|
نعمة الإنقلابات العسكرية
عبد القادر الحوت
الحوار المتمدن-العدد: 2895 - 2010 / 1 / 21 - 06:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما أسعدهم المصريين و السوريين و الأتراك، و أيضا شعوب موريتانيا و العراق سابقا و حتى ليبيا الخضراء. كم نتمنى هنا في لبنان، لو حصلنا على جزءٍ و لو يسير من سعادتهم و النعمة – الإلهية ربما – في الإنقلابات العسكرية.
هذه الدول، رغم تعدد الطوائف و المذاهب و الأعراق فيها، لم تشهد حروبًا أهلية متكررة كالتي نعيشها في لبنان. لا مصر قتلت 150 ألف من أبنائها، و لا سوريا هجّرت مليونًا و لا يتهافت الأتراك أمام السفارات الغربية بحثا عن فيزا للهجرة.
طبعا جميع الإنقلابات لا تنتهي نهاية سعيدة، فمنها من يتحول إلى ديكتاتورية قمعية كما في العراق سابقا، و منها من يتحول إلى نظام أمنى فاسد و متحالف مع قوى الرجعية كما في مصر. و لكن منها أيضًا من يعيد السلطة إلى المدنيين بعد أن قوّم الطريق و أصلح ما دمرته سلطة فاسدة أو رجعية، كما الحال في تركيا.
بدأت ثورة الضباط الأحرار في مصر لمحاولة إنقاذ مصر من فساد الملكية و تخلفها. ألغى عبد الناصر عقوبة الجلد المطبقة آنذاك و سعى لإحقاق عدالة إقتصادية بين كل الطبقات الإجتماعية. دافع عن بلده ضد الهيمنة الأجنبية و ضد الإحتلال الإسرائيلي. دافع أيضًا عن حرية التعبير و حارب قوى الرجعية و الظلام.
بعد وفاته، سقطت مصر بيد طاغية إسمه أنور السادات. أحرق السادات كل إنجازات إنقلاب 1952. فتحالف مع قوى الظلام، و جعل الإسلام دين الدولة و الشريعة مصدر التشريع. ثم بعدها إستسلم أمام إسرائيل و باع شرف وطنه مقابل بضعة دولارات من المساعدات الأمريكية التي لم تفيد مصر شيئا نظرًا لإنهيار الإقتصاد من فساد النظام.
و لكن، خلال 18 سنة، عاشت مصر سعيدة، بعيدة عن الفتن الطائفية. عاش شعبها و رأسه مرفوع، عاش بحرية من دون رقابة الأزهر و بلطجة حركات التطرف و التخلف.
في سوريا، رغم أن النتيجة لم تكن بنفس إشراقة ثورة الضباط الأحرار، و لكن إنقلاب حزب البعث أنقذ سوريا من أزمات طائفية كانت سترسل البلاد إلى حرب شبيهة بحرب لبنان. رغم فتنة الـ1980، سوريا بقيت آمنة. ربما لا يوجد هناك حرية سياسية كما في دول أخرى و لكن نظام أمني خير بألف مرة من الفوضى اللبنانية أو العراقية.
أما عندنا في لبنان، فلم نحظى بهذه النعمة. ندّعي إمتلاك الديمقراطية و الواقع أننا لسنا أقل ديكتاتورية من القذافي. هل في الديمقراطية تتوارث رئاسة الجمهورية بين الأخوة (بشير و أمين الجميل) أو رئاسة مجلس الوزراء بين الأب و الإبن (رفيق و سعد الحريري) أو زعامة الاحزاب السياسية ضمن العائلة الواحدة (تيار المردة) أو مقاعد المجلس النيابي (كمال و وليد و قريبًا تيمور جنبلاط، بالإضافة إلى سمير و ستريدا جعجع)؟
ندّعي إمتلاك حرية التعبير و الحريات الشخصية و لكننا لسنا أقل رجعية من السعودية أو رقابة من مصر. هل بلاد الحرية تمنع على أبنائها من الزواج مدنيًا؟ أو تمنع الناس من تسجيل طائفتهم في القيد الرسمي إذا كانت من غير الطوائف الرسمية؟ هل بلاد الحرية تحاكم مرسيل خليفة و ليلى البعلبكي؟ و تتهجم على برنامج نكت أو تغلق محطات تلفزيونية معارضة أو تحذف مشاهد من فيلم سينمائي ينتقد النظام الإيراني؟
الواقع أن الحرية موجودة فقط إذا كانت مدعومة من قبل إحدى الطوائف و إن كان النقد موجّه ضد الطوائف و الأحزاب الأخرى. أما النقد الذاتي أو ضمن الطائفة نفسها، فينتهي سجنًا أو تهديدًا او حتى قتلا. ألم تُرتكب مجازر بحق المفكرين و المناضلين الشيوعين من قبل ميليشيات طوائفهم الشيعية و السنية (المجازر في الضاحية الجنوبية و طرابلس)؟ ألم تُحرق أصابع و أيدي الصحافيين المسيحيين بالأسيد من قبل الميليشيات المسيحية؟
ندّعي أيضًا أننا مثقفين، أننا نعي و نحلل الواقع السياسي أكثر من أي شعب آخر و بالأخص الشعوب العربية. و لكن في النهاية، نحن البلد العربي الوحيد الذي خاض خمسة حروب أهلية في 150 سنة، بالإضافة إلى مجاعة قتلت ثلث أبناءنا.
نحن بإختصار، لم نحظى بنعمة الإنقلابات العسكرية. فيا ترى، لو كان لدينا مجموعة ضباط أحرار، أو أتاتورك لبناني، ينقذنا من الفساد الإدراي و الفتنة الطائفية الدائمة، أما كنا قد أنقذنا 150 ألف قتيل من أبناءنا و أعدنا مليون مهجّر و وفرنا على نفسنا 50 مليار دولار دين عام؟
جيشنا فيه 70 ألف جندي، ألا يوجد بينهم مجموعة ضباط أحرار جدد أو جنرالات أحرار، يقومون بواجبهم لإنقاذنا من النظام الطائفي؟
#عبد_القادر_الحوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل بنادق العسكريين مختلفة في الضاحية؟
-
لول يا رجال الدين... لول!
-
إنتحار شيوعي (قصة قصيرة)
-
صدق المنجمون و إن كذبوا
-
أختاه...
-
لا لإختيارية الزواج المدني
-
دروس كوريا الشمالية
-
وهم إلغاء الطائفية السياسية
-
الحركات الإسلامية، نقاط الخلاف الأساسية
-
إلى اليسار اللبناني... إقتراحات
المزيد.....
-
بيان جماعة علماء العراق بشأن موقف أهل السنة ضد التكفيريين
-
حماة: مدينة النواعير التي دارت على دواليبها صراعات الجماعات
...
-
استطلاع رأي -مفاجىء- عن موقف الشبان اليهود بالخارج من حماس
-
ولايات ألمانية يحكمها التحالف المسيحي تطالب بتشديد سياسة الل
...
-
هل يوجد تنوير إسلامي؟
-
كاتس يلغي مذكرة -اعتقال إدارية- بحق يهودي
-
نائب المرشد الأعلى الإيراني خامنئي يصل موسكو
-
الجيش السوري يسقط 11 مسيرة تابعة للجماعات التكفيرية
-
بالخطوات بسهولة.. تردد قناة طيور الجنة الجديد علي القمر الصن
...
-
TOYOUER EL-JANAH TV .. تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر ا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|