو نرتاد مصيف أو ماشابه ..مامعنى هذا الأمر وما دلالته؟
معناه أننا نريد أن نملأ عيوننا بأماكن غير معتادة ..بألوان وخطوط من الطبيعة جديدة ومبتهجة ..بأشكالها وأنماطها المختلفة والمتنوعة والثرية ..أن ننطلق خارج المألوف والمعتاد والمحدد.

وهكذا يمكننا أن ندرك الفرق بين الحياة فى أرض الرمال والوديان ..أرض الوديان حافلة ومتجددة وثرية بكل ماهو مبهج ومتجدد ومتنوع ..فالزرع له ألوانه الثرية ..بل بحركته الدائمة والتى تنطق بالحياة ..
وحتى الماء لا يكون مقصورا على كونه مكون أساسى للحياة بل بحركته وتدفقه يعنى أن هناك حياة تمتلأ بالحركة والتجدد والتدفق .

أما الحياة فى أرض الرمال فحدث ولاحرج ..فأنت أمام مساحة لونية واحدة لا تعطيك أى درجة من التنوع ..حياة لا تتحرك أمامك , ثابتة , ساكنة تمتلأ بكل ماهو جاف ورتيب وممل .
لن يخرج من هذه الحياة القاسية من يستطيع الرسم بالألوان كما رسم المصريين القدماء على جدران معابدهم ..لأن إنسان الصحراء للأسف لا يعرف ماهى الألوان وماهو التعدد اللونى حتى يصيغ تصوراته ...إنه يعرف لون واحد هو الأصفر ومساحة لونية واحدة ممتدة...بينما الأخر القاطن فى الوديان فهو يسبح فى عالم من الألوان والخطوط الثرية المتدفقة والمتجددة .

من الصعب الحياة فى طبيعة تجعلك تعيش فى عالم واحد من اللون الواحد بكل ظلاله ..فلابد أن تصيبك بالجفاف والبلادة والرتابة ...ولن تخلق فى داخلك فضاءات من الألوان والتنوع .
لقد وجد مبدعى التعذيب والقهر الإنسانى أن أسهل طريقة لقهر الإنسان وعقابه أن يعيش فى مكان يفتقر إلى أى تنوع لونى كما يتم أسر الإنسان فى زنزانة محددة اللون والشكل ..بل يكون قمة القهر أن يتم الأسر فى زنزانة جدرانها وسقفها وأرضها من لون واحد .!!
هذا الأمر إذا لم يكن يصيب المرء بأن يفقده عقله فهو كفيل أن يغمره بالإكتئاب لأن الإشكالية هى توقف الوعى على مشهد محدد .

من هنا نستطيع أن نتلمس التضاريس والملامح الرئيسية لنفسية وذهنية إنسان الصحراء والتى ستصبغ مجمل أفكاره وشرائعه بنمط محدد يكتسى بالعنف والقسوة والسكون.




#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النكاح فوق التنور .
- بانشى فى بيتنا .
- أريد أعيش كإنسان ..ذاك أفضل جداً (4)
- الله جعلوه لصاً
- من رحم اللذة والألم جاءت الفكرة .
- إنهم يشوهون أطفالنا .
- إنهم يغتالون عقول أطفالنا .
- الماء لا يجرى فى النهر مرتين .
- تأملات حول يوم القيامة .
- -الكنيسة إتحرقت والقسيس مات- ..ألف باء كراهية .
- وهم الحرية .
- مذبحة نجع حمادى هو الكرسى الذى يتم ركله .
- أجسادنا ليس ملكية خاصة .. هو قطاع عام !!
- عزرائيل الصراصير والبراغيث .
- اللذة والألم والإله .
- أريد أعيش كإنسان ..ذاك أفضل جداً (3)
- ممنونون ..شاكرون ..محظوظون ..مهللون .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا . (1)
- أريد أعيش كإنسان ..ذاك أفضل جداً (2)
- قراءة فى العنف والإنسان والإله .


المزيد.....




- لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن ...
- مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد ...
- لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟ ...
- إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا ...
- مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان ...
- لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال ...
- ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
- كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟ ...
- الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
- مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - الصحراء تفرض كلمتها .