|
التوازن السياسي الجديد بين الانتقال الديمقراطي والتحول الديمقراطي
الشرقاوي الروداني
الحوار المتمدن-العدد: 2895 - 2010 / 1 / 21 - 18:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا يخفى على أحد بأن جوهر نظام الحكم الديمقراطي هو تنظيم عملية اتخاذ القرارات وعمل مؤسسات الحكم من جهة، وتمكين المواطنين والفاعلين في المجتمعين المدني والسياسي من المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية من جهة ثانية.
تنظيم هذه العملية والطريق الذي يفضي إليها جد صعب، بحكم لازمة وجود معطيات مجتمعية وسياسية قادرة على مواكبة المراحل. ولنا في ذلك تجارب عدة دول غربية كفرنسا، روسيا وإسبانيا، كمثال للأمم التي اجتهدت كثيرا من أجل وضع أسس وآليات الانتقال الديمقراطي في أفق تأسيس الديمقراطية المحلية الحقيقية.
وضع مقاربة منهجية من أجل خلق اللبنات الأولى للارتكاز على أسس ديمقراطية حقيقية، هو الغاية المنشودة لدمقرطة المؤسسات كيفما كانت سواء ذات طابع محلي، جهوي أو وطني، لكن يبقى الأهم في عملية أي بناء للصرح الديمقراطي هو الانكباب على بناء دولة وطنية قوية فاعلة، تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات والخلفيات منها الثقافية، الاجتماعية والاقتصادية لكل مكونات المجتمع.
في الأيام الأخيرة، عرف المغرب حدثين مهمين وهما على التوالي خطاب جلالة الملك محمد السادس والذي من خلاله تم تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، ثم التعديل الوزاري الجزئي خاصة المتعلق بوزارتي الداخلية والعدل .
هذان الحدثان هما متكاملان ، خاصة بوجود شخصيتين في تعيينهما أبعاد كبيرة في مسطرة وأجرأة قوانين تتناسب وتسريع وتيرة الإصلاحات المؤسساتية العميقة التي ينكب عليها المغرب. تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية هو حدث بارز في تاريخ المغرب الحديث.
الخطاب الملكي الأخير في مضامينه وحيثياته ينطوي على مجموعة من الإصلاحات والأوراش الهيكلية المميزة لديمقراطية القرب والمشاركة الجهوية الموسعة، وما سيرافقها من آليات مؤسساتية لخلق توازن اقتصادي واجتماعي بين جهات المغرب، ستؤسس لحكامة ترابية فعالة تجعل من المواطن جوهر عملية التنمية.
الانتقال الديمقراطي الذي كرسته العشرية الأخيرة من خلال الإصلاحات المؤسساتية العميقة، جعلت المغرب داخل عملية التوافق/الإجماع. هذه العملية صاحبها حراك سياسي واجتماعي تكرس بصدور تقرير الخمسينية، والذي في طياته دعا إلى ترشيد مؤهلات وإمكانات المغرب عبر حكامة مواطنة، ثم توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والتي هيأت الأرضية للفكر التضامني وجعلت المغرب يعرف توحدا في الصفوف وتكتلا حول مرجعياته العليا. ومن أجل انفتاح كلي وكامل على المجتمع والقوة الفاعلة فيه، باعتباره أساس عملية الانتقال الديمقراطي، كانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ورشا حقيقيا للنهوض بالجانب الاجتماعي للمملكة.
كل هذه المشاريع والأوراش كان لها تأثير إيجابي كبير على مغرب اليوم وكرست للمرحلة الجديدة في التعاطي مع التحديات التي تفرضها الليبرالية العالمية.
الجهوية الموسعة، والتي كانت أيضا محور الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في الدورة الخامسة للملتقى الإفريقي للجماعات والحكومات المحلية بمراكش، هي الدعامة الأساسية لترسيخ مبادئ الديمقراطية التشاركية والدفع بوجود فعلي لديمقراطية تمثيلية فاعلة. الميكانيزمات القانونية والدستورية التي ستصطحب هذا الورش الهيكلي الكبير، تستوجب كفاءات عالية، بعيدة عن كل المزايدات الحزبية. هذا ما فطن إليه جلالة الملك بتعيينه لرجلي قانون وصاحبي خبرة ودراية بالشأن التسييري للشأن العام في منصبي وزارة الداخلية ووزارة العدل. فبفضل مقتضيات الدستور، بعيدا عن الحسابات الضيقة، من خلال تطبيق الفصول المؤطرة لعمل المجالس الجهوية للحسابات (فصل 98-99-100-101-102 من الدستور المغربي) والتي تتولى مراقبة حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها هي الوسيلة الأنجع، لخلق ثقافة جهوية، تتسم بقوة اللاتركيز الإداري ثم اللامركزية الإدارية.
التوازن الترابي من خلال خلق جهات متناسقة ومتضامنة فيما بينها، سيمكن من إقلاع اقتصادي متواز قادر على تأسيس مناخ المبادرة الفعالة.
وضع آليات "وقناطر مؤسساتية" كإحداث لجن التنمية الاقتصادية في كل جهة سيجعل مؤسساتيا من السهولة التحكم وخلق تسيير تشاركي من خلال كونغرس محلي مكون من المجلس الجهوي والمجلس الاجتماعي والاقتصادي للجهة.
هذه الهياكل في حد ذاتها تعميق للامركزية وأداة لجعل أي جهة ملزمة بإبراز خصوصياتها وقوة اقتراحاتها في إطار احترام الوحدة الوطنية للبلاد.
هذا الورش الهيكلي الذي أسسه الخطاب الملكي والذي وازاه التعديل الجزئي الوزاري هو محطة حاسمة في تاريخنا المعاصر، سيجعل هذه المرحلة تتسم بتوازن سياسي جديد يحتضن مناطقنا الصحراوية بعيدا عن كل المزايدات التي ما فتئ أعداء وحدتنا الترابية يناورون بها المجتمع المدني.الفاعلون السياسيون مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالانخراط الكامل والتام في العملية الهيكلية التي يعرفها المغرب، والتحول الديمقراطي أصبح اليوم واضح المفاهيم بدون التعقيدات الجزئية التي تكرسه في غالب الأحيان الديمقراطية المحلية بين عالمية الفكرة وخصوصيات تطبيقها، لن تكون فعالة إلا باحترام المرجعيات الأولى للوطن وهذا أساس نص بلورة هذا الورش الكبير.
#الشرقاوي_الروداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-لم يفز أي من الطرفين في هذه الحرب-.. محلل يعلق لـCNN على هد
...
-
ترحيب عربي بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان وسط دعوات لاتفاق
...
-
هدنة لبنان.. وزير دفاع إسرائيل يدعو قواته لـ-التحرك بقوة ودو
...
-
رئيس الإمارات يصدر عفوا عن 2269 سجينا
-
الهند تخطط لإرسال مركبة علمية إلى المريخ
-
انفجار في ميدان اختبار جنرال موتورز بميشيغان يتسبب في حريق و
...
-
لمن الفضل في وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل؟ بايدن وترام
...
-
كيف ينظر سكان غزة لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب ال
...
-
رصد أصوات غامضة في المحيط.. من يتحدث إلى من؟
-
رصد قاعدة نووية أمريكية مخفية تحت جليد غرينلاند
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|